حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
عدد الزوار


 

 الدين كـأب سيء

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فؤاد
فريــق العــمـل
فريــق العــمـل
فؤاد


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 786
معدل التفوق : 2214
السٌّمعَة : 22
تاريخ التسجيل : 17/12/2011

الدين كـأب سيء Empty
21042017
مُساهمةالدين كـأب سيء

الدين كـأب سيء Article-2140586-091DA47D000005DC-542_634x414

[size=44]في القطار[/size]

في الساعة التاسعة والربع، كنت ذاهبًا إلى العمل صباح أحد الأياّم، متوجهًا إلى منطقة تشارينغ كروس في لندن مستقًلًا قطارًا تحت أرضي، عندما لفت انتباهي سماع صيحات رجلٍ يصرخ وسط الركاب، عندما نظرت إلى الأعلى أدركت أنني رأيته من قبل، إذ كان يتدافع وسط ركاب المقصورة بشكلٍ غير طبيعي عند دخوله، وقد بدأ الآن بإخراج الكتاب المقدس وبدأ يقرأ صارخًا مقطعًا منه.
الدين كـأب سيء Parent-1
نادرًا ما تحصل هذه الأحداث في المملكة المتحدة، وردود فعل الركاب كانت تفسّر السبب، بعد بضع ثوانٍ، قال أحد الركاب له أن يصمت، ولكنه استمر! طلبوا منه أن يصمت ثانية، وأخبره أحدهم بأن يبقي ما لديه للكنيسة، وكان رده عليهم برفع صوته، ثم تهافت الناس عليه بالصراخ وبأن يحتفظ بما لديه لمكانٍ آخر، وبأن هذا ليس بالمكان المناسب، ولكنه لم يبالي وتابع ما يقوم به، حتى انتهى به الأمر بوضع كتابه المقدّس جانبًا ليأمر الركاب بالركوع خضوعًا لإلهه، وإلا سيحترقون أبدًا في الجحيم! ولكن صيحات الركاب تعالت، حتى غطىّ على صوته إلى أن سكت، فخّفّت صيحات الجمهور وتحولت إلى دندنةٍ منزعجة، كانت ردة فعلهم أمرٌ مثيرٌ لي لأتابعه.
عندما وصلنا إلى تشارينغ كروس، رأيت الواعظ ذاته واقفـًا في أحد جانبي المنصة، بعيدًا عن تدفق الركاب، وبدا وقع الصدمة كبيراً عليه، فخيّل إلى أنه يكلمّ نفسه، مشيت ببطءٍ من أمامه، كان يدعو إلهه بهدوء أن يبدد الشياطين التي تملكّتنا، تلك الشياطين التي جعلتنا نرفض أن نصغي لكلمته الإلهية، لقد كان يتهرب من حقيقة أن معظم الركاب كانوا مسيحيين في الواقع.

[size=44]علاقة الأب والأبن[/size]

إن كان هناك ما يختصر كل مشاكلي مع الدين، فستكون علاقة (الأب – الابن) النفسية، وإن كان هذا المصطلح لا يصف تلك العلاقة بشكل حرفي، فهو يصف لنا أنماط التفكير والشعور والتواصل مع الأقران، يمكننا أن نتخذ نهج الأبوية مع الأخرين، وذلك باستخدام السلوكيات السلطوية التي شهدناها في حياتنا، يمكننا أن نفكر، أن نشعر، أن نتواصل مع هؤلاء الأقران كما كنا نفعل سابقًا في طفولتنا، ولكن في بلوغنا، بإمكاننا أن نكون عفويين، مدركين ونعيش اللحظة.
في هذا المقال سوف أخوض في ديناميكية العلاقة (الأب – الابن) وسأشرح وأوضح السلوكيات المضرة والتي تؤدي للنكوص والانتكاس وسأقوم بتقديم بدائل أكثر نضجًا وعدالة.

