mona21 ثـــــــــــــــائر متردد
الجنس : عدد المساهمات : 32 معدل التفوق : 82 السٌّمعَة : 20 تاريخ التسجيل : 23/02/2012
| | صنميات قرن الخداع الشامل: ما هي صلة ايران و"اسرائيل" وأمريكا بعد بروتوكولات حكماء صهيون: هل توجد بروتوكولات حكماء الفرس؟ | |
صنميات قرن الخداع الشامل: ما هي صلة ايران و"اسرائيل" وأمريكا
بعد بروتوكولات حكماء صهيون: هل توجد بروتوكولات حكماء الفرس؟ (4)
صلاح المختار التطرف الديني: من يشجعه؟ ومن يخدم؟ عندما نصل هذا الحد من النقاش فأننا ندخل في صميم الموضوع الخطير الذي غير وجه العالم منذ وقوع غزو السوفييت لأفغانستان والتدخل الأمريكي لاستغلال ذلك لإنهاك وربما إنهاء الاتحاد السوفيتي. وقبل أن نلج الموضوع لابد من إيضاح دقيق، لكي لا يستغل ما سيقال بعض المتسكعين في طرقات الثقافة لنهب فرص المشاكسة وركوب الموجة وحب الظهور على مسرح الحدث بزاد فقير وبائس من التثقف. أن الذي سأناقشه هو كيفية استغلال الدين وليس الدين بحد ذاته، كما أنني سأتناول التطرف الديني وليس الدين، فمن حق كل مسلم أن يعرف كيف يستخدم الدين بشكل عام، والإسلام بشكل خاص من قبل العدو، وهو الصهيونية العالمية والغرب الاستعماري، ومن يرقصه العدو على مسرح الحدث الكبير في أغراض تخدم غزواته الاستعمارية وأيديولوجياته الصليبية وليس الإسلام كالصفوية الجديدة في ايران وخارجها. في نهاية الستينيات ومطلع السبعينيات طرح (زبغنيو بريجنسكي)، قبل أن يصبح مستشارا للأمن القومي الأمريكي في عهد كارتر، فكرة خطيرة بلورها في كتابه التنبؤي المهم الموسوم بـ(بين عصرين: العصر التكنوتروني)، وهي أن الأيديولوجيا البرجوازية قد هزمت على يد الايديولوجيا الماركسية، وذلك لأن الأيديولوجية البورجوازية فقدت جاذبيتها بينما الماركسية ازدادت تألقا وشعبية، وأصبحت تتغلغل في الأوساط الشبابية الغربية وتنتج يسارا متطرفا ويسارا جديدا داخل أمريكا وأوربا الغربية، إضافة لوجود (خطر) المعسكر الاشتراكي والصين. فما العمل لإلحاق الهزيمة بالماركسية والشيوعية؟ الجواب كان هو أن تشجع أميركا الأصولية الدينية في العالم لأنها ذات جاذبية قوية، تستولي على الكثير من الناس وتفقدهم القدرة على النقاش العقلاني للمسائل الدينية نتيجة الطابع القدسي والتابوي (من كلمة (Taboo لها، ووجود قدر لا محدود من الردع الديني لمن يشكك في منطلقات الدين، خصوصا في الشرق الإسلامي، إضافة للحماس الذي يصبح أحيانا متطرفا في بعض الوسط المتدين والذي يغلق إمكانية الحوار الموضوعي. وحينما وصل كارتر للإدارة عين (بريجنسكي) "مستشارا للأمن القومي"، فأتيحت له فرصة تطبيق نظرية دعم وتشجيع الأصوليات الدينية في العالم كأداة لمحاصرة الشيوعية وحركات التحرر الوطني ذات الميول اليسارية والقومية التقدمية، فماذا حدث؟ شهدت السبعينيات ذروة الاهتمام الأمريكي (المخابراتي والأكاديمي) بالدين وغمرت المكتبات الأمريكية عشرات الكتب خصوصا عن الإسلام كتبها إما خبراء أمريكيين أو طلبة الدكتوراة المسلمين الدارسين في الولايات المتحدة الأمريكية بناء على توجيه الأساتذة المشرفين. كما أن مراكز البحوث وما يسمى (Think tanks )، أي أهل الخبرة والمختصين، قد عقدوا سلسلة متعاقبة من الندوات والحلقات الدراسية حول الدين. وكان الجو السائد وقتها في الغرب هو الفكر العلماني بشكل عام والإلحادي بشكل خاص في أوساط النخب المثقفة، لذلك كان ملفتا للنظر هذا الاهتمام الأمريكي بالدين ودراسته بتعمق وصل حد دراسة طوائف صغيرة جدا ولا يعرفها اغلب أبناء البلد الذي توجد فيه، مثل اليزيدية في العراق! من هنا لم يكن غريبا ان تشهد فترة النصف الثاني من ذلك العقد وما بعدها لجوء أمريكا إلى دعم الكنيسة والعمل على زيادة نفوذها واستخدام البابا السابق البولوني الأصل لأجل البدء بحملات ضد الشيوعية في بولونيا مسقط رأسه من خلال دعم نقابات العمال (نقابة التضامن)، التي كانت قد بدأت تعمل ضد النظام الشيوعي في بلدها. كما لم يكن غريبا ايصال شخص نصف أمي إلى الرئاسة تستولي عليه أفكار ميتافيزيقية حول "الأرماجديون" (الحرب الأخيرة والفاصلة بين الخير والشر طبقا للكتاب المقدس لليهود والمسيحيين )، وهو رونالد ريجن الممثل السابق المدمن على التلقين في الكلام لانه غبي وساذج! ونتيجة لذلك وجدنا ان بولونيا أخذت، في الثمانينيات، تتزعزع امنيا وسياسيا، بسبب تصاعد المشاعر الدينية المسيحية ليس في ذلك البلد فحسب بل انتقلت العدوى إلى الكثير من اقطار أوربا الشرقية، وهكذا شهد العالم بدأ تفكك الشيوعية الأوربية الشرقية وتراجعها أمام موجة التدين، والتطرف الديني المسيحي ! هل هذا كل شيء؟ طبعا لا، فالأخطر هو ان التطرف الديني لم يتفجر في العالم المسيحي فقط بل شجع على التغلب على التيارات العلمانية في "اسرائيل"، فسقط "حزب العمل الاسرائيلي" ووصل "حزب الليكود" بزعامة "مناحيم بيجن" إلى السلطة لأول مرة منذ إنشاء "اسرائيل" في نفس تلك الفترة ! وفي الهند شجعت النزعة المتطرفة هناك فأخذت تتقدم في الانتخابات الى ان وصل الحزب القومي الهندوسي (BJP ) إلى السلطة في النصف الثاني من الثمانينيات، وتراجع حزب المؤتمر العلماني الذي حكم الهند منذ الاستقلال. وفي العالم الإسلامي اخذ الغرب يعزز علاقاته القديمة بتيارات دينية اسلاموية، واختار ساحة أفغانستان لإحداث انقلاب في العالم الإسلامي لصالح أحزاب اسلاموية، أخذت تمارس العمل المسلح ضد الاتحاد السوفيتي تحت (راية الجهاد)، فبرز تعبير(المجاهدين الافغان). وفي اوربا الغربية تراجع الاشتراكيون وصعد اليمين المتطرف، والتيارات الاصولية المسيحية، فشهدت اوربا الغربية تراجعا نسبيا في (عصر النور والتنوير) نتيجة الخوف من معارضة التيارات الدينية القوية وذات النداء اللاهوتي غير القابل للنقاش او الاعتراض بقوة، مع ان اوربا كانت تفتخر بعلمانيتها بعد ان عزلت الكنيسة عن الدولة. اما في امريكا نفسها فان اليمين المسيحي صعد واخذ يهاجم بقوة الليبرالية الامريكية، وامتد الهجوم الى الجامعات والمدارس الثانوية التي كانت تدرس (نظرية دارون) في الخلق، والتي تقول بان المخلوقات بما فيها الانسان قد تطورت عن مخلوق ذو خلية واحدة وان الانسان انحدر من مخلوق يشبه القرد، وليس القرد كما شاع خطئا، فوجد فيها التيار المسيحي المتطرف نقضا لما ورد في الكتاب المقدس، الذي يقول بان الله قد خلق ادم وحواء ومنهما انحدر كل البشر وليس من شبيه القرد! ومن الضروري ان نشير هنا الى ان المحافظين الجدد الذين سيطروا على ادارة بوش الابن في دورته الرئاسية الاولى وخططوا لغزو العراق قد وصلوا للسلطة في تلك الفترة اثناء ادارة رونالد ريجن الذي خلف كارتر في بداية الثمانينيات، ومنذ ذلك الوقت كان نفوذهم يزداد. ومما لاشك فيه الان وبعد تجارب حية ومأساوية لأكثر من ربع قرن ان النخب الانكلو-سكسونية المسيطرة على أمريكا هي التي قررت انتخاب رؤساء نصف أميين أو أغبياء أو ضعفاء ومنع وصول أي ذكي ومستقل في رأيه إلى الرئاسة بعد اغتيال جون كنيدي، من اجل تسهيل هيمنة الفكر الخرافي الذي يخدر الناس ويحميهم من الأفكار التقدمية واليسارية في بلد تسوده الأنانية والنزعة الفردية المتطرفة، والذي يجسده الآن خير تجسيد جورج بوش الذي يدعي أن الله يكلمه بين فترة وأخرى وأنه أمره بغزو العراق!!! وهذا الحكم ليس منا بل نتاج دراسة أمريكية علمية أجراها أخصائيون في علم النفس من جامعة كاليفورنيا بينت (أن رئيس الولايات المتحدة الحالي، جورج بوش، هو الأغبى من بين رؤساء الولايات المتحدة منذ بداية القرن الماضي)! وقال الأخصائي في علم النفس دين كيت سيمونطون، الذي أجرى الدراسة، (أن "ذكاء" بوش لا يعادل ذكاء رؤساء الولايات المتحدة الآخرين خلال 110 سنوات الأخيرة، ما عدا الرئيس وورن هردينغ، الذي أمضى وقتاً قصيراً في البيت الأبيض في العشرينيات من القرن الماضي، واعتبر رئيساً فاشلاً). وقال سيمونطون (أن متوسط ذكاء بوش لا يزيد عن متوسط ذكاء طالب في مدرسة ثانوية في الولايات المتحدة)! (شبكة الرافدين الإخبارية 14 - 9 - 2006). إن السؤال البالغ المنطقية في ضوء هذه الدراسة هو التالي : لم يتعمد انتخاب رؤساء أغبياء مثل بوش لرئاسة أقوى وأغنى دولة في العالم؟ ان استغلال الدين من قبل أمريكا موضوع خطير جدا ونرى ثمراته الان في العراق لأن الإسلام السياسي استغل من قبل أمريكا لتدمير القطر من خلال تناطح تيارات طائفية استخدمها الاحتلال الأمريكي لانجاز مهمة تدمير العراق وتقسيمه، فوجد في التنظيمات الطائفية خير سند واداة، وفي مقدمتها تنظيمات صفوية كـ"المجلس الأعلى"، الذي أنشأته ايران ودربته وسلحته وقادته وتقوده عناصر ايرانية الأصل، وتنظيمات سنية طائفية مثل "الحزب الإسلامي العراقي". والسؤال الذي يجب أن نتعامل معه بمنتهى الجدية والدقة هو التالي : لم شجعت أمريكا التطرف الديني في كل الأديان؟ إن الجواب يتطلب دراسة مفهوم صراع الحضارات والذي يعتمد أساسا على فكرة وجود تناقضات وصراعات بين الثقافات والأديان في العالم وعلاقة ذلك بالدور الايراني والتلاقي الايراني مع امريكا و"اسرائيل" ضد الأمة العربية بكافة اقطارها. وربما يبدو هذا الأمر غريبا على دولة مثل امريكا تشن حربا على التطرف الديني كما تقول، لكنها في الواقع العياني الملموس تشجع التيارات الدينية السياسية المتطرفة. أن صراع الحضارات هو الديناميكية الاصطناعية البديلة عن الديناميكية الشائخة للرأسمالية العالمية، والتي لم تعد