بقلم: فادي شاميةفي 23/4/2011 أعلن الجندي في الحرس الجمهوري وليد القشعمي، أول انشقاق
عن الجيش السوري. القشعمي لم يتمكن من تنفيذ أوامر إطلاق النار على أهله
في درعا، بعدما رأى ما يخالف الرواية الرسمية على الأرض. رمى – وخمسة من
زملائه – السلاح واتجهوا نحو المتظاهرين، الذين كان يفترض أن يطلقوا النار
عليهم، وبعد فترة تمكن القشعمي وزملاؤه من الفرار إلى الأردن، حيث ظهر
لاحقاً في الإعلام ليتحدث عن تجربته. وعلى الأرجح؛ فإن المئات مروا
بالتجربة نفسها بعد القشعمي، قبل أن ترتفع الرتب إلى الضباط، ويشكّل
أحدهم، وهو المقدم حسين هرموش “لواء الضباط الأحرار” الذي تحول فيما بعد
إلى “الجيش السوري الحر”.
-
نشط هرموش في منطقة الحدود مع تركيا، مستفيداً من الطبيعة الجبلية
للمنطقة، ومن التعاطف الكبير لأهلها مع المنشقين، ومن هيبة الجيش التركي
الذي يمنع نظيره السوري من الاقتراب من المنطقة، وقد نجح هرموش في تفخيخ
مناطق واسعة من جسر الشغور، وفي شن عمليات مؤلمة ضد الجيش السوري، كما ظهر
في الإعلام مرات عدة داعياً زملاءه للانشقاق عن الجيش. على الأثر شن الجيش
السوري مدعوماً بالمروحيات عملية واسعة على المنطقة، في الأسبوع الأول من
شهر حزيران/ يونيو من العام الماضي، ما ألجأ هرموش ونحو ألفي مقاتل معه
للابتعاد إلى الحدود، ومن ثم إقامة غرفة عمليات قيادتهم في تركيا نفسها،
بموافقة من السلطات فيها.
-
ولم يمض شهران على ذلك حتى تمكنت المخابرات السورية من استدراج هرموش إلى
اجتماع وهمي، بالتنسيق مع ضابط تركي (ادعت النيابة العامة التركية في
أضنة، قبل أيام على خمسة أتراك، بينهم ضابط في الاستخبارات، بتهمة التجسس
لصالح الاستخبارات السورية، على خلفية هذه القضية)، ومن ثم نقله إلى
سوريا، حيث ظهر بعد ذلك على الإعلام الرسمي السوري، ومن ثم نُشرت أخبار،
نهاية شهر كانون الثاني/يناير الماضي، مصدرها السلطات السورية أن هرموش قد
أُعدم، ولم يتسن التأكد من المصير للحقيقي لهرموش بعد (تعرضت أسرته للقتل
والتنكيل أيضاً).
في هذه الأثناء تسلم قيادة “الجيش السوري الحر” العقيد المنشق رياض الأسعد
من القوات الجوية، وقد صار عديد الجيش الذي يقوده بالآلاف (أعلن الأسعد عن
عشرة آلاف مقاتل في 1/10/2011 وقد ارتفع العدد حالياً)، والأهم أنه بات
يحظى بالثقة الكاملة للشعب السوري الثائر، لدرجة أن الثوار خصصوا جمعة
أسموها: “الجيش الحر يحميني”.
في مطلع شهر تشرين الأول/أكتوبر أصدر “الجيش السوري الحر” بياناً كشف فيه
عن تشكيل مجلس عسكري برئاسة الأسعد وعضوية ثمانية ضباط – منشقين أو
متقاعدين – آخرين هم: العقيد مالك كردي – العقيد أحمد حجازي – العقيد
عرفات الحمود – العقيد عارف الحمود – المقدم عبد الرزاق الرحمون – المقدم
عبد الستار يونسو – المقدم غسان حليحل – الرائد ماهر الرحمون. وفي
20/12/2011 أصبح العقداء في المجلس برتبة لواء، والمقدمون برتبة عميد،
وأعطى “الجيش الحر” رتباً استثنائية للضباط المنشقين، في إشارة إلى أنه
بات يتصرف على أنه الجيش الوطني للبلاد.
