كيف ومتى تحوّل الشرف من علاقةِ الفردِ بالمجتمع من حولهِ إلى رأي المجتمع بأعضاء الفرد الجنسية، ليس هذا فحسب بل ارتبط التعريف المُخزي للشرف هذا ارتباطًا وثيقًا بحياة المرأة الجنسية، حيث أصبح جسد المرأة ليس مُلكًا لها بل لكل الفحول في العائلة، حتى ذلك اليوم الذي يقومون فيه بتسليمها إلى فحلٍ آخرٍ من خارج العائلة ليتحمل هذا (الشرف) الثقيل. كيف أصبح هذا المفهوم العقيم للشرف صفةً مُلازمةً لجميع الشعوب العربية والإسلامية اليوم؟ بل أصبح يحمل عنوانًا معروفًا في المجتمعات التي اُبتليت بمهاجرين من هذه الشعوب لتتم الإشارة إلى هذه الجاليات بمجتمعات الشرف؟ عن أيِّ شرفٍ نتحدّث هنا؟
في بلدي الأم العراق يتناسب شرف الرجل طرديًّـا مع جهلهِ بحياة المرأة الجنسية. لا يهم أن يكون إرهابيًّـا في القاعدة يقوم بحزِّ الرقاب ولا يهم أن يكون سفاحًا أو لصًّا أو موظفًا مُرتشيًا. المهم هو والناس من حولهُ لا يعرفون أي شيء عن ممارسة الإناث في عائلته (أخته، أمه، زوجته، بنت عمته أو خالته. الخ) للجنس. هل يوجد تشويه أكبر من هذا لمفهوم الشرف بشكلٍ عام وهل هناك أكبر من هذا الانحطاط لفعلٍ نبيلٍ مثل ممارسة الحب؟ حين يتعلّق شرف عائلة أو عشيرة أو بلد كامل بممارسات أفرادهِ الجنسية فمن الصعب أن يفهم الإنسان في هذا المجتمع حجم العار الذي يلحق بهِ عندما يُطالب أو يأخذ أو يعرض رشوة على موظف في مكان عملهِ.
حاولتُ كثيرًا معرفة سبب هذا الهبوط الأخلاقي لمفهوم الشرف لدينا، وما هي علاقة الشرف بممارسة الجنس؟ هل هو ظهور المجتمع الذكوري الذي جيل بعد جيل قام بتطوير هذا المفهوم على مدى آلاف السنين للارتقاء بمقام الرجل حتى أصبح الإله ذاته رجلاً؟ أم هل لأن جميع الأبطال والأنبياء في تاريخنا المُزوَّر يتناسب حجم بطولاتهم وقداستهم طرديًّا مع مغامراتهم الجنسية؟ ما هو سبب هذا التشنّج الغريب والتركيز الغير منطقي لمجتمعاتنا حول الجنس بالذات؟ لماذا كل تاريخنا ومُقدساتنا تدور حول الجنس ومدى استخدام أو عدم استخدام أنبيائنا وقدّيسينا لأعضائهم الجنسية؟
نزولاً من التراث المُتوَّهم بقصة آدم وحواء عندما اكتشفوا وبصورة لا منطقية بأنهم (عُراة)، مروراً بالتقديس الغير مبرر لعذرية مريم العذراء وانتهاءً بمغامرات محمد الجنسية. هذا التحقير الأعمى والخوف الأزرق من جسد المرأة وكل ما له علاقة بالجنس، وهذا التمجيد المهول لقدرات الرجل الجنسية يملأ كل كتب التاريخ والأدب والدين لدينا. الكثير من المراهقين المسلمين حتى يومنا هذا يفتخرون بقدرات محمد الجنسية وعلى الطرف الآخر يتخذ المسيحيون من مريم العذراء مثالاً في البتولية والعفة ويقدّسونها حتى ارتبط اسمها بسلبية نشاطها الـجنسي. تصور معي لو تحدّثنا بنفس المقدار من الفخر عن قدرات مريم (العذارء) الجنسية؟ عن علاقتها الجنسية الوطيدة مع تلاميذ المسيح الأوآئل لتوحيد القلوب ونشر الإيمان بابنها المُخلِّص؟ ألم يستخدم الله جسدها (رغماً عنها) لنشر رسالته؟ ما الضرر من استخدامه في أشياء أخرى ولنفس الهدف النبيل؟ تصوّر معي لو تحدّثنا بنفس الفخر عن حياة فاطمة أو زينب الجنسية في البدايات الأولى لظهور الإسلام واستخدامهن الجنس (تماماً كأبيهن) لتوحيد القبائل العربية على الدين الجديد؟ تصوّر معي، واكتشف فيما لو كان الشرف الذي تؤمن به هو شرفٌ يستحق الدفاع عنه أم شرف يجب أن تخجل منه وتتركه لأنه لا يليق بك كإنسان عقله فوق رقبته لا بين فخذيه.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن وبشدة علينا نحن (ذكور القبيلة حصراً) هو كيف نتخلّص من هذه العقدة المريرة والمُخزية المدعوّة الشرف التي تسلبنا أدنى حد من إنسانيتنا وراحة البال الكامنة في تعاملنا مع كل النساء حولنا. كيف نتخلّص من هذا الشعور المرير بالدماء المتوهجة في عروقنا كلّما رأينا أو لمحنا أو حتى سمعنا عن اقتراب فحلٍ ما من إحدى إناث (قبيلتنا). كيف سنُسكت دوّامات الأفكار والشكوك ونتوّقف عن محاولة لعب دور حامي الحمى وفارس فرسان القبيلة؟
كي لا نُعقـِّد المسائل أكثر مما هي معقدة، تذكّر أولاً بأن الأنثى إنسانة كاملة وناضجة ومسؤولة عن نفسها تماماً كما أنك أنت مسؤول عن نفسك. تذكّر أن أمك أو أختك لسن أبقار مقدّسة تملكها العشيرة، بل هنَّ بشر مساويات لك بالقيمة ولهنَّ نفس الحقوق يمتلكن نفس المشاعر والأحاسيس والأحلام بحياة يملأها الحب والسعادة. سيقول لك الكثير من الفحول حولك، هل ترضاه لأختك…. (نفس النغمة ونفس الأسطوانة القديمة). إجابتك ستكون واضحة وحادة، أختي ليست دابة قاصرة العقل أقودها من الحظيرة إلى المعلف كل يوم، بل إنسانة واعية أثق بها وأحترم قراراتها وسأكون دائماً سعيداً لسعادتها وموجود جوارها لمساعدتها فقط وليس قيادتها.
الجمعة أبريل 21, 2017 10:09 pm من طرف متاحة