قادرة على مواجهة تحديات المناهضين للهيمنة الغربية وتعاظم جاذبية ندائهم التحرري، وهزيمة الايديولوجية البورجوازية أمام قوى التحرر وايديولوجياتها المتعددة من قومية إلى اشتراكية. من هنا فان التطرف الديني في مختلف الأديان والذي يؤدي الى التصارع بينها يؤمن اعتياش الرأسمالية الشائخة عليه وعلى ما يلحقه التطرف الديني من أضعاف أو عزل تام أو نسبي بقوى التحرر، مما يؤدي إلى سيطرة الرأسمالية على موارد العالم الثالث، بعد تفكيكه بالصراعات الثانوية المفتعلة خصوصا صراع الحضارات. أن من أيقظ التطرف الديني وغذاه في العالم ليس أصحاب الديانات الرئيسية بل أجهزة الاستخبارات الغربية وخصوصا الأمريكية والبريطانية، وغلبته على الصراعات الحقيقة، خصوصا على الصراعات الطبقية داخل الأمم وبين العالم الأول والعالم الثاني والثالث. وهذا ليس استنتاجا منا بل هو ستراتيجية أمريكية متبعة ومنفذة تتجلى في واقع عياني نعيشه منذ سنوات. فلقد كتب البروفسور الأمريكي صموئيل هتننغتون، صاحب نظرية صراع الحضارات، دراسة اسمها (تأكل مفهوم الأمن القومي) نشرها في أواخر التسعينيات تقوم على الخلاصة التالية: أن انهيار الشيوعية وتلاشي خطرها قد أيقظ آلية التفكك في المجتمع الأمريكي بسبب وجود جاليات متعددة لم تنصهر بعد في بوتقة أمة، وهذه الآلية تهدد بتقسيم أمريكا لذلك يجب أن تخلق أمريكا مخاطر خارجية لإعادة التماسك إلى المجتمع الأمريكي والحفاظ عليه، والإسلام هو الخطر الجديد الذي سيحل محل الشيوعية! ماذا يترتب على هذه النظرية؟ أن استفزاز المنتمين إلى الديانة الإسلامية ومهاجمتهم عسكريا وسياسيا واضطهادهم على نحو متطرف من جهة، ودعم تنظيمات متطرفة دينيا في الوطن العربي، من جهة ثانية، هو الذي أيقظ مارد التطرف الإسلامي، وبالتخويف به استعان الغرب لإيقاظ المارد الأصولي المسيحي واليهودي والهندوسي. وهكذا ارتفع معيار الانتماء الديني ليصبح المؤثر الأول في خيارات الملايين من أتباع الديانات الرئيسية المذكورة، وهو ما مكن الرأسماليات الغربية أن تزيد في تحجيم وإضعاف قوى اليسار في أمريكا الشمالية وأوربا من جهة، وان تعزز نفوذ وتأثيرات التيارات الدينية المتطرفة وجعلها تطغى على القوى التقدمية من جهة ثانية. وبذلك مهد الطريق لقلب الصراعات في العالم الثالث، بتغيير محورها الرئيس والتقليدي، وهو النضال ضد الاستعمار الغربي والصهيونية، وزرع صراع الحضارات والنخب الدينية والطائفية والعرقية بدلا عنه! إن الأصولية الإسلامية المتطرفة والقوية، خصوصا إذا اتخذت موقفا هجوميا على الغرب بالسلاح أو الدعوة الدينية، سيوفر لأمريكا المتداعية بنيويا فرصة توحيد الصف من خلال التلويح بالخطر الإسلامي، وهذا هو ما عناه صموئيل هنتنغتون في دراسته المهمة. إن اصطناع عدو بعد تلاشي الشيوعية هو مطلب وحاجة رأسمالية امريكية كما أكد هنتنغتون، والأصولية الإسلامية المتطرفة هي التي اختيرت لتكون العدو البديل للشيوعية. والسؤال الجوهري هنا هو: ألا يعني ذلك تشجيع تعاظم الأصولية الإسلامية المتطرفة لأجل أن تصبح عدوا حقيقيا للغرب وبقية العالم وليس عدوا كرتونيا لا يخيف أحدا؟ وكيف يمكن تغليب الأصولية الإسلامية المتطرفة وجعلها القوة الرئيسية ودحر القوى الوطنية، والتي هي القوى التي لها ستراتيجيات عملية وتطبيقية يمكن تنفيذها بأقل ما يمكن المشاكل، اضافة لكونها لا تشكل استفزازا لشعوب الدول الرأسمالية بل هي تناضل ضد الرأسمالية وحكوماتها، وليس ضد الشعوب الأخرى ومعتقداتها الدينية وغير الدينية؟ أن مجتمع أمريكا لا يشكل مجتمع امة بل هو مجتمع شركة كبرى، بقيمه البراغماتية المتطرفة والطغيان الحاسم للنزعة الفردية وصياغة المجتمع وقوانينه على أساس المصلحة الفردية، لذلك فانه مجتمع يحتاج للخطر الخارجي بصورة حتمية لإبقائه متماسكا وموحدا، وإذا اختفى العدو الرئيسي (الشيوعية) فيجب خلق عدو بديل للمحافظة على رابطة الشد والربط ومنع تقسيمه وتشتته، وهو الإسلام وهو ما أشار إليه هنتنغتون صراحة ومباشرة. أيهما أخطر: التهديد الأيديولوجي؟ أم التهديد الستراتيجي؟ ربما يتساءل البعض: كيف تشجع أمريكا التطرف الديني مع انه يشكل خطرا عليها؟ نعم أن التطرف الديني يشكل أحيانا خطرا، لكنه خطر أيديولوجي في المقام الأول وليس ستراتيجيا، لأسباب تتعلق بطبيعة الدين اللاهوتية القابلة لشتى التفسيرات المتناقضة، وهو ما يوفر الفرص الناجحة الكبرى لاحتوائه بنفس عقلاني طويل ومبرمج. المشكلة بالنسبة لنا نحن العرب هو أننا لا نفهم غالبا الكيفية التي تفكر فيها أمريكا وتعمل، فهي تخطط لزمن طويل جدا، أحيانا يصل إلى نصف قرن، لذلك تضع أفكارا غير موجودة في الواقع وإنما تعمل على إيجادها تدريجيا ثم تغلبها على الأفكار السائدة، لتوفير مناخ ملائم لغزواتها وستراتيجياتها الكونية. كما أنها حينما تخطط لا تفكر مثل تاجر ساذج يظن أن دخوله السوق سوف يؤدي إلى ثرائه مستبعدا الخسارة المحسوبة والممكنة التحمل، فالغرب يعرف جيدا، بصفته تاجرا قبل كل شيء بان في كل صفقة خسارة محسوبة، والحساب المقصود هو أنها يجب أن تضمن الربح الأعلى الممكن وتقبل خسائر ثانوية مقارنة بالربح، مادامت التجارة تتم بين طرفين أو أكثر وكل منهم يعمل بكل ذكاءه وقدراته لتحقيق ربح على حساب الآخر. والغرب الذي نشر العلوم الحديثة يعرف جيدا أن الدواء الموصوف للإمراض القاتلة ينطوي على أعراض جانبية أحيانا خطيرة، ومع ذلك يجبر المريض على تناوله لأن فائدته أكثر من ضرره، ومن هذا الفهم نستطيع أن نتصور أن أمريكا تحسب أنها يجب أن تخسر في كل عمل كبير لكن الخسارة يجب أن تكون ثانوية مقارنة بالربح المطلوب. وفي ضوء ما تقدم لابد من طرح سؤال مركب وجوهري وهو: هل دعم أمريكا للتطرف الديني أقل خسارة من فوز اليسار وحركات التحرر الوطني؟ إن عالم السياسة مثل عالم التجارة لا يرحم وهو اشد قسوة ووحشية من التجارة لأنه مزيج من صراعات مصالح وطبقات وأمم وإرادات واصطدام ثقافي وتفاوت أو تناقض سايكولوجي يستغل لإشعال الحروب. لذلك فأن الحكمة والإدراك في السياسة لا تتجلى إلا في المعرفة المسبقة بان كل صراع جوهري ينطوي على خسارة، حتى بالنسبة للمنتصر، لكنها خسارة عملية لا يمكن تجنبها إلا في الخيال والأحلام الوردية، والحروب مثال واضح جدا على هذه الحقيقة لأنها تنتهي بخسارة