[rtl][/rtl] [rtl]لو تم اختراع طريقة لنقل دماغي بالكامل إلى جسد شخص آخر
فهل سيتحول وعيي إلى ذلك الشخص بالكامل؟
في الحقيقة هذا السؤال مهم جداً و مثير للفضول، و أعدكم أن يكون الكلام بعيداً عن المصطلحات العلمية المعقدة.
[size=30]هذه محاولتي للإجابة…
– جيد أنني أحضرت المظلة لأنها بدأت تمطر و لدي موعد لا أريد الذهاب إليه وثيابي مبتلة
– اللعنة لا أحب هذه الأغنية على المذياع.
– لماذا لم يبتسم لي غسان” عندما قلت له صباح الخير؟”
– يجب أن أتصل بأمي لم أتكلم معها لعدة أيام !
لمن أقول ” جيد أنني أحضرت مظلة؟” ألست أنا من أحضرها؟
لمن أبدي رأيي في الأغنية على المذياع؟ ألست أنا من يسمعها؟
لماذا يدور هذا النقاش في رأسي و من هم المتحاورون؟
من أين يأتي الشعور و كأنني كيان منفصل عن جسدي؟
أشعر أنني أقود الجسد من خلف العيون، فأقول يدي تؤلمني و كأنها من ممتلكاتي و ليست جزء مني.
لماذا أفكر مع نفسي و كأنني غير قادر على التفكير في صمت؟.
في هذه السطور سأحاول تحليل موضوع مركب و هو “الأنا” أو “النفس” و من ثم سأحاول الإجابة على السؤال الأصلي المتعلق بالفرضية العلمية المتعلقة بانتقال الوعي من جسد إلى آخر.
[size=30]من أنت؟
أنت مجموعة من النظم الطبيعية المتجانسة التي تعمل في تناغم مع بعضها البعض لتبقى جميعها على قيد الحياة ضمن نظام متكامل نسميه الجسد.
الدماغ هو أحد هذه الأنظمة ضمن الجسد و هو يلعب دور المايسترو في ضبط أدوار هذه النظم و توظيفها.
إذاً الدماغ هو عضو مثله مثل القلب، أو الكبد، أو الكلية، أو العين، مع الاختلاف في الأدوار و الأولوية في البقاء على قيد الحياة.
أعلم أن هذه المعلومات قد تبدو بديهية في الظاهر، إلا أنها أساسية و محورية في موضوع فصل العقل عن الجسد أو ما يسمى في علم النفس Cognitive Dualism
الوهم الحاصل بكون الجسم منفصل عن الدماغ، و أن النفس هي عبارة عن قبطان للجسد هو موضوع فلسفي أكثر من كونه علمي، لأنه لا يوجد أي دليل علمي يثبت أن الدماغ و الجسد كيانين منفصلين، بل على العكس هو كيان واحد مترابط، نسمي هذه الفرضية الشبح في الآلة.
الشبح في الآلة يرمز لشعورنا و كأن (الأنا) هي كيان منفصل يقود آلة اسمها الجسد، إلا أن علم الأعصاب والدماغ يثبت بشكل قطعي عدم وجود مثل هذا الشبح، و أن هذا الشعور مجرد وهم. إن العديد من الغدد التي تفرز الهرمونات موجودة خارج الدماغ و هذا يعني أن العمل الدماغي يتجاوز الكتلة الدماغية المعروفة و النخاع الشوكي و هو ممتد عبر الجسد.
[size=30]ما هو الدماغ؟[/size]
الدماغ هو جهاز حاسوب بيولوجي يعمل على تحليل جميع الإشارات الحسية العصبية بطريقة تمكن الجسم من إدراك محيطه و رسم ردات الفعل للتعايش مع المحيط، هدف الدماغ هو استنتاج كل ما يحدث ضمن منظومة مبنية على معارف مسبقة، لهذا نجد أن الخوف يأتي و ينتج عن عدم القدرة على رسم تصور واضح لما يجري، هذا الوصف بسيط جداً جداً عن الدماغ.
الدماغ مؤلف من طبقات و أقسام عديدة، و كل طبقة من هذه الطبقات تروي حكاية و تاريخ في قصة تطور الإنسان، كل قسم له وظائف مختلفة ومترابطة مع غيرها، إلا أنها ليست كيان واحد منفصل.
نعم الدماغ عبارة عن مجموعة من الأعضاء التي تعمل بشكل جماعي لتحقيق غاية قيادة بقية أعضاء الجسم، مثلاً القسم الزاحف (نسبة لكونه يعود لأيام الزواحف و تطور معنا حتى اليوم) هو مسئول عن إدارة الأعمال المتعلقة بتنظيم دقات القلب، و درجة حرارة الجسم، و التوازن.
هذا القسم يعمل كل يوم دون الاكتراث بما يعمله قسم ال limbic المسئول عن العواطف و الذاكرة. كل قسم يقوم بعمله و يشارك بقية الأقسام بالمستجدات التي تحدث ضمن مجال عمله، نعم هم يتفاعلون و يؤثرون على بعض لكن لكل منهم أولوياته و هدفهم المشترك هو إبقاء الجسم على قيد الحياة.