[size=36]الإيمان (الثقة)[/size]

فكرة الإيمان، في السياق الديني، تحمل مفهومًا جوهرياً من الرضوخ لسلطةٍ إنسانية، فلكي نسمح للكيانات الخارقة للطبيعة أن تسيطر على معتقداتنا، علينا أن نتقبل أقاويل إنسانٍ أخر كحقائق لا يرقى إليها الشك، ولا يوجد أي طريقةٍ أخُرى كون هذه الكيانات – أي الخارقة للطبيعة – غير متاحة لأيٍ من الحواس البشرية، فبطبيعة الحال، لو كانت هذه الكيانات قابلةً للإدراك عن طريق حواسنا وقدرتنا على الاستشعار، لن يكون تصديقنا بوجودهم أمرًا إيمانيًا.
لا يزال البعض يشير إلى الكتب المقدسة على أنها دليل، ولكن الكتب التي تصف أحداثاً ومخلوقاتٍ وعملياتٍ خارقة للطبيعة، لا يوجد أي دليل على أي منها، لا ترقى إلى مستوى أعلى من مستوى الأقاويل، أي معلومات لم تثبت وصلت لنا عبر أنُاسٍ أخرين، نقُلت من شخصٍ لآخر بدًلًا من أن تشُاهد مباشرة.
الدين كـأب سيء Parent-2ليس اعتباطيا ألا يتم قبول الأقاويل كشهادةٍ مقبولةٍ في المحكمة والقانون، الناس تتناس التفاصيل، الناس تكرر أكاذيب قيلت لهم بشكلٍ غير مقصود، أو ربا تكون بشكلٍ مقصودٍ في بعض الأحيان ولأسبابٍ كثيرة، وفوق كل هذا، الناس تدلي بشهاداتٍ متضاربة، ونحن كبالغين نعرف أن هذه الإشكاليات جعلت للأقاويل أساسًا غير قابلٍ للكشف عن حقيقة أمرٍ ما، ولكن عندما يتعلق الأمر بالدين، يضرب الكثيرون بهذا الإدراك عرض الحائط، على الرغم من أن كل إشكاليات الأقاويل بإمكاننا أن نجدها بوضوحٍ في النصوص الدينية، وعلى الأخص إشكالية العقائد المتضاربة، التي لا تقتصر على الصراعات بين الأديان، ولكن تشمل أيضًا صراعاتٍ داخَلَ الديانةِ نفسها.
لماذا تم إهمال إدراك هذه الإشكاليات بما يخص الأقاويل في السياق الديني؟
ليس من قبيل المصادفة أن يميل التلقين الديني إلى اتخاذ مكانه في مرحلة الطفولة، فلا يعتمد التلقين الديني في هذه المرحلة على عدم اكتمال التفكير الناقد فقط، بل يضع رسالةً متسقةً مع الحالة النفسية المتمركزة حول الذات، والتي تكون في أعلى مستوياتها أنذاك، والتي تتلخص في: (كل شيءٍ وُجد من أجلنا).

الأمر الذي يمكن القيام به لاحترام عقل الطفل (القابل بشكلٍ كبيرٍ للتأثرّ بكل المفاهيم) هو إعطاءه الحقائق، إن كنت تنوي أن تثقف طفلك دينيًا، علمه كل الأديان دون أي انحياز، ولتضمن في تعليمه كل التناقضات دون تقديم أعذار أو تبريرات، وليكن في علمه أن هذه معتقداتٌ نابعةٌ من إيمانٍ وليست حقائق.
الدين كـأب سيء Parent-3
بالطبع، فإن ما نراه على أرض الواقع مختلفٌ جدًا عن هذا، فيحدث تعامٌلٌ مميزٌ يشتمل على القسر والجزاء المرتبط بالإيمان، والتثبيط والعواقب الوخيمة لكل من يسأل أسئلةً محرجةً، أو ربا لا يشارك زملائه المؤمنين بصلواتهم وطقوسهم، المعتقدات تعُطى على أنها حقائق، التناقضات يتم تجاهلها، الديانات الأخرى يتم نبذها أو حتى الوصول إلى تجريحها، هذا إن ذكُِرتَ أساسًا.
أحد أهم المصطلحات في رواية جورج أورويل (الأخ الأكبر) عام 1984 كان “التفكير المزدوج” أو “التفكير بازدواجية” ويصف هذا المصطلح قبول الإنسان لفكرتين متعارضتين تمامًا، ونذكر المصطلح الطبي في علم النفس “نظرية التنافر” أو cognitive dissonance الذي يقول: أن وجود معتقداتٍ متعارضةٍ عند الشخص أمرٌ يثير عنده القلق لذا يحاول جعلها أكثر اتساقاً فيما بينها.
والمثال عن التفكير المزدوج في الرواية كان في الموظفين الذين يؤُمرون بأن يزُوّروا الأوراق والوثائق الرسمية، حيث ينتهي بهم الأمر لتصديق تزويرهم على أنه حقيقة.
هناك أكثر من مجرد نفحاتٍ من التفكير المزدوج في سلوك الأبوين الذين يقومون بكل هذه المناورات على طفلهما، تراهم يقولون إن الطفل له الحرية في أن يؤمن ويعتقد بما يشاء، وبعد ذلك نرى تجلياتٍ للتفكير المزدوج في طرحهم الديني، حيث نرى الادعاء بامتلاك قيمٍ أخلاقيةٍ أبديةٍ، وبنفس الوقت التأكيد على طرح قيمٍ منافيةٍ للأخلاق بشكلٍ كاملٍ تمامًا.