فادحة للطرفين لكن احدهما يحقق أهدافه، أو بعضها، فيما يخسر الطرف الثاني لكنه يحمل المنتصر خسائر كبيرة. أن الرأسمالية تهتم أساسا بالمخاطر الستراتيجية أولا وقبل كل شيء وهي مخاطر تنشأ أصلا عن رفض الطبقات المستغلة (بفتح الغين) للظلم الرأسمالي داخل الأمم، وعن رفض الأمم المستعمرة (بفتح الميم) للنهب والظلم الاستعماريين الواقع عليها على المستوى الدولي. ولهذا بإمكان النظم الرأسمالية أن تتعامل بمرونة كبيرة مع المخاطر الأيديولوجية للتيارات المتطرفة دينيا ثم تعالج خطرها، بعد أن تستفيد من مخاطرها الأيديولوجية لتصفية اليسار والحركات الوطنية، أو لحشد التأييد. إن معالجة مخاطر التطرف الديني، وهي مخاطر أيديولوجية في المقام الأول، يتم بتشتيت هذه التيارات على أساس مذهبي. وهذا التشتيت يخدمها أيضا بطريقتين: الطريقة الأولى أنه يسمح بإشعال صراعات حادة، تصبح عدائية بين طوائف الدين الواحد المناهض لها، وبذلك تتخلص من مخاطر ايديولوجيا التطرف الديني بأدواتها الحادة، أي تقضي عليها حينما تريد ذلك. والمثال هو دعم أمريكا لما أطلق عليه تسمية (المجاهدون الأفغان) وهي الآن تحاربهم (غزو أفغانستان) بعد أن حققت اكبر انجاز عن طريقهم وهو دحر الاتحاد السوفيتي في أفغانستان مما تسبب في انهياره لاحقا، فكسبت أمريكا حروب القرن العشرين مقابل تقديم خدمات عسكرية واستخبارية ومادية للمجاهدين الأفغان. وإذا قارنا خطر طالبان بخطر الاتحاد السوفيتي نصل إلى استنتاج واضح وهو أن خطر طالبان اقل بكثير جدا من خطر الاتحاد السوفيتي فالأول دملة مزعجة والثاني سرطان قاتل. وهذا هو الفرق بين خطر أيديولوجي (مثلا ملا عمر وحكمتيار وغيرهما من قادة المجاهدين الذين اقتتلوا فيما بينهم بعد دحر السوفيت) وخطر ستراتيجي (مثلا الاتحاد السوفيتي الذي كان يعرف انه يقاتل لأسباب ستراتيجية فاستمر الصراع أكثر من سبعة عقود من الزمن). والطريقة الثانية هي أن التطرف الديني يعادي الحركات القومية واليسارية وغالبا ما يكفرها، فيصبح بإمكان الغرب أن يصفي أو على الأقل يضعف هذه الحركات، والمثال هو العراق حيث استخدم التطرف الديني، بشقيه الشيعي الصفوي والسني المنحرف طائفيا ووطنيا، ضد القوى الوطنية والمقاومة العراقية المسلحة. لذلك نرى الاستعمار الأمريكي يحقق مكسبا عظيما على الصعيد الستراتيجي لان الخطر الستراتيجي الأول الذي يهدد الرأسمالية هو الطابع العملي والبسيط لمطاليب اليسار والحركات القومية التحررية، والذي يجعلها، قدر تعلق الأمر بقضية الظلم الاجتماعي، اشد تماسكا بكثير من التنظيمات المتطرفة دينيا الغارقة في القضايا اللاهوتية العمومية والقابلة لتعدد التفسيرات والبعيدة جدا عن معالجة قضية الظلم الاجتماعي وهي أهم قضية بالنسبة للجياع. أن ما يميز التنظيمات الوطنية والقومية واليسارية هو أنها لا تتعامل مع اللاهوت بل مع الناسوت، أي مع المجتمعات البشرية بمشاكلها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وهي مشاكل يمكن تحديدها وتحديد المطلوب من وراء النضال لأجل حلها. فالفقر يحل بالعدالة الاجتماعية والاستبداد يحل بالديمقراطية، والفساد يحل بالقانون والاستعمار يطرد بالنضال بكافة أشكاله...