[size=54][size=54]عشرة نقاط تُبيّن كيف جَعلَنا التطور بوضعٍ أسوأ:[/size][/size]
لو تسنـّى للمهندسين أن يُصمّموا الشكل الأكثر فعالية للجسم البشري، لكانت النتيجة تختلف عمّا نحن عليه من الناحية التشريحية، وذلك لأن التطور لم يصل بنا إلى الشكل المثالي بل تركنا في تركيبنا الحالي مع خليط من التعديلات، رغم أن هذه التعديلات قد أوصلتنا إلى قمة السلسلة الغذائية، إلا أنها ألقت بثقلها علينا؛ حيثُ تطورتْ لدينا أمراض وآلام تُعتبر جديدة بالنسبة إلى رتبة الرئيسيات، كذب من قال إنه خلق الإنسان في أحسن تقويم، وكذب من قال إنه خلق الإنسان على صورته!
[size=44][size=44]أولاً: آلام الظهر:[/size][/size]
لربما لا يوجدُ مرض مزعج لدى الإنسان بقَدْرِ ألم الظهر، حيث أنه يُقسَّم إلى ألمِ ظهرٍ عُلويّ وألمِ ظهرٍ سُفليّ، مما يضطرنا لزيارة عيادات اختصاصيّ العظام كثيرًا. فما السبب في ذلك؟ هل أتت مشاكل عمودنا الفقري من قضاء الوقت الكثير ونحن نحني رؤوسنا أمام شاشةِ الحاسوب، ومن كوننا نحمل الأثقال بالاعتمادِ على ظُهورنا بدلًا من سيقاننا؟ في حين تُعتبر هذه الأشياء سببًا لمشاكل الظهر الكثيرة، لكن العلماء يقولون بأن السبب الحقيقي هو تصميم العمود الفقري نفسه.
كما هو حال القرود الحديثة، كان سَلفنا يَمشي على أربعةِ قوائم، وكان عموده الفقري أصغر وأكثر استدارةً وتحدبًا فلم يتطلّب الكثير من الجهد؛ حيث أن المشي على اليدين والرجلين كان يمتص القوة وبالتالي يوزّع الضغط بشكلٍ أفضل على العمود الفقري، لكن حين بدأ أسلافنا بالمشي (قبل أربع ملايين سنة) صار العمود الفقري أكثر طولًا وعلى شكل حرف (S) ليتمكن من موازنة منطقة الصدر على الورك والأقدام.[size=15][1][/size]
إن إمتلاك عمود فقري منحنٍ يؤدي إلى تركّز الإجهاد على بعض النقاط من العمود الفقري دون أخرى، مما يُسبب بعض الأمراض المعروفة، مثل انزلاق الفقرات، وآلامِ أسفلِ الظهر، وتحدّب الظهر وغيرها. كذلك، فإن طريقة مشينا المعتادة (خطوة للأمام مع تحريك اليد المعاكسة للقدم المتحركة إلى الأمام) تتسبب بحركة ملتوية من شأنها أن تُؤذي الفقرات. كما لا يوجد أيّ من الثدييات الرئيسية (عدا سلف الإنسان المباشر) يعاني من مثل هذه المشكلة.[size=15][2][/size]
[size=44][size=44]ثانيًا: السُّمنة:[/size][/size]
من الواضح أنّ تطوّر الجسم البشري يخذلنا حاليًا، لأنه لم يصل بعد إلى التكيّف مع نمط حياتنا الحالي الذي يُعد أقل نشاطًا، ولا يتضمن في نشاطه اليوميّ الأساسيّ الصيد وجمع الطعام؛ فأسلافنا السابقين لم يكونوا يعرفون أين ومتى سيأكلون وجبتهم التالية، لذا طوّر الجسم طريقة لتخزين الطاقة (على شكل دهون)، لكن أجسادنا تكيّـفت بشكلٍ كبيرٍ مع نمط التخزين هذا، بحيث أصبح من الصعب جدًا التخلص مِنْ هذه الدهون بسهولة، وكذلك من الصعب أيضًا الاحتفاظ بجسمِ رشيقٍ وممشوق لمدة طويلة وخصوصًا مع وجود مطاعمٍ للوجبات السريعة في كل زاوية، مما يجعل من أي وقتٍ وقتًا مُناسبًا لتناول وجبة طعام، وهو ما يؤدي بالتالي إلى تكدّس الدهون، وهو ما لا يعود إلا بالضرر على أجسامنا مما يُسبب انتشار السُّمنة ومرض السكري من الدرجة الثانية.
