صورة الموت النظيفة
فرات شهال الركابي
27/08/2013الأميركيون يخوضون حروباً نظيفة. يقتلون كثرا: قادة، مدنيين، جنودا، يقصفون مدارس بالـ«خطأ»، لكنهم لا يموتون. أو أنهم يموتون بنظافة. نسخر مما يسمونه «العمليات الموضعية»، نغضب منها أو نستنكرها، من دون أن نعرف أن هذه التسمية ليست لتخدعنا نحن الذين نعيش تحت قنابلهم، بل ليطمئنوا أنفسهم هم، وليقولوا لشعبهم إن الجنود القليلين الذين سيقتلون لن يكونوا غارقين في الدم، لن تكون أفواههم مفتوحة، ولا وجوههم شاحبة. لن تنقصهم يد أو قدم أو نصف رأس. لا، سيموتون في تابوت، ملفوفين بالعلم، نظيفين، مع التحية العسكرية.
الحرب النظيفة جيّدة، وعملية جداً. لان المزعج في الحرب هو عنف الموت. هو الوجه والجسم الممزقان، هو أن نتعرّف في الآخر على إنسان يشبهنا، ونرى موته، العنف الذي أصابه، والذي يلمسنا في حيواتنا، في تطابق وجوهنا، في حقّنا المطلق بأن لا نموت على هذا الشكل.
الحرب الإعلامية ليست فقط أن نتلاعب بالصور، ليست فقط أن نعرض صورة ونقول هذا عمل فلان، بينما هي من عمل فلان آخر. الحرب الإعلامية هي أيضاً أن نعرض الحرب أو أن نخفيها. هو أن نقبل بأن نشاهد أطفالاً بوجوه شاحبة وأفواه مفتوحة، ممددين واحداً إلى جانب الآخر. الحرب ليست نظيفة. أن نشاهد الحرب هو أن نستنكر عندما نفهم أن وجه الآخر هو بعض وجهنا. هو أن نبكي أمام الصورة، وللحظة نقول لأنفسنا ليس مهماً من فعل ماذا، لأننا ندرك قليلا أن القصة ليست فقط سياسة وجيوستراتيجيا وجبهات وأرقاماً تقريبية لقتلى بل أيضا هي «هذا». هو أن نشعر بوخزة في حبل صرة الحياة. وأن نقول لأنفسنا أن «نحن» فعلنا «هذا»، أننا سمحنا لـ«هذا» بأن يحدث. أننا لم نعد نشارك بعضنا البعض أي شيء أمام «هذا».
هكذا. موت. بشاعة. تشويه. من دون شرف ومن دون احترام. لم يبق شرف هنا ولا احترام. احترام الميت ليس أن نرفض عرض صوره، بل أن نشاهد صوراً كالتي شاهدناها، وأن نحمل قليلاً من الواقع على ظهرنا. احترام الميت هو أن ندرك وأن نقيس ثقل كلماتنا في صور. هذه الكلمات التي نستخدمها عندما نناقش عن بعد. كيف يمكن احترام هؤلاء القتلى واستنكار رؤية صورهم؟ لم يموتوا بسبب تعثرهم أثناء الاستحمام، أو في حادث سير مثلاً.
الحرب ليست نقطة تشتعل على خريطة. هل نحن جبناء ومراوغون إلى هذه الدرجة؟ هل إلى هذه الدرجة فقط متمسكون بمبدأ الحياة؟ أن نفضّل وضع الماكياج أو أقنعة الاستنكارات الثانوية على أفعالنا الرهيبة؟
انظروا الآن إلى الحرب وجهاً لوجه، أو لا تفعلوها. أوجدوا حلاً، بالفــعل، لكي لا نقبل بها.