[size=54]كونٌ من لا شيء[/size]
محاضرة للفيزيائي النظري لورنس كراوس عن كيفية نشوء الكون دون الحاجة لأي قوة فوق طبيعية لخلقه. ترجمة: رائد شيا، عمار الأطرش، ضياء أبو فضل. |
ملاحظة: قمنا بتلخيص القسم الذي يتحدث عن نشأة الكون فقط من المحاضرة، مع العلم أن المحاضرة تتناول أيضًا مستقبل الكون. |
يبدأ البروفيسور كراوس المحاضرة بالحديث عن الغموض قائلًا أنه المفتاح في العلم، وأنه ما يجعل العلم مميزًا. ويقول أن العلماء يحبون الغموض، ويشعرون بالإثارة عند تعلمهم عن الكون. وقال إن ما يريد التكلم عنه، هو كيف تغيرت صورتنا عن الكون كثيرًا على مر السنين، لدرجة أننا بتنا ندرك بأن الأشياء المهمة في الكون، هي ليست ما نستطيع رؤيته من النجوم والمجرات وغيرها، بل هي الأشياء التي لا نستطيع رؤيتها (المادة المعتمة والطاقة المعتمة).
ويتابع: في عام 1916 كان أينشتاين قد طور نظريته في النسبية العامة، والتي كانت أول نظرية لاتصف فقط كيف تتحرك الأجسام في المكان، بل كيف أن المكان بحد ذاته يمكن أن يتمدد ويتقلص أي أن يكون ديناميكيًا وينحني بوجود المادة. ولكن كانت هذه النظرية تتعارض مع المشاهدات (الأرصاد) في ذلك الزمن، والتي كانت تفيد بأن الكون كان لا متغيرًا وأبديًا.
كانت النسبية العامة تعاني من نفس المشكلة التي كانت تعاني منها الثقالة النيوتونية، وهي أن قوة الثقالة جاذبة دومًا وليست نافرة. أي أن النجوم والمجرات لن تبقى في مواقعها، بل ستنجذب لبعضها، وبالتالي سينهار الكون على نفسه.
وقد حاول أينشتاين حل هذه المشكلة، بتعديل نظريته قليلًا بالاستفادة من بعض التناظرات الرياضياتية، وسنبين كيف فعل ذلك.
شكل – 1الطرف الأيسر من معادلات أينشتاين، يعبر عن هندسة الكون، وكيف ينحني الزمكان (النسيج من الزمان والمكان) بوجود مصادر الانحناء، ألا وهي الطاقة وكمية الحركة. ولكن كانت هذه هي النظرية التي لم تعمل، والتي تصف كونًا غير الذي نعيش فيه (أو هكذا ظننا في البداية)، وقد تمكن أينشتاين من تعديلها قليلًا، بإدخال حد إضافي دعاه الحد الكوسمولوجي (الكوني).
شكل – 2وهذا الحد الإضافي ينتج قوة نافرة صغيرة في الفضاء الخالي، وهذه القوة صغيرة بحيث لا تؤثر على قوانين نيوتن التي تصف حركة الكواكب حول الشمس، وبالتالي لا يمكن ملاحظتها في مقاييس صغيرة من مرتبة أبعاد المجموعة الشمسية، ولكن أثرها التراكمي يصبح ملحوظًا على مستوى المجرات، بحيث أنها تمنع المجرات من الانهيار على بعضها.
ولكن أينشتاين، قد أدرك منذ عام 1923 بأنه لو كان الكون غير مستقر، فلن يكون هناك حاجة للثابت الكوسمولوجي وبالتالي للحد الكوسمولوجي. وذلك لأنه أدرك بأنه لو كان الكون يتوسع (وهذا ما أصبحنا نعرفه اليوم)، فيمكن أن تكون قوة الثقالة جاذبة على المقياس الكوني، وعندها تقوم بإبطاء توسع الكون. ويصبح سؤال الكوسمولوجيا (علم الكون) في القرن العشرين هو: هل هناك ما يكفي من الثقالة لإيقاف هذا التوسع، وكيف سينتهي الكون؟ وقد استغرقنا حتى عام 1929 لنكتشف بأن الكون كان يتوسع، وكان الشخص الذي اكتشف ذلك هو العالم إدوين هبل.
شكل – 3وهذا الشكل يبين ما اكتشفه:
شكل – 4إن ما اكتشفه هبل هو أن جميع المجرات تبتعد عنّا في المتوسط، والمجرات التي تبعد عنّا ضعفي المسافة تبتعد عنّا بضعفي السرعة وفق العلاقة: V=H0 D
حيث:
V: سرعة إبتعاد المجرات عنّا
H: ثابت هبل.
D: المسافة التي تفصلنا عنها.
فماذا نستنتج من ذلك؟ قد يبدو للوهلة الأولى أننا مركز الكون ولكن هذا ليس صحيحا، فما يعنيه هذا حقًا هو أن الكون يