[rtl]ات[/rtl][rtl][/rtl] [rtl]في هذا المقال سأبحث موضوع فلسفي بعض الشيء ضمن منظور علمي فيزيائي وهو إن كان هذا الكون عبارة عن محاكاة افتراضية للوجود. فكرة المحاكاة تدور حول إمكانية أن يكون هذا الكون عبارة عن وجود داخل كمبيوتر كمي كبير وأننا مجرد برمجيات داخل هذا الكمبيوتر.
بداية يجب أن أنوه عن بعض النقاط في سبيل رفع المسؤولية العلمية عن نفسي وهي أنه من المستحيل علمياً إثبات عكس فرضية المحاكاة لأن أي دليل ينافي المحاكاة ممكن أن ندعي أنه جزء من المحاكاة وأنه موجود في سبيل تمويه المحاكاة. أيضاً، الأفكار المذكورة هنا على الرغم من أنها مبنية على أساس علمي لكنها ليس بحث حول بدايات الكون لأنه مهما كان الاستنتاج (إن كان هذا الكون عبارة عن محاكاة أو لا) فإن السؤال الأصلي حول بدايات الكون يبقى قائماً. من هي الجهة التي بدأت هذه المحاكاة ومن اين أتت؟ لهذا ولكي يكون هذا البحث مركّز حول نقطة المحاكاة فأنا أنوه أن هذا البحث لا يجيب على سؤال البدايات ولن أبذل جهد الالتفات له. ملاحظة أخيرة أيضاً وهي أنني مهما حاولت تجنب مغالطة الاستدلال الدائري ضمن هذا المقال فلن أستطيع ذلك لأن جميع المعلومات التي أقدمها ضمن المقال هي معلومات أنا تعلمتها من ضمن المحاكاة إن كانت صحيحة وبالتالي أنا لا أمتلك القدرة على الحصول على معلومات من خارج المحاكاة لكي أفسر هذه المحاكاة وهذا ما نسميه استدلال دائري حيث أني أثبت وجود الشيء من ضمن الشيء نفسه.
[size=30]الواقع:
نحن لا نمتلك أي وسيلة لأثبات أن هذا الواقع موجود خارج دماغنا إطلاقاً. كل ما نشعر به وكل ما نمارسه من نشاطات ممكن أن تكون ليست سوى تفاعلات افتراضية تتم ضمن نظام مغلق مبرمج من جهة أخرى. على فرض أن شخصية سوبر ماريو التابعة لشركة نينتندو تمتلك إدراك. لنتخيل أن ماريو مدرك أنه في مكان ثنائي الأبعاد وأن هدفه في الوجود هو أكل الفطر وجمع القطع النقدية والوصول نحو راية النهاية في كل مرحله. هو لا يعلم بوجود عالم خارجي يوثر عليه وليس مدرك بوجود كيان خارجي يتحكم بتصرفاته. هو يعتقد أن الوجود عبارة عن عالم ثنائي الأبعاد مليء بالمصاعب والعثرات التي تقف بينه وبين تحقيق غايته في الوجود “الوصول إلى راية النهاية”. قد يكون عالمنا شبيه بعالم ماريو.
هل سيعلم ماريو أنه ضمن لعبة أم أنه سيمارس وجوده ضمن القوانين المنصوصة له دون أن يميز أننا في الواقع نتحكم به في سبيل التسلية والترفيه. على فرض أننا نحن هي شخصية ماريو لكيان آخر يتحكم بنا فنحن لا نمتلك أي وسيلة لاكتشاف هذه الحقيقة وكل ما سنقوم به من اكتشافات لدحض فرضية أننا جزء من لعبة كمبيوتر ستكون اكتشافات وضعها لنا المبرمج لكي نعتقد أننا بدأنا نكتشف سر وجودنا. لهذا ستكون استراتيجيتي في الطرح هي ليست دحض أو أثبات هذه الفرضية وإنما طرح كيف ممكن أن يكون هذا الوجود مجرد محاكاة لعالم خارجي آخر.
موقفي الشخصي من الفرضية أنه يوجد دلائل كثيرة تشير إلى إمكانية وجودنا ضمن محاكاة كونية لكنني أميل لعدم قبول هذه الفرضية. أتمنى أن تتابع المقال خطوة خطوة قبل أن تقبل أو ترفض هذا الموقف.
[size=30]ادعاء المحاكاة:
هذا الادعاء مبني على أساس أن الواقع عبارة عن محاكاة حاسوبية للواقع بشكل تفصيلي يبدو واقعي للكيانات التي تعيش ضمنه بشكل لا يمكنها أن تميز أنه عالم افتراضي. يتم طرح ادعاء المحاكاة (Simulation Argument) عن طريق فرضية المحاكاة (Simulation Hypothesis).
الفرضية تدعي أن المستقبل يحمل ثلاثة احتمالات مستقبلية حصرياً وهي إما انقراض البشر لسبب ما أو تطور البشر بحيث يمكنهم محاكاة الواقع على حاسوب متطور لكنهم يختاروا أن لا يقوموا بهذه المحاكاة أو أننا فعلاً نعيش ضمن محاكاة قام بها أجدادنا في الماضي بهدف فهم تاريخ الكون أو ضمانة بقائه.
[/size][/rtl][/size]
- الاحتمال الأول:
تطور الحضارة البشرية بشكل تقضي على نفسها أو تتعرض لكارثة كونية تؤدي إلى انقراضها.
- الاحتمال الثاني:
تستمر الحضارة البشرية بالتطور التقني إلى أن يصبح لديها قوة حاسوبية عالية جداً تكون قادرة على محاكاة الكون المنظور تماماً كما هو بكل تفاصيله ضمن جهاز كمبيوتر كمي فتكون محتويات هذا الكون نسخ مطابقة لما هو موجود في الكون الحالي “الخارجي”. ضمن هذا الاحتمال (الاحتمال الثاني) نجد أنه على الرغم من قدرات البشر على المحاكاة إلا أنهم يقرروا لأسباب أخلاقية بأن لا يقوموا بهذه المحاكاة.
- الاحتمال الثالث:
مبني على الاحتمال الثاني، إلا أن نسبة صغيرة من البشر تقرر لأسباب معرفية بهدف فهم تاريخ الكون أن تقوم بمحاكاة الكون المنظور على جهاز كمبيوتر كمي بغض النظر عن الاعتراضات الأخلاقية. إذاً تتطور الحضارة البشرية لدرجة تستطيع فيها محاكاة الكون المنظور وبالفعل تقوم بذلك وأننا حالياً نعيش ضمن هذه المحاكاة ولا يمكننا أن نميز الواقع عن المحاكاة بسبب دقة هذه المحاكاة التي بدأ بها أجدادنا في السابق.
[size][rtl][size]
دعونا نعاين الاحتمال الثاني والثالث قليلاً. التطور التكنولوجي الحاصل اليوم وقدراتنا المتنامية في فهم الأساسيات الفيزيائية تجعل من فكرة قدرتنا على محاكاة واقعنا هذا فكرة ممكنة في المستقبل من الناحية النظرية إلا أن وجود بعض العقبات والفراغات المعرفية تحول دون قدرتنا على القيام بهذه المحاكاة اليوم. هذا يعني أننا لوكنا نعيش ضمن محاكاة اليوم فنحن غير قادرين حتى الأن على القيام بمحاكاة ضمن المحاكاة. مع العلم أن احتمال وجودنا ضمن محاكاة من منطلق رياضي هي احتمالية أكبر بكثير من وجودنا في كون “خارجي” طالما أن فرضية المحاكاة أصبحت قائمة. هذا يعني أنه على فرض أننا نعلم بالدليل القاطع أننا استطعنا تنفيذ محاكاة كونية أو أننا نستطيع اليوم تنفيذها فإن احتمال وجودنا ضمن محاكاة يصبح أكبر بكثير من احتمال وجودنا في كون خارجي وذلك لأن الظروف الازمة لنشوء تحتاج تناظم ملايين المتغيرات مع بعضها البعض بينما المحاكاة الكونية تصبح احتمال لا متناهي حيث ممكن أن نقوم بأعداد لا متناهية من المحاكاة الكونية التي تتضمن موجودات مثلنا أو شبيهة لطريقة تفكيرنا. حيث لنعود لموضوع التطور التقني قليلاً.
يوجد مبداً نسميه مبدأ مور (Moore’s law) وهو يفترض أن القدرات الحاسوبية تتضاعف كل سنتين. هذا المبدأ صحيح منذ ١٩٧٠ حيث أن قدراتنا الحاسوبية تضاعفت كل عامين منذ وُضع هذا المبدأ. هنا أود أن أنوه أن هذا المبدأ مبني على توقع مضاعفة عدد الترانزستورات في وحدات التحليل كل سنتين لكن فقط لأن هذا المبدأ توقع هذه المضاعفات بشكل صحيح لا يعني أنه مبني على أساس علمي أو أنه سيستمر على هذا الشكل في المستقبل. اعتقادي الشخصي أن مبدأ مور أصبح هدف تجاري تجهد شركات تطوير التكنولوجيا لتحقيقه وبالتالي صار تحقيق المبدأ هو بحد ذاته المحفز في ضبط سرعة تطور المعالجات الحاسوبية.
[size=30]محدودية الحاسوب الحالي:[/size]
في القرن الواحد والعشرين نحن اقتربنا من الوصول إلى نقطة تصبح فيها التكنولوجيا الحالية غير قادرة على مضاعفة عدد ترانزستوراتها بسبب عدم توفر مساحة كافية ضمن الزمكان لإضافة الترانزستورات (سأعود لهذه النقطة لاحقاً). هذا يعني أنه مهما كانت قدراتنا الحالية في انتاج قدرات حاسوبية فعّالة فإننا محدودين بحجم يكون أكبر من الذرات التي تتألف منها الترانزستورات وبالتالي سنواجه قريباً محدودية زمكانية تمنعنا من مضاعفة قدراتنا. هذا يعني أننا سنصل لحجم ضئيل لدرجة لا يمكن صناعة قدرة حاسوبية ضمنه بسبب محدودية الذرات التي يمكنها أن تعمل ضمن هذا الحجم الضئيل.
لكن في صعيد آخر بدأنا نحقق إنجازات كبيرة على مستوى الكمبيوترات الكمية والتي إن نجحت ستضاعف قدراتنا الحسابية بمئات المرات عما هو متوفر حالياً ولديها قدرات نظرية ممكن أن تكون قادرة على القيام بمحاكاة ذات تفاصيل كبيرة. سأعود لموضوع الكمبيوترات الكمية لأنها أساسية في فهم كيف ممكن أن يكون هذا الكون عبارة عن محاكاة.
لكن قبل التحدث عن الكمبيوترات الكمية يجب تفسير مصطلح “معلومات” من الناحية الفيزيائية. اليوم نحن لدينا فكرة جيدة عن الكون بشكل عام. نعلم بوجود المجرات وأنها تتألف من مليارات النجوم وأن النجوم تتألف من مليارات الذرات وأن الذرات تتألف من جزيئات أساسية لكن مما تتألف الجزيئات الأساسية؟
عند تخفيض أي شيء إلى مستواه الدون الذري سنصل لنقطة يصبح فيها الكيان عبارة عن طاقة لها توصيف معلوماتي. عندما نفحص نواة ابسط أنواع الذرات (الهيدروجين) نجدها تتألف من حزمة من الطاقة التي نسميها نحن “بروتون”. هذه الحزمة تتألف من ثلاث حزم مترابطة مع بعضها البعض ضمن علاقة نسميها القوة النووية القوية. الحزم الثلاث هذه نسميها كواركات.
الكواركات هي تسميه لوحدات أساسية من الطاقة التي تتميز بشحنات كهربائية مختلفة. فمثلاً الحزمة التي فيها شحنة بقيمة ثلثين نسميها (كوارك UP) بينما حزمة الطاقة التي تستحوذ على شحنة بقيمة ناقص ثلث نسميها (كوارك Down). هنا أود أن أنوه أن هذه الحزم لا تختلف بشيء مادي سوى بقيمة عددية ترمز لشحنة هذه الحزمة وبالتالي فإن المسميات البشرية لها كواركات Up or Down لا تعني أي شيء. الاختلاف ليس اختلاف بالنوع وإنما بقيمة الشحنة (اختلاف معلوماتي).
