|
إذا كان مارتن هيدغر قد حقق في سياقات الفلسفة المعاصرة نقلة نوعية في سبيل تجاوز الميتافيزيقا، وإضاءة انحدارها بفضل عمله الجبار الذي تحقق في ضوء ثلاثة معطيات: استلهام نتشه وفلح بذور الاختلاف التي نثرها في تربة الفكر الغربي المعاصر، وتحرير أنطولوجيا أوائل الإغريق من شوائب الميتافيزيقا، والتوجه بمنهج الفينومينولوجيا المنحدر من إدموند هوسرل وجهة جديدة، تتوسله لاجتثاث الأنطولوجيا وتخلصه من بقايا النزعة السيكولوجية وفلسفة الذاتية التي ظلت دائمة الحضور عند هوسرل، كما يقول جان باتوكا. إذا كان الأمر كذلك، فإن في حديث جاك دريدا لمجلة الكرمل ما يؤكد أهمية هذه النقلة التي حققها هيدغر في سياقات الفلسفة المعاصرة واستفادته منها، يقول: «إن ديني لهيدغر هو من الكبر، بحيث أنه سيصعب أن أقوم هنا بجرده والتحدث عنه بمفردات تقييمية أو كمية، أوجز المسألة بالقول إنه هو من قرع نواقيس نهاية الميتافيزيقا وعلمنا أن نسلك معها سلوكا استراتيجيا يقوم على التموقع داخل الظاهرة وتوجيه ضربات متوالية لها من الخارج. أي أن نقطع شوطا مع الميتافيزيقا وأن نطرح عليها أسئلة تظهر أمامها من تلقاء نفسها عجزها عن الإجابة وتفصح عن تناقضها الجواني»(2). نقد ميتافيزيقا الحضور إذا كان هيدغر إذن قد قطع شوطا في سبيل تجاوز الميتافيزيقا بما هي قدر ملازم للفلسفة، وساهم ـ باعتراف دريدا نفسه- بقدر كبير في خلخلة بنياتها ونقل الفكر الفلسفي من التساؤل حول إمكانها إلى اجتراح أفق لممارسة فعل التفلسف بمنأى عن قواريرها، فإن دريدا يعتبر محاولة هيدغر تلك لتجاوز الميتافيزيقا محاولة ناقصة وغير مكتملة، وظلت بدورها حبيسة الرؤية الميتافيزيقية. بل إنها لا تعدو أن تكون سوى ترسيخ لميتافيزيقا من نوع جديد هو ما دعاه دريدا بميتافيزيقا الحضور . فحين كتب هيدغر في «المدخل إلى الميتافيزيقا»: «إن الوجود معناه بالنسبة للإغريق الحضور»، فإنه أضمر - في نظر دريدا - إمكانية التفكير في الوجود بما هو وجود، وليس الوجود بما هو حضور أو تجل في أشياء حاضرة. ولهذا بقي هيدغر - وهو الفيلسوف الذي فتح الطريق وبشر بأفاق مغايرة في سبيل تجاوز الميتافيزيقا - مشدودا بأكثر من خيط إلى أرض الميتافيزيقا. ثم إن محاولته لتقويض وهدم الميتافيزيقا ظلت بدورها مسكونة بهاجس ولغة ومنطق الميتافيزيقا ذاته، لأنه «لا سبيل إلى الاستغناء عن مفاهيم الميتافيزيقا لنقض الميتافيزيقا، وليس بحوزتنا أية لغة ولا أي منظومة تركيبية ومعجمية من شأنها أن تكون غريبة عن هذا التاريخ. فكل نطق بنقض الميتافيزيقا هو أصلا جزء منها ومن هيئتها ومنطقها الأساسي». إذا كان متن هيدغر إذن مسكونا بهاجس الميتافيزيقا وملفوفا في ثوب لغتها ومنطقها وهيئتها، فإن قراءة جاك دريدا لمتن هيدغر لاستئصال ترسبات ميتافيزيقا الحضور التي تأسره، واستنطاق الطبقات الميتافيزيقية التي ترهنه، هي بلا شك قراءة مفيدة، لكن استحضار قراءة هيدغر للميتافيزيقا قبل مباشرة وتلمس معالم قراءة دريدا للنص الهيدغري ولميتافيزيقا الحضور ستكون أفيد، ذلك لأن الميتافيزيقا تقوم، حسب هيدغر، على تأويل خاص للموجود. وهذا التأويل ليس في نظر هيدغر سوى عجز عن مساءلة ما يستحق أن يساءل (وما يستحق أن يساءل، حسب هيدغر، هو الوجود ذاته)، وحلقة في تاريخ نسيان الوجود. هذا النسيان الذي يطبع التاريخ الغربي ويؤسسه منذ أفلاطون الذي تبدأ معه الميتافيزيقا التي تشكل، حسب هيدغر، الأساس الحامل للتاريخ الغربي بأكمله. يحدد هيدغر إذن الميتافيزيقا كنسيان للوجود، ويبرز هذا النسيان من خلال الوقوف عند لحظة أفلاطون. فمعه يبدأ تأويل الوجود على ضوء التفكير. ومع تأويل الوجود على ضوء التفكير يبتدئ نسيان الوجود، أي نسيان أن الاختفاء سمة أساسية للوجود. إن حديث هيدغر عن الوجود كأفق ما فتئ يجيء دون أن يحضر وكوميض ما انفك يضمر أكثر مما يظهر، ينطوي على إقراره بانكشاف الوجود وحضوره في موجودات وأشياء حاضرة يصلنا عبرها صداه ورنينه . وهو إقرار يشي بحضور بعد ميتافيزيقي متوار في فكر هيدغر سيعمل دريدا على خلخلته واستباره عبر حوار لا متناه مع النص الهيدغري، ليس فقط لأن نص هيدغر- فيما يقول دريدا- نص بالغ الأهمية ، بل لأن محاولة استعادة الإمكان الذي يجعل انبثاق فكر فلسفي جديد ومغاير لن تتأتى إلى عبر حوار عميق مع نص هيدغر ومن خلاله. إن جاك دريدا وهو يحاور النص الهيدغري بغية تجاوز ميتافيزيقا الحضور لا يستفيد فقط من ترائه النقدي فحسب، بل إنه يستلهم النص الهيدغري في كليته ويعطي إشكالاته نفسا جديداً وحياة جديدة مثلما استلهم نص نيتشه وتمثل طريقته وأسلوبه في الكتابة وفي الخلخلة. وعليه، فإن فلسفة دريدا مواصلة نوعية وأمينة للنقد الهيدغري للميتافيزيقا الغربية التي تشكل القسمة والإرث الذي يربط دريدا بهيدغر وبسياق فكري “ينكر الأصل والمنطلق، وينسى السير المستقيم والتطوري، ويعود أدراجه دون أن يتراجع، يعيش الأثر والهامش، باحثا عن المعنى من اللامعنى، مناشدا الاختلاف والمغايرة». وهكذا يمكن القول إن دين دريدا إزاء إرث/ نص هيدغر كان دينا مزدوجا. فمن جهة، سيحاول استئناف عمل هيدغر في سبيل مجاوزة الميتافيزيقا طالما أن هيدغر- يقول دريدا- هو أول من قرع نواقيس نهاية الميتافيزيقا وعلمنا أن نسلك معها سلوكا استراتيجيا يقوم على التموقع داخل الظاهرة وتوجيه ضربات متوالية لها من الخارج ، ومن جهة ثانية سيعمل دريدا على تطهير القول الفسلفي الهيدغري من هاجس ميتافيزيقا الحضور الذي ظل ثاويا طي ضلوع نص هيدغر، وذلك بسلك مسلك هيدغر وتتبعه في السؤال الذي طرحه عن الوجود ، وتعيين معنى الوجود كحضور، وهو التعيين الذي رأى فيه هيدغر قدر الفلسفة. ولا سبيل إلى إنجاز هذه المهمة المزدوجة، التي يمكن نعتها اختصارا بتجاوز البعد الميتافيزيقي للفلسفة، إلا بإعادة قراءة النص الهيدغري في ضوء إستراتيجية لا تروم إعادة تكرار ما قيل بصدد الميتافيزيقا في المتن الهيدغري، وإنما تروم خلخلة بنيات الميتافيزيقا لتجاوزها بحيث لا نعود نفكر تفكيرا ميتافيزيقيا (وهو حلم لطالما راود هيدغر نفسه)، وتشخيص الداء الأساسي المتواري في عمل هيدغر وفي كل الميتافيزيقا الغربية، وهو حضور الوجود أمام ذاته (أو حضور الكينونة أمام ذاتها) وحضور المعنى أمام الذات. ففي عمل هيدغر- يقول دريدا- طبقات ميتافيزيقية لم تخضع بعد للاستنطاق. لكن: ما الذي استدركه دريدا عن هيدغر في خلخلته للميتافيزيقا التي مافتئت تعود على ذاتها في أشكال متعددة؟ هل يعمل دريدا في الأفق الهيدغري أم في جواره؟ وهل استطاع دريدا حقا، من خلال تفكيك وخلخلة ميتافيزيقا الحضور، تجاوز البعد الميتافيزيقي للفلسفة ورسم معالم فكر جديد خارج أسوار الميتافيزيقا، أم أن ما يحكم الميتافيزيقا ليس هو التجاوز وإنما هو التجاور والتحاور بما هي بنية الوجود (هيدغر) وقدر الفلسفة التي لا انفكاك لها معها ولا انفصال لها عنها؟ من النقد إلى التجاوز إذا كان عمل هيدغر يندرج ضمن سياق الإسهام في مجاوزة الميتافيزيقا (إذا جاز لنا استعمال تعبير هيدغر نفسه بصدد عمل كانط )، فإن جاك دريدا سينطلق من حيث انتهى هيدغر نفسه، وسيواصل عمله في سبيل المجاوزة حتى لا نعود نفكر تفكيرا ميتافيزيقا، ذلك أن هيدغر الذي حاول تجاوز الميتافيزيقا ظل حبيس الرؤية الميتافيزيقية بل وكرس- وهو يفكر في الوجود- لنمط جديد من الميتافيزيقا هو ميتافيزيقا الحضور. وعليه، فإن خلخلة ميتافيزيقا الحضور التي تقوم أساساً على تعيين الوجود بوصفه «حضوراً» لن يلتمس من خارجها (مادامت محاولة هيدغر لتملك الميتافيزيقا من خلال عصورها/تاريخها قد باءت بالفشل، وما دام الحوار/الاستذكار الذي عقده هيدغر مع الفلاسفة الفاعلين في تاريخها، والذي رام اجتثاث الأسس التي قامت عليها، بقي يتحرك داخل تراث ميتافيزيقي غربي مسكون بهواجس الميتافيزيقا ذاتها) ، بل بالسكن داخلها وزيادة تصديعها ، بإحداث شروخ عميقة في صرحها. وضمن هذا الأفق قدم جاك دريدا نقدا جذريا لفلسفة هيدغر، وحاول أن يزعزع فيها ميتافيزيقا الحضور وفهمها للوجود كحضور. لا سبيل إذن إلى مجاوزة فعلية للميتافيزيقا إلا بالسكن داخلها، لا بغرض تملكها (كما هو الحال عند هيدغر) بل بغرض خلخلة بنياتها وإعادة النظر في مفهوم الحضور الذي تقوم عليه، طالما أن «أي معنى لم يكن له أن يدل في تاريخ الميتافيزيقا إلا انطلاقا من الحضور وإلا باعتبارها حضوراً». ولا سبيل إلى إعادة النظر في مفهوم الحضور، وتعيين الوجود كحضور إلا بتفكيك وخلخلة المفاهيم الميتافيزيقية التي يقوم عليها من قبيل: الوعي والمعنى والذات والهوية والتاريخ. وبناء عليه، فإن كل خلخلة/مجاوزة للميتافيزيقا (ميتافيزيقا الحضور) يجب أن تسائل هذه المفاهيم المحددة لكل الأشكال الفكرية الميتافيزيقية بغية خلخلتها وتفكيكها بدءا بمفهوم الحضور، طالما أن كل المفاهيم التي نحتت مع الميتافيزيقا تقوم على مفهوم الحضور بصفته الأساس الذي تقوم عليه مسألة المعنى والحقيقة والقول والكتابة. وهكذا يمكن القول إن عمل دريدا تطوير ممكن لمشروع مجاوزة الميتافيزيقا الذي عقد الفكر الغربي المعاصر مع نتشه وهيدغر العزم على وضع لبناته الأساسية من أجل إيقاظ الاستجابة عندنا لما يدعونا إليه فكر الاختلاف. إن دريدا شأنه شأن هيدغر، يرى في الميتافيزيقا بعدا غير مساءل، لكن مع الفرق التالي: وهو أن هيدغر باشر قراءة/تقويضا للميتافيزيقا من الخارج، فحاول استنطاقها وتجاوزها في تاريخها، وابتدع لهذا الغرض مفاهيم جديدة تستند على بنية غالباً ما تغفلها الميتافيزيقا، وهي بنية اللغة، لا باعتبارها كلاما وإنما باعتبارها مكانا أو سكنا (مأوى الوجود)، في حين باشر دريدا قراءة/تفكيكا للميتافيزيقا من الداخل، فعقد العزم على خلخلة بنياتها وتفكيك مفاهيمها ونسف نسقها الداخلي. وهذا ما يفسر- إن صح اعتقادنا- عودة هيدغر إلى التفكير في حقيقة الوجود، أي إلى المحور الملازم