بقلم: أحمد عزيزي - نيويورك
-
صحيح أن من عاشر القوم صار منهم، فها هم الروس قد تعلموا
الكذب والمراوغة من شدة احتكاكهم بنظام الدجل الأسدي، (أو لعل هذا الأخير
نشأ وترعرع أصلاً على الدجل الذي استقاه هو من نظام الحكم القمعي الستاليني
في الاتحاد السوفياتي، سلف الحكم البوتيني الحالي). فبالأمس، وبعد أن قدمت
وفود الدول الغربية والمغرب بمجلس الأمن مشروع قرار للتفويض بإرسال فريق
مقدمة لبعثة مراقبين أمميين تهدف لمراقبة وقف العنف في سوريا وتنفيذ
مقترحات المبعوث الأممي العربي كوفي عنان، أعلن السفير الروسي لدى الأمم
المتحدة أن فُرص اعتماده عاجلاً تعد فرصاً حسنة. وشارك الوفد الروسي في
مشاورات يوم أمس على النص الغربي، ونجح في الحصول على تنازلات من مقدمي
المشروع. ولكن الوفد الروسي فاجأ الجميع ظهر اليوم بتعميم مشروع قرار بديل
عن المشروع الغربيّ، وكأن شيئاً لم يكن بالأمس! وليس هذا فحسب، بل إن الوفد
الروسي اتجه نحو طرح مشروعه بالحبر الأزرق، أي تجهيزه للتصويت عليه، مما
حدا بالوفد الأمريكي إلى أن يعاجله بطرح مشروعه بالحبر الأزرق حتى قبل
اكتمال المفاوضات الجارية حوله على مستوى السفراء.
-
وتكتيك طرح مشروع قرار من قبل الوفد الروسي على مشروع القرار
الغربي/العربي بشأن الحالة في سوريا أو تعطيله هو تحرك يعوزه المهنية
والمصداقية ولكنه لا يحدث للمرة الأولى إذ أنه جرى في شهر آب ثم في شهر
أيلول من العام الماضي وفي شهر كانون الثاني من العام الحالي أي في جميع
المرات السابقة التي تم فيها صياغة مشروع قرار للمجلس بشأن سوريا باستثناء
المرة الأولى (في شهر أيار من العام الماضي). ولكن ما يميز هذه المرة هو أن
الروس أعلنوا على عدة مستويات وفي أكثر من مناسبة دعمهم التام لبعثة عنان،
بل وتحديداً لتوصيته بنشر بعثة مراقبة أممية في سوريا لمراقبة تنفيذ
مقترحاته.
وكانت كل بيانات وإعلانات وتصريحات المسؤولين الروس والصينيين
على مختلف المستويات تردد ما يدعيه النظام الأسدي من أكاذيب وأضاليل،
وساهموا على مدى عام كامل في تعطيل اتخاذ إجراء دولي حازم لردع النظام، لا
سيما عن طريق استخدام الفيتو المشين. ويأتي الموقف الروسي اليوم من مشروع
القرار استكمالا لذلك الموقف المشين من جانب موسكو وبكين اللتين وصل دعمهما
للنظام الأسدي إلى حد لا يمكن تأويله بأي شيء إلا الاستماتة في الدفاع عن
واحد من آخر حلفاء الأنظمة الشيوعية المهترئة في العالم، حتى ولو تطلب ذلك
العداء لأغلبية الشعب السوري. وأقول استماتة لأن في العديد من المرات
السابقة عندما دعمت موسكو وبكين طغاة ديكتاتوريين مثل النظام الإيراني
والنظام الكوري الشمالي والنظام الليبي السابق، كانت تلكما الدولتان تلوحان
بالفيتو أو تستخدمانه لفترة وجيزة قبل التنازل عن موقفهما الذي لا يقوم
أساساً على أية مبادئ يمكن تبريرها.
إن تقديم النص الروسي يُعد استهزاءً بأرواح الألوف المؤلفة من
شهداء الشعب السوري وبمعاناة المئات من الألوف من الجرحى والمعتقلين
والمهجرين والمقموعين في سوريا. فالمشروع الروسي يغفل أهم العناصر التي
يتكون منها المشروع الغربي الذي كان ضعيفا في الأصل طلباً لمرضاة الروس
والصينيين.
والنص الروسي لا يتضمن العبارة التي تشير إلى أن عمل المبعوث
الخاص المشترك هو على أساس قرار الجمعية العامة رقم 66/253 والقرارات ذات
الصلة لجامعة الدول العربية (ويجدر بالذكر أن قرار الجمعية المذكور يتضمن
إدانة للسلطات السورية وتأكيدا على محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات
والمطالبة بتنفيذ الخطة العربية والقرارات العربية بشأن سوريا، والمطالبة
بوصول المساعدات الإنسانية). وهو لا يتضمن الفقرة التي تعبر عن الإدانة
لانتهاكات حقوق الإنسان، وأنه ينبغي محاسبة المسؤولين عنها، والأسف لمقتل
الآلاف من الناس.
ولا يتضمن النص الروسي الإشارة إلى الموعد المحدد لامتثال
الحكومة السورية لالتزاماتها بسحب الوحدات العسكرية والأسلحة الثقيلة من
التجمعات السكنية بل إنه يتطرق إلى الالتزامات على استحياء بدون أن يعددها
ويذكرها صراحة. وبالمقابل، فإن مشروع الروس يشير إلى أن الحكومة السورية
بدأت بتنفيذ التزاماتها في مخالفة صارخة للحقيقة على الأرض الماثلة أمام
أعين الجميع.
وفي المشروع الروسي، تم تمييع جميع الفقرات التي تطالب
الحكومة السورية باتخاذ إجراءات، وذلك من خلال تغيير كلمة “يطالب” إلى كلمة
“يدعو”. والعجيب أن مشروع الروس، الذين أعلنوا دعمهم التام لإرسال بعثة
مراقبين إلى سوريا، يذكر البعثة ذكراً عابراً دون ذكر الغرض منها وهو رصد
وقف العنف ورصد ودعم التنفيذ الكامل لاقتراح المبعوث. ويغفل كذلك إلزام
الحكومة السورية بتيسير نشر المراقبين وضمان حرية تنقلهم وحرية اتصالاتهم
وقدرتهم على إجراء المقابلات، وهي شروط بدونها تصاب بعثة عنان بالعنّة
(وهذه ليست من عندي بل من لافتة رفعها المتظاهرون منذ أيام) وتتبع سابقتها
بعثة الدابي كوسيلة لمنح النظام المزيد من الوقت ليواصل التقتيل.
وفي استخفاف وضيع بمعاناة المليون سوري الذين قدرت بعثة
التقييم الأممية-الإسلامية أنهم بحاجة إلى مساعدات إنسانية، يغفل النص
الروسي كامل الفقرة الخاصة التي تدعو الحكومة السورية إلى تيسير وصول
المساعدات الإنسانية.
وعلى الرغم من أنه من غير المتوقع التصويت على مشروع القرار
الروسي لأنه لا يحظى بدعم واسع في مجلس الأمن، بل من غير المتوقع حتى
التفاوض على نصه، إلا أن الروس سيحاولون الآن تمييع مشروع القرار
الغربي/العربي ليقترب من النص الروسي ويصبح عديم الفاعلية.
وإن اعتمد مجلس الأمن قراراً من ذلك القبيل، فسيكون ذلك
تأكيداً لما يصر عليه الكثيرين من أن المجتمع الدولي تكالب لنصرة نظام
الأسد بدل نصرة الشعب المظلوم.