هذا يعني أن نواة ذرة الهيدروجين والتي تتألف من بروتون هي تتألف في الواقع من كواركين UP وكوارك واحد Down لها قيمة تساوي ١
إذ أن +2/3 +2/3 + (-1/3) = 1
UP+UP+DOWN= 1
بينما يوجد لدينا ما يسمى النيوترون والذي لديه قيمة تساوي صفر لأنه يتألف من كواركين Down وكوارك Up
إذ أن (-1/3) + (-1/3) + (2/3) = 0
DOWN + DOWN+UP=0
لا تشعر بالخوف من هذه الأرقام إذ أن الفكرة الأساسية هنا ليست تقنية على قدر ما هي توضيح أن الذرات والجزيئات ليست سوى معلومات تختلف قميها الرقمية فينتج تفاعلات مختلفة عنها لكنها جميعاً متطابقة نوعياً. عندما نقول إنه يوجد أوكسجين ويوجد كربون ويوجد حديد ويوجد هيليوم فنحن لا نتحدث عن كيانات مختلفة نوعياً وإنما اختلافات رقمية في قيم الطاقة الكامنة فيها. جميع هذه الجسيمات تتألف من نفس الكواركات لكن ضمن كميات مختلفة. هذا يعني أنه على المستوى النووي تصبح الإختلافات عبارة عن اختلافات في معلومات الذرة وليست اختلافات نوعية. الهيدروجين لا يختلف عن الهيليوم سوى بوجود عدد أكبر من الكواركات ضمن علاقات رياضية تربطها مع بعضها البعض. هذا يعني أن الإختلاف بين هتين الذريتين هو اختلاف في المعلومات التي توصف هتين الذرتين.
عندما تكون نتيجة جمع قيمة شحنات الكواركات تساوي ١ نسميها بروتون وعندما تكون نتيجة جمع الكواركات 0 نسميها نيوترون. عندما يكون لدينا بروتون واحد نسميه هيدروجين وعندما يتواجد مع هذا البروتون نيوترون نسميه هيدروجين ثقيل بينما إذا تواجد لدينا بروتونين مع نيوترون نسميها هيليوم وإذا كانت سرعة الالتفاف المغزلي للجسيمات مختلفة نسميها بتسميه مختلفة بهدف تصنيفها لكنها في الواقع ليس مختلفة سوى باختلاف بعض معلوماتها.
إذاً المادة على المستوى الذري ليست سوى طاقة ضمن حزم مختلفة نرمز لاختلافها بالأرقام. هذا الاختلاف هو المعلومات التي تشرح لنا حالة النظام الذي نقوم بفحصه. كلما زاد تعقيد النظام كل ما احتجنا لمعلومات أكثر لتفسير هذ النظام.
نظام يتألف من ذرة هيدروجين واحدة يحتاج معلومات أقل من نظام يتألف من ذرة هيليوم إذ أن الهيدروجين يتألف من بروتون واحد بينما الهيليوم يتألف من بروتونين ونيوترون.
الأن لنتخيل ماهي أصغر كمية ممكنة من المعلومات التي نستطيع أن نذكرها في الكون. هذا يعني أن هذه المعلومة يجب أن تأخذ أصغر حيز ممكن ضمن النسيج المكاني. أصغر مسافة ممكنة لكي نرمز لأي معلومة ضمن الكون. هذه المسافة الضئيلة تسمى مساحة بلانك ولا يوجد أي شيء ذات معنى معلوماتي ممكن أن يكون أصغر من مساحة بلانك. هذا يعني أن أصغر معلومة ممكنة في الكون هي تساوي ١ مساحة بلانك او ما تسمى بت Bit. البت هو رمز لاختلاف بين حالتين. دون وجود اختلاف بين حالتين لا يوجد لدينا معلومة وإن كان لدينا نسيج مكاني متطابق بشكل مطلق تماماً دون أي اختلاف فعندها سيكون لدينا “عدم”.
العدم هو وجود مكان لا اختلاف فيه. أي لا وجود لمعلومات بداخله. طبعاً مجرد وجود المكان يقتضي اختلاف في المعلومات بسبب ظاهرة التموج الكمي. التموج الكمي هو حالة فيزيائية مجودة في الفراغ بحيث تختلف نسب الطاقة بسبب مبدأ عدم الريبة ((Uncertainty principle وبالتالي يوجد اختلاف في المعلومات حتى في الفراغ وبالتالي يوجد لدينا مكان.
تخيل معي الكون وكأنه رقعة مسطحة لا يوجد فيها أي اختلاف في المعلومات. رقعة الكون هذه دون حواف أو ألوان نحن لا يمكننا تمييز أي شيء أي اتجاه أو مساحة بسبب عدم وجود موجودات لمقارنتها بشكل نسبي ولأن التمييز هو رصد اختلاف في المعلومات. كل الرقعة نفس المعلومة. الأن تخيل معي وجود اختلاف واحد ضئيل جداً بدأ بالنشوء. هذا الاختلاف الذي سنرمز له ب ١
بت هو بداية الوجود ليس فقط لهذا الشيء وإنما للمكان الذي يتواجد فيه هذا الشيء. هذا الاختلاف البسيط في المعلومات فجاءة أنتج مكان صار بإمكاننا مقارنة الموجودات المتضمنة في داخله.
سأقوم بتوضيح مفهوم الوقت لاحقاً ضمن المقال لكن المكان هو الاختلاف المعلوماتي. دون اختلاف لا يوجد مكان.
إذاً هنا أود أن أصل لنتيجة أن المعلومات فيزيائية. البنية الأساسية التي يتألف منها الكون ليست المادة أو الطاقة كما نتعلم في المدرسة وإنما اختلاف المعلومات. المادة والطاقة عبارة عن معلومات مختلفة. معادلة أينشتاين الشهيرة القائلة
[/size][/rtl][/size]
E=MC2
[size][rtl][size]
تعني أن الطاقة تساوي الكتلة مضروبة بثابت سرعة الضوء تربيع أو بقول آخر أن المعلومات لا تستحدث ولا تذهب إلى العدم هي تتبدل من شكل إلى آخر. الفرق بين ذرة الهيدروجين بشكلها المادي والطاقة الكامنة ضمن ذرة الهيدروجين هو اختلاف في توصيف معلومات هذه الذرة وليس اختلاف جذري نوعي.
أتمنى الصبر معي قليلاً لأني أحاول تبسيط عدة مفاهيم مركبة بعض الشيء. مع هذا أنا لم ابدأ بعد بطرح فرضية المحاكاة لأن فهم هذه المفاهيم التي أطرحها أساسي في فهم كيف لكوننا أن يكون محاكاة كمية.
الكون المنظور بدأ منذ قرابة ١٤ مليار سنة تقريباً ومنذ لحظة بداية تطوره وهو يسعى نحو الفوضى. الفوضى في هذا المنحى تعني المزيد من المعلومات. أعرف أن هذا الكلام قد يبدو غريباً لكن تخيل معي أن الكون عبارة عن حوض استحمام. ملئنا هذا الحوض الكوني بالماء. وثم وضعنا بعض الحبر في هذا الماء. الحوض قبل الحبر كان وضعه الفيزيائي عبارة عن مساحة مليئة بمركب الماء وكان أقل تعقيداً ويستوجب كمية أقل من المعلومات لتوصيفه. وجود الحبر فيه الأن يعني أن نسبة الفوضى في الحوض بدأت بالارتفاع وأصبح علينا استخدام معلومات أكثر لتوصيف حالته الفيزيائية.
في أول ثانية بعد أن سكبنا الحبر في الماء نجد أن بقعة من الحبر الأزرق قد تشكلت في نفس نقطة تماس الحبر مع الماء.
نستطيع أن نقسم الحوض إلى مربعات صغيرة بحيث يكون كل مربع يرمز إلى ١ (
بت وحدة قياس أصغر معلومة ممكنة).
كل واحد (
بت) يحتوي على معلومات مسبقة تشرح لنا عما هو موجود ضمن هذا المربع الصغير لنفترض أن هذا المربع صغير لدرجة لا يتسع سوى لمعلومة بسيطة جداً مثل ٠ أو ١ مثلاً (أو اختلاف واحد فقط ولا يمكننا أن نتواصل بأكثر من اختلاف واحد).
علينا توصيف موجودات هذا المربع ضمن لغة ٠ أو ١ فقط ولا يمكننا وضع أي معلومات إضافية ضمن هذا المربع بسبب صغر حجم المربع. على فرض أن توصيف وجود مركب الماء يستوجب وجود ١٠٠ وحدة بت لتوصيفه فإننا الأن أصبح بإمكاننا أن نشرح لحظة وقوع حدث تلامس الحبر مع الماء عن طريق رموز ال ٠ و١ التي ستشرح لنا ما حدث ضمن مساحة التلامس.
مثلاً بعد ١٠٠٠بت من المعلومات المتألفة من ( ٠ و١) يتم شرح أن على في هذه البقعة هو مكان تلامس ماء الحوض مع الحبر.
إذاً لا زلنا قادرين على العودة بالزمن إلى الوراء واستنتاج أن هذه البقعة الزرقاء المتشكلة هي نتيجة الحبر الذي سكبناه لتونا عن طريق تحليل المعلومات المتوفرة لدينا. إذا ما نظرنا إلى الحوض بعد بضعة دقائق سنجد أن الحبر بدأ يتحلل في الماء وأصبح من الصعب تحديد مكان سكب الحبر لكن لا زلنا نستطيع أن نرسم فكرة عامة عن المكان بناء على نسبة كثافة الحبر في الماء. إذا كان لدينا قدرات حسابية عالية فيمكننا بناء على تحليل كل
بت من المعلومات ومعرفة كيف تطورت حالة الحوض منذ سكب الحبر حتى الأن. هذا يعني أنه بإمكاننا محاكاة عملية ملامسة الحبر مع الماء ومحاكاة كل عملية تبعتها بناء على المعلومات المتوفرة لدينا. يجدر الذكر هنا أن توفر المعلومات الكاملة لدينا يعني أننا نقوم بمحاكاة فيزيائية للعملية وليس توصيفاً لها لأننا نمتلك كل المعلومات التي تتألف منها ذرات الماء والحبر والحوض. مع الوقت وبعد بضعة ساعات نجد أن الحبر تحلل داخل الماء بشكل أكبر وأصبح معرفة ماذا حدث منذ تلامس الحبر مع الماء يستوجب الملايين من وحدات المعلومات الإضافية لمعرفة ما جرى بالعفل.
هذا المثال الذي ذكرته عن الحبر هو تشبيه للقانون الثاني من الديناميكية الحرارية والتي يقول إن الكون دائماً يتجه من الانتظام نحو الفوضى. أنا ذكرت سابقاً أن المزيد من الفوضى يعني المزيد من المعلومات والذي أعنيه هنا أننا إن عدنا إلى مثال الحبر فإن حالة حوض الماء قبل الحبر كانت أبسط من بعد الحبر إذ أن مركب الماء بدأ بالالتصاق بمركب الحبر وكلما مضى وقت أكثر كلما زادة كمية المعلومات الازمة لتحليل حالة الماء والحوض والحبر. ربما سيبدأ الماء بالتبخر وثم سيشكل الحبر بقع زرقاء على جدار الحوض. هذا يعني أن حالة الحوض تزيد الفوضى فيها مع ازدياد الوقت. إذا جاء مراقب يريد معرفة ماذا حدث للحوض ومن أين جاء اللون الأزرق على جدرانه فهذا الشخص يحتاج معلومات أكثر من شخص يريد فقط أن يعاين الحوض قبل ملئه بالماء.
هكذا هو الكون. الكون عبارة عن مكان كان منتظم بشكل عالي جداً وثم بدأ بالتطور نحو الفوضى. هذا الانتقال من الانتظام نحو الفوضى هو ما نسميه الزمن. عملية انتقال الكون من حالة الانتظام نحو الفوضى هي الزمان وهذا يعني أن زيادة المعلومات في الكون مرتبط بمرور الزمن حيث أنه كلما زاد الزمن كلما زادت كمية المعلومات الازمة لتوصيف الكون.
[size=30]كيف ينتج انتظام من الفوضى وكيف نفسر الحياة:
أود أن أتحدث قليلاً عن موضوع نشوء الحياة من الفوضى مع أن هذا الموضوع غير مرتبط بشكل مباشر مع فكرة المقال (هل نعيش ضمن محاكاة؟) إلا أنني أجدها فرصة جيدة لتوضيح هذه النقطة التي يساء فهما بشكل كبير.[/size]
الاتجاه نحو الفوضى يتخلله فقاعات من الانتظام. الحياة على الكرة الأرضية مثال جيد لهذه الفقاعات إذ أنه على الرغم من اندماج كميات كبيرة جداً من الهيدروجين ضمن نجم الشمس (المزيد من الفوضى) إلا أن بعض هذه الطاقة تساهم في تشكيل حالة مؤقتة من الانتظام على كوكب الأرض. هذه الحالة تصرف طاقة كبيرة جداً لاستدامتها (طاقة الشمس) إلا أنها استطاعت قرصنة بعضاً من هذه الطاقة وتعمل بعكس التيار الكوني المتجه نحو الفوضى بشكل مؤقت.
