لم
يحدد نظام الإجراءات الجزائية المدة التي يستغرقها التحقيق، ومن ثم فإن
ذلك يختلف من قضية إلى أخرى بحسب ظروفها وأهميتها وحجمها ونتائجها وعدد
أطرافها، وقدرات المحقق وما يتوافر له من إمكانات وأمور مساعدة، إلا أن
الإسراع في الإجراءات يُعد من القواعد الأساسية للتحقيق حتى لا يحدث تأخير
يُلحق ضرراً بالمتهم الموقوف ويؤدي ذلك إلى حبس حريته وتعطيل أعماله وما
إلى ذلك من المحافظة على مسرح الجريمة وبقاء أدلتها، ولكن يجب ألا يكون
ذلك على حساب حسن سير العدالة بحيث يحدث تسرعاً يؤثر سلباً على العدالة
حيث أن المادة (114) من نظام الإجراءات الجزائية اقتضت أن مدة التوقيف لا
تجاوز ستة أشهر من تاريخ القبض على المتهم بعدها يجب أن تكون القضية بحوزة
المحكمة المختصة أو يفرج عنه، وبعد أن تنتهي سلطة التحقيق من إجرائه يتبع
ذلك التصرف بما أكملته من إجراءات، ويكون ذلك باتباع أحد طريقين:
الأول
- حفظ الأوراق ويُصد به "صرف النظر مؤقتاً أو نهائياً عن إقامة الدعوى
الجنائية أمام الجهة القضائية المختصة بناءاً على التحقيق"، ويترتب على
الحفظ الإفراج عن المتهم الموقوف، إلا إن كان موقوفاً على ذمة قضية أخرى،
وهذا الطريق يتبعه المحقق إذا كانت الأدلة غير كافية لإقامة الدعوى، ويصدر
أمر الإفراج من رئيس الدائرة بتوصية من المحقق، ماعدا الجرائم الكبيرة
التي تستوجب مصادقة رئيس هيئة التحقيق والإدعاء العام على أمر الإفراج أو
من ينوب عنه، وهذا لا يؤثر على إمكانية إعادة فتح الملف في القضية إذا
ظهرت أدلة جديدة من شأنها تقوية الاتهام، والحالات التي يلجأ فيها المحقق
إلى هذا التصرف هي:
1. إذا كان الفعل المُسند للمتهم لا يُعد جريمة.
2. إذا انقضت الدعوى الجزائية عامة أم خاصة.
3. إذا كانت الأدلة غير كافية لنسبة الجرم للمتهم، أو أن الوقائع المُسندة غير صحيحة.
4. إذا كان الفاعل مجهولاً، مع الاستمرار في البحث عنه.
وقد
تضمنت م(62/1) من مشروع اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية على
هذه الحالات التي تُمكِّن المحقق من أن يُوصي بحفظ الأوراق إضافة إلى
حالات أُخرى عُبِّر عنها في مشروع اللائحة التنظيمية للهيئة بالحفظ لعدم
الملائمة .
ويقابل هذا التصرف الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى في
قانون الإجراءات الجنائية المصري ، وذلك أن كانت الواقعة لا يعاقب عليها
القانون أو كانت مما يُقيد فيها القانون سلطة التحقيق بشكوى من المدعي
بالحق المدني الذي لم يتقدم في دعواه أو تبين أن هناك سبباً لانقضاء
الدعوى أو توافر أحد موانع العقاب كمن يُبلِِّغ عن جريمة أمن دولة هو
مشترك فيها، وهذه كلها أسباب قانونية يُبنى عليها الأمر بألا وجه لإقامة
الدعوى، وهناك أسباب موضوعية كأن تكون الأدلة غير كافية لإسناد الجرم
للمتهم، أو عدم صحة الواقعة المنسوبة إليه، أو أن الفاعل يظل مجهولاً،
ويمكن إصدار هذا الأمر في حالة عدم الأهمية، وفي حالة أُصدر أمر بالحفظ
يُفرج عن المتهم، وهذا كما هو الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى يستوجب ذكر
الأسباب التي بُني عليها ولا تقوم به إلا سلطة التحقيق إثر تحقيق تُجريه
أي أنه لا يتم اتخاذه إلا بعد تحريك الدعوى، سواء كان هذا التحريك من قبل
سلطة التحقيق مباشرة، أو ندبت به أحد رجال الضبط الجنائي، أو أنه مارسه
بما يخوله النظام به في الحالات الاستثنائية .