[size=44]العين بالعين… أدر لهُ خدك الأيسر.[/size]

نرى سلوكًا إجراميًا مثل المجازر الجماعية وصور التعذيب والوعيد والانتقام ينسب إلى كياناتٍ تطلق عليها صفات ومسميات مطلقة من الرحمة والحب، ولسوء الحظ، مع غياب القدرات النقدية عند الأطفال ومن ثم قمع هذه القدرات النقدية عند بدء تشكلها، يكون هناك أرضٌ خصبةٌ لزراعة بذور هذا التفكير المزدوج، وسيكون لهذه البذور انطلاقة قويةً للتثبت والانتشار والنمو.
الأطفال بالطبع ليسوا الهدف الوحيد للدعوة للأديان، وبالعودة إلى الواعظ على القطار نجد محاولةً لتطبيق حالة (الأب – الابن) ولكن على أشخاصٍ بالغين.
الدين كـأب سيء Parent-4
بالطبع عندما يكون الأمر متعلقًا بالعقيدة والدوغما، فان إستراتيجياتك محدودة، إن الأساس الخاص بالعقيدة والدوغما هو السلطة، لذا الإحترام والمساواة كبالغين بين طرفي الحوار في العلاقة الدوغمائية أمرٌ غير موجودٍ وخارج نطاق التفاوض، ولهذا نرى الواعظ هنا يتحدث إلى البالغين وكأنهم أطفالٌ في مدرسة.
تتمثل المشكلة هنا في أن إذعان الناس يتطلب منهم قبول المتحدث كسلطةٍ شرعيةٍ حقيقية، الأمر الذي فشل الداعية في فهمه هو أننا عادًةً نرفض قبول شخصٍ غريبٍ عدائي ومزعجٍ كسلطة، ومن المفارقة أنه حصل على التفاعل الطفولي ولكن ليس التفاعل المذعن الذي كان يتمناه.
ردود الأفعال المتمردة للأطفال من الممكن إثارتها بسهولة بواسطة الهراء المتلعثم الراغب بشدة بالحصول على السلطة، والذي ينتج عنه الازدراء والشتم، إن خرقه – الواعظ على القطار – للحدود الاجتماعية المقبولة يجعلنا نتوقع أن يستثير ردود الأفعال الأبوية والتي تعيد المعتدي إلى حدوده.

[size=44]العبادة[/size]

أمرنا الواعظ بأن نجثو على ركبنا وهذا أيضًا سلوكٌ يلقي الضوء على علاقة (أبوية – أبنية) أخرى، بعض الناس لا يستطيعون تخيل حياةٍ خاليةٍ من العبادة والتضرع، حينها نرى مصدر الفكرة الخاطئة التي تقول بأن الملحدين يجب أن يكونوا يعبدون شيئا ما، ربا أنفسهم ذاتها.
وحتى لو تجاهلنا معضلة العبادة للأشياء التي لا يمكن البرهنة عليها وتركناها جانبًا، يبقى هناك خطأ قاتٌلٌ في مفهوم العبادة نفسه، وهو أنه لا يوجد شيءٌ يحتاج إلى العبادة.
ندرك في هذه الأيام تمامًا أن الغرور الكبير جدًا لدرجةٍ يحتاج فيها إلى عبوديةٍ خالصةٍ، مدفوعٌ بشكلٍ كبيرٍ بالشعور العميق بالنقص والضعف والذي يتجلى بشكل عجز، وهذا يترك العباد في موقع معزولٍ بشكلٍ غريب، حيث يعلق في دوامةٍ من إرضاء حاجاتٍ غير موجودة، ويستمر البعض في التأكيد على إدعاء أنٍ العبادة مفيدٌةٌ لنا لا للآلهة، ويدّعون أنها -الصلاة والدعاء- تجعلنا نشعر بالعرفان والتقدير لإيجابيات حياتنا، ولكن العبادة ليست ضروريةٌ للوصول لهذا الغرض أيضًا، يمكنني الجلوس هنا والتأمل في حظوظي الجيدة بدون أن أمارس أو أعمل أي شيءٍ يشبه العبادة. وبالطبع هنا يأتي دور إطلاق الأحكام، رفضي لأن أحقر نفسي يؤخذ على أنه غرور وتكبر، وهذا يسلط الضوء على حالة القسمة الثنائية الزائفة، والتي تفتقر إلى حلٍ وسط، علينا ألا نضخّم أنفسنا ولا أن نقلل من شأنها ونحتقرها، الأرضية الناضجة الصحيحة هي أننا في الحقيقة جيدين بما فيه الكفاية كما نحن.