أود العودة إلى مثال حوض الحمام. على فرض أننا بعد سكب الحبر في الماء قمنا بفتح سدادة الماء (البلاعة) وهذا لكي نٌسرّع من عملية الفوضى المتمثلة بذهاب الماء عبر المجاري الصحية. سنجد أن الماء سيشكل زوبعة صغيرة (طاقة حركية مصروفة) عند السدادة وستستمر هذه الزوبعة إلى أن تنتهي كل قطرات الماء الموجودة في الحوض. هذه الزوبعة الصغيرة تمثل نظام طفيلي على حالة الفوضى العامة الحاصلة في الحوض. الحياة هي مثل هذه الزوبعة. تتشكل لنافذه زمنية قصيرة وثم تنتهي. نعم على الرغم من تشكل بعض الانتظام في عملية الانتقال إلا أن هذا الانتظام يكلف النظام الكلي كمية أكبر من الفوضى. أنا هنا لا أتحدث عن حياة كائن حي ما وإنما عن الحياة كلها من بدايتها وحتى نهايتها كحالة طفيلية على طاقة نجم الشمس. إذاً هذه هي النقطة الثانية التي أريد الوصول إليها وهي أنه ضمن الفوضى الكونية نجد أن بعض الأنظمة تتشكل بشكل طفيلي والتي تظهر وتفنى أثناء عملية الانتقال من الانتظام نحو الفوضى.
إذاً الحياة عبارة عن ظاهرة تسير بعكس التيار الكوني. الحياة ظاهرة تعتمد على التطفل على نظام الكون الذي يتجه نحو المزيد والمزيد من المعلومات. المزيد والمزيد من التفاعلات. المزيد والمزيد من الفوضى. الحياة عبارة عن محاولة لإبطاء الإنتروبي (عملية الانتقال من الانتظام نحو الفوضى)
طبعاً لا يوجد شيء يستطيع إيقاف هذا الانتقال من الانتظام نحو الفوضى فمثلاً الحمض النووي للكائنات الحية يزداد فوضى بسبب الطفرات الناتجة عن التكاثر والحياة تقاوم الفوضى داخل الجسد عن طريق زيادة الفوضى في البيئة المحيطة بها.
التفاحة التي أكلتها أنت كانت تستوجب كمية أقل من المعلومات لوصفها قبل الأكل. الآن وبعد الأكل صارت تستوجب كمية أكبر من المعلومات لوصف حالتها. بقول أخر أنت أبطأت حركة الانتروبي في جسدك (الفوضى) عن طريق زيادة الفوضى في محيطك.
طوال حياتنا نحن نعمل على إبطاء عملية الانتقال نحو الفوضى عن طريق استقلاب الطاقة (زيادة الانتروبي خارج الجسد) ولكن مع الوقت ينتصر القانون الثاني من الديناميكية الحرارية ويحدث الموت عندما يصل الجسد إلى الحدود القصوى من الأنتروبي التي لا يمكن العودة منها. المعلومات الأزمة لوصفك وأنت حي أقل من المعلومات لوصف جسدك وأنت ميت وكل ما مضى الزمن كل ما احتجنا معلومات أكثر لوصف حالتك عندما كنت حي تماماً كما هو حال الحبر في حوض الماء. أنت تزيد من الفوضى الكونية عن طريق رفع كمية المعلومات اللازمة لتوصيف الكون. أنت مثل الحبر الموجود في حوض الماء.
حسناً، لنعود لموضوعنا. على فرض أننا نعيش ضمن محاكاة كونية فإنه من الواضح أن البرنامج مبني بشكل أساسي على محرك يقول إن كل شيء يجب أن ينتقل من الانتظام نحو الفوضى وإي انتظام ينشأ عن هذا الفوضى يجب أن يصرف طاقة لاستدامة نفسه. يعني أن النظام النشاء هو حالة تتطفل على طاقة إلى أن تستهلك هذه الطاقة فعندها يتبدد النظام. حسناً لنعتبر هذه الفقرة القانون الأول من المحاكاة أو ما نسميها قوانين الديناميكية الحرارية.
لننتقل الأن لتعريف الزمن. الزمن من الناحية الفيزيائية عبارة عن قيمة للانتقال من نقطة ١ إلى نقطة ٢ ولا وجود للزمن دون مكان يتم الانتقال داخله. تخيل معي لا مكان أو لا معلومات. كيف للزمن أن يكون مؤثر وكيف لنا أن نعرف أن هذا هو الزمن. الزمن عبارة عن نتيجة لظاهرة (وجود حركة ضمن مكان ما) وليس ظاهرة مستقلة بحد ذاته. الزمن يمثل الانتقال الكوني من النظام إلى الفوضى. الزمن هو تحلل الحبر في حوض الماء. الزمن هو اندماج الهيدروجين داخل الشمس. الزمن مهم فقط لمن يستطيع أن يرصده.
[size=30]قوانين المحاكاة:[/size]
إذاً ضمن المحاكاة الكونية يوجد قانون آخر ينص على أن أي عملية انتقال من نقطة إلى نقطة يستوجب تناغم مع سرعة الانتقال من الانتظام نحو الفوضى ولا يمكن لأي شيء تجاوز هذه السرعة الكونية. عملية الانتقال من الانتظام نحو الفوضى أو تحلل الحبر في الحوض تسمى سرعة السببية أو ما نرمز لها نحن بسرعة الضوء.
أيضاً ينتج لدينا قانون جديد ضمن المحاكاة وهو محدودية سرعة السببية أي أنه لا يمكن لأي نتيجة أن تنتج عن مسبب بسرعة أسرع من سرعة الضوء.
السؤال هنا هو لماذا وضعت هذه القوانين بهذا الشكل ضمن المحاكاة إن كانت صحيحة؟ لا يوجد جواب شاف لهذا السؤال لكن من المنطقي وجود محدودية لسرعة السببية وإلا سيحدث كل شيء في نفس الوقت وسينهار نظام المحاكاة على نفسه.