-
وفي 13/1/2012، وبعد سلسلة من العمليات الناجحة والمؤلمة للنظام السوري؛
اضطر “المجلس الوطني”، بصفته ذراعاً سياسياً للثورة أن يتبنى حرب العصابات
الدفاعية التي يخوضها “الجيش الحر”، وقد شكّل معه لجنة تنسيق ودعم، لم
يتضح مدى فاعليتها بعد، لكن على الأرجح فإن دعم “الجيش السوري الحر” بات
مطلباً شعبياً لشعب يُذبح، فيما العالم يكتفي بالثرثرة!. ووفق تقارير
غربية فإن “الجيش السوري الحر” مشتبك حالياً “في عمليات قتالية فيما لا
يقل عن 6 من محافظات البلاد الـ14، وقد ألحق خسائر فادحة بين صفوف أفراد
ومعدات النظام أكثر من أي وقت مضى منذ بدء مشاركته في الانتفاضة”.
ووفق محللين عسكريين وسياسيين؛ فإن الانشقاقات ستزداد بشكل هائل، فيما لو
تأمنت منطقة حظر طيران، لأن انشقاق قادة فرق مع آلياتهم يعني في الواقع
الحالي فناءهم بهجمات من الجو. كما يعاني الضباط الكبار في الجيش السوري
من تهديد النظام لعائلاتهم، كثمن لأي انشقاق محتمل. وهذا التهديد؛ وإن كان
يحد من حدوث انشقاقات كبرى، إلى أنه يعني أيضاً أن النظام يدرك أن أعداداً
كبيرة من الضباط ترغب بالانشقاق، وهو أمر يحدث بالفعل عندما يجد الضباط
والجنود أنفسهم أمام لحظة الحقيقة، وهي إطلاق النار على المتظاهرين العزل
أو المنشقين المسلحين، عندها يحوّل من كان يفكر بالانشقاق رغباته إلى
أفعال… وفي أحيان كثيرة يدفع حياته ثمناً لخياره.
-
لهذا السبب يشك النظام في أن ثلث الجيش جاهز للانشقاق في حال تهيأت
الظروف، كما أن الثابت لدى الجميع أن ضباط “الجيش السوري الحر” يتواصلون
مع ضباط في جيش النظام ينتظرون الفرصة للانشقاق. ومع توسع المواجهات
العسكرية بين الجيش والمنشقين عنه؛ تتزايد الانشقاقات ولذلك أسبابه التي
يعددها العسكريون على الشكل الآتي:
اضطرار القيادة إلى عرض وحدات جديدة على الاختبار الصعب؛ إطاعة الأوامر أو
الانشقاق، وذلك من خلال زج هذه الوحدات الجديدة – غير التي تمحض ولاءها
للسلطة – في المواجهات.
ارتفاع الروح المعنوية لـ”الجيش السوري الحر”، بعد “الانتصارات” التي
حققها، والدعم الشعبي الذي يلقاه، في ظل يأس وإحباط عام يسيطر على جيش
النظام بسبب عجزه عن قمع الثورة.
-
ازدياد القمع الدموي، ما يدفع مزيداً من الجنود والضباط للانشقاق، خصوصاً
عندما يكون أهلهم ومناطقهم التي تحدروا منها هي التي تتعرض للخطر.
ووسط شعور عام بالخذلان الدولي؛ فإن آلاف المدنيين انضموا فعلياً إلى
“الجيش السوري الحر” (كلهم قام بالخدمة العسكرية الإلزامية)، وربما هذا ما
يفسر الأرقام الضخمة التي تتحدث راهناً عن 40.000 مقاتل (في حال كانت
صحيحة)، إذ لا يرجح أن يكون المنشقون النظاميون أكثر من 10.000 فقط.
ويعتبر الخبراء العسكريون أن هذا العدد فعال جداً ويمكنه هزيمة أكبر
الجيوش، إذا عمل بأسلوب حرب العصابات.
ووفق الإعلانات التي تتوالى عن تشكيل الكتائب المنشقة، فإن 39 كتيبة تكونت
حتى اليوم، نحو 23 منها تشارك في مواجهات كبرى. ويرجح خبراء أن يكون
المعدل العام للكتائب المشكلة من الجنود النظاميين ما بين 150 إلى 200
عنصر (بعضها يزيد عن 300 وبعضها يقل عن مئة)، ما يعني أن المنشقين لا
يتجاوزون حتى الآن – الآلاف العشرة على أبعد تقدير، إلا إذا احتُسب الذين
رفضوا الالتحاق بالخدمة الإلزامية، إذ تكاد تنعدم هذه الفئة اليوم، لكن لا
يمكن اعتبار كل فار أو رافض للالتحاق بجيش النظام في عداد “الجيش السوري
الحر”.