[size=44]“أنت لا تعارضني أنا. أنت تحارب الله”[/size]

إن قابلية الواعظ في القطار على تبرير مواطن الضعف لديه عن طريق شيطنة المخالفين يسلط الضوء على آليةٍ نفسيةٍ دفاعيةٍ غير معتادة، للتهربّ من تحمل المسؤولية الشخصية، مثًلًا نجد هذا السيناريو كثيرًا في المجتمعات الدينية:
الواعظ “س” يقوم بشكلٍ منتظمٍ بنشر مواعظ وتصريحاتٍ ضد فئاتٍ اجتماعية مختلفة، مع تصريحاتٍ عدوانيةٍ مخيفة وغير أخلاقية حول الفساد الأخلاقي الذي يجتاح تلك الفئات، ولكن في يومٍ ما تتعرض أخلاقيات الواعظ “س” إلى المسائلة، من خلال بعض الخروقات الأخلاقية التي مارسها، ربا بسبب اختلاسه من أموال مؤسساتٍ خيرية، أو الكشف عن تورطه بفضائح علاقاتٍ سريةٍ غير أخلاقية، هنا يأتي دور المؤمنة “ع“ التي تؤكّّد انه سيّء تتطلب منه أن يعود نظيًفًا، المؤمنة “ع“ تحاول الآن تأكيد ذلك، ومن خلال فضحها لهُ ولممارساته، قامت بالإضرار بقدرته على نشر كلمة الله، والآن سيقوم الواعظ “س” بالفعل بتبرير أفعاله اللاأخلاقية والتهرب من المسؤولية من خلال عُذر إن المؤمنة “ع“ قد تصرفت ضد إلهه.
الدين كـأب سيء Parent-5
إن فكرة (أنت لا تعارضني أنا. أنت تحارب الله) تسُتخدم لتجنّب المسؤولية والفشل والخروقات على الصعيد الشخصي بالإضافة إلى الخروقات الأخلاقية، ولكنها أيضًا تستخدم من خلال من يدّعون أنهم يتكلمون باسم الإله بشكلٍ مباشر، وبهذا يقومون بنفخ سلطتهم الأبوية إلى درجة التقديس، والتي غالبًا ما تكون بهدف إطلاق تصريحاتٍ معادية للمجتمع:

  • الله يكره المثليين!

  • الله يريد المؤمنين فقط في الحكومة.

  • الله يريد محو هؤلاء المهاجرين الغرباء.


إذ تكون حقيقة هذه التصريحات أقل تأثيرًا بكثير:

  • أنا أكره المثليين!

  • أنا أريد الأشخاص المؤمنين فقط في الحكومة

  • أنا أريد محو هؤلاء المهاجرين الغرباء’


 عندما تصبح المسألة عبارًةً عن إطلاق أحكامٍ بشرية، تفقد هذه القضية أي فرصة وتكون خاسرة، هذه العبارات الثلاث محكوم عليها بالفشل أمام النقاشات العقلانية بسبب أنها تستند إلى التعصب والمشاعر السلبية، ومثل العقيدة والدوغما فإنها تعتمد في أساساتها على استنادها إلى السلطة.

[size=44]العلاقة الأبوية الإيجابية[/size]

