طرح العديد من الأشخاص هذه الفكرة سعياً منهم لإثبات استحالة التطور (evolution)، ولا بد من القول إنها تقوم على فهمٍ خاطئ للقانون الثاني في الترموديناميك (second law of thermodynamics)، فلا تتناقض نظرية التطور حقيقة مع أيٍّ من القوانين المعروفة في الفيزياء.
ينص القانون الثاني في الديناميكا الحرارية ببساطة على أن إنتروبي (entropy) أي نظام مغلق سيميل للتزايد بمرور الزمن. يُمثل تعبير "الإنتروبي" مصطلحاً تقنياً ذا تعريف فيزيائي محدد، لكن من الممكن في كثيرٍ من الأحوال اعتباره مكافئاً للفوضى (disorder)؛ ولذا ينص القانون الثاني بكل بساطة على ازدياد الفوضى والعشوائية داخل الكون بمرور الزمن.
مع ذلك فإنّ الجزء الأكثر أهمية من القانون الثاني في الترموديناميك هو أنه ينطبق على النظام المغلق فقط (closed system)، أي ذلك النظام الذي لا يدخله أي شيء، ولا يُفلت منه شيء نحو الخارج؛ ولا يوجد أي شيء في هذا القانون يمنع أحد أجزاء النظام المغلق من أن يصبح أكثر ترتيباً طالما أن الجزء الآخر من النظام تزداد فوضاه، وهنالك العديد من الأمثلة الموجودة في الواقع اليومي التي تُثبت أنه من الممكن خلق النظام!
على سبيل المثال، أنت توافق بكل تأكيد على أن المرء قادر على أخذ كومة من الخشب والمسامير، وإنشاء مبنى باستخدامها؛ وفي هذه الحالة، أصبحت المسامير والأخشاب أكثر ترتيباً، لكن من أجل إنجاز هذا البناء، فإنّ الشخص بحاجة لتوليد الحرارة التي تزيد من القيمة الإجمالية للإنتروبي في الكون.
أو إذا كنت تُفضل مثالاً لا يتطلب أي تدخل من الوعي الإنساني، فانظر إلى ما يحصل عندما يتغير الطقس ويُصبح الجو أكثر برودة في الخارج؛ فحينها يكون للهواء البارد قيمة إنتروبي أصغر مقارنة مع الهواء الدافئ، أي أنه أكثر ترتيباً لأن الجزئيات في هذه الحالة لا تتحرك بالعشوائية نفسها الموجودة في الهواء الساخن، وبالتالي هنالك عدد أقل من الأماكن المتاحة لها.
ولذلك فإن الإنتروبي في الجزء المحلي الخاص بك من الكون يتناقص، لكن إذا ما كان ذلك مترافقاً مع زيادة في الإنتروبي في مكان ما، فإنه لا يوجد أي انتهاك للقانون الثاني في الترموديناميك في هذه الحالة.
هذه هي الصورة العامة للمشهد، فالطبيعة قادرة على الوصول إلى حالة من الترتيب انطلاقاً من الفوضى عند المستويات المحلية دون أي انتهاك للقانون الثاني في الترموديناميك، وهذا كل ما تطلبه نظرية التطور.
تنص فكرة التطور على طفرات جينية عشوائية تحصل في بعض الأحيان وتقود كائناً مفرداً إلى الحصول على بعض السمات المختلفة عن تلك التي ملكها أسلافه. من الصحيح أن هذه الطفرات العشوائية ربما تميل إلى زيادة الإنتروبي لتوزع إحيائي ما بشكلٍ إجمالي إذا ما حصلَت في نظام معزول (أي مغلق)؛ يعني ذلك أن معظم الطفرات ستؤدي إلى ظهور كائنات مفردة أقل "ترتيباً" (أي أقل تعقيداً)، والقليل من تلك الطفرات سيؤدي إلى ظهور كائنات أكثر تعقيداً، ولذلك فإنّ التعقيد (complexity) يتناقص إجمالاً.
مع ذلك، لا يحدث التطور في نظامٍ مغلق، وإنما يتطلب وجود قوى خارجية، أي انتخاب طبيعي (natural selection). تكمن الفكرة في إمكانية وجود بعض التأثيرات البيئية التي تجعل من الأحياء التي لديها طفرات خاصة (تلك الطفرات التي تجعلها أكثر تعقيداً) أكثر قدرة على النجاة والعبور بجيناتها إلى الجيل التالي؛ وبناءً على ذلك، مع توالي الأجيال، فإن الجينات الخاصة بالأنواع تصبح أكثر تعقيداً بشكلٍ متزايد، لكن عليك دوماً الانتباه إلى أن ذلك يحصل إذا ما تفاعلت الجينات مع العالم الخارجي؛ وبفضل هذا التفاعل فإنّ أنواعاً أخرى من الإنتروبي (أو الفوضى) ستُولد وستؤدي إلى زيادة إنتروبي الكون ككل.
إذا رأيت فهم ما سبق يحتاج مختصّاً، إليك هذه المقاربة عن لعبة البوكر.
عند توزيع أوراق اللعب في لعبة البوكر، يكون احتمال توزيع أوراقٍ جيدة أقل ترجيحاً من توزيع أوراق سيئة؛ فاحتمالات الحصول على ثلاثة أوراقٍ من نوعٍ معين مثلاً، ستكون أقل من احتمالات الحصول على ورقتين من نوعٍ واحد. ولذلك فإنّ معظم الناس في هذه اللعبة سيحصلون على أوراق سيئة، وعدد قليل منهم فقط سيكون محظوظاً بشكلٍ كافٍ ليحصل على ورق جيد؛ وهؤلاء هم الأكثر احتمالاً بأن يربحوا وينتقلوا إلى الجولة التالية (ويقابل ذلك "النجاة" والوصول إلى الجيل التالي في نظرية التطور).
لذلك، فإن "القوى الخارجية" -وهنا هي قواعد البوكر- المُؤثرة على التوزع العشوائي (كل مجموعات الأوراق التي تم توزيعها) ستميل إلى اختيار الأفضل بينها، وهي هنا الأقل احتمالاً.
الإثنين مايو 01, 2017 8:45 pm من طرف الريان