للفكر الفلسفي، وإلى الإغريق الذين فكروا في الوجود كحضور. في الوقت الذي يلح فيه دريدا على ضرورة مساءلة ميتافيزيقا الحضور. وحيث يبقي هيدغر على نفسه داخل مقتضيات ميتافيزيقا الحضور، يشرط دريدا إمكانية الإنعتاق من إسار ميتافيزيقا الحضور، ومن نمط التفكير الميتافيزيقي، بضرورة الإقامة داخل الميتافيزيقا، لا بغرض مهاجمتها ومحاكمتها، وإنما بغرض بيان أنها لم تتوفر قط على ما تدعيه من اكتفاء وامتلاء ويقين وحضور. بيد أن ما يميز حوار دريدا مع الميتافيزيقا عن حوار هيدغر معها، هو أنه ساهم على غرار ميشيل فوكو وجيل دولوز في تفكيك الميتافيزيقا في مجالات أخرى خارج مجال الفلسفة (الأدب، التحليل النفسي، اللسانيات، المسرح، الفن التشكيلي، السينما...إلخ) ذلك لأن الميتافيزيقا بوصفها نسيان للوجود أو بنية الوجود (كما يقول هيدغر) ليست مجرد مبحث من مباحث الفلسفة، ولا تحضر في كلام الفلاسفة فقط، بل إنها حاضرة في كل ما أبدعه ويبدعه الإنسان، فهي فكر كوني مافتئ يكتسح العالم والإنسان أينما حل وارتحل. وعليه، فإن دريدا يدفع بمشروع مجاوزة الميتافيزيقا إلى أفق أوسع وأرحب وإلى أقصى مداه، فلا يقف عمله عند حدود مجاوزة الميتافيزيقا بما هي بعد من أبعاد الفلسفة، بل يتعدى ذلك إلى محاولة مجاوزة الميتافيزيقا بما هي بعد من أبعاد الكينونة والوجود الإنساني. وإذا كان دريدا يصف مشروع مجاوزة الميتافيزيقا الهيدغري بالمشروع الميتافيزيقي، فليس لأن هيدغر ظل مسكونا بهاجس ميتافيزيقا الحضور فحسب، بل لأن منهجيته التي احتذاها في فعل المجاوزة ظلت هي الأخرى حبيسة الرؤية الميتافيزيقية، لأن فيها -حسب دريدا- نهجا لاستمرار التمركز حول اللوغوس، وهو بذلك يعيد ترسيخ مركزية اللوغوس ويوضح حقيقة الوجود بوصفها مدلولا متعاليا . وليس ذلك فحسب، بل إن تمركز منهجية هيدغر يكمن كذلك في عده الخطاب الفلسفي برمته ذا توقيع يوناني في الأصل، وأن الحضارة اليونانية هي الحضارة الوحيدة التي أنتجت الخطاب الفلسفي. ولا سبيل إلى مباشرة فعل التفلسف إلا بالمرور عبر لغة اليونان أو لغة الألمان التي تعتبر وريثة للغة اليونانية ويستحيل التفكير فلسفيا خارجها ، وهي أفكار سبق أن أقرها هيدغر في مؤلفه «مدخل إلى الميتافيزيقا»، كما لاحظ ذلك جاك دريدا بحق. محصول القول: مع دريدا إذن عرف الفكر الفلسفي المعاصر تحولا جذرياً وأساسياً يتمثل في إعادة التفكير في الميتافيزيقا، انطلاقا من استراتيجية تفكيكية تروم رصد مختلف المفاهيم التي يحاول فكر الاختلاف خلخلتها بغية تجاوز الميتافيزيقا والانفلات من قبضة هيجل ومن ميتافيزيقا الحضور الذي يتمثل كتطابق وكادعاء لامتلاك الحقيقة. وبما أن الميتافيزيقا ظلت، منذ نشأتها، تعني «الحضور» وتتلخص فيه، فإن مهمة إستراتيجية التفكيك هي السكن داخل الميتافيزيقا ذاتها لخلخلة بنياتها وتقويض الحضور ومرادفاته كالهوية والذاتية. الهوامـش 1- عمر التاور: الاجتثاث الفينومينولوجي للأنطولوجيا، مجلة فكر ونقد، عدد 97، 2008، ص ص: 82 – 92. 2- جاك دريدا: الكتابة والاختلاف، ترجمة كاظم جهاد، تقديم: محمد علال سيناصر، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط1، 1988، ص: 47. 