فخ القص في "حكايتي مع رأس مقطـوع"
محمد علوان جبر
فخ القص في "حكايتي مع رأس مقطـوع"
11/12/2011
|
غلاف الرواية |
صحوت وبين يدي رأس رخامي
يرهق مرفقي ولااعرف اين اضعه
كان ينحدر نحو الحلم ... لحظة خروجي من الحلم
وهكذا تتحد حياتي بحياته
حتى يصعب الفصل بينهما
جورج سيفيريس
يحيلنا تحسين كرمياني في روايته الاخيرة ( حكايتي مع رأس مقطوع )
الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت عام 2011 الى العلاقة
الصادمة في واقع يرتكزعلى تشابك المصائر والقائم على الصراع ، صراع سياسي
وفكري ، يتحول بموجبه البطل الى مركز لهذه الصراعات ، صراع بين الواقع
والخيال ، صراع يتحول فيه الواقع الى فانطازيا غرائبية وكذلك تحويل
الفانطازيا الى واقعية ساحرة.. بغية طرح اسئلة الوجود الكبيرة المهيمنة عبر
سيرة يرويها رأس مقطوع ، اسئلة الروائي ( الشخصية الرئيسية في الرواية )
عبر تشابك عنصرين مهمين يندرجان في
اصل الثيمة او اللعبة ـ الواقع والخيال ـ عبر انساق تتمحور في ذاتيتها
حيث يتم دمج المؤلف بالراوي الذي يحمل انساق السرد الرئيسية يبث فيها
الحياة ليتحول الحلم الى واقع ، واقع البطل وهو يعيش محنة صراعه ضد الظلام
الذي يريد ان يهيمن عبر لغة الدم والموت ، لغة لاتعرف الا تكفير الاخر
ووصمه بالخيانة والعمل على نسفه عبر الموت وبطرق بشعه...ان يقتل انسان ما
ذبحا يعني وصول هذه المفردات الى اقصى تطرفها ، ويمكن ان ينعكس هذا على كل
شيء ، بدءا من الابداع الذي يقرر هذه المصائر .
في البدء نفهم ان البطل وهو روائي يعيش في ( جلبلاء ) ـ نحت الكاتب
هذا الاسم ربما في اشارة الى البلاء الكبير الذي تعرضت له اغلب مدن الوطن
ومنها مدينة ـ جلولاء ـ المدينة التي يسكنها تحسين كرمياني ـ يكتب
ويسافر مع زوجته المبذرة والمهووسة بالتغيير وشراء الجديد بين فترة واخرى ،
حتى لحظة شرائها دمية ناطقة .. ندخل بعدها في ذلك المفترق المؤدي بنا الى
عقدة اراد منها الكاتب بناء روايته ، ذلك النفق الذي تعمد الكاتب ادخالنا
فيه عبر هذا التمهيد السلس عن علاقة الكاتب بمحيطه ،ومن هنا وفي مفصل مهم
من تدرج الاحداث ندخل فخ العثور على رأس مقطوع موضوع في كيس ملقى في
القمامة التي يمر الكاتب بجوارها ، ويسمع صوتا بشريا يصرخ باسمه ، هذه
المفارقة الاولى ان الرأس يتكلم مع الروائي ونفاجأ انه يطلب منه ان ينقله
من القمامة الى غرفته وعبر خوف الكاتب والصدمة الاولى يحمل الكاتب الراس
الى غرفته دون علم احد .. وهذا الرأس يدور حوله لغط كبير في المدنية ان
رأسا وضحية يتم البحث عنهما في كل مكان ، ويبدأ الحوار بين الرأس والكاتب ،
ونفاجأ ان الرأس يعرف كل دقائق حياة الروائي ، وقبل ان يدخلنا في متاهة
الحديث عن قصته وعلاقته بالجسد ( الجسد الملتصق بي ) كما يسميه يدخلنا في
الصراع الازلي بين العقل والجسد وبين ماهو مادي وشهواني وبين ماهو مثالي في
اعلى درجات المثالية ... عبر السرد ... حديث الرأس عن ماضيه بلغة استطاع
تحسين كرمياني بذكاء جعلها مختلفة عن الاستهلال ، لغة مكتنزة مليئة بالحكمة
والجمال عدا بعض مداخل الفصول التي يتحدث فيها الرأس وجدتها مقحمة وغير
منسجمة مع الاحداث ، لكن عموما كانت لغة الرأس تتميز بجمالية تحسب للكاتب
