كلمة الرياضسقوط أقنعة المثقفين!يوسف الكويليت
حضر الشباب العربي في مواجهة السلطات بوعيّ
فطري نادر؛ حيث كانت وسائل التحريض لا تأتي من استخبارات دولية أو شخصيات
قيادية تقود منظماتٍ أو أحزاباً تهيئ لانفجار كبير، بل جاءت من السلطات
القائمة التي اعتبرت شعوبها قطيعاً من الأرانب التي تهرب عند أي إنذار،
وهي صيغة فريدة لعمل غير مسبوق عندما ارتفع شعار قتل الفساد وأخذ الحرية
لاعطائها أو منحها، وقد كثف هذا الشعور العام صدق الرؤية والمبدأ..
الغريب أن الثورات التاريخية الكبرى، كان يسبقها فكرٌ يبشر ويقبل
التبني للحركات التي حدثت، فقد ظهرت للثورة الفرنسية قبل قيامها أفكار
الفلاسفة والمصلحين الأحرار، الذين رفضوا الإقطاع وهيمنة النخب والكنيسة،
وحدث أن ارتكزت ثورات أخرى على أيدلوجيات جاهزة، لكن الفيلسوف وعالم
الاجتماع والمثقف كان حضورهم في مبادئ وقوانين تلك الثورات حضوراً واضحاً
لتكون الوقود الذي أشعل تلك النيران..
في الوطن العربي، مشرقه، ومغربِه، حضر الوعي الفطري، وغاب تأثير المثقف
حتى مَن تعرّض للقمع والسجون، أو التصفيات، لأن فكر الانقلابات، والأدلجة،
والتبعية للسلطة أو محاربتها لم تأت بمشروع فكر للدولة والثورة، ثم إن
انقسام الشارع الثقافي، واعتماده على بطولات وهمية أو استنساخ نظام أو
أيدلوجيا خارجية، كشف عن عُري هذه الفئات، حتى إن الصدمة التي أحدثتها هذه
الثورات كشفت عن نقص المعرفة ودورات المجتمع، وانتقاله من فكر الأوامر
وغسل الأدمغة إلى ثورات الأهداف، ولعل مأزق النخب المثقفة، أنها تدور خارج
أفلاكها مما أبعدها عن الضمير الوطني والقومي، ليحسمها جيل لم تخدعه
مضامين الفكر الجاهز..
الغياب خطير جداً حتى إننا رأينا صحفيين رسميين حملوا لواء النفاق على
حساب الشعب والوطن، ينقلبون إلى الضد ونشر غسيل الحكومات السابقة بضمير
جديد، ولكنه كاذب ومزيف، كذلك كشف الشارع عن انحياز فنانين ومخرجين
ومنتجين للمسرح والسينما في تقاطع بين الحيرة من تأييد النظام السابق أو
الانحياز للوطن، ليثبت لنا الحدث أن مثقفينا خارج الهمّ العام، وهم الذين
سبق أن وضعوا الزعامات بمنزلة متقدمة من البشر، وفسروا الهزائم بالنكسات،
وزينوا الألوان حتى البائس منها، لتتسم تلك المراحل بمزيفي الوعي ومضللي
العقل العربي..
المرحلة الراهنة جاءت لتعلن محاكمة عصر، وأجيال، وستسقط العديد من
المفاهيم، وقد بان، بشكل واضح، حضور المسجد والقواعد العلنية والسرية،
وغياب المثقف، ومن سيعلن القرار في التغيير، سلطة الشباب الذين لم يفقدوا
الثقة في مستقبل أمتهم، أو يذعنوا لرأي وأفكار صارا خارج الزمن، وما يعطي
الأمل أن هذه الأجيال تتطلع لحلول داخلية، قبل القفز على المستحيل بإعلان
عداوات وحروب جاءت بنتائج كارثية، وهزائم متتالية مع الخارج..