بقلم: Cuteكيف كانت التوقعات المستقبلية للثورة السورية قبل بدءها؟
عندما قامت الثورة السورية كان توقيتها تقريباً مع بداية الثورة الليبية,
أي بعد الثورتين التونسية و المصرية اللتان لم يحدث فيهما تدخل عسكري,
كذلك اليمن انتفض أهلها في نفس الفترة – عندما قامت الثورات هذه لم يكن
سيناريو التدخل العسكري مطروحاً, و إنما تشجع الناس في كل هذه البلاد بعد
سقوط نظامين ديكتاتوريين في تونس و مصر بطريقة سلمية اعتمدت على المظاهرات
و التغطية الإعلامية لها و على وقوف الجيش إلى جانب الشعب.
لم يكن خيار التدخل العسكري الخارجي أمراً مقبولاً في تلك المرحلة, و
أقصد لم يكن أحد يظن أن الأمور ستصل بنظام القذافي أو الأسد إلى هذه
المرحلة من الجنون في التمسك بالسلطة و استخدام الجيش بكامل عتاده لقصف
المدن و المدنيين, و خاصة أننا في القرن الواحد و العشرين, و أن المجتمع
الدولي لا يمكن أن يسمح بمثل هذا الأمر في هذه الأيام, في هذه المرحلة
التاريخية من التقدم و حقوق الإنسان و الوعي و نضوج الرأي العام العالمي و
مفاهيم الحضارة و العولمة و إلخ …
آل الأسد نجحوا في خلق الطائفية وهذا واقع:
هناك حالات خاصة في الصراع بين الشعوب لا يمكن لدول العالم أن تفعل شيئاً
تجاهها أو تبقى الخيارات محدودة جداً, من بين هذه الحالات الخاصة الصراع
الطائفي, أي عندما يصبح الصراع بين طائفتين مختلفتين من الشعوب في بلد
واحد, كالصراع العربي الإسرائيلي و الصراعات الطائفية في لبنان و العراق,
و هنا ندرك أن ما يقوم به نظام الأسد هو محاولة جر الثورة إلى مرحلة صراع
طائفي في سوريا بين السنة و النصيريين (العلويين) و ذلك ليعرقل المجتمع
الدولي كما يحدث الآن.
مع العلم أنه لم يكن هناك طائفية قبل حكم آل الأسد, بدليل بروز شخصيات
قيادية من مختلف المذاهب وتوليها مناصب قيادية رفيعة المستوى قبل وصول
حافظ الأسد للسلطة.
سيناريو الحل العسكري:
عندما تحدث حرب أهلية في بلد, أي صراع دموي بين طائفتين مختلفتين في
المعتقد الديني, أو الانتماء العرقي, يصبح التدخل العسكري الخارجي هدفه
وقف هذه الحرب الأهلية عبر الفصل بين أطراف النزاع بقوات حفظ سلام ربما,
إلا أن كلا الطرفين المتنازعين سيحتفظ بسلاحه. كما الآن في لبنان حزب الله
لا يزال محتفظاً بسلاحه بشكل مستقل عن الدولة اللبنانية. ومن المعروف أن
ولاء حزب الله هو لإيران وليس للبنان.
طبيعة الصراع الآن هو طائفي:
طرفي الصراع في سوريا الآن هما النصيريين مع الجيش التابع لهم ضد أهل
السنة والجيش الحر الذي يدافع عنهم ضد عمليات التهجير و الإبادة. إن
ازدياد الانشقاقات أدت إلى ازدياد قوة الجيش الحر و اضعاف قوة جيش
النصيريين عملياً, كما أن الجيش الحر بات واقعاً لا يمكن تجاهله, وهو ربما
العامل الوحيد الذي سيجبر المجتمع الدولي على التدخل عسكرياً ولكن ليس
لإسقاط نظام الأسد كما نظن, بل لسبب آخر سأوضحه لاحقاً.
