كوابيس النظام ......ومحنة السوريين المستمرة

يعيش السوريون اليوم كوابيس متتالية, فبعد كابوس حماة البطلة 1982 والتي
استعمل فيها النظام أحدث أنواع الأسلحة, جاءت كوابيس حمص وأدلب ودرعا ودوما
والزبداني ودير الزور ......الخ, حيث ارتهنت عصابة النظام مصير البلاد
وثوابتها مقابل أن تكون رقما غير قابل للصرف وسلكت كل الطرق للبقاء في
الحكم. للصفويين تقول لهم أنا امتدادكم على الأبيض المتوسط , وللروس أنا
موطىء قدمكم الأخيرة في الشرق أما ضمانتهم الكبرى فهي لحماية حدود شمال
اسرائيل.
انّها تضع البلاد في سوق النخاسة الدولية وتطرح نفسها عملة نادرة للغرب
والشرق وأميركا حتى تستمر في القمع والنهب والسلب. فالقصف العشوائي يزرع
الموت والدمار في مختلف المناطق السورية ويخلف وراءه كوارث وفواجع لاتوصف,
لقد أكمل النظام حصاره على الشعب الذي ابتلى بأقبح أنواع المجرمين وأقذرهم
وأكثرهم انحطاطا.
يتم كل ذلك بالتوازي مع نغمات الانسانية والديمقراطية وحقوق الانسان التي
تصدح في مجتمعات الغرب المتحضرة, بالمقابل نجد أنّ هذه الأطراف تعبر عن
توجسها من احتمال رحيل هذا النظام وتفضل أن يكون سقوطه تحت سيطرتهم ونظرهم
وأن يتعرفوا على المرحلة القادمة فلا يبقى شيئا للمفاجآت ضمانا لمصالحهم
وفي مقدمتها الأمن والسلام لربيبتهم اسرائيل ومصير الاتفاقات والتفاهمات
السرية معها.

المجرمون اليوم يعزّ عليهم أن يروا أناسا لايزالون أحياء في سورية ويعزّ
عليهم أيضا أن يروا أشياء واقفة شجرة مثلا لم تحترق وشارعا لم يدمّر أو
بناء لم يتهدم على ساكنييه. الموت فقط مسموح أيضا في عهد الأسد الصغير
حيث الكلام لا يرد قناصا ايرانيا ولا مفخخا من حزب الله ولايوقظ ضميرا
ميتا , لقد نجحوا في تسجيل أرقاما قياسية من الضحايا , انّهم لم يخونوا
قضية شعبهم وجيشهم ولكنهم أيدوا أيضا خيانة غيرهم وصفقوا لها .
اسرائيل ومعها قوى خارجية تسعى لتقسيم سورية كما سعت في الأعوام السابقة
لتقسيم لبنان لهذا تريد اخماد الثورة وتحويل حراكها الى حرب طائفية في ظل
حصاد الضعف والفرقة العربية , هذه الفرقة سمحت بتحويل الحرب من
عربية-اسرائيلية ترفع الرأس الى حرب سورية- سورية ينحني لها الرأس خجلا حتى
اننا أصبحنا حجر شطرنج في ايدي اللاعبين الاقليميين والدوليين.

على الصعيد الاقليمي انتهت مرحلة دعم الأنظمة الشمولية لتبدأ مرحلة
الصراعات الطائفية والكيانات المذهبية وملامح الشرق الأوسط الجديد الذي
طالما بشرتنا به (كونداليزا رايس), تلعب فيها ايران وتركيا دورا بارزا بعد
أن كانتا دولتيين داعمتين استراتيجيا للصراع العربي الاسرائيلي. ايران تعلن
وبوضوح يوميا استمرار دعمها للنظام السوري بالمال والسلاح والحرس الثوري,
بينما تركيا تطلق قنابل دخانية متتالية ضد بشار الأسد وترسم
خطوطا حمر له دون أن تفعل شيئا كثيرا على أرض الواقع. بمعنى آخر استباحة
الأرض العربية وسقوط الجامعة العربية وتداعي العروبة فيها التي ابتدأت منذ
سقوط بغداد وتسليم العراق من قبل الولايات الاميركية الى ايران, بعدها ظهرت
شراهة امبراطورية فارسية صفوية وعثمانية سلجوقية لاعادة عقارب ساعة
التاريخ الى الوراء وتركيب المنطقة من جديد.