حسناً على فرض أننا سلمنا فرضاً اننا نعيش ضمن محاكاة كونية فكيف سيكون شكل الحاسوب الذي تعمل المحاكاة ضمنه؟ في الواقع إن كانت المحاكاة صحيحة فإن كوننا المنظور هو الكمبيوتر الكمي الذي نحن موجودون في داخله.
[size=30]الكمبيوتر الكمي:[/size]
الكمبيوترات الحالية الغير كمية تستخدم لغة الشفرة الثنائية ٠ أو١ حيث يتم تمثيل أي معلومة ضمن قالب من قبل هذين المتغيرين.
الكمبيوتر يفسر ويحلل ويتواصل ضمن هذين الشفرتين. بينما الكمبيوترات الكمية تقوم بعملية مختلفة قائمة على استغلال ظاهرتين فيزيائية تسمى التراكب superposition والتشابك الكمي Entanglement.
فكرة الكمبيوتر الكمي قائمة على أساس أن الجسيمات الدون ذرية لها خاصية تسمى اللف المغزلي أو الدوران Spin. هذا اللف المغزلي عبارة عن تمثيل لتفاعل الجسيم مع الحقل المغناطيسي المحيط به فإما يكون تفاعله القطبي بالدوران نحو الأعلى أو بالدوران نحو الأسفل.
تخيل الجسيم وكأنه ابرة البوصلة التي تتحرك إلى الشمال أو الجنوب بناء على اتجاه البوصلة. الجسيم مثل ابرة البوصلة لكننا لا يمكننا معرفة اتجاه دورانه المغزلي إلى أن نقوم بعملية الرصد. قبل الرصد نحن لا نعرف أي نوع من اللف المغزلي سيكون لدي الجسيم ونسمي حالته قبل الرصد بأنها حالة تراكبية superposition وأنها في كلا الحالتين Up and down في نفس الوقت. يجدر الذكر هنا أن الجسيم في الواقع بحالتي الدوران الأعلى والأسفل بنفس الوقت وهذا ليس تعبير مجازي بأنه ممكن أن يكون أحد الاحتمالين بينما هو في الواقع كلا الاحتمالين بنفس الوقت (أعلى وأسفل بنفس الوقت إلى أن يتم الرصد).
عندما يتم الرصد نكتشف أن الجسيم له دوران سفلي مثلاً. ما أن تم الرصد هذا يعني أن الجسيم له دوران سفلي دائماً ولا يتغير. إذاً التراكب الكمي هو وجود جميع الحالات الممكنة في نفس الوقت إلى أن يتم رصد الحالة.
يوجد أيضاً خاصية كمية آخرى يتم استثمارها في مشاريع الحواسب الكمية وهي التشابك الكمي Entanglement.
هذه الخاصية عبارة عن ظاهرة ترتبط فيها الجسيمات مع ببعضها، رغم وجود مسافات كبيرة تفصل بينها مما يؤدي إلى ارتباطات في الخواص الفيزيائية مثل الدوران المغزلي الذي ذكرته في الأعلى. يمكن على سبيل المثال أن نجعل جسيمين في حالة كمّية متشابكة بحيث يكونا متعاكسين في دورانهم فإذا قمنا بقياس دوران أحدهما وكانت ذات دوران علوي فهذا يعني أن الجسيم الآخر حتما له دوران سفلي أو بالعكس.
نظرياً يمكننا القيام بهذه العملية ضمن أعداد كبيرة من الجسيمات مما يشكل لدينا جملة كمية كبيرة من الجسيمات المتشابكة بحيث تكون عملية القياس أو الرصد لأحد جسيمات هذه الجملة الكمية مؤثراً بشكل آني على جميع جسيمات هذه الجملة الكمية. معرفة اتجاه واحدة من الجسيمات المتشابكة يمكّننا من معرفة حالة الدوران المغزلي لدى جميع الجسميات المتشابكة الآخرى وبالتالي يمكننا معرفة حالة دورانها دون محدودية زمكانية. هذا يعني أننا نستطيع معرفة حالة مئات الجسيمات في حالة رصدنا جسيم واحد دون محدودية زمنية. هنا نحن نتجاوز مشكلة المحدودية السببية التي ذكرتها سابقاً بحيث أصبح بماكننا احداث عدة تفاعلات في أن واحد مما يفتح لنا مجال للقيام بعمليات حسابية كبيرة جداً ضمن محدودية زمنية أقل بكثير من الكمبيوترات الكلاسيكية الحالية.
لنعود لمثال حوض السباحة الذي تحدثنا عنه سابقاً. تذكر أن لحظة تلامس الحبر مع الماء كيف كانت تتألف من ١٠٠٠ وحدة بت من المعلومات. هذا يعني أن الكمبيوتر العادي يجب عليه حساب حالة ١٠٠٠ وحدة من المعلومات ٠ و ١ لكي يقوم بالعملية الحسابية اللازمة لتوصيف العملية. في حالة الكمبيوتر الكمي يمكننا حساب ال١٠٠٠ وحدة بت من المعلومات عن طريق حساب وحدة واحدة فقط من المعلومات المتشابكة كمياً بشكل أني.
[size=30]الكون عبارة عن كمبيوتر كمي كبير:[/size]
هذه العبارة سمعتها قبل عدة سنوات ولم أقف عندها كثيراً إذ أني لم أفهمها بشكل جيد. الفكرة أن الكون عبارة عن حاسوب كبير يعالج كمية كبيرة جداً من المعلومات وإذ استطعنا ابتكار كمبيوتر يستطيع حساب كل المعلومات الموجودة في الكون فسنستطيع صناعة كون جديد.
إذ استطعنا رصد وجمع كل المعلومات الموجودة في الكون اليوم وقمنا بحفظها في مكان ما ثم عملنا على محاكاتها سنستطيع صناعة هذه اللحظة في الكون بمجرد القيام بحسابها من جديد واسقاطها ضمن القواعد الفيزيائية المعروفة. طبعاً هذا الافتراض يتناقض مع مبدأ الريبة حيث لا يمكننا معرفة أي لحظة في الكون بشكل دقيق وهذا ما يمنعنا من توقع المستقبل بشكل دقيق. لكني سأعود لهذه النقطة لاحقاً. لكن على فرض نحن نمتلك كل المعلومات المتوفرة في الكون ألا يعني هذا أننا نحتاج لمساحة الكون لحفظ هذه المعلومات؟ ألم نقل أن المعلومات فيزيائية؟ حسناً هذا يأخذنا نحو النقطة التالية وهي المبدأ الهولغرافي:
[size=30]المبدأ الهولغرافي: holographic principl[/size]
بداية ولكي أشرح المبدأ الهولغرافي يجب الحديث عن الثقوب السوداء والمعلومات.