من الممكن أن تكُون العلاقة الأبوية إيجابية، فالسيطرة من جانب الآباء توفر معلوماتٍ حاسمةٍ حول الحدود المناسبة، لوصول الأبناء إلى التفاعل الاجتماعي المتكامل مع الآخرين، يقوم الآباء بتشجيع وتوفير الراحة للأبناء، ويساعدون في تنمية المهارات العاطفية والفكرية وتقوية الاستقلالية لديهم، وهذه هي النقطة المهمة: الاستقلال، فعندما يصبح الطفل بالغًا وراشدًا، يقوم الآباء بتحضير الابن لهذه الانتقالة الأهم في حياته، فالسعي للحفاظ على شخصٍ في حالةٍ من الطفولة المستمرةّ هو إحباطٌ للنمو الطبيعي.
حين أعلنتُ إلحادي كطفل، حدث بعض التوتر لبعض الوقت، واعتبرني الجميع جاهًلًا، كما يحدث دائمًاً من المؤمنين تجاه الملحٍدين، وظنُّوا أنها حالة تمرد عابرة، لكن مع مرور الوقت تبيَّن لهم أن موقفي عقلاني، وبعد ذلك خلال حياتي كشخصٍ بالغ في إنجلترا، لم يكن الدين موضوعًا مهما، لماذا؟
الدين كـأب سيء Parent-6
لأن محاولة فرض دينك على الآخرين تعُتبر همجية وابتذال، والدين عند الأغلبية هو مسألة شخصية تتعلق بعقيدة الفرد الداخلية ومعتقداته الخاصة، ولكن مع ما شهدتهُّ خلال الثلاث سنوات الماضية من انتشار المتشددين الدينيين على الأنترنت، أصبح التركيز ينصب على جعل الدين مسألةً خارجيةً، حيث يتوجب على الجميع أن يغير نفسه حتى يرضوا عنه، ولاحظت أن سلوكهم يتصف بالعنف وعدم التسامح والأحكام المطلقة، وواقع وجود هذا السلوك العدواني بشكلٍ متطرفٍ تجاه الملحدين لأنهم ينكرون و يرفضون الدين الذي يدعي التسامح لا يثير العجب هنا، بل هو مجرد تفكيرٍ مزدوجٍ آخر، وأجد ذلك مثيراً للاهتمام من حيث أنه يتطابق مع قصة واعظ القطار.
حيث نلاحظ نفس الاستخفاف وعدم الاعتبار من المتشددين تجاه من يخالفهم العقيدة، وأحيانا تجاه من يوافقهم العقيدة أيضًا، نلاحظ نفس التحكم والإدانة الموجودة في سلوك (الأب – الابن)، ونرى نفس ردّات الفعل المتوقعة تجاه هذه الغطرسة، ونرى نفس الحجج والتبريرات من المتطرفين أن الناس لا يحاربونهم هم، بل يحاربون إلههم، ونرى نفس أساليب رفع الصوت و اللف والدوران حتى يزيدوا من سيطرتهم، ولكن على عكس الواعظ، هؤلاء لم يكتفوا بالصراخ و العويل بل قاموا بإنشاء المدارس الدينية، التي تدُرّس فيها علوم الأحياء الزائفة على يد أساتذة علوم زائفين، ويفتخرون بكل وقاحة أن %100 من طلابهم يرفضون الحقائق العلمية ويصدّقون الأساطير الخلقية.
ونرى أيضًا المخيمات الدينية الفظيعة ِّالمتعسفة المضطهدة للأطفال التي يدُيرها البهماء الديماغوجيون الجائعون للسُّلطة الذين ينظرون للأطفال كبيادق يحركونها في سباق التسلح الديني، لنأخذ ما يقوله القس Becky Fischer القائد في مخيم Kids on Fire Jesus السيّء السمعة:
اقتباس :
“على ماذا نركز؟ سأقول لكم على ماذا. نحن نركز على نفس أهداف أعدائنا، أي على الأطفال. نصف الأطفال بأنهم “للاستخدام” فهم متفتحون، وصالحون للاستخدام في المسيحية.
يعلنها بوضوح أنهم يريدون أن يجعلوا الأطفال يلقون بحياتهم للتهلكة في سبيل معتقدهم.
اقتباس :
“أريدهم أن يقدموا حياتهم بكل تطرف لأجل الكتاب المقدس.”
وها نحن نشهد النتائج السيئة لذلك، إذ مُلئت عقول الأطفال بتحيزاتهم القميئة، هذا ما قاله أحد الأطفال هناك:
اقتباس :
“كلما مررت بمجموعة غير مسيحية، فإني أشعر بأن هناك شيءٌ غير صحيح، أشعر بأن هناك ما يثير القرف الشديد في نفسي.”
يقومون بحرق الكتب والأعلام في محاولةٍ منهم لجعل الآخرين خائفين ومطيعين كما في وضعية الطفل المطيع الراضخ، ولكن زرع الخوف الزائف الوقح لا ينتج عنه إلا التمرد والغضب كما حدث مع واعظ القطار.
هل تمكنتم من كشف هذا الأسلوب؟ هذه ليست مناقشاتٍ وحواراتٍ متكافئةٍ بين أشخاصٍ بالغين، هم يعاملوننا بأسلوب (الأهل – الطفل)، (الأب – الابن) تمامًا.
هؤلاء الذين يعتقدون أن مناصبهم تعطيهم امتيازاتٍ على الآخرين، لن يستسلموا أو يتركوها بسهولة، فالرفاهية أصبحت ضرورة لهم، ينالون أكثر مما يستحقون من السُّلطة ويخشون المطالبة بالعدل والتوازن لأنهما سيحرمانهم من كل شيء، وكل حركة إصلاح في التاريخ كانت تطالب بالحقوق المتساوية مثل حقوق المرأة أو ضد العنصرية أو المطالبة بحقوق مساوية لمثليي الجنس، نجد بالمقابل ردّات فعلٍ مقاومةٍ لها من طرفهم، محاولين وصف هذه الحركات التمردية للطبقات المهمشة بأنها أمراضٌ و فيروساتٌ يجب سحقها، وهم كالآلة العسكرية في عنادهم وتصلبهم، وأصبحوا يطلقون هذه الصفات على الملحدين حاليًا، بمصطلح غبيٍ و متناقض: “التطرف الإلحادي.”
لكن أنظمة الاستبداد تسقط دائمًاً، قد يخضع الناس لها في البداية، ولكن طبيعتنا تتغيّر وتنمو، فالطفل ينمو والمجتمعات تنمو، ومع التجربة المستمرة يأتي الوعي بالتدريج بأن هذه الإساءات ليست أمرًا محتومًا ومسلماً به لأنهم تربوا عليه، وأن هذا الظلم الغير مبرر الذي ارتكُب ِّبحقهم إلى زوال، وبأن قوّتهم التي تخلوُّا عنها سابقًا يمكن استرجاعها.