الثاني: إحالة القضية
إلى المحكمة المختصة في حالة كفاية الأدلة لتوجيه الاتهام، سواء كان
المتهم موقوفاً على ذمة قضية، أو تكليفه بالحضور أمام المحكمة المختصة،
وإن شملت لائحة الاتهام أكثر من قضية تختلف المحاكم المختصة بالنظر فيها
إلا أنها محاكم متماثلة الإختصاص، فتكون الإحالة بأمر واحد إلى محكمة
مختصة بأحد القضايا مكاناً، إنما إن كانت المحاكم المختصة بهذه القضايا
غير متماثلة الاختصاص فتحال إلى أوسعها اختصاصا، كأن يشمل قرار الاتهام
قضيتي سلب وانتحال صفة رجل السلطة العامة فتحال هاتان القضيتان بأمر إحالة
واحد إلى المحكمة الشرعية باعتبارها صاحبة الاختصاص العام رغم أن القضية
الثانية من اختصاص ديوان المظالم، والتصرف في الدعوى هو من الإجراءات التي
لا يقوم بها إلا المحقق ومحظور على رجل الضبط الجنائي، وبالتالي لا يمكن
أن يُندب بها، وإن كان المتهم موقوفاً وخرجت القضية من يد المحقق، فإن
الأمر بالاستمرار في حبسه أو الإفراج عنه يكون من اختصاص المحكمة المحال
إليها القضية، التي بإمكانها أيضا الأمر بإيقافه إن كان مفرجاً عنه.
خامسا ـ ندب الخبراء وشهادة الشهود:
يُعد
ندب الخبراء والاستماع إلى شهادة الشهود من الإجراءات التي يلجأ إليها
المحقق من أجل توفير الأدلة التي تساعده في كشف حقيقة الجريمة التي يُجري
التحقيق فيها، وسيتم بحثه في فرعين: الأول عن ندب الخبراء والثاني عن
شهادة الشهود.
ندب الخبراء:
مما
لا شك فيه أن النواحي الفنية يكون لها أهمية في استجلاء ما يكتنف بعض
القضايا من غموض، لهذا فإن النظام قد أجاز للمحقق الإستعانة بأهل الخبرة(
وافترض النظام على الخبير المندوب أن يقدم تقريراً مكتوباً مراعياً الوقت
المحدد له، وللمحقق استبداله بخبير آخر إذا لم يف بهذا الشرط، وللخصوم
أيضاً الاستعانة بخبراء يحصلوا منهم على تقارير استشارية، والخبير هو أحد
معاوني المحقق لأن هذا الأخير غير مُلم بالقضية بجميع جوانبها، ولاستكمال
هذا النقص فيه فقد سمح له النظام الاستعانة بهم، ويجوز للخصوم رد الخبير
إذا كان لديهم من الأسباب التي تجعله ليس محلاً للثقة على أن تلقى قبولاً
من المحقق، وهناك بعض الحالات التي قد تختلط بها الخبرة مع أحد إجراءات
التحقيق مثل التفتيش كأن يبعث المحقق شخصاً تناول بعض المواد التي يعتقد
بأنها مخدرة إلى مستشفى لإجراء عملية غسيل لمعدته وإخراج ما تحويه من هذه
المواد.
شهادة الشهود.