بشكل مختصر النسبية العامة تقول أن الأجسام تحني نسيج المكان بناء على تفاعل كتلة هذه الأجسام مع النسيج المكاني. هذا يجعل الجاذبية عبارة هن نتيجة انحناء النسيج الزمكاني وليس طاقة جذب كما كان معتقد سابقاً.
ضمن هذا التصور الجديد للجاذبية توقعت النسبية العامة وجود كيانات في الكون تكون الجاذبية المحيطة بها عظيمة لدرجة بحيث ينحني النسيج المكاني على نفسه بشكل كامل ولا تستطيع الأشياء المتواجدة في داخل هذا النسيج الخروج من هذا الانحناء. بالفعل تم اكتشاف هذه الكيانات لاحقاً وسميت باسم الثقوب السوداء. أيضاً توقعت النسبية العامة وجود تموجات في النسيج الزمكاني كنتيجة لتحرك المادة ضمنه تماماً كما يحدث عندما تتحرك الأجسام داخل الماء لكن أينشاين أقر باستحالة رصد هذه التموجات إذ أنها ستكون ضعيفة جداً جداً لدرجة لا تسمح لنا برصدها (استطعنا رصدها في عام ٢٠١٥).
[size=30]الثقوب السوداء:[/size]
بناء على ما توصلنا له من فقرة النسبية العامة فإن المادة تقول للمكان كيف ينحني. صحيح؟
في حال الثقب الأسود فإن كتلة المادة كبيرة لدرجة أنها تقول للمكان أن ينحني بشكل كامل بحيث يلتف على نفسه فكل ما بدخل هذا المكان يصبح غير قادر على الخروج من هذا الإنغلاف الزمكاني حتى الضوء (من هنا جاءت تسمية ثقوب سوداء).
النجوم عبارة عن كرات هائلة من الغازات في أغلب الأحيان تكون كرة من غاز الهيدروجين. عملية الاندماج التي يتعرض لها الهيدروجين تنتج مادة أثقل (هيليوم) وثم كربون وأوكسجين. خلال عملية الاندماج النووي تنتج كميات كبيرة جداً من الطاقة باتجاه خارج النجم لكن كتلة الغاز الذي يشكل النجم تضمن تماسكه كنتيجة للجاذبية الهائلة.
في مرحلة ما من عمر النجم تصبح الطاقة الناتجة عن الاندماج النووي غير كافية لمقاومة ضغط الجاذبية وينتج عن هذا انهيار كامل للنجم. هذا الانهيار ينتج عنه عدة سيناريوهات لكني سأركز على سيناريو الثقب الأسود. يوجد عملية حسابية تخبرنا ما إن كان انهيار النجم سينتج عنه ثقب أسود أم لا وهي باختصار مرتبطة بكتلة الجسم مع مساحة المكان الذي يستحوذه. نسمي هذه المسافة بنصف قطر شفارتزشيلد.
[size=30]مشكلة ضياع المعلومات والصراع بين النسبية العامة وفيزياء الكم:[/size]
نظرية النسبية العامة تفسر لنا علاقة المادة مع المكان كما ذكرت سابقاً بينما الفيزياء الكمية تفسر لنا الفيزياء الذرية ضمن قوالب ذات حزم محددة من الطاقة. كلا النظريتين مثبتين بشكل لا شك فيه وكلا النظريتين تقدم تطبيقات نستخدمها في حياتنا اليومية. هذا يعني ان الخلاف بين هاتين النظريتين ليس كبقية التناقضات العلمية السابقة حين تأتي نظرية وتستبدل الآخرى. هنا تكمن معضلة غامضة حيرت العلماء حتى اليوم.
الفيزياء الكمية ببساطة تتمحور حول فكرة أن المستوى الذري محكوم بعلاقات من الطاقة والجسيمات ضمن قوانين مرتبطة بحزم محدودة الكمية. هذا يعني أن أي تمثيل فيزيائي نرصده مهما ظهر لنا على أنه مستمر إلا أنه على المستوى الذري يتجسد ضمن حزم متقطعة من الطاقة المحددة الكمية مسبقاً.
في الفيزياء الكمية يوجد قاعدة أساسية تقول إن معرفة حالة أي كيان فيزيائي في أي نقطة زمنية يمكّننا من توقع حالته الفيزيائي في أي نقطة زمنية آخرى. هذه القاعدة هي من أركان الفيزياء الكمية إذ أنها تعتمد على مبدأ الدالة الموجية بحيث نستطيع من خلال بعض المعادلات الرياضية معرفة تطور حالة الكيان الفيزيائي عبر الزمن.
حسناً لتبسيط هذا الكلام.. الفكرة هنا أن وجود معلومات لدينا عن حالة (س) من الأجسام يعطينا القدرة على معرفة مستقبل (س) في المستقبل وبالتالي هذا يعني أننا نستطيع استنباط تاريخ (س) أيضاً لأن معرفة مستقبل (س) مبني على نفس الاستدلال الذي يجعلنا نستنتج حالة (س) في الماضي (تذكر الحبر في حوض الماء).
إذاً الدالة الموجية تمكننا من استخدام المعلومات الفيزيائية ومعرفة مراحل تطور النظام الذي نرصده.
الأن تخيل معي السيناريو التالي:
كوب من الشاي يسبح في الفضاء ويقترب من ثقب أسود. قبل وصول الكوب إلى أفق الحدث (نقطة اللاعودة للثقب الأسود) أوقفنا الكوب وقمنا بجرد كافة المعلومات الفيزيائية المتعلقة بالكوب من مركبات ثاني أكسيد السيليكون وأكسيد الكلس التي تشكل زجاج كوب الشاي وعلاقات ذراتها من دوران وشحنات كهربائية وثم قمنا بتحليل مركب الماء وتدوين كافة المعلومات المتعلقة بنسبة الهيدروجين الثقيل بالمقارنة مع الهيدروجين العادي وقمنا بنفس الشيء بالنسبة لمركبات الشاي والسكر وسجلنا كل هذه المعلومات لدينا.
