الصراع الآن على أوجه بين الشركات المصنِّعة للأجهزة الإلكترونية المحمولة، نار الحرب بينهم مشتعلة والكل يتسابق لإصدار أجهزةٍ تفوق نظيراتها في المواصفات من قوة المعالج وحجم الذاكرة ودقة الكاميرا وتثبيت الإصدارات الأخيرة لنظم التشغيلل، ولعلّ أشهرها نظام الأندرويد، ويُعدّ نظام التشغيل الرّكيزة الأساسية في عمل أي جهازٍ وهو البرنامج المسيطر كليًا على أداء المهام المختلفة، (غوغل) تسعى جاهدةً لتطوير تحفتها الأندرويد مع تحفظي على مساوئه الكثيرة، لكنهم لا يكلّون في التحديث والتطوير وإصدار نسخٍ مختلفةٍ لتلبّي حاجة المستخدم المتنامية ومجاراة تطور التكنولوجيا التي بدأت تقفز بشكلٍ تصاعديٍّ في كل ساعةٍ بشكلٍ مثيرٍ وبسباقٍ مستمرٍ نحو التطور، ولهذا تقوم غوغل وغيرها بإصدار تحديثات النظام بشكلٍ دائم،ٍ وبعدها تقوم بإصدار نسخٍ متطورةٍ أكثر وتستغني عن الإصدارات القديمة التي لم تعد تلبّي الغرض المرجوّ منها.
إذا،ً دستور التكنولوجيا ينصّ على التطور المستمر وفق ما يفرضه الواقع المتجدد، بعد هذا كلّه يتبادر السؤال الخطير في أذهاننا: هل كل شيءٍ في حياتنا يجب أن يخضع للتجديد؟ التجديد فيه إصلاحٌ وتعديلٌ وزيادةٌ في التوافقية، ولعلّ هذا ما نسعى إليه في حياتنا، لكن هل من الممكن أن يصل إلى خطوطنا الحمراء؟ الدين والشريعة؟
وإذا كانت بحاجةٍ إلى تغييرٍ فهل سيكون بشريًا أم سيكون بنفس الطريقة التي وُجد فيها وأُنزل فيها؟
المنطق سيقول نعم، أمّا ما يؤمن به الجمع الأعظم هو “لا” مطلقةٍ غير قابلةٍ للنقاش أوالتفاوض. كيف تناقش شرائع أُنزلت من السماء من ربٍّ لديه علم ما كان وما سيكون، وهو يعلم ما سيؤول إليه حالنا في هذا الوقت عندما أُنزل القرآن الذي هو صالحٌ لكل زمانٍ ومكان، ولكل إنسانٍ على وجه الأرض، فلدينا البرنامج الكامل الذي لا يحتاج إلى تحديثٍ مستقبليٍّ لأنه مفهومٌ ومعلومٌ وكامل.
لعلّه كان كاملاً في عصرٍ ماضٍ عندما كان القلب يفكر ويحسّ، وهو مركز العقل ولم يعرف الربّ وقتها ماهو دور الدماغ أو كانت السماء سقفاً لحماية الأرض الهائلة الحجم مقارنةً بضآلة الشمس والقمر والنجوم، وكل ما حولها يدور حولها وهي ثابتةٌ إلى يوم القيامة، وحينها كانت الشمس تدور على أرضٍ مسطحةٍ ولتختبئ الشمس في عين حمئةٍ وهي ساجدةٌ تحت العرش، وهذا الدستور الكامل يصف نهاية الكون بعد جيلٍ أو جيلين، وبعد ١٤٠٠ سنة لا يزال الزمن مستمرًا ولم يحصل يوم القيامة ولم يظهر الدّجال.
لا تغضب عزيزي المؤمن فأنا لا أنوي جرحك أو الانتقاص من عقيدتك، لكنّي أطرح أفكاري بصورةٍ مجردةٍ وأترك لك الحكم والتفكر.
عقلك الداخلي في صراعٍ بين المعقول واللامعقول، والمقبول واللامقبول، هل يلتقي الدين والعقل في نفس الطريق؟ لعل إيمان ومعتقد المؤمنين بشكلٍ عامٍ يجزم بكون الدين والعقل يسيران يدًا بيد على نفس الطريق، رغم كون الدين فشل في تحديد مكان العقل الحقيقي في جسم الإنسان.