الخ، وهذه المشاكل عملية لا تنطوي على الغاز تحير الإنسان وتربكه، لأنها مشاكل واقع اجتماعي سهلة الفهم وسهلة تحديد الحل، والصعب فيها هو العمل من اجل تنفيذ الحل العملي. أما بعض التيارات الدينية المتطرفة فأنها تدخلك إلى عالم تضيع فيه الرؤية، أي مشاهدة واقع بمشاكله وحلوله، وتحل محلها الرؤيا، أي الانغماس في التخيل والأحلام والتمنيات والأفكار الميتافيزيقية، فنرى أمامنا عدد لا يحصى من التخيلات التي نظنها واقعا، أو يمكن أن تصبح واقعا، وذلك هو طريق فقدان الوعي وهو ما يريده المستعمر و"اسرائيل" وايران. أمامنا مثالان لا يمكن تجاهلهما توضحان ما قلناه، الاول في اوربا المسيحية، وهو أن كبار رجال الدين المسيحي في الكنيسة كانوا يجتمعون اثناء حروب وازمات أوربا، قبل فصل الكنيسة عن الدولة، لمناقشة موضوع لا صلة له بكوارث الحروب والأزمات الاقتصادية التي كانوا يواجهونها وتقتل آلاف الناس، بل كانوا يتجادلون وتنشق صفوفهم نتيجة عدم اتفاقهم حول مسألة جنس الملائكة هل هم ذكور أم إناث؟ كانت الكتب تؤلف والمحاضرات تلقى والمدارس الفقهية تزدهر في مناخ تحديد جنس الملائكة، أما ضحايا الحروب والأزمات فلم يؤلف هؤلاء أي شيء لحلها! بالنسبة لنا فأننا ما أن دخلنا مرحلة التطرف الديني حتى واجهنا (مسالة المسائل) وكارثة الكوارث وهي: هل أنت شيعي أم سني؟ مع أننا في نفس الوقت نواجه الإبادة في العراق المحتل وفي فلسطين المصهينة، ويقتل يوميا آلاف العرب ! وتجري محاولات جدية وخطيرة لتذويب هويتنا العربية وإحلال هويات ماتت منذ آلاف أو مئات السنين، كالفرعونية والبابلية والبربرية والفينيقية، وإلباسها زي الهوية القطرية البديلة عن الهوية القومية للأمة العربية من موريتانيا حتى اليمن! كيف نجح الاستعمار الأمريكي والصهيونية وايران في إبعاد شرائح منا ليست بالقليلة عن الموقف الحتمي عمليا ومنطقيا، وهو إنقاذ الأمة من الاستعمار والصهيونية متحدين ومتعالين فوق قضايانا الصغيرة باللجوء للمقاومة المسلحة وجعل هذه الشرائح تنشغل بهويتنا الطائفية أو خلفياتنا العرقية الميتة وجعلها قضية آنية وساخنة ولابد أن تحسم بدل حسم موضوع الاحتلال؟ إن الطائفيين من كل الأطراف كأولئك القساوسة الذين كانوا منغمسين في مناقشة قضية جنس الملائكة لدى الكنيسة. قد نفهم سر اهتمام مقتدى الصدر بجنس الملائكة، لأنه ما زال صبيا لم تكتمل شواربه بعد ومن حقه أن يتطرف في البحث عن زوجة من الملائكة الإناث، ما دام قد تعود على التحدث مع "المهدي المنتظر" وأخذ منه الأمر بتعاطي المخدرات كما قال في فتوى عظيمة له، ولكننا لا نفهم سر تطرف السيستاني في العثور على جواب على موضوع جنس الملائكة وهو العجوز الذي لا يسير إلا على ثلاث! إن السبب الرئيس لهذا الوضع الشاذ هو أن قضايا الدين قضايا إيديولوجية يتحكم فيها المقدس والسر المغلق، مثل عودة المسيح المنتظر أو ظهور المهدي المنتظر، وهما الناسخ والمنسوخ عنه، من حيث المنطوق والمضمون. أن بإمكان كل من يستطيع أن يتفلسف بذكاء أو تدعمه مرجعية ما أن يطرح نظرية أو أن يدعي انه