فاء 14 آذار التّعهد بترسيم حدود مزارع شبعا ينزع ذريعة سلاح “حزب الله”
2012/01/28
|
|
لم
تأتِ الأفكار الواردة في الرسالة المفتوحة التي وجهها “المجلس الوطني
السوري” إلى الشعب اللبناني بنت ساعتها. فهذه الرسالة استندت إلى وثيقة
مشتركة وقّعها مثقفون سوريون ولبنانيون وكانت ثمرة لحوار مشترك بينهم
استمر شهرين، ونُشرت في الصحف اللبنانية والعربية يوم 14 أيلول 2011
بعنوان “وثيقة من أجل مستقبل لبناني سوري أفضل”. وبعض موقعيها من السوريين
أصبحوا قياديين في المجلس الوطني الذي لم يكن قد تشكّل بعد، مثل رئيسه
لاحقاً برهان غليون، وياسين الحاج صالح وبسمة قضماني، وغيرهم.
يؤكد مثقفون لبنانيون على اتصال بطرق مختلفة بـ”المجلس الوطني السوري”
أنه وضع الرسالة المفتوحة بإجماع قيادته من دون سؤال “الأصدقاء” في لبنان،
وأن المجلس لم يفكر بها إلا قبل أيام قليلة وتحديداً بعدما أوغلت الحكومة
اللبنانية في انحيازها إلى النظام السوري ودفاعها عنه في اجتماع مجلس
وزراء خارجية الدول العربية الأحد الماضي متجاهلة حتى شعارها “النأي
بالنفس”. فذلك اليوم في القاهرة، كان الوزير عدنان منصور وزيراً لخارجية
الرئيس بشار الأسد وإن كان لا يحمل اسم وليد المعلم. وفي ذلك الجو وُلدت
فكرة توجيه رسالة لا تخاطب الحكومة اللبنانية المتحالفة مع النظام السوري
بل قطاعاً واسعاً من الشعب اللبناني يتعاطف مع الانتفاضة السورية.
كالعادة في مناسبات كهذه يتصدى سياسيون للقول في المجالس المغلقة إن
الرسالة السورية هي نتيجة للقاءات جمعتهم بغليون أو رفاق له سواء في باريس
أم اسطنبول، علماً أن أياً منهم لم يُعلن اجتماعه برئيس المجلس السوري،
باستثناء النائبين السابقين سمير فرنجية وفارس سعيد اللذين التقياه لساعات
في العاصمة الفرنسية منتصف كانون الأول الماضي.
ويعود احتفاء قوى 14 آذار” فوق العادي” بالرسالة السورية – في ردود فعل
“تيار المستقبل” ورئيس حزب”القوات اللبنانية” سمير جعجع وقبلهما الأمانة
العامة لهذه القوى – إلى تضمنها خصوصاً نقطة بالغة الأهمية وردت في الشكل
الآتي:” ترسيم الحدود السورية – اللبنانية المشتركة لا سيما في مزارع
شبعا”. بما يعني وفق تعبير أحد قياديي تحالف المعارضة ” نزع مبرر المقاومة
لحمل السلاح واقتنائه، وإنهاء هذه الكذبة الكبيرة والمستمرة منذ عام 2000،
لا بل منذ عام 1973 إذا تذكرنا أن سياسة نظام الأسد قامت منذ ذلك التاريخ
على معادلة أن تدفعوا أنتم أيها اللبنانيون من حياتكم ودمائكم وأرزاقكم،
كي أحسّن أنا شروط تفاوضي لاحقاً مع إسرائيل. في حين أن جبهة الجولان يجب
أن تبقى هادئة لا مقاومة فيها ولا من يُقاومون”. يضيف: “إلى من يقولون
انزعوا الذرائع كي نطالب بنزع سلاح المسماة مقاومة، هذه عملية نزع للذرائع
والمبررات. ولو كنت محلّ المسؤولين في “حزب الله” لانتابني القلق. فهؤلاء
الذين كانوا يظنون أن مشكلتهم محصورة مع السُنّة في لبنان – باعتبار أنهم
في سلوكهم لا يعيرون أهمية لمعارضيهم من المسيحيين – وجدوا أنفسهم فجأة
أمام مشكلة مع 20 مليون سوري أيضاً”.
وهناك نقطة أخرى لافتة في الرسالة المفتوحة هي التأكيد على التنوع في
البلدين وعلى دور لبناني – سوري مشترك في العالم العربي لنشر ثقافة
الديموقراطية والحرية، بما يعني مواجهة مشتركة للقوى والأفكار النقيضة
التي تحاول السيطرة على هذا العالم العربي. كما أن التعهدات الواردة فيها
باحترام سيادة لبنان واستقلاله متقدمة بكثير ليس على نظام “البعث” وحده بل
على كل الأنظمة التي حكمت سوريا قبله. وهي نتيجة وتلاقٍ وحوار واقتناعات
مشتركة . والأهم أنها أول “إعلان نيات” يصدر عن أول مؤسسة سياسية سورية
بعد انتهاء مرحلة النظام طال الزمن أم قصر.
أما القائلون بأن “الربيع العربي” يصنعه مثقفون ناشطون ويوصل في النهاية
متشددين إسلاميين إلى السلطة في صناديق الاقتراع، فيرد عليهم المثقفون
اللبنانيون بالإقرار بوجود فجوة فعلاً ما بين العامة وأفكار النخبة التي
تصنع الثورات. “لكن التخلص من الأنظمة الديكتاتورية يتيح على الأقل الأمل
في ردمها. الربيع يفتح باباً للتغيير وليس هو التغيير. فلا نذهب إلى النوم
بعد سقوط الأسد وأمثاله من كبار وصغار”