[size=44]خاتمة[/size]

إن كنا سنتطوّر كجنسٍ بشري، علينا تحديد الأنظمة التي تعاملنا كأطفال، ليس فقط أنظمة الاستطفال الدينية، بل أيضًا أنظمة الاستطفال الاجتماعية التي ِّتعزز التفرقة والعنصرية، وحكومات الاستطفال، ولا أعني فقط الديكتاتوريات الواضحة، بل أيضًا الأنظمة الأبوية الخبيثة الغادرة التي تجعلنا نتخلى عن حرياتنا تدريجيًا بالادعاءات الكاذبة بأنها تسعى لحماية الأمن ضد المخاوف التي يزرعوها بأنفسهم في عقول الناس.
حياتنا تطفح بالشكوك، الغموض، وعدم الأمان، والتعامل معها بالخضوع لنظام (الأب – الابن) لن يأخذنا للأمام بل سيتراجع بنا للخلف
بدون تواضعٍ أقول: نحن أفضل حاًلًا حين نقف شامخين بقامتنا الراشدة البالغة الكاملة دون ِّأي تطاولٍ أو استصغار.
الدين كـأب سيء Parent-7
هذا المقال مترجم عن Theramin Treen
الكاتب Theramin Trees معالج نفسي، رسام، وموسيقي من المملكة المتحدة بدأ بعمل فيديوهاته ومقاطعه على اليوتيوب منذ الـ 2007 والتي تتناول موضوع التعصب، التفرقة، العنصرية، والآثار الاجتماعية الخبيثة. هدفه من خلال أعماله تحدي الاضطهاد الاجتماعي من خلال ترويج الشك والفكر النقدي للمساعدة على التخلص من التقاليد البالية التي تمتعت طويلا باحترام لم تستحقه يوما، والعمل على تحقيق المؤسسة الاجتماعية العادلة التي طال انتظارها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

الدين كـأب سيء :: تعاليق

فؤاد
رد: الدين كـأب سيء
مُساهمة الجمعة أبريل 21, 2017 8:55 pm من طرف فؤاد
http://arabatheistbroadcasting.com/program/essay/page/2
 

الدين كـأب سيء

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» الدين والسينما، الدين في السينما ! (2/2)
» لقد ساهمت في هذا الموضوع العرب والثقافة العلمية - حتى لا نخلط الدين بالعلم الدين بالعلم
» العرب والثقافة العلمية - حتى لا نخلط الدين بالعلم الدين بالعلم
»  ماهية الدين - قضايا أولية لإصلاح الفلسفة ونصوص أخرى - فويرباخ اهية الدين - قضايا أولية لإ
»  الدين والرغبة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا :: الحــــــــــــــــــداثـــة-
انتقل الى: