خمس
دقائق فقط، هي كل ما يلزمك لتفتح مدونة لك وتحصل على منبر حر يمكنك منه
التحدث في كافة المواضيع الشخصية والعامة دون أي قيود أو رقابة من أي نوع
سياسية كانت أو دينية، كما يكفل لك التدوين سرية شخصيتك إذا رغبت في ذلك
مما قد يبعدك تماما عن تحمل عواقب ما تنشره اللهم إلا في حالة أن تكون أنت
الذي قمت بكشف نفسك بنفسك من خلال تسريب معلومات خاصة عن حياتك في ثنايا ما
تكتبه . وما أن تشرع في كتابة ونشر ما تريده من أفكار تنضم بتلك الخطوة
إلي مجتمع التدوين العربي المفتوح وتصبح واحد من مئات المدونين العرب الذين
ينشرون أفكارهم ويتشاركون بها مع كل مستخدمي شبكة الانترنت .
المدونة
في الأساس هي مصطلح ابتكره المستخدمين العرب كتعريب لكلمة بلوج blog، حيث
اشتقت الكلمة من فعل دون، تدوين،مدونة ليصبح اسم الفاعل منها مدون، مدونون
بدل من بلوجر blogger أوbloggers . ومصطلح بلوج blog هو مصطلح حديث حتى في
الانجليزية حيث تم إدخاله لأول مرة إلي معجم أكسفورد في طبعة مارس 2003، في
الأساس كلمة blog هي اختصار لكلمة web-blog والتي تعني الترجمة الحرفية
لها موقع ¬سجل، ليتم اختصارها بعد ذلك لتصبح blog بالانجليزية، مدونة
بالعربية . هنا نشير إلي أن عملية التعريب تلك تمت دون صدور قرار من المجمع
اللغوي، بل هو اشتقاق نحته المدونون العرب مع بداية استخدامهم للغة
العربية في مدوناتهم، وهو ما سيكشف لنا لاحقا عن الخلفية الثقافية والأدبية
التي يتميز بها معظم المدونين العرب وحرص معظمهم عند الكتابة بالعربية على
استخدام كلمات عربية يقومون هم بنحتها واستخدامها دون اللجوء إلى استخدام
المرادف الانجليزي، مثلما قام ألف صاحب مدونة ' طي المتصل ' باستخدام كلمة '
سخام ' بدل من كلمة spam الانجليزية والتي يقصد بها الرسائل الإعلانية
المزعجة التي تصل إلي البريد الالكتروني .
البلوج أو المدونات يمكن
تعريفها من الناحية الوظيفية بأنها عبارة عن مواقع إلكترونية يمتلكها
ويديرها أشخاص أو جماعات يقومون بنشر يومياتهم وأفكارهم على هذه المواقع،
ويتم هذا باستخدام تقنية النص العادي أو النص الفائق الذي يمكن أن يتضمن
إشارات إلي روابط ومواقع إلكترونية أخري، كما يمكن إضافات الصور والملفات
الصوتية، وتتم إضافة الموضوعات مع توالي الأيام بحيث تتحول المدونة إلي
أرشيف خاص بالمدون، كما يمكن لأي من متصفحي شبكة الانترنت قراءتها والتعقيب
والتعليق عليها.
بداية عصر التدوين الإلكتروني تقريبا بدأت مع عام
1997، ومثل كل ما ارتبط بكلمة إلكتروني فقد بدأ التدوين من أمريكا، حيث
لعبت الكثير من المدونات الأمريكية دور سياسي بارز في التأثير على الرأي
العام أثناء بداية الحرب على العراق والانتخابات الأمريكية مثل مدونة أستاذ
اللغويات ناعوم تشومسكي والتي من خلالها كون تشومسكي جبهة معارضة قوية ضد
الحرب على العراق، كما اعترف البيت الأبيض مؤخرا بالمدونات كوسيلة من وسائل
الإعلام وأصدر أول تصريح صحافي لأحد أهم المدونين الأمريكان، وهوجاريت
جراف، صاحب مدونة فيشبول دي سي،، أما عصر التدوين العربي فقد بدأ مع عام
2001 تقريبا، وفي البداية استخدم المدونون العرب اللغة الانجليزية للكتابة
في مدوناتهم ويعتبر 'سلام باكس' واحد من أشهر المدونين العرب الذين يكتبون
بالانجليزية والذي كتب في مدونته التي تحمل نفس الاسم عن رؤيته كمواطن
عراقي لأحداث الحرب على العراق، وقد ذاع صيت مدونة ' سلام باكس ' حتى أنها
صدرت مؤخرا في كتاب أصدرته صحيفة الجارديان بعنوان 'سلام باكس مدونة من
العراق ' .
حتى أواخر عام 2003 كان العثور على مدونة عربية تستخدم اللغة
العربية شئ نادر وفي هذا الوقت لم تكن المدونات المكتوبة باللغة العربية
تتجاوز أصابع اليد، لكن مع نهاية عام 2004 كان الأمر قد تغير وانفجر طوفان
من المدونات العربية والمصرية مضمونا ولغة، صحيح أن العدد لا يزال منخفضا
مقارنة بالمدونات الإيرانية على سبيل المثال التي يزيد عددها عن سبعين ألف
مدونة، لكن الظاهرة آخذه في الازدياد والتأثير في البلدان العربية، وقد برز
دور المدونين العرب والمصريين في الأحداث الأخيرة، بعد انتهاكات يوم
الاستفتاء، حيث كانت المدونات المصرية هي أول وسائل الإعلام التي ظهرت فيها
صور الانتهاكات قبل حتى بعد القنوات الفضائية وحتى بعد ذلك فغالبا ما يتم
التخطيط للمظاهرات واختيار أماكنها من قبل بعض المدونين ذو الميول السياسية
أصحاب التأثير على الكثير من الحركات الشعبية مثلما حدث في مظاهرة السيدة
ودوران شبرا الأخيرة .
علاء صاحب مدونة ' منال وعلاء' هو واحد من أشهر
المدونين المصريين ويحتوي موقعه على روابط لمعظم المدونات المصرية، كما
غالبا ما يقوم علاء بتغطية معظم الأحداث والتظاهرات الشعبية ومؤخرا طالب
علاء في مدونته بصحافة شعبية حقيقة ينعدم فيها الفرق بين القارئ والكاتب
ويتواري دور الناشر، وهو ما تتميز به المدونات كأداة إعلامية جديدة تظهر
على الساحة، فتكلفة إنشاء المدونة مجانية ولا تتجاوز خمس دقائق من وقتك فقط
يكفي الدخول على موقع blogger.com واختيار اسم النطاق 'عنوان مدونتك'
وتسجيل اسم المستخدم وكلمة المرور، لتحصل بعد ذلك على لوحة تحكم يمكنك من
خلالها نشر ما تريده واستقبال أراء وتعليقات القراء، فيختفي بذلك دور
الناشر ويتضاءل دور الكاتب فكل ما تكتبه قابل للتعقيب والتعليق من قبل أي
قارئ للمدونة وبهذا فالنص المنتج في النهاية هو نص يكتبه أكثر من فرد.
وربما هذا ما قد يبدو بشكل واضح في مدونة 'طق حنك' لصاحبها محمد وهي من
أشهر المدونات السياسية المصرية وقد سبق لمحمد أن تم ترشيحه في مسابقة
مراسلين بلا حدود، كما فازت مدونته بجائزة أفضل مدونة سياسية عربية لعام
2004 .
المدونات فقط ليست منابر إعلاميه أو وسائل دعاية سياسية، فيجب أن
نتذكر أن المدونات في الأساس هي وسيلة لكتابة اليوميات ونشرها في الفضاء
التخيلي لشبكة الانترنت، وعلى هذا فهناك عشرات المدونات العربية التي تمتلئ
بالتفاصيل اليومية الصغيرة والبديعة لأصحابها لتنتج في النهاية شكل يعتبره
البعض نوع أدبيا جديدا .