الشهادة في اللغة تأتي بعدة معاني:
1-
البينة: وهي الدليل والحجة وسُميت بينة لأنها تفصل بين الحق والباطل وتأتي
بمعنى المعاينة: شاهدت الشيء إذا عاينته، والبينة "إسم لكل ما يبين الحق
ويُظهره وسمى الرسول صلى الله عليه وسلم الشهود بينة لوقوع البيان بقولهم
وإرتفاع الأشكال بشهادتهم".
2-
العلم: قال تعالى }شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ
وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ
إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {18}{ (آل عمران)، وتأتي بمعنى
الخبر القاطع والحلف ومنه قوله تعالى} وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ
تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ
{8}{ (النور).
3- الحضور: لأن الشاهد يحضر بنفسه إلى مجلس القضاء ليدلي بشهادته.
والشهادة في اصطلاح الفقهاء هي:
1-
"إخبار صدق لإثبات حق بلفظ أشهد بمجلس القضاء، فيخرج بذلك شهادة الزور
لأنها إخبار بكذب، ويشترط لها العقل والبلوغ والولاية، وركنها هو اللفظ
المتعلق بالأخبار"، وجاء تعريفها أيضا بأنها الإخبار عما في يد غيره بأنه
لغيره وليس له، وكل من أخبر أن ما في يد غيره من يشهد عليه هو لغيره الذي
يشهد له فهو شاهد .
2-
"والشهادة مشتقة من المشاهدة، فالشاهد يُخبر بما شاهده ومنه قوله تعالى }
فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه ُ{185}{( البقرة) أي علمه
برؤية هلاله أو إخبار من رآه أو علمه بلفظ خاص" .
3- "إخبار عن مشاهدة وعيان لاعن تخمين وحسبان".
والإخبار
على ثلاثة ضروب: إما إخبار بحق للغير على آخر وهي الشهادة أو أخبار بحق
للمخبر على آخر وهي الدعوى أو إخبار للمخبر على نفسه وهو الإقرار، قال
تعالى } وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ
{106}{( المائدة)، فقد أضافها الله تعالى إلى نفسه تشريفاً وتكريماً لها
وتعظيماً لأمرها ، والشهادة قد تكون إلزام بحق الله تعالى من الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ومنه قوله تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ
يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ
أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا
تَعْمَلُونَ {8} { (المائدة)، وقد تكون في حقوق الناس كقوله تعالى }يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء
لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ..
{135} { (النساء)، وقد تكون شهادة على الناس لمعاصيهم ومخالفتهم أوامر
الله تعالى وعدم ترك نواهيه ومنها قوله تعالى }وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ
أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ
الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا {143} { (البقرة) .
أما تعريف الشهادة في القانون:
فهي
"إثبات واقعة معينة من خلال ما يقوله أحد الأشخاص عما شاهده أو سمعه أو
أدركه بحاسة من حواسه عن هذه الواقعة بطريق مباشر ، والشهادة هي إدلاء
الشاهد بما لديه من معلومات حصل عليها عن طريق اتصاله بالواقعة التي يشهد
بها عن طريق أحد حواسه ويكون ذلك أمام سلطة التحقيق، وهذا ما يجعلها من
إجراءات التحقيق، فإن كانت أمام سلطة الاستدلال فلا تعد من إجراءات
التحقيق، والشهادة قد تكون مباشرة نتيجة لإدراك الشاهد لما يشهد به بإحدى
حواسه، فهي تعبير صادق عما تضمنه الإدراك الحسي للشاهد خاص بواقعة معينة
قد يكون شاهدها أو سمعها أو وصلت إلى إحدى مداركه الأخرى بطريقة مباشرة،
على أن يكون هذا التعبير مطابقاً ونقلاً لحقيقة الواقعة إلى المجلس
القضاء، وأن يكون صادراً ممن تقبل شهادته بعد أدائه اليمين، وقد تكون
شهادة غير مباشرة تسمى بالشهادة السماعية أو الشهادة على الشهادة، وقد
اختلف الفقهاء في قبولها، وهناك الشهادة عن طريق الشائعات التي تنصب على
الرأي الشائع بين الناس، وهي لا يحتج بها وإن كان بعض الفقهاء اعتبروها في
إثبات الوفاة والزواج والنسب لأنها أمور مقصور حضورها على فئات وأشخاص
معينين وهي قائمة على الاستفاضة.