انه استطاع ان يوظفها ليزيد من لعبة دخول الفانطازيا وتمازجها مع الواقع
حتى تتحول الى جزء منه ، كما في اسئلة الروائي للرأس هل يأكل ، هل يود ان
يستحم ، ولماذا يتكلم اثناء نومه ، وكذلك في الحديث الفلسفي عن الرأس
والجسد ، حتى يدخلنا في التباس فانطازي غريب حينما يلقى القبض على ( الجسد
قبل الموت) متهمين اياه بانه الكاتب الذي يشهر بالمجموعات الارهابية ،
الكاتب الذي يدين القتل والتكفير واستخدام الدين ستارا لتمرير ابغض مايمكن
ان يتوصل اليه الانسان في لعبة السياسة البغيضة.... ويطرح موضوع التحذير
الذي تلقاه الروائي حينما كان يحاور الرأس عن ( الجسد بعد الموت ) ويتهم
على انه مؤلف الرواية التي تلقى الكاتب التهديد بالقتل لكي يسحبها من
المطابع ، التهديد هنا ينصب على ( الجسد قبل الموت ) وفي هذه المحنة التي
تعني ان الرأس هو رأس الكاتب وانه ميت يستمع الى نهاية الرأس المقطوع اذ
يذبح لانه مصر على كتابة الرواية ووسط هذه الحيرة المقصودة ـ حيرة الروائي
ـ التي يتداخل فيها التهديد وفعل القتل بين الرأس المقطوع والكاتب حينها
فقط يموت الرأس ويتوقف عن الكلام وشرح ماهو مبهم او مابقي مبهم امام الكاتب
ذاته ولهذا يلجأ الى ...ابتكار الفصل المتعلق بالاستجواب ، استجواب
الروائي من قبل ضابط الشرطة التي كان يفترض ان يعمقه ليكون مدخلا لبث
الشفرات اللازمة المكملة للعمل وفي حوارالكاتب مع ضابط الشرطة يفكك قليلا
من حالات الالتباس التي كان المؤلف يعيشها ..وامام هذا الالتباس وهذه
النهاية المفتوحة كنت اود ان تنتهي الرواية ... لكن النهاية التي اراد لها
الروائي كانت غير محسوبة تشبه الضربة حينما وضعنا امام حقيقة ان رأس الدمية
التي اشترتها الزوجة مفقود ... في اشارة واضحة جدا الى ان ماكان يعيشه
الكاتب كان هاجسا ذاتيا ازاء اقتناء الزوجة تلك الدمية الناطقة ، وينهي
الرواية التي اسقطت كل الاحتمالات التي وضعنا ازائها الروائي ، صحيح انها
نهاية مفتوحة تقبل الكثير من التأويل والاحتمال ، لكني اعتقد ان النهاية
الاولى ، قبل اكتشاف البطل اختفاء رأس الدمية ، قابلة للتأويل الكثير
ونهاية مفتوحة تسع ماورد في قصيدة الشاعر اليوناني جورج سيفيريس عن علاقة
الشاعربرأس رخامي
........((صحوت وبين يدي رأس رخامي | يرهق مرفقي ولااعرف اين
اضعه | كان ينحدر نحو الحلم لحظة خروجي من الحلم | وهكذا تتحد حياتي
بحياته | حتى يصعب الفصل بينهما | انظر الى العينين ... ليسا مفتوحتين ولا
مغمضتين | اتحدث الى الفم الذي يحاول جاهدا ان يتكلم | امسك الخدين
اللذين انتقلا وراء البشرة | لم تعد لدي القوة | يداي تختفيان وتعودان لي
مشوهتين .......)) .
عملت الرواية على ثيمة وشفرات الوعي الانساني ازاء جبروت الظلام ..
وكانت صرخة الكاتب حينما نشر روايته رغم كل التهديد والرعب الذي عاشه ،
رعب القتل ذبحا.. ورعب الانغمار في حرب مبهمة لايمكن معرفة الجبهة التي
يحارب فيها.... وهو يحدث زوجته....
....( اليوم بدأت معالم الحرية تولد في بلدتنا ـ جلبلاء ـ ) ص 133. في
اشارة واضحة على الوقوف بوجه الظلم والقتل واباحة الدم الانساني ... انها
رواية اعدها اضافة جديدة الى سلة السرد العراقي .
الأحد أبريل 29, 2012 5:06 pm من طرف وسيم