مع أننا نستطيع تجنب هذه العواقب إذا مارسنا التمارين الرياضية أكثر وأكلنا بشكلٍ صحي، فإنه إذا أفرطنا في الأكل وزاد وزننا، فسيتغير نمط العيش، وهو ما لن يجعلنا رشيقين أو ممشوقي البُنية. وفقا للأبحاث،[size=15][3] إذا خسرنا أيّ وزن، فسيبدأ الجسم بإطلاق خليط من الهرمونات تلقائيًا، ومن ضمنها هرمون الغريلين Ghrelinn والذي يُسمّى أيضًا بهرمون الجوع، وهو ما يُغيّر خط سير عمليات الأيض (الهدم والبناء) لدينا ويدفعنا إلى الأكل بنهمٍ أكثر.[/size]
بعد خسارتنا للوزن، سيبدأ الجزء العاطفي من الدماغ أيضًا بالاستجابة أكثر للطعام، في حين سيكون الجزء المقاوم لهذه التوجيهات أقل نشاطًا، وعليه فسوف ندخل بحالة شَرهْ ونهم ولن نسمع الصوت الذي بداخلنا، والذي يأمرنا بالتوقف عن حشو أفواهنا هكذا، لكن إذا كانت إرادتنا قوية لدرجة بدأنا بخسارة الوزن فعليًّا، فسيستمر الجسم بهجومه لمقاومة (التضوّر بالجوع) وسيدفعنا إلى أقصى حد ممكن لمحاولة كسب ذلك الوزن مجددًا، وسيستمر هذا الأمر لعدة سنوات وقد يمتد لمدى الحياة.
نعرف، بالطبع، أنه من الممكن خسارة الوزن وعدم معاودة اكتسابه مجددًا. فبعض الناس قد حققوا هذا الأمر مُسبقًا، لكن العلماء يقولون بأن هؤلاء الناس هم مجرد شذوذ عن القاعدة، وللبقاء على نهجهم هذا فعليهم القيام بحساب السعرات الحرارية، وقياس مداها في الأطعمة، والتمرين لعدة ساعات يوميًا ومُراقبة أوزانهم على الميزان دومًا، دون أن ننسى بأن هؤلاء سيحرقون سعرات أقل أثناء قيامهم بنفس الأنشطة التي يقوم بها غيرهم ممن لم يفقد وزنه الزائد عادة، مما يعني أنه على البدناء السابقين أن يتمرّنوا مرتين أكثر من نظرائهم الطبيعين لكي يبقوا ممشوقي البُنية، وللأسف، فإن مُعظمنا ليس لديه القدرة على خوض معارك الانتفاخ بشكلٍ غير محدد بهذا النحو.[size=15][4][/size]
[size=44][size=44]ثالثًا: القلق:[/size][/size]
إنّ البقاء على أُهبة الاستعداد دائمًا (للكرِّ والفرِّ) كان نافعًا حين كنّا نعيش في الطبيعة ونحاول التفوق بالعدْوِ على الحيوانات التي كانت تحاول أكلنا. لذلك، فإن امتلاك قلبٍ مخصصٍ للسباقات، وعضلات نشيطة دائما، وهرمونات منشّطة تجري في أجسادنا ليس نافعًا أثناء العمل المكتبي. فحين يحاول بعضنا قمع هذه الاستجابات غير الضرورية ستتسبّب بالاضطرابات والقلق بدلًا من اختفائها، وهذا ما يقوله بعض العلماء على الأقل.
