[size=54][size=54]نحو[/size] [size=54]علم[/size] [size=54]خارق[/size] [size=54]جديد[/size][/size]
نحن اليوم على وشكِ دخولِ أعتابِ زمنٍ جديدٍ مثيرٍ للغاية، حيث لن يكون العلم محدودًا بالتفسيرات المادية بعد الآن. من يا تُرى يحقُّ له الإنكار أو يستطيع الجزم بعدمِ تحكُّمِ القوى الماورائية (أو السحر كما يسميه البعض) فيما يحدث حولنا من ظواهر؟
أصبح العلم اليوم وبدعمِ وتأثيرِ الرأي العام والحكومات أكثر تقبُّلا لكلِّ النظرياتِ المنطقيةِ سواءً كانت طبيعية أو خارقة للطبيعة. هذه بالفعل فرصةٌ ثمينةٌ، إذ لم نحظَ منذ العصور الوسطى بسياسةٍ تتمتع بهذا الانفتاح في التعامل مع العلم مثل ما نرى اليوم.
كتاب بشارة الإسباغيتي الطائر[size=44]واقعيـًّا: ما هو تعريف العلم؟[/size]
قد يقول البعض بأنه مجموعة التفسيرات المُوَثَّـَّقة والموصوفة والمُجرَّبة والنظرية للظواهر. لذلك ليس شيئًا يدعو للدهشة أن يقول البعض بعدم وجود مكان للنظريات الخارقة للطبيعة في فروع ومجالات العلم بحجة أن الادعاءات الخارقة للطبيعة لا تنتج أي ادعاءات قابلة للتجربة على أرض الواقع.
لكن هذه الفكرة تعاني قليلا من قِصر النظر. فالعلم هو أيضًا مجموعة من الأدوات التي تهدف إلى تمكين البشرية من حل المشكلات. من هذا المُنطلق فإن نظريات الخوارق، أو السحر، أو الماورائيات، أو الوهم، وما إلى ذلك من تسميات، لديها الإمكانيات لأن تكون مُفيدة، هذا إن لم تكن مفيدة أكثر من “العلم القياسي الطبيعي” والذي استخدمته البشرية على مدى القرنين السابقين.
وبهدف توسيع فاعلية العلم بحسبِ هذا المفهوم ألا يجدر بنا السعي لكي نعطي العلماء أكبر قدر ممكن من الأدوات؟
نحن لا نقول بأنه يجب على العلماء استخدام التفسيرات الخارقة للطبيعة في تفسير كل الظواهر، وإنما يجب أن تكون مطروحة في حال فشل جميع الطرق الأخرى في تفسيرها، أو في حال توافقها مع بعض الأهداف السياسية المُضلِلة.
وتذكروا أن هذا الاقتراح ليس مجرد فكرة جديدة مثيرة للجدل. فعند النظر إلى عدد السنوات التي تم فيها استخدام علم ما فوق الطبيعة – أو العلم الخارق إن شئتم تسميته كذلك – نجد أن لديه الأسبقية بل والتفوق على العلم التقليدي.
العلم التقليدي أو التجريبي لم يكن قيد الاستخدام إلا في القرون الأخيرة القليلة الماضية. من الواضح أن هناك سبب جيد لاستمرار استخدام علم ما وراء الطبيعة لفترة طويلة قبل أن تبدأ بدعة وموضة العلم التجريبي.
هل من الممكن أن يكون السبب أن علوم ما وراء الطبيعة أكثر إنتاجية وفائدة من العلم التجريبي؟
لنتناول موضوع اكتشافِ وتطويرِ أراضٍ ومساحاتٍ جديدةٍ من الكرة الأرضية، وهو ما يُعد هدفا علميًا مهمًا بمختلف المقاييس لدى الجميع. إذا ما قمنا بمقارنة الفترة الزمنية التي كان فيها علم ما وراء الطبيعة هو العلم السائد، (وهي الفترة من ما قبل 1400م إلى 1600م) بالفترة التي كان فيها العلم التجريبي هو العلم السائد صاحب الأفضلية بين العلماء (وهي الفترة من 1800م إلى2000م) فسيكون باستطاعتنا الحصول على صورةٍ واضحةٍ تبين لنا كيف أنه من الممكن للعلم التجريبي أن يكون ضارًا. (أنظر الشكل)
مقارنة بين مساحات الاراضي المكتشفةمن الواضح كما في الشكل أن العلم التجريبي كان أقل إنجازًا بالرغم من كل الامتيازاتِ التكنولوجيةِ التي يمتلكها. حتى بوجود صور الأقمار الصناعية وأنظمة تحديد المواقع، لم يستطع العلماء المقيدون بالمنهج التجريبي حتى اكتشاف 3% فقط وهي نسبة تافهة من حجم الأراضي التي اكتشفها نظرائهم الذين اعتمدوا علم ما وراء الطبيعة منهجًا في فترة زمنية متساوية.
