* السيد حسين نصر
* الترجمة: داخل الحمداني
إنّ الإسلام، وعن طريق وضع القانون الإلهي، وتبنّي القيم الأخلاقية، وتجسيد
العلاقات بين أبناء الأُمّة، ساهم في إيجاد الوحدة الإسلامية في المجتمع،
وتقع العلاقة بين الله والإنسان في مركز تلك العلاقات والدوائر، هي عبارة
عن: دائرة الأسرة ودائرة المدينة التي يسكن فيها المسلم، ثمّ دائرة الوطن
بالمعنى التقليدي للكلمة، ودائرة الأُمّة الإسلامية، ودائرة الخِلقة
(الإنسانية).
وعلى ذلك، فإنّ كلّ دائرة من تلك الدوائر ترتبط بمركز واحد، وتقوم كل واحدة
من تلك العلاقات والإرتباطات على أساس العلاقة بين الله والإنسان.
على هذا، يبدأ التوحيد، وهو من الأصول الأساس في الإسلام حيث العلاقة بين
الروح وخالقها، وهو الله، ثمّ تتسع تلك العلاقات الأُسرية إلى مجموعات
أوسعَ لتشمل نظام الخلق بأجمعه.
إنّ الإسلام، وعلى الرغم من وجود السير التنازلي للزمان والكثير من
العراقيل استطاع أن يوحّد المجتمع إلى حدّ بعيد، وأن يوجد أُمّة ممتدة من
المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ.
ولقد أوجدت الأُمّة الإسلامية حضارةً تُعدّ من أعرق الحضارات العالمية، حيث
بقيت صامدة وشاخصة إلى الآن، وبالرغم من تعرُّضها للضعف في القرن الثامن
عشر، وما تلاه.
والأُمّة والحضارة الإسلامية مرّت بأدوار صعود وإنحطاط، وقد تسبَّب ذلك في
ظهور الذين قادوا الأُمّة إلى الضلال، وكذلك ظهور المجدّدين الأُصَلاء، كما
وعد النبي (ص)، الذين يجددون الدين ويرممون المجتمع.
واليوم، تعيش الأُمّة الإسلامية حالة من التمزق والتشرذم أكثر من أيّ وقت
مضى، مع مواجهتها للتحديات وحملات العلمنة والمدّ البراغماتي التي تعتبر
أخطر وأعظم من حملات المغول العسكرية آنذاك.
والعلمانية الجديدة شكّلت تحدياً لليهودية والمسيحية أيضاً، مع الأخذ بنظر
الإعتبار الفرقَ بين هاتين الحالتين، وذلك أنّ تلك التحديات انطلقت من داخل
مجتمعات المسيحية واليهود، وعلى العكس من الأُمّة الإسلامية التي ابتليت
بها من الخارج مع وقوف العديد من القوى العسكرية والسياسية والإقتصادية،
وراء ذلك.
وقد أبدى المسلمون تجاهها ردودَ أفعال مختلفة تماماً، تفضي أحياناً، إلى
إستخدام العنف والقوة كوسيلة للرد على تلك التحديات، لكن مع ذلك تبقى تلك
التحديات متزعزعة وفي الحاشية.
وفي الواقع إنّ وجود تلك التحديات العظيمة يُبقي المفاهيمَ والحقائق
الإسلامية التقليدية متربّعة في قلب المجتمع الإسلامي، من دون أن تؤثر تلك
التحديات على الأصول الإسلامية العامة.
واليوم وأكثر من أيّ وقت مضى، لابدّ من إستحضار أن أمبراطورية الإسلام لها
مكانة على قلوب المسلمين وحاكمية عليهم وليس على القوى العالمية فقط، ولأجل
حفظ حياة هذه الإمبراطورية المعنوية، لابدّ لنا من معرفة الحقائق التي ظهر
من أجلها الإسلام وبُعث الرسول (ص) إلى العالم.
ويقول الرسول (ص) في واحد من أحاديثه المعروفة: "إنّما بُعثْتُ لأتمِّم مكارِمَ الأخلاق".
إنّ وظيفة المجتمع الإسلامي كانت ترتبط دائماً بإيجاد مناخات وأجواء تمهّد
لتحقُّق المكارم الأخلاقية والكمالات المعنوية، وقد قام علماء المسلمين،
كما فعل الفارابي بتقسيم المجتمعات على أساس قدرتها على تهيئة الأجواء
لتكامل أفرادها المعنوي والأخلاقي.
وفي نظر الإسلام تُبتنى قيمة كل مجتمع عند الله على كيفية تلقّيه للقيم
الأخلاقية والمعنوية، ومدى إستفادته منها، لا على أساس الثروة والقوة، وهذه
الحقيقة التي يجب على المسلمين معرفتُها وإستحضارها، في مقابل القوى
العلمانية والإستهلاكية التي تهدد الأسس التي يقوم عليها النظام الإسلامي.
المصدر: كتاب قلب الإسلام قيم خالدة من أجل الإنسانية
الثلاثاء أبريل 11, 2017 7:56 pm من طرف Admin