الحقيقة والوهم نقيضان لا يلتقيان أبدًا، العلم ليس هو الحقيقة الكاملة لأنها بلا شكٍ حلمٌ أفلاطونيٌّ يستحيل الحصول عليه، لكنّ العلم لا يكلّ ولا يملّ وهو دائم التحديث كحال صاحبنا نظام الأندرويد، أما الدين فلا يزال يستخدم أنظمة تشغيلٍ بدائيةٍ لا تليق حتى بأجهزة الحساب البسيطة، في حين أنّ مواصفات الإنسان تطوّرت، ومعالج بياناتها أصبح أكثر تعقيدًا وقدرةً، لعلّ هذا النظام البدائي سيتيح الراحة والاطمئنان للإنسان، ويجعل معالجه يعمل بسلاسةٍ مطلقةٍ لكونه لم يحمل مهام كثيرةً ومعقدةً بالمقارنة مع غيره ممّن وصلوا الليل بالنهار في سبيل حل مسألةٍ أو طرح فكرةٍ جديدة .
إنّ مجرّد طرح فكرة محاولة تحديث الفكر الديني هي زندقةٌ وكفرٌ وإلحاد وموجِبةٌ للحدّ، لأنك قد همزت القوانين المطلقة التي لا يأتيها الباطل ولا تشوبها العلل.
فمبدأ التحديث البشري لنظام التشغيل للإنسان مجرّد أوهامٍ خطيرةٍ، وبهذا لم يبقَ سوى الحل الأخير وهو تحديثٌ سماويٌّ للنظم التشغيلية البشرية، ولكن هذا كفرٌ أيضًا في نظر الإسلام لأنّ النبي محمد هو خاتم الانبياء المرسلين وطبعًا هذا الكلام لا يتوافق مع اليهودية التي لازالت تنتظر المسيح، ولعل التشابه الوحيد والملجأ الأخير في نزول المسيح الذي يتفق عليه الإسلام والمسيحية، وعندها سيكون التحديث الجديد لكنّكم ستصدمون عندما تعلمون أنّ سبب نزوله الأخير هو نهائيٌّ لإحقاق الحق المبين، وقتل الدّجال في الفكر الإسلامي أو الشيطان في المسيحية، وهذا معلومٌ عنه أنه نهاية الزمان .
وتلخيصًا عزيزي المؤمن، أنك لن تحظى بتحديثٍ جديدٍ لنظامك القديم وفقًا لما يفرضه عليك عصرك الحالي الذي إن شهد نبيًا فيتحتم عليه أن يكون عالمًا في الطب أو الفيزياء أو غيرها من العلوم الحديثة ليكون مبهرًا للبشرية بإعجازات الخالق التي سيظهرها على يديه.
وعندها فقط سينتشر الدين من جديد وفق مبادئ العلم الحديث والذي بكل تأكيدٍ سيقدّس الاكتشافات العلمية والبحث العلمي ويصف هؤلاء العلماء بأنهم خيرة البشر، وهم من سيدخلون الجنة قبل غيرهم لأنهم بحثوا وفكروا واستنتجوا إبداعاتٍ ساعدت على تحقيق فائدةٍ كبرى للإنسانية، وأهمّ من ذلك أنهم استطاعوا كشف المبهم في الكون وهذا ما يصبّ في تدعيم إيمان المؤمنين بالحجج والبراهين العلمية الرصينة، وفي ذات الوقت سيكون أكبر ضربةٍ للكفار والملحدين والوثنيين. فهل سيحدث هذا الأمر؟ هل سينكشف اللثام عن تحديثٍ جديدٍ يعيد للإيمان الربّاني مكانته بعد أن فشل المتدينون المعاصرون في كسب ودّ الناس قبل كسب انتمائهم؟ لندخل الى أيقونة الإعدادات ولننتظر التحديث الذي حتمًا لن يأتي أو لنغيّر النظام إلى آخر متطور يراعي فيه صانعوه التحديث المستمر… لكم الاختيار.
الجمعة أبريل 21, 2017 10:09 pm من طرف متاحة