لم يكن لدى العلماء والمستكشفين في الأعوام من 1400م إلى 1600م سوى القليل من الخرائط وبوصلة وعصا الصليب والإسطرلاب لاستخدامها في الملاحة، كما لم يكن لديهم أية آليات تعمل بقوةِ المحركات. ولكن بالرغم من كل تلك المُعوقات، كان بإمكانهم اكتشاف أكثر من 14 مليون كم مربع من الأراضي الجديدة المفيدة. من الواضح أيضًا أن انفتاحهم على القوى الماورائية كان له دور في نجاحهم، وبإمكاننا أيضا أن نستنتج أنه تم إرشادهم إلى تلك الأراضي الجديدة التي اكتشفوها بمساعدة كائن خارق – وهو على الأرجح وحش السباغيتي الطائر – كما تؤكد بعض المصادر الفنية التاريخية.
صورة تاريخية تبين كيف أرشدت القوى الخارقة للطبيعة الرحالة كريستوفر كولومبسمن المنطقي جداً أن نستنتج أن عودتنا إلى الأساليب المتوازنة للعلوم -أي التوفيق بين النظريات الطبيعية والنظريات الخارقة للطبيعة – سيؤدي بنا إلى اكتشاف أراضٍ جديدة، وذلك أمر نحن بأمسِّ الحاجة له، كيف لا ونحن نشهد تضخماً سكانياً كبيراً مثل الذي نعيشه؟ المزيد من الأراضي يعني المزيد من الثروات، ومزيداً من الثروات يعني مجاعاتٍ أقل. لذا بوسعنا القول بأن كل من يُعارض إدخال النظريات الخارقة للطبيعة، يريد بالتأكيد أن يرى الأطفال تموت جوعاً.
فعلينا ألا نرحب بمثل هكذا أشخاص لا أخلاقيين تحت قبةِ صناعةِ القرارات، وأقترح ألا نأخذ بأيٍّ من آرائهم بهذا الخصوص.
دعنا نُلقي نظرة على الطب أيضاُ. قد يبدو من غير المنطقي القول بأن الطب في العصور الوسطى كان بحالٍ أفضل، حينما احتوت العلوم نظريات خارقة للطبيعة، على النقيض من حالته اليوم حيث تقتصر دراسة الطب على الظواهر الطبيعية.
ولكن دعنا نتمحص الأمر أكثر. هيمن الدين على الطب في العصور الوسطى، وكان يُعتقد بأن المرض بشكل عام عاقبة دنيوية للخطيئة وعقاب على الآثام، لذا اقتصرت المعالجة على الدعاء والصلاة. ولكن ماذا عن الإجراءات الطبية “القديمة”؟ إذ كانت ذو نسب نجاح كبيرة مما يجعل إقصاءها ليس عادلاً.
“إراقة الدم” وهي إزالة كميات كبيرة من الدماء من جسم المريض، يُعتبر عملاً شائناً ضمن مفاهيم أطباء اليوم الذين يُفترض أن يكونوا متفوقين. ولكن من له الصلاحية أو الحق بإقصائها وجعل الطرق المعاصرة بديلة لها؟
نصوص العصور الوسطى الطبية – والتي يمكن لأي شخص متمكن من قراءة اللغة اللاتينية أن يفهمها، وليس لدينا أي سبب ليجعلنا نُشكك في مصداقيتها – تُخبرنا بأن كثيراً من الأمراض، بدئاً من الصداع وإنتهاءاً بالأورام السرطانية، كان غضب الأرواح الشريرة مسبباً لها. بالتأكيد، نحن نعلم اليوم أن هنالك مسببات كثيرة لهذه الأمراض، ونصوص العصور الوسطى تثبت لنا وبوضوح، أن الأرواح الشريرة كانت أحد أهم المسببات آنذاك. ولكن لم يعد ذلك المسبب يُذكر في هذا الوقت بسبب النجاح الباهر الذي حققته عملية “إراقة الدم” في إزالة ذلك المسبب تماماً من العالم.
ونفس الحال حصلت حين قُمنا بالقضاء على شلل الأطفال تماماً عن طريق استخدام فيتامين سي. ولدي سؤال لكل من يعترض على كلامي عن نجاح تلك العلاجات: متى كانت أخر مرة أُصِبتَ فيها بالحُمّى بسبب الأرواح الشريرة؟
ولكن هنالك الكثير من الأمراض، بحيث أن العلوم الطبية بالطرق المعاصرة وحدها لا يُمكن أن تقضي على هذا العدد كله منها. لمَ لا نُعطي الأطباء والعلماء إذًا مرونةً لاستخدام المزيد من الطرق وإدراج النظريات التي تُقدِّر قيمة المسببات الخارقة للطبيعة؟ ومن يعلم، ربما سنقضي على العديد من الأمراض الأخرى، ومن ضمنها الأمراض التي لا دخل للأرواح الشريرة بها. من يدري، ربما نستطيع علاج الأمراض بواسطة استخدام العمليات البسيطة “كإراقة الدم” أو تعريض المنطقة المصابة للعلق ببساطة، لن نعلم حتى نحاول.