وفقًا لعالم تطور الأحياء الدكتور ستيفن ستيرنز Stephen Stearns فإن هذه التصرفات تنتج من بقايا العصر البليستوسيني (2،000،000 – 10،000 ق.م) حيث أن الأحلام المتعلقة بالخطر والقلق مثل الذهاب لعملك عاريًا أو سقوطك من مكانٍ عالٍ هو مِن بقايا عقلنا البليستوسيني، وذلك لتنبّهنا بأن الليل ليس آمنا.[size=15][5][/size]
بالنسبة للبعض منا، فإنّ موضوع (الكرِّ والفرِّ) ليس هو ما يؤدي إلى القلق لكن تطبيقه في أيّ وضع موجود (سواءً أكان وضعًا خطرًا أم لا) إلى الحد الذي يؤدي إلى مرضنا هو ما يُسبّب المشكلة. يقول الاختصاصي النفسي راندولف نيسي Randolph Nesse بأن تحسُّسنا للخطر في الأوضاع العادية هو بسبب أن استجابة (الحرب أو الهرب) لم تتطور بعد بالتوازي مع تطور أجسادنا أو مع العالم الحالي الذي بنيناه، فمثلًا، إن الطيران فوق السحاب بطائرة أو المشي بغرفة مليئة بالغرباء هي أشياء لا يستطيع دماغنا القديم أن يقوم بها فهناك الكثير من المجازفة بذلك بالنسبة له، إلا أنها أشياء من الشائع القيام بها حاليًا.[size=15][6] إنّ الاستمرار بمحاولة موازنة ضغوطنا الاجتماعية مع غرائزنا الطبيعية لهو أمر غير سهل بتاتًا وقد يؤدي إلى الإحباط.[/size]
[size=44][size=44]رابعًا: إجهاد الركبة:[/size][/size]
على الرغم من أن الركبة فعّالة وممتازة للتنقل وحمل الأثقال، إلا أنها مِن أكثر أجزاء الجسم تعرضًا للإصابة، وهناك ما يُقارب المليون عملية جراحية تُجرى للركبة سنويًا في الولايات المتحدة فقط!
فعلى ما يبدو إن تطورنا للمشي على طرفين يؤدي إلى تسليط الكثير من الجهد على أطرافنا السفلية، كما تحصل الركبة على نصيب الأسد من هذا الجهد.[size=15][7] فحين نركض مثلًا فإن الركبة تمتص حِملًا يفوق وزننا بعدة أضعاف، وبسبب هيكل الحوض العريض، فإن عظام الفخذ المقوسة تكوّن زاوية مع الركبة، وهذا جيد للموازنة الكلية لأنها ستجعل أقدامنا تحت مركز موازنة جاذبية الجسم، لكن هذا يُضعف مفصل الركبة ويجعلها أكثر تعرضًا للإصابة.[8][/size]
فعند النساء، واللواتي يتميّزن عن الرجال بكون أوراكهن أعرض، تكون الزاوية بين ركبهن وأفخاذهن أكبر، لذلك لا يستطعن الجري بسرعة مثل الرجال في العادة، ويتعرضن للإصابة بالركبة بشكل أكبر.
[size=44][size=44]خامسًا: مشاكل القدم:[/size][/size]
من المؤكد أن أطباء الأطفال سعداء بأننا نمشي على اثنتين، وإلا لأصبحوا عاطلين عن العمل، فعلى ما يبدو أن قابليتنا للوقوف ورؤية الأشياء البعيدة أو الوصول إلى الفاكهة في الأشجار العالية تصيبنا بالتهابات أخمص القدم وبعض الأورام الأخرى. مشاكل القدم هذه ليست وليدة نمط حياتنا الحالي ولم تأتِنا بسبب استخدامنا للأحذية؛ حيث أن بعض الحفريات قد دلت على وجود مشاكل القدم هذه مع بعض أسلافنا السابقين الذين كانوا يمشون على اثنتين.
لاستيعاب القدرة على المشي المستقيم، قللت أقدامنا من بعض فاعليّتها وطورت تقوسًا مساندًا لها، ومع ذلك فلا زالت كواحلنا وأقدامنا تفتقر للقوة الكافية لمُساندة الضغط المُسلّط عليها. إذ تحتوي أقدامنا على ستة وعشرين عظمة كانت نافعة أيام تسلقنا للأشجار، لكن كل ما تفعله هذه العظام هو التسبب بالمتاعب والألآم.
يقول عالم الحفريات ويل هاركورت سميث Will Harcourt Smith: بما أن القدم مُصمَّمة بشكل متخصص، فلديها إمكانية صغيرة على العمل بشكل صحيح؛ فكونها مُسطَّحة أو مقوسة أكثر أو أقل مما يجب سيتسبب بالكثير من التعقيدات.[size=15][9][/size]
كما يصف الدكتور جريمي دا سيلفا Jeremy DeSilva التطور المزيف لأقدامنا بأنه المُكافئ الحيوي لمشبك الورق أو الشريط اللاصق، إن أقدام النعامة مُعدّة بشكل أفضل للمشي على اثنتين،[size=15][10] لكنَّ النعام وسَلفه كانا يمشيان على الأرض مُنذ 2300 مليون سنة بينما بدأنا نحن بالمشي منذ خمسة ملايين سنة، لذلك سنحتاج إلى 1000 مليون سنة على الأقل لنحصل على كاحل منفصم وأصبعين لكل قدم.[/size]
الجمعة أبريل 21, 2017 8:46 pm من طرف فؤاد