3- يقول دريدا بهذا الصدد: «بالنسبة لنقد هيدغر، فهذا ما كنت أقوم به في الواقع منذ البداية، ففي جوانب كثيرة من عمله،وجدته ما يزال حبيس الرؤية الميتافيزيقية»(1) جاك دريدا: الكتابة والاختلاف، مرجع مذكور، ص: 47. 4- يقول دريدا: «ينتابني أحيانا الشعور بأن الإشكالية الهيدغرية هي الدفاع الأكثر عمقا والأكثر قوة عما أحاول إثارته تحت عنوان: ميتافيزيقا الحضور»1. “La problématique heideggérienne est la défense la plus profonde et la plus puissante de la pensée de la présence 1” 1- Jaques Derrida: positions, Minuit, Paris, 1972, p: 75 -5 “Il n y a aucun sens à se passer des concepts de la métaphysique pour ébranler la métaphysique, Nous Ne disposons d’aucun langages - d’aucune syntaxe et aucune lexique- qui soit étranger à cette histoire, Nous ne pouvons énoncer aucune proposition destructrice qui n’ait du se glisser dans la forme, dans la logique et les postulations implicites de cela même qu’elle voudrait contester”1 1- Jaques Derrida: l’écriture et la différence, coll. saints seuil, Paris, 1967, p: 412. 6- يقوم هيدغر في كثير من المناسبات بتحليل موقع أفلاطون في الفكر الغربي، يمكن الرجوع مثلا إلى كتاب: “مدخل إلى الميتافيزيقا” الفصل الرابع، الفقرة الثالثة، بعنوان: “الوجود والتفكير”، كما يمكن الرجوع أيضا إلى نص “نظرية أفلاطون حول الحقيقة” ضمن كتاب: (Questions II). 7- يشبه هيدغر الوجود بالنبع، فإذا كانت أواني السقائين تنقل ماء النبع دون أن تنقل النبع أو تستنفده، فكذلك الشأن بالنسبة للوجود الذي ما يفتأ منحدره ينسحب ويتوارى، أما صوته ورنينه فيأتي صوبنا كالضياء يصعب المسك به وحصره، فلا يسعنا أمامه سوى الإنصات إلى صداه. فكما أننا لا نرى سوى انسياب ماء النبع ومعه يصلنا صدى النبع الذي منه يأتي الماء، فكذلك لا نرى إلا انكشاف الأشياء الموجودة والحاضرة ومعها يصلنا صدى الوجود، أما الوجود فمنه يأتي كل شيء وهو لا يأتي، إنه أفق ما يفتئ ينكشف ويحضر دون أن يكون له ظهور وحضور مطلق. يقول دريدا بهذا الصدد: “بعد استحضاره صوت الوجود، يذكرنا هيدغر بأنه صامت، أخرس، لا صوت له ولا كلمة، وأنه بالأصل عديم النبر لأن صوت المنابع ليس يسمع، وأنه قطيعة بين المعنى الأصلي للوجود والكلمة، بين المعنى والصوت الممفصل، إن مثل هذه القطيعة التي تؤكد على استعارة جوهرية تترجم جيدا التباس موقف هيدغر من ميتافيزيقا الحضور والتمركز حول اللوغوس”1 1- Jaques Derrida: De la grammatologie, éditions Minuit, Paris, 1967, p: 37. 8- يقول دريدا: “إن نص هيدغر، نص بالغ الأهمية في نظري، إنه يشكل خطوة إلى الأمام لم يسبق لها مثيل، خطوة لا يمكن أن ترتد إلى الوراء، خطوة مازلنا حتى الآن أبعد ما نكون عن الاستفادة من ترائها النقدي”1. 1- Jaques Derrida: positions éditions Minuit, Paris, 1972, p: 73. 9- عز الدين الخطابي/ إدريس كثير: في الحاجة إلى إبداع فلسفي، منشورات الزمن، عدد 48، مطبعة النجاح الجديدة، الدارالبيضاء، 2006، ص: 143. 10- جاك دريدا: الكتابة والاختلاف، مرجع مذكور، ص: 47. -11” Il faut passer par la question de l’être, telle qu’elle est posée par Heidegger et par lui seul, pour accéder à la pensée de la différance” 1 1- Jaques Derrida: De la grammatologie, éditions Minuit, Paris, 1967, p: 32. 12- يقول دريدا: “إن كل ما أقوم به يكمن في أنني أضع سؤال تعيين معنى الوجود كحضور، وهو التعيين الذي رأى فيه هيدغر قدر الفلسفة”1 1 - Jaques Derrida: positions, op.cit, p: 15. 13- يقول هيذعر بهذا الصدد: “نفهم عمل كانط في إطار المساهمة في مجاوزة الميتافيزيقا»1 1- Martin Heidegger: Etre et temps, op.cit, p: 40. 14- انظر بهذا الصدد: محمد طواع: هيدجر والميتافيزيقا، مقاربة تربة التأويل التقني للفكر، دار أفريقيا الشرق، الدارالبيضاء، 2002. 15- سارة كوفمان- روجي لابورث: مدخل إلى فلسفة جاك دريدا، تفكيك الميتافيزيقا واستحضار الأثر، ترجمة: عز الدين الخطابي وإدريس كثير، دار أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، ط2، 1994، ص: 22. -16 Jaques Derrida: marges de la philosophie, éditions Minuit, Paris, 1972, p: 58. 17- يقول دريدا بهذا الصدد: “ربما كان تاريخ الميتافيزيقا مثل كل التاريخ الغربي هو تاريخ لهذه الاستعارات والكنايات. لكن هذه الأشكال كلها تجتمع في كونها تعين الوجود كحضور بكل ما في الكلمة من معان، وبإمكاننا أن نبين أن كل الأسماء التي أطلقت على الأساس والمبدأ و الأول و المركز قد دلت دوما على ما هو ثابت في الحضور، مثل الأيدوس والأصل والغاية والجوهر والماهية والوجود والحقيقة والذات المتعالية والوعي والإله و الإنسان»(1). 1- “L’histoire de la métaphysique, comme l’histoire de l’occident, serait l’histoire de ces métaphores et de ces métonymies. La forme matricielle en serait….la détermination de l’être comme présence à tous les sens de ce mot, on pourrait montrer que tous les Noms du fondement, du principe ou du centre ont toujours désigné l’invariant d’une présence : eidos, archè, telos, energeia, ousia ( essence, existence , substance ,sujet) aletheia, transcendantalité, conscience, Dieu, homme, etc. )” - Jaques Derrida: l’écriture et la différence, op. cit, p: 410-411. 18- تتخذ كلمة “ميتافيزيقا” عند دريدا معنى يقع على طرفي نقيض مع المعنى الدارج والشائع لها، ويختلف عن المعاني التقليدية لكلمة ميتافيزيقا. فإذا كان هيدغر يرى في الميتافيزيقا مجموع مظاهر الفكر الغربي بدون تمييز (الفلسفة، العلم ، التقنية...) ويحشر داخلها كل المذاهب الفلسفية والتيارات السياسية والحركات العملية، التي يمتد ظهورها من أنكسمندريس حتى نيتشه، والتي تشترك جميعها في خطيئة نسيان الوجود، فإن كلمة ميتافيزيقا حسب غياتري سبيفاك (مترجمة النص الانجليزي لكتاب الغراماتولوجيا) تعني عند دريدا «الحضور». والحضور هو كل وجود يستمد حقيقته من مصدر أولي، سواء كان هذا المصدر هو الإله أو العقل أو الجوهر أو الإنسان. ويقول جاك دريدا في «الكتابة والاختلاف» إن الميتافيزيقا هي النظر إلى الوجود أو الكينونة في حضور مبادئ أولية أو مراكز مرجعية مثل الجوهر، الوجود، المادة، الذات، الوعي، الإله، الإنسان”، ومن ثم تصبح مهمة خلخلة ميتافيزيقا الحضور هي تفكيك الحضور عن طريق تفكيك هذه المراكز المرجعية. والمدخل إلى هذا التفكيك هو تفكيك اللغة عبر تقويض بنية المعنى بفصل الدال عن المدلول. 19- تقوم ميتافيزيقا الحضور على تعيين الوجود بوصفه حضورا أمام الذات. بيد أن هذا الحضور ما هو إلا حضور واهم ورمزي، يعوض الإشباع الحقيقي للرغبة، ذلك لأن ميتافيزيقا الحضور تعوض الرغبة في الحضور أمام الذات بحضور “لم يحدث أبدا ولم يعط أبدا لكنه حلم فقط(1)، وعلى الرغم من أن هذا الحضور هو حضور ناتج عن حلم، فإنه يظل في ميتافيزيقا الغرب حضوراً متمما ومثيراً للرهبة. ويدلل جاك دريدا على ذلك باعترافات جان جاك روسو التي قال فيها: «التمتع، هل صنع هذا المصير من أجل الإنسان؟ آه، لو كنت قد دقت ولو مرة واحدة في حياتي كل متع الحب في امتلائها، فأنا لا أتصور أن وجودي الضعيف سيكون قادرا على الاكتفاء بها، إذ سأكون قد مت على الفور»(2)، ويعلق دريدا على هذا الاعتراف قائلاً: «إن الحضور مرغوب فيه ومثير للخشية في نفس الوقت، لأن المتعة نفسها لن تكون سوى اسما آخر للموت»(3). 1- Jaques Derrida: De la grammatologie, éditions Minuit, Paris, 1967, p: 164 2 - 3: سارة كوفمان- روجي لابورت: مدخل إلى فلسفة جاك دريدا، مرجع مذكور، ص: 34. 20- يشير هانس غيورغ غادامير بهذا الصدد إلى أن “هيدغر لم يفلت من أوهام العقل المركزي كما تبين ذلك قراءته لنيشته”1. وربما كان هذا هو ما دعا دريدا إلى العمل على “تحرير نيتشه من قراءة من النمط الهيدغدري”2. وربما كان هذا أيضاً هو ما قصده غادامير حين كتب يقول: “ينكر دريدا المحاولة التي يمثلها التأويل الهيدغدري لنيتشه. فهو يتهم كل تأويل أحاذي لأثر نيتشه بأنه أسير العقل المركزي للميتافيزيقا”3، إلا أن غادامير يعود إلى القول أن نيتشه قد يكون أرضية مشتركة بين دريدا وهيدغر. 1-3: هانس غيورغ غادامير: مدخل إلى أسس فن التأويل، التفكيك وفن التأويل، ترجمة: محمد شوقي الذين، مجلة فكر ونقد، عدد: 16، فبراير 1999، ص: 98 – 100. 2- Jaques Derrida: De la grammatologie, op.cit, p: 32 -21 Jaques Derrida: De la grammatologie, op.cit, p: 37. 22- يقول هيدغر بهذا الصدد: «إن ما يتردد غالبا عن فلسفة غربية أوروبية ليس في الحقيقة إلا حشوا لماذا؟ لأن الفلسفة بجوهرها يونانية، ونعني بذلك: إن الفلسفة منذ بداية نشأتها إنما تعود إلى النمط الذي انبثقت منه الحضارة اليونانية»(1)، ويردف هيدغر قائلاً: «إن موضوع السؤال ما الفلسفة؟ ليس وحده من أصل يوناني، بل إن الكيفية التي نسأل عبرها، كيف نصوغ السؤال، هذه الكيفية يونانية أيضاً»(2). 1-2- مارتن هيدغر: ما هي الفلسفة؟، ترجمة: جورج كتورة، مجلة العرب والفكر العالمي، العدد4، خريف 1988، ص: 24 -25. 23- يقول هيدغر بصدد اللغة الألمانية كوريثة للغة الإغريق في حواره مع مجلة Der spiegel: «أفكر في الواشجة التي تربط اللغة الألمانية بلغة الإغريق وفكرهم، هذا ما يؤكده لي الفرنسيون دائماً، عندما يفكرون أنهم مجبرون على أن يتكلموا الألمانية، وهم يؤكدون أيضا أنهم لا يتمكنون من التفكير من خلال لغتهم»(1). 1- حوار مع مارتن هيدغر، ترجمة: حسونة المصباحي، مجلة العرب والفكر العالمي، العدد4، خريف 1988، ص: 19. - Jaques Derrida: Heidegger et la question, Champs Flammarion, Paris, 1990, p: 89.