وهناك
أنواع أخرى من الشهادة سواء بالإنابة القضائية والشهادة بالقسامة والتي
تدور بين وصفين أحدهما على أنها وسيلة للإثبات في جرائم القتل مجهولة
الفاعل، والآخر بأنها نوع من الشهادات للإثبات والنفي، ويشترط فيها اللْوث
وهي خمسين يميناً مبتدأة من أولياء الدم ضد من يتهمونه بأنه القاتل
فيستحلون دمه عند الإمام مالك وعند الجمهور فيه الدية، فإن لم يحلفوا
وُجهت اليمين إلى المتهمين فإن حلفوا صانوا دمائهم وعليهم الدية وهناك من
يرى أن نكول أولياء الدم عن اليمين لا يوجهها إلى المتهمين ولكن الدية على
بيت مال المسلمين، حتى لا يظل دم في الإسلام ، ونستظهر من ذلك برؤيا عصرية
أن القسامة تقلل من القضايا التي تحفظ لجهل فاعلها أو بما يسمى (ضد
مجهول)، لأن دفع الدية فيه شفاء لنفوس أولياء الدم وإطفاء لغيظهم وغضبهم،
إضافة إلى شعورهم بأن هناك من يهتم بأمرهم، وهذا دون إخلالٍ بدور الأجهزة
الأمنية في متابعة البحث عن الجاني ليتم القبض عليه وتقديمه للمحاكمة
لينال ما يستحقه من العقاب.
والأصل
أن للخصوم الحق في طلب سماع من يشاءون من الشهود ويرون أنه مفيد لهم، ولكن
الأمر يرجع إلى السلطة التقديرية للمحقق في إجابتهم لطلبهم أو ردهم حسب ما
يظهر له من أهمية الشهادة وفائدتها لإظهار الحقيقة .
وشهادة الشهود هي
من منابع الأدلة، بل هي من طرق الإثبات المعتبرة لجميع الجرائم لاسيما
الحدود والقصاص فلا يحكم بهما إلا بإقرار أو شهادة بعد توافر شروطهما
وضوابطهما الشرعية، إلا أن عدم اكتمال هذه الشروط والضوابط لا يحول دون
عقاب المتهم ، ويشترط في الشاهد أن يكون أهلاً للشهادة ومع ذلك قد تتوافر
فيه شروط الأهليه ويمنع من أداء الشهادة لوجود سبب من أسباب عدم الصلاحية،
فالقاضي لا يمكنه الجمع بين صفتي قاضي وشاهد في واقعة وآن واحدة، وأيضاً
شهادة المتهم على غيره من المتهمين بنفس الواقعة، ويسمع المحقق الشاهد فإن
تعددوا يمكنه التفريق بينهم كما يمكنه مواجهتهم مع بعضهم البعض، أو مع أحد
المتهمين لأن ذلك أدعى للتوصل إلى أدلة لإثبات الواقعة، وعلى المحقق واجب
تدوين الشهادة والتوقيع عليها مع الشاهد والكاتب ، وعليه أيضاً أن يدوِّن
معلومات كاملة عن الشهود ببيان أسمائهم وألقابهم وأعمارهم ومهنهم
ووظائفهم، مع اعتبار أهمية عدم الكشط أو الشطب أو الحشر أو ما يدل على
التغيير في الكتابة إلا بعد مصادقة الشاهد والكاتب والمحقق على ذلك، وإن
كان الشاهد مريضاً أو حال دون حضوره حائلاً يُعذر معه فيمكن سماع شهادته
في مكان وجوده.
الأحد أبريل 08, 2012 9:03 pm من طرف eljoker00