-
ووفق تقارير غربية وعربية وسورية، فإن “الجيش السوري الحر” يسيطر حالياً
على نصف مساحة البلاد، إلا أن سيطرته في كثير من المناطق متحركة، بمعنى
أنه مضطر للانسحاب عندما يشن جيش النظام حملة لاقتحام مناطقه، لكنه ما
يلبث أن يعود، وفق إستراتيجية قتاله القائمة على الكر والفر (حرب الغوار)،
وهذا ما يفسّر الاقتحامات المتتالية للمنطقة نفسها، والإعلان عن “تطهيرها”
مراراً من قبل النظام.
وتتركز أنشطة “الجيش السوري الحر” اليوم في محافظات إدلب، وحماة، وحمص،
وريف دمشق، ودرعا، ودير الزور. وتعتبر معركة الزبداني بين 15 18/1/2012 من
أنجح معاركه، حيث ثبت “الجيش الحر”، ما اضطر النظام لمفاوضتهم على إخراج
وحداته المحاصرة، (في وقت لاحق؛ لم يتمكن جيش النظام – بعد أيام من القصف
– من دخول الزبداني إلا بالاتفاق مع المنشقين قضى بانسحابهم منها)، كما
أثارت العمليات النوعية التي شنتها “كتيبة الفاروق” في حمص الدهشة، وعلى
سبيل المثال تمكنت الكتيبة من أسر قائد منطقة القصير العسكري وكل من معه،
وذلك في 11/2/2012، أي في ذروة القصف المتوالي على المدينة….وعلى الأرجح
فإن جيش النظام ما عاد قادراً التنقل بسهولة في محافظات إدلب ودرعا.
-
وفي الغالب؛ فإن الكتائب المنشقة تحصل على السلاح من مخازن الجيش السوري
عند انشقاقها أو بعد ذلك، كما أن “السوق السوداء” من الداخل والخارج تؤمن
كميات أخرى من السلاح. ومن شبه المؤكد أن قيادة المنشقين في تركيا تتلقى
كميات لا بأس بها من المال، من تجار سوريين يعارضون النظام، ما يعني
إمكانية شراء أسلحة وإدخالها إلى سوريا عبر الحدود، لكن خلافاً لما يعتقد
كثيرون، فإن السلطات التركية حازمة في منع تهريب السلاح عبر أراضيها، أو
في تواجد أجانب يدعمون المنشقين، وهذا يعني بالضرورة نقصاً فعلياً في
القدرات التسليحية للمنشقين، وتجريداً حقيقياً لغرفة عملياتهم الموجودة
داخل الأراضي التركية من السلاح.
وإضافة إلى معاناة “الجيش السوري الحر” على صعيد التسليح، فقد برزت في
الآونة الأخيرة إشكالية جديدة له، تمثلت بإعلان العميد مصطفى أحمد الشيخ
انشقاقه عن جيش النظام، بعد 37 عاماً من الخدمة، بسبب ممارسات الجيش تجاه
المدنيين، وآخرها مشاهدة الشيخ جنوداً يتناوبون على اغتصاب عروس شابة
بالقرب من مدينة حماة، حسب أقوال العميد المنشق. ولما كانت رتبة العميد هي
الأعلى بين المنشقين جميعاً، فقد أبدى ملاحظات عسكرية على طريقة عمل رياض
الأسعد، داعياً إلى تشكيل “المجلس العسكري الثوري الأعلى”، الأمر الذي
اعتبره الأسعد شقاً للصف، إلا أن حدة التصريحات ما لبثت أن انخفضت، وعُلم
أن جهوداً تُبذل لحصر الأمر في الجانب التقني وإيجاد إطار أعلى يكون
بمثابة قيادة مستقبلية للجيش السوري ما بعد رحيل النظام.
-
ومع أن الرهان على “الجيش السوري الحر” آخذ بالازدياد شعبياً ودولياً،
فإنه من غير الواضح إلى أي مدى تمارس القيادة في تركيا المجردة من السلاح
والمحمية من القوات التركية – سيطرة فعلية على العمليات، باستثناء توفير
التوجيهات العامة، ومن غير المؤكَّد كذلك مقدار حرية العمل الذي تسمح به
تركيا لهؤلاء القادة، لكن أحداً من متابعي مسار الثورة السورية لا يشك بأن
المنشقين عن الجيش – بغض النظر عن اسمهم – سيكون لهم دور أساس في بناء
الجيش الوطني لسوريا ما بعد بشار الأسد.