إيهاث صاحبة مدونة (أحلام الفتاة التائهة)
واحد من المدونات المميزة والتي تحكي فيها يوميات زوجة وربة أسرة عراقية
فلسطينيه تعيش الآن في كندا، تحكي إيهاث عن تفاصيل أمومتها، وعن تجربتها
القاسية في الحياة في إسرائيل، وحياتها بعد ذلك في كندا، هناك أيضا مدونة
'الست نعامه' لصاحبتها الست نعامه، وهي مدونه تقع في الحد الفاصل بين
الواقع والخيال، فالمدونة تحكي عن يوميات الست نعامه مع أصدقائها الحيوانات
ومغامراتها المختلفة في الغابة، كما أنها أحيانا قد تتعرض بالإشارة لبعض
الأحداث التي تقع في بلاد مصر !!!، هناك أيضا عشرات المدونات المصرية
والعربية الأخرى التي تحتفي بالتفاصيل اليومية في أشكال بديعة وجديدة من
الكتابة والتي لا يتسع المجال لذكرها كلها .
في المقابل فأن قدر لا بأس
بها من المدونين يستخدم مدونته لنشر بعض أعماله الفكرية والإبداعية من قصه
وشعر بعيدا عن صعوبات عملية النشر في الوطن العربي ومقص الرقيب الذي لا
يرحم، وقد حققت بعض هذه المدونات جماهيريه عالية على رأسها تأتي مدونته
حواديت لصاحبتها رحاب بسام ، رحاب تكتب في مدونتها عن تفاصيل وأحداث صغيرة
من حياتها وأحيانا ما تنشر الكثير من القصص المميزة ذات الشعبية الكبيرة
بين المدونين الذين لا يكفون عن التعلق والتعقيب على قصصها هذا بخلاف عدد
قراء رحاب الذي قد يصل في اليوم الواحد إلي أكثر من مائة قارئ، هناك أيضا
مدونة تواصل لأحمد نصر عجيزة والتي بالإضافة لكونها المساحة التي يستغلها
عجيزة لنشر يومياته فهي تحتوي على الكثير من أشعاره بالإضافة إلي بعض
الأعمال الكاريكاتيرية التي رسمها عجيزة بنفسه، نشير هنا إلي أن عجيزة هو
صاحب أول كاريكاتير عربي عن التدوين.
أما مدونة ' خنجر صفيح' فهي مدونة
شعرية كاملة، لا تحتوي إلي على قصائد شادي يوسف القصيرة والموجزة كما يليق
بنص سيبري منشور في فضاء تخيلي . اللافت للنظر أن معظم ما يكتبه المدنون
المصريون من شعر هو شعر عامي ويغيب تماما من صفحات المدونين المصريين شعر
الفصحى أومن الممكن أن يظهر على استحياء، حتى بعض المدونات التي أنشأت
تكريما لبعض رموز الأدب جاءت لشعراء من العامية المصرية، هناك مثلا مدونة
معنية بتراث صلاح جاهين وأخري بكتابات الأبنودي، فهل نحن أمام حركة مد
جديدة في شعر العامية المصرية تتخذ من فضاء شبكة الانترنت المفتوح وسيلة
لتعبر عن ذاتها ؟
معظم المدونين المصريين والعرب هم من جيل الشباب
الجديد، الذين يحاولون بما يكتبوه التعبير عن رؤية جيل جديد في الحياة
والفن والإبداع وحتى في التظاهرات، أفكار مبتكرة وطازجة دائما ما تخرج من
المدونين كان أخرها كنس السيدة، هذا الجيل لا يزال بكرا بعيد عن دائرة
الضوء إذ يقع المجال الأكبر لتأثيرهم في فضاء الانترنت، لكن رغم ذلك غالبا
ما تكون هناك لقاءات حقيقة بين المدونين على أرض الواقع ويكون هذا في
الغالب في بعض المظاهرات والأحداث الثقافية كحفلات الأوبرا وحتى ندوة باولو
كويلو الأخيرة في الساقية والتي عقدت أثناء زيارته لمصر في شهر مايو
الماضي، وهو مما يشير في الأغلب إلي طبيعة الاهتمامات والتوجهات لدي معظم
المدونين ويطرح سؤال حول مستقبل التدوين العربي وهل هو صوت يمثل مناخ
الطبقة المثقفة الجديدة ؟ أم أن الدائرة من الممكن أن تتسع لتشمل الجميع..
سؤال لا يمكن الإجابة عليه إلا بالانتظار ومتابعة ما يجري على ساحة
المدونات العربية.
الثلاثاء أبريل 17, 2012 11:40 am من طرف نبيل الحميري