وبينما يؤمن الكثير من الأفراد بشفاء الأمراض عبر الصلوات والأدعية، لا يوجد أي أدلة يمكن التحقق منها لدعم نجاح تلك الممارسة. ولا أقصد هنا أن العلاج بالأدعية والصلوات غير ممكن، بالعكس، من الممكن جداً أن الصلاة تساعد في شفاء المرضى بالفعل. ولكن ربما تكون الطريقة التي يتم تنفيذ الصلوات بها ليست الأمثل، وهذا يُفسِّر لنا نقص الأدلة التي تدعم نجاح تلك الممارسة. في الحقيقة لا نعلم ذلك لأن السياسات العلمية المعاصرة وحساسية الديانات لا يسمحان بهذا النوع من الدراسة.
ماذا لو كانت تلك الصلوات تُؤدَّى للإله الخطأ أو قد تكون مُهينة له بطريقة ما؟ ماذا لو كان وضعنا لرقعة قماش على عيننا ولبسنا لقلنسوة قرصان سيجعل الصلوات والدعوات يُستجاب لها من قبل وحش السباغيتي الطائر؟
التاريخ مليء بأمثلة عن أحداث خارقة للطبيعة، وإن لم نكن أكثر ذكاءًا وعلماً ومجهزين بشكل جيد لفهم الأحداث التي تُعدُّ غير مفهومة والتي كانت مفهومة قبل خمسمائة عام، فعلينا على الأقل قبول التفسيرات التي يقدمها هؤلاء الذين شهدوها.
لو أخذنا الساحرات كمثال، تواجدن بأعداد كبيرة وسبَّبن العديد من المشاكل لدرجة أنه أصبح من الضروري أن يتم إلقاء القبض عليهن وحرقهن بأعداد فاقت عشرات الآلاف. الآن نحن في القرن الواحد والعشرين، بعد تلك الحوادث بمئات الأعوام، وهذا زمن كافي لتزايد وتضاعف أعداد الساحرات منذ ذلك الحين، إلا أن أعدادهن لا تزال قليلة ومشاكلهن أقل مما كانت عليه خلال نصف الألفية السابقة.
حتى أنني لم يسبق لي أن رأيت ساحرة، ناهيك عن الشعور برغبة تدفعني لحرق واحدة منهن حتى الموت. يمكننا الاستنتاج من خلال هذا الواقع، أن أسلافنا الذين كانوا مسلحين بالعلوم الخارقة للطبيعة ومقتنعين بمنطقيتها استطاعوا الإحاطة بكل الساحرات في هذا العالم وتخلصوا من خطرهن تماما.
هنالك احتمال آخر هو أن الساحرات مختبئات في مكان ما ويحاولن التخطيط للانتقام، وبحرية يُركِّبن مواد مقاومة للاحتراق ويضعنها على أنفسهن. وفي يومٍ ما سيظهرن من جديد ويقُمن بإيقاع الجميع في المشاكل، حينها مالذي سيفعله العلماء التجريبيون الفطاحل ورياضياتهم الحديثة في هذا الموقف؟ هل سيرمون الآلاتِ الحاسبةِ عليهن؟ الساحرات تأكل الآلات الحاسبة!
إن المجتمع العلمي الحديث سيكون عاجزًا أمام تهديد الساحرات بتقديمه فقط للحلول والتفسيرات “المنطقية والعلمية” للأحداث المرعبة التي ستسلطها الساحرات علينا بقواهن السحرية.
غالبـًا ما نميل لنفخِ وتقديسِ طُرقنا التجريبيةِ الجامدةِ وتقدُّمِنا التقني وكأننا فخورون بها وبما استطعنا تحقيقه من خلالها، ولكن عندما تُظهِر الوقائع وبشكل واضح أن العلوم الخارقة للطبيعة الغير تجريبية والغير مادية يُمكنها أن توفر هذا القدر من النتائج، من اكتشاف أراضٍ جديدة إلى علاج الأمراض التي تسببها الشياطين إلى إنهاء خطر الساحرات كليا، علينا حينها أن نعيد التفكير بمقاييسنا والعودة إلى طُرقنا القديمة التي تُعطي نتائج حقيقية.
ومن المُفارقات الكُبرى أن المُحاججات ضد تضمين الأمور الخارقة للطبيعة في المنهج العلمي المقبول أظهرت أن النظريات الخارقة للطبيعة هي مجال شرعي مستقل وموازي في الدراسة العلمية. لا أحد يقول إن العلم الطبيعي التجريبي والعلم الخارق للطبيعة الغير تجريبي لا يمكن أن يعيشا جنبًا إلى جنب.
حقيقةُ بإمكانهما ذلك، لا بل من الواجب أن يتعايشا معًا. قد يقوم التصميم الذكي بتجنب التفسيرات الخارقة للطبيعة في تفسير الظواهر، ولكن منهج وفكر وحش السباغيتي الطائر المتفوق يمكنه أن يستخدم التفسير الطبيعي والخارق للطبيعة بطريقة متساوية.
الجمعة أبريل 21, 2017 10:10 pm من طرف متاحة