لنأخذ هذا السناريو و نحلله:شاب متزوج و شابة عزباء يجلسان في البار يشربان الكحول، قامت الشابة بوضع يدها على كتف الشاب المتزوج، فجأة نسي الشاب المتزوج أنه متزوج، و محا زوجته من ذاكرته تماماً، و بادر بلمس يد الفتاة و طلب منها أن يذهبا إلى مكان آخر أكثر خصوصية.
ماذا حدث هنا دماغياً و من هو القبطان؟
[size=30]الشابة:[/size]
– الشابة في المرحلة الأخيرة من دورتها الشهرية، و نسبة الأستروجين التي أفرزتها مبيضاها أصبحت عالية في دورتها الدموية (أستروجين هرمون محفز جنسياً)
– الكحول أثر على القسم الأمامي من الدماغ، و المسئول عن تقييم المخاطر و اتخاذ القرارات.
– الشابة لديها رغبة بالعملية الجنسية كنتيجة لارتفاع نسبة الهرمون الجنسي أستروجين
– الشابة في عمر الـ20 تبحث عن شريك لتستطيع تحقيق الهدف الأساسي و هو التكاثر
– الشاب عرض جينات جيدة من خلال لغة جسده و تفاصيل وجهه
الشاب:– يشعر بالتعب و الملل من حياته الجنسية مع زوجته بسبب خمول العلاقة لأسباب عديدة هذا يعني انخفاض .نسبة هرمون الدوبامين بشكل عام
– الكحول أثر على القسم الأمامي من الدماغ و المسئول عن تقييم المخاطر و اتخاذ القرارات
– ارتفاع نسبة هرمون “الأوكسيتوسن” في الجسم نتيجة لمس الفتاة لكتف الشاب.
– إفراز بعض الدوبامين كنتيجة لإفراز الأوكسيتوسن
– تحفيز الرغبة الجنسية نتيجة ارتفاع الأوكسيتوسن و الذي ربط النشوة الجنسية مع قسم المكافئة
– تحفيز قسم المكافئة بسبب ارتفاع نسبة الدوبامين، دون رادع من القسم الأمامي المسئول عن التقييم و اتخاذ القرارات بسبب الكحول.
[size=30]
التحليل:[/size]
الفتاة تعلم أن عليها البحث عن شريك يقوم بتربية أطفالها، إلا أن الكحول منع القسم الأمامي (فرانتال كورتكس) من تقييم الموقف و اتخاذ القرار الصائب بعدم التفاعل مع الشاب لأنه متزوج، هرموناتها الأنثوية، و غريزتها الجنسية، و ضبابية القدرة على اتخاذا القرارات، جعلتها تبادر الشاب عبر لمس كتفه. الشاب لديه 3 أطفال من زوجته، و حياته الجنسية تفتقر للمتعة بسبب ضغوط الحياة، إلا أنه غريزياً مازال مهتم بنشر جيناته مع شركاء آخرين. في الأيام العادية لا يبادر الشاب للقاء الفتيات لأن القسم الأمامي من دماغه يرفض ذلك، رغم الضغوط من قبل الأقسام الأخرى، الفرنتال كورتكس تعمل على تقييم المخاطر.
مخاطر (الطلاق، خسارة حضانة أطفاله، الخوف من المجازفة في علاقة غير مضمونة النتائج) هي ما يمنعه عادة، إلا أن الكحول خدر الفرنتال كورتيكس اليوم، و هذا أطلق العنان لبقية الأقسام أن تسرح و تمرح . في نفس الوقت، مازال القسم الزاحف من الدماغ ينظم دقات القلب و درجة حرارة الجسم لكن تأثير الكحول جعل من مهمته أصعب اليوم (هذا الوصف ليس كامل و دقيق من الناحية العلمية لكن الغاية توضيح بعض ما يحدث خلف الكواليس)
الدماغ و الجهاز العصبي ليسا عضو واحد، و إنما مجموعة كبيرة من الأنظمة التي تعمل ضمن وظائف مختلفة، لكل منها أهداف تسعى إلى تحقيقها بشكل أو بآخر.
[size=30]تجربة تثبت أقسام الدماغ[/size]
في بعض الحالات المرضية يكون العلاج فصل الدماغ من المنتصف قسم الكوربوس كولوسم (corpus callosum) و لا أريد الدخول بالحالة المرضية التي تؤدي إلى هذا العلاج، لكن لنلاحظ ماذا يحدث حين نقطع التواصل بين القسمين الأيمن و الأيسر..
– نضع المريض في غرفة و نغطي العين اليسرى بغطاء، هذا يعني أن الشخص يستخدم القسم الأيمن من الدماغ للرؤية
– نضع صورة سيارة أمامه
– نسأله عن الصورة ماذا وضعنا أمامك؟
لن يستطيع المريض الإجابة، لأن خاصية النطق موجودة حصرياً في الشق الأيسر، و الشق الأيسر لم يرى صورة السيارة، فيعجز المريض عن النطق بما رآه، لأن الشق الأيمن لا يستطيع إعلام الشق الأيسر بما شاهده..
نسأل المريض أن يرسم ما رآه في الصورة، فعلاً المريض يرسم صورة سيارة لكن بيده اليسرى حصرياً لأنها موصولة مع الشق الأيمن.
[size=30]في تجربة أخرى:[/size]
نعطي المريض صورة فيها مخلب دجاجة (ينظر إليها من خلال العين اليسرى أي القسم الأيمن من الدماغ) و الأخرى فيها منظر طبيعي فيه ثلوج كثيفة فيها معول ثلج (ينظر إليها من خلال العين اليمنى أي القسم الأيسر من الدماغ). ثم نسأل المريض أن يختار عدة أشياء من ضمن مجموعة من الصور يكون لها علاقة بما رأى من قبل.
المريض يختار بيده اليمنى معول لتنظيف الثلوج و صورة دجاجة في يده اليسرى.
ثم نسأل المريض لماذا اخترت هذه الاشياء؟
يقول المريض بسيطة، لأنني رأيت صورة مخلب الدجاجة، و اخترت المعول لأننا نحتاج المعول لتنظيف فضلات الدجاج.
إذاً القسم الأيسر لا يعلم أن القسم الأيمن قد رأى صورة للثلوج و عليه تبرير اختيار المعول، فيشكل قصة منطقية جديدة و هي أن المعول ضروري لتنظيف فضلات الدجاج، مع العلم أن القسم الأيمن مازال يعلم أنه رأى المعول في الصورة لكنه غير قادر على التعبير، فإذا سألنا المريض أن يرسم لنا صورة يعبر بها عن ما شاهد سيرسم صورة المعول، لأن القسم الأيمن هو المسئول عن الرسم، لكن إذا سألناه لماذا رسمت المعول سيقول لا يوجد سبب “لا على التعيين” لأن قسم اللغة لا يعلم أن القسم الأيمن شاهد معول..
من هنا أريد الانتقال لمفهوم الإدراك و الوعي….
الدماغ هو مجموعة من الأنظمة التي تعمل بشكل متناغم على إدارة الجسد، العمليات الدماغية تحدث خلف الكواليس خارج إدراك الكائن،
الإدراك هو أخر مرحلة من المراحل الدماغية، إذ على الدماغ تحليل ما يجري و وضعه ضمن سياق منطقي يفسر البيئة المؤثرة به.
أتمنى أن يكون الوهم بأن الشخص هو من يقرر و يقوم بالأفعال أصبح أكثر وضوحاً الآن.
في التجربة السابقة حين سألنا المريض عن سبب رسمه المعول لم يقل “لا أعرف” و إنما قام القسم الأيسر بتحليل هذا العمل و وضعه ضمن السياق الأكثر منطقية (المعول لتنظيف فضلات الدجاج) الطبيب و الباحث يعلمون أن المريض رسم المعول لأنه رآه في الصورة، لكن القسم الأيسر من دماغ المريض لا يعلم ذلك، لذلك ما نعتقد أنه منطقي أو أننا مدركين له هو مجرد وهم.
[size=30]من أين يأتي وهم “النفس” أو “الأنا”؟[/size]
العمل الدماغي لا يتجزأ عن حالة الجسد الكلية، فالدماغ وظيفته الأساسية هي ضبط وظائف الجسد، و بدون الجسد يصبح الدماغ مثل قائد أوركسيترا يقف وحيداً دون فريق العازفين و دون النوتات الموسيقية يحرك يديه دون جدوى.
إذاً الدماغ هو في حالة تحليل منطقية مستمرة لكل ما يجري من ظواهر و مؤثرات، و تفسير هذه الظواهر يتجسد بالشعور و كأننا نجلس خلف العيون و نقود الجسد، إلا أننا في الحقيقة ندرك القليل القليل من ما يجري من صراعات، و تحليلات، و حسابات داخل هذا المجمع العصبي و الذي نسميه الدماغ….
من هذه النقطة نستطيع الإجابة على السؤال الذي طرحته في بداية المقال، حول الأفكار و لماذا أشعر و كأن نقاش يدور في رأسي و فيه أكثر من جهة متحاورة؟
هذه النقاشات تتم بالفعل بين أقسام الدماغ، لكنك لا تدرك إلا جزء بسيط منها، أنت تدرك فقط الجزء المهم تحليله لتبقى الأمور منطقية و لكي تشعر أنك أنت من يتحكم بكل شيء.
لو تم اختراع طريقة لنقل دماغي بالكامل إلى جسد شخص آخر
فهل سيتحول وعيي إلى ذلك الشخص بالكامل؟
[size=30]الجواب:[/size]
لا لأنك أنت أصلاً غير موجود.
أنت وهم دماغي مرتبط بشكل مباشر مع جميع أعضاء جسدك، و أي تغير في هذه البنية سيشكل وهم جديد بناء على الجسد الجديد، ربما تنقل ذاكرتك لجسم آخر، و تشعر في الجسد الجديد أنك فعلاً انتقلت، لكنه لن يكون سوى وهم جديد و يسكون الأنت السابقة قد تبخرت و اختفت إلى الأبد[/size][/rtl][/size]