أصبح لدينا تمثيل معلوماتي شامل عن كوب الشاي قبل دخوله إلى الثقب الأسود.
يدخل الكوب إلى الثقب الأسود…
الآن يوجد لدينا خاصية في الثقوب السوداء لن أدخل في تفاصيلها بسبب تعقيدها لكنها من أهم اكتشافات العالم ستيفن هوكنغ. هذه الخاصية تقول إن الثقب الاسود يتبخر مع الوقت. للمراجعة ابحث عن اشعاع هوكنغ Hawking Radiation
لنفترض أننا انتظرنا الثقب الأسود إلى أن يتبخر ثم بحثنا ضمن الإشعاع الذي خرج من الثقب الأسود عن المعلومات التي سجلنها قبل دخول كوب الشاي إلى الثقب الاسود سنكتشف أننا فقدنا القدرة على استنباط تاريخ هذا الإشعاع ومعرفة حالته البدائية قبل الدخول إلى الثقب الاسود. هذا يعني أننا مهما رمينا داخل الثقب الأسود من معلومات فإنها ستخرج بنسخة جديدة مشوهة غير قابلة للتمييز وهذا يعد ضياع للمعلومات. ضياع المعلومات يتناقض بشكل مباشر مع مبدأ الدالة الموجية في الفيزياء الكمية.
تذكر أن الثقوب السوداء هي استنتاج علمي لنظرية النسبية العامة. الأن أصبح لدينا معضلة كبيرة إذ أن الثقوب السوداء تبدو وكأنها تعمل بعكس حركة الكون (من الانتظام إلى الفوضى) فهي تأخذ معلومات مختلفة وتنظمها وتخرجها من الطرف الأخر بشكل مختصر وموحد. كوب الشاي والسكر والماء وكل شيء يدخل بحالة وثم يخرج على شكل ترددات كهرومغناطيسية من الطرف الآخر.
الأن تخيل معي أننا نقوم برصد عملية دخول كوب الشاي إلى الثقب الأسود. نحن سنرصد الكوب يقترب من الثقب الأسود وثم يبطئ حركته بشكل تدريجي ويتحول لونه نحو الأحمر وثم تتجمد الصورة عند هذا المنظر. لماذا؟
يمكننا أن ننتظر مليارات السنين ونحن نحاول رصد ماذا سيحدث لاحقاً للكوب إلى أنه بحكم أن الضوء لا يستطيع الهروب والوصول إلينا لكي يخبرنا بماذا جرى بعد دخول الكوب إلى الثقب الأسود فإن الصورة الأخيرة التي تبقى بالنسبة لأي مراقب خارجي هي آخر حالة فيزيائية كان عليها الكوب قبل الدخول إلى نقطة الاعودة. لفهم هذه الظاهرة بشكل معمق أكثر ابحث عن علاقة الوقت مع الجاذبية وكيف ان الوقت يتوقف عند الثقوب السوداء بسبب قوة الجاذبية. سبب احمرار الكوب يعود لقوة الجاذبية بالقرب من نقطة الاعودة والتي تؤثر على الفوتونات الضوئية القادمة باتجاهنا بحيث تبطئ حركتها فتبدو حمراء بسبب ظاهرة الانزياح نحو الأحمر.
الأن تخيل أننا ارسلنا كوبين من الشاي وسيارة وحصان وبقرة. ماذا سيحدث بالنسبة لنا. سنجد أن كل هذه الأشياء ستتجمد عند نقطة ما وتتوقف عن الحركة بالنسبة لنا مما يزيد من مساحة سطح الثقب الأسود على الرغم من أن المعلومات التي دخلت إلى الثقب الأسود إلى الأبد (أو تتبدد عبر اشعاع هوكنز). هذا يعني أنه على الرغم من أن الثقب الأسود يحول هذه المعلومات إلى طاقة اشعاعية عبر اشعاع هوكنز لكن بالنسبة لنا كمراقب خارجي فإن المعلومات التي دخلت إلى الثقب تم حفظها على السطح إلى الابد وبالتالي لم يتم مخالفة مبدأ مصونيه المعلومات. (ملاحظة هنا: علمياً لم يتم البت بعد بماذا سيحدث للثقب الأسود مع الوقت)
هذه الفكرة مهمة لموضوع إمكانية محاكاة الكون إذ أنها تشرح كيف ممكن أن يتشكل لدينا كيانات ثلاثية الابعاد (أكواب الشاي والسيارة والحصان والبقرة) عن طريق معلومات ثنائية الابعاد. كوب الشاي الذي نراه متجمد بالقرب من أخر نقطة يستطيع الضوء الهروب منها باتجاهنا هو شكل ثلاثي الأبعاد يتم تشكيله من معلومات ثنائية الابعاد لم تعد موجودة في الواقع لأنها داخلت إلى الثقب الأسود وربما تبددت لكن انعكاسها لايزال موجوداً بالنسبة للمراقب الخارجي.
إذاً، إذا افترضنا أننا نعيش ضمن كمبيوتر كمي كبير فإن الموجودات الثلاثية الأبعاد الموجودة في داخل هذا الكمبيوتر ممكن أن تكون انعكاس هولوغرافي لمعلومات ثنائية الابعاد (٠ و ١) وكأن كل الكون المنظور بالنسبة لنا عبارة عن سطح لثقب أسود كبير.
[size=30]النتيجة:[/size]
سأترك الباب مفتوح للقارئ أن يستنتج ما يريد وأن يبحث أكثر في هذا الموضوع. قد يعتقد البعض أن الفكرة سخيفة أو مجرد خيال علمي إلا أنها ممكنة. أنا شخصياً لا اقبل بهذه الفرضية حتى اليوم ولكن لا يوجد لدي سبب أو دليل موضوعي أستطيع من خلاله الاستدلال على لماذا نحن لا نعيش ضمن محاكاة كونية. في النهاية فكّر وتخيّل كيف سيكون شكل المحاكاة الكونية إن لم تكن شبيهة تماماً بكوننا هذا.
أنا كتبت المقال قبل عدة شهور ولم أنشره لأني شعرت أنه يتضمن الكثير من الافتراضات، لكني أيضاً وجدت أنني أستطيع أن أنوه لهذه الافتراضات وأترك حرية الاستنتاج للقارئ. أتمنى أن تكون قد وجدت بعض الفائدة ضمن المقال.[/size][/rtl][/size]