قابل المسيح الرب كما فعل بوش، أو شرب الشاي مع المهدي المنتظر كما ادعى مؤخرا معتوه أحمق في العراق! بل أن هوس التدين الكاذب وضلاله وتضليله وصلت حد أن بوش ادعى أنه خاطب الله وتلقى منه الأوامر بإسقاط الرئيس صدام حسين! والآن يوجد في المغرب العربي من يدعي انه المهدي المنتظر وهو سني مع أن (المراجع) تقول انه يجب أن يكون الإمام الثاني عشر الغائب في سامراء منذ مئات السنين. من يحدد طائفة "المهدي المنتظر"؟ شيخ الأزهر؟ أم "آيات الله" في قم؟ أم السيستاني؟ وكيف أصبحت هذه المسالة أهم من الإبادة اليومية للفلسطينيين والعراقيين؟ ومن حركها الآن؟ ولماذا تجاوب البعض مع هذه الطروحات الميتافيزيقية التي يجب أن نناقشها، إن كانت مناقشتها ضرورة، ونحن متحررين من الرصاصة الصهيونية والصاروخ الأمريكي والخنجر المسموم للصفويين الجدد بزعامة حسن الصباح الحاكم في طهران! وانا شخصيا تلقيت رسائل من بشر يدعي انه الله (استغفر الله)! وآخر يدعي أنه نبي جديد ! من صنع هذا المناخ الموبوء؟ ومن يستفيد منه فعلا؟ بالتأكيد لسنا نحن العرب من يستفيد لأن عمر وعبد الحسين يقتلان يوميا بدل قتل قوات الاحتلال! والمستفيد هو الحلف الثلاثي الامريكي – "الاسرائيلي" - الايراني. كيف نعالج هذه المشاكل بحرية وحيادية اكاديمية وهي مقدسة لا تمس؟ هنا ندخل منطقة خطرة جدا وهي منطقة الشفق ( Twilight zone )، أي الفترة الفاصلة بين النهار والليل فلا هي نهار نرى فيه بسهولة ولا هي ليل معتم لا نرى فيه أي شيء، بل هي فترة انحدار الشمس وحلول ظلام نصفي فنرى بغير وضوح وبلا يقين مما نرى. عندها نصبح في عالم لا نفهمه ولا نستطيع التعامل معه بعقل ومنطق ولا نحن قادرين على تجاوزه إلا بعد أن تحل بنا الكوارث نتيجة صعوبة الرؤية والفهم الصحيح، كقتل كل عراقي اسمه عمر أو عبد الحسين، مع ان العراق لم يشهد أبدا حالة كهذه قبل الغزو الأمريكي الايراني للعراق، وكان عمر يتزوج فاطمة أخت عبد الحسين وكان عبد الحسين يتزوج عائشة أخت عمر بلا عوائق أو مشاكل أو حساسيات! وبسبب هذه الطبيعة الغامضة والغائمة، والقابلة لعشرات التفسيرات والفتاوى للتطرف الديني فأن وحدة التيارات القومية والوطنية امتن وارسخ من وحدة التيارات التي تعتمد على ردع اللاهوت والمقدس، لأنها تبقى البشر معلقين على شماعة الدين فلا تحل مشاكلهم الاجتماعية كالفقر والأمية والظلم والاستعمار بل تبقى بلا حل حقيقي لأننا نواجه تفسيرات عديدة ومتناقضة باسم الدين، كالفتاوى التي أصدرها السيستاني بالتعاون مع الاحتلال الأمريكي وبذل كل الجهود لإنجاحه مع أن رجال دين شيعة وسنة أفتوا بمحاربة الاحتلال كأية الله العظمى احمد الحسني البغدادي والشيخ الدكتور حارث الضاري! أو كما فعل بعض رجال الدين في تأييد الصلح مع "اسرائيل" مع أن غيرهم حرم صلحا كهذا! أن إمكانية طرح تفسيرات مختلفة استنادا لدين ما أو طائفة ما، هي ما يميز التطرف الديني وهي البطن الرخوة التي يستخدمها الغرب والصهيونية لاختراق حصوننا وتدمير وطننا وتذويب هويتنا. وهذه الحقيقة تجعلنا مضطرين للإشارة إلى بعض صنميات اللاهوت المدمرة للدين الحقيقي.
| |
|