لماذا المجتمع الدولي حتى الآن لم يتدخل عسكريا كما حدث في ليبيا؟
إن المجتمع الدولي لا يريد تطبيق الأسلوب الليبي في سوريا لسبب أن الصراع
هنا هو طائفي بين النصيريين و السنة, وفي هذه الحالة التدخل العسكري سيكون
ضد طائفة كاملة وليس ضد نظام الأسد فقط, وخاصة أن النظام قام بتسليح
طائفته منذ البداية تحضيراً لهذه المرحلة بالذات, بحيث يستحيل التدخل
العسكري لدعم طائفة ضد الأخرى, لأنه سيكون عملية إبادة كبرى لا أحد سيرغب
في تحمل مسؤوليتها, وغالباً سيكون الحل هو تقسيم البلد و إعطاء كل طائفة
منطقة خاصة بهم, و هذا ما يقوم النظام بالتمهيد له عبر تطهير أحياء حمص من
سكانها من أهل السنّة بشكل كامل, قد يحدث الأمر نفسه في اللاذقية و طرطوس.
هل سيحدث تدخل عسكري؟
إذا التدخل العسكري سيحدث ليس لإسقاط نظام الأسد و إنما لتقسيم البلد وفصل
طرفي الصراع لوقف القتل, هذا رأيي الشخصي. لذلك قد يكون من الحكمة إعادة
النظر بآراء البعض ممن يتردد أو يرفض التدخل العسكري عندما نقرأ هذه
المعادلات و نفهمها جيداً. لا أريد أن يأتي الآن المفسرون و يقولوا أننا
ندعو للتقسيم! الفكرة هي محاولة فهم لواقع المشكلة و المخاطر المحتملة,
حتى لا نكون كالنعام الذي يطمر رأسه في الرمل هرباً من مواجهة الواقع. و
إن سرد المخاطر و الاحتمالات لا يعني أننا ندعو لتطبيقها, بل يعني أننا
نفكر ملياً للوصول إلى فهم أدق للمرحلة. اليوم نحن نواجه خطر حقيقي لتقسيم
سوريا, ولكن قد يكون حلاً لا بد منه في نهاية الأمرلأن عائلة الأسد نجحت
في زرع الطائفية وارتكاب الجرائم الفظيعة لغرس الحقد في نفوس الشعب, و
تعزيز مفهوم الطائفية و تحويلها إلى صراع وجود بمعنى الكلمة. المعضلة
باختصار إذاً, إن هناك احتمال لحدوث خطر تقسيم للبلد في حال التدخل
العسكري بشكل خارج عن إرادة الجميع, و بنفس الوقت إن التدخل العسكري يبدو
حالياً هو الخيار الوحيد لوقف المجازر.
فما الحل إذاً؟
الحل هو عبر التدخل العسكري, بحيث يتم دعم الجيش الحر بالسلاح و تأمين مناطق عازلة ضد صواريخ و طيران النظام.
ما هي مخاطر التدخل العسكري و تبعاته؟
سقوط أعداد كبيرة من الضحايا بين قوات النظام و خاصة من القوات العسكرية
الموالية له بشكل عقائدي, و في الواقع هذه القوات لن تهرب أو تنسحب كما
يتوقع البعض, بسبب ولائها المذهبي أولاً و بسبب الدعم الخارجي من إيران و
لبنان والعراق ثانياً. بالتالي هذا الأمر قد يورط المنطقة بحرب طائفية
إقليمية. قد يجد جميع الأطراف أن الحل الأقل خسارة في الأرواح و المخاطر
هو تقسيم سوريا, و عزل أطراف الصراع. فإن كان الاتفاق و التعايش الطبيعي
أمراً مستحيلاً في بلد واحد, لن يتردد المجتمع الدولي في دعم فكرة
التقسيم, بل سيفضلها كحل استراتيجي.