على الصعيد العربي نجد أنّ الموقف العربي يدبّ دبيب السلحفاة والدول
العربية التي يكنّ لها السوريون أنبل المشاعر الأخوية وتعزف عن دعم ثورتهم
متذرعة مثل اميركا بأوهى الذرائع مع أنّها تحمل في داخلها وبنفسها عوامل
تفجيرها مثل شرق السعودية والبحرين والكويت واليمن وايران نفسها تحمل صواعق
تفجير هذه العوامل الأثنية والديموغرافية في الوقت المناسب الذي ترتأيه.
يستعيضون عن دعم هذه الثورة بالوقوف وراء مهمة كوفي عنان التي جاءت نتيجة
تفاهم روسي أميركي .

ولكن مهلا الشعب السوري يتابع مسيرته ببطولة نادرة نحو تحرير نفسه , والأسد الصغير
يقفل أفقه السياسي ليصعب موقفه يوما بعد يوم لأنّ قرائته كانت خاطئة منذ
البداية وأدت بسرعة لتجذير الاحتجاجات وتحويلها الى ثورة شعبية .

هذا الصمت العربي والدولي المخزي الذي يقابل فه العالم جرائم بشار الأسد الفظيعة
في حمص ( ستالينغراد) سورية وباقي مدنها حيث يلعب الروس نفس الدور الذي
لعبوه يوما في غروزني مع انهم سقطوا ولم تسقط غروزني وحمص ايضا لن تسقط بل
سيسقط بشار الأسد وعصابته.
والاّ فبماذا يمكن أن نفسر الدور الأميركي الذي يحول دون تسليح الجيش
السوري الحر ودعم الثورة في الداخل , غير المراوغة والمناورة التي تتسم بها
سياستها دائما تلبية لطلب نيتنياهو رئيس حكومة اسرائيل. مع ان أحد الرؤساء
الأميركيين السابقين ( توماس جيفرسون) قال يوما أنّ السلاح لاحياد عنه
لتحقيق التغيير والعنف التحريري يستمد منه الكفاح شرعيته السياسية
والقانونية والأخلاقية.

لست أبالغ اذا قلت كسوري لأخوتنا العرب ولأميركا اذا كان قرار التقسيم في يد اسرائيل التي استطاعت بواسطة الأسد انهاء
دور الجيش السوري الذي كان سياج الوطن وحاميه وتحويله الى جيش عدو لشعبه,
فأنّ قرار التوحيد سيبقى بيد السوريين ولنا في تجربة تقسيم سورية ايام
الاستعمار الفرنسي أمثولة واضحة .
ان أسوأ وأخبث ما تسغى اليه اسراثيل والمتعاطفون معها اصرارها على ضرب
الرابط العروبي الذي يجمع كل التناقضات في اطار رحابته وتعدديته الطائفية
أو السياسية أو الايديولوجية , ومعركتنا هذه هي بداية لسلسلة من الحروب
تشكل واجهة لمؤامرة قطع الروابط الوطنية والقومية بين مكونات هذا المجتمع
فالعروبة والطائفية خطّان ونقيضان لايلتقيان, لهذا فانّهم يضعون شعبنا أمام
خيارين . عروبة علمانية ديموقراطية تجمع وتوحد أو طائفية اثنية تقسّم
وتشتت وبين هذين الخيارين يكمن اليوم مستقبل سوريا . خاصة وأنّ النظام
الحالي فقد مصداقيته في أن يكون يكون لكل الشعب.
فغالبية مكونات مجتمعنا تعبر الآن عن اقترابها والتحامها مع الثورة وهي
طوائف وأثنيات عاشت قرونا متآلفة بل عملت يدا بيد في الحياة السياسية
والاجتماعية قبل مجيء هذا النظام البغيض الذي لايزال يراهن على اجهاض
الثورة وخاصة في حمص نظرا لحساسية تركيبتها الأجتماعية , ويستمر في استثارة
الغرائز واللعب على التجييش الطائفي والمذهبي المشاعر الدينية , ولكنها
ستبقى حمص ذات المجد والعظمة شاهدة على اجرامه, والوقت الآن ليس للشماتة
لأنّه وقت المسؤولية الوطنية التي يجب أن نكون في مستواها وان يتحلى بها
معارضو الخارج ومجلسهم يجب أن يكون مجلسا لدعم الثورة وليس مجلسا لما بعد
الثورة وأن يكونوا ثوارا حقيقيين صادقيين وليسوا تجارا يقفزون الى مرحلة ما
بعد الثورة وعلى حساب مستحقات أخرى.