هل يمكن الحل بدون تدخل عسكري؟
نعم أعتقد ذلك ممكناً مع ازدياد الانشقاقات و انهيار النظام اقتصادياً
بشكل كامل, و لكن ذلك سيتطلب وقتاً طويلاً و خسارة كبيرة بالأرواح, و
الدعم الدولي حتى من إيران و العراق و لبنان, لا يمكن أن يستمر وقتها
لفترات طويلة, وفي هذه الحالة يكون الشعب السوري قد حرر نفسه بنفسه بحيث
يضمن الحفاظ على وحدة أرضه, و لكن كما ذكرت أن الخسارة قد تكون كبيرة جداً
أيضاً من حيث عدد الضحايا و حجم التدمير. ولذلك الأفضل هو التدخل العسكري
مهما كان الثمن فهو أرحم.
ما هو موقف النصيريين من نظام الأسد؟
صحيح أن الطائفة النصيرية ليست كلها مع ما يجري, و هناك الكثير من الشرفاء
الرافضين و المعارضين لهذا الحكم الهمجي, ويمكن تقسيم الطائفة إلى ثلاثة
أقسام بشكل تقريبي حسب وجهة نظري, و أنا من الداخل السوري و لست معارضاً
خارجياً, القسم الأول و نسبته أقل من 50% تقريباً وهم مؤيدين لنظام الأسد
و موزعين بين شبيحة مرتزقة 30% و بين مجندين في كتائب عسكرية و بين
متعصبين و طائفيين 20%, القسم الثاني و نسبتهم التقريبية 15% و هم معارضون
و مع الثورة بشكل كامل موزعين بين المثقفين و الأكادميين و المعتدلين, أما
ما تبقى و هم حوالي 35% فهم ليسوا مع النظام و لكن بنفس الوقت هم خائفين
من تغييره بسبب أن نظام الأسد أدخل في رأسهم أفكاراً خاطئة بأنه إذا تم
إسقاطه فسوف يواجهون مصيراً مأساوياً. بالتالي نحن نواجه مشكلتين
أساسيتين: المشكلة الأولى هي وجود نوع من التكتل الطائفي حول النظام لها
نسبة صغيرة ولكن لا يمكن ان تغير رأيها و غير قابلة لاي نوع من الحوار أو
الحل الدبلوماسي, و المشكلة الثانية هو و بالرغم من أن نسبة هذا التكتل
الطائفي هو أقل من 20% من النصيريين فإن هناك دعم خارجي من نفس النوع من
قبل الشيعة المتطرفين في النظام الإيراني و في العراق و لبنان, مع العلم
أن دعمهم ليس تأييداً للنصيريين و إنما جزءاً من عداوتهم لأهل السنة في
سوريا.
لماذا الدعم الدولي لنظام آل الأسد؟
أسباب الدعم الدولي لنظام طائفي يكون من الأقلية النصيرية في سوريا يكمن
في أسباب عديدة منها أن الأقلية النصيرية يمكن أن تكون عميلة أكثر للأنظمة
الاستعمارية للحفاظ على بقائها في السلطة في حين أن الأغلبية من أهل السنة
لا يرغب أحد من تلك الدول بها أن تكون هي المسيطرة, وهذا يذكرنا
بالتصريحات الأخيرة التي تم توجيهها إلى بشار بأن حقوق الإنسان له ذاكرة
طويلة الأمد و أنه لن يفلت من جرائمه! لكن يبدو هذه الذاكرة قد تم فقدانها
تماماً في أحداث حماة 1982 مع المجزرة الكبرى التي قام بها حافظ الأسد و
أخيه رفعت الأسد الذي لا يزال يسرح و يمرح في بلاد الغرب.
هل ستنتصر الثورة؟
لقد تقاطعت المصالح الغربية و الروسية و الإسرائيلية في نظام الأسد, مما
جعل اتفاق الجميع على الحل أمراً شبه مستحيلاً خلال العام السابق, ولكن
استمرار شلال الدم هو ما سيجبر الجميع على تقديم التنازلات و التدخل لحل
الأزمة. و الثورة منتصرة مهما كان الثمن إن شاء الله.
السبت مارس 24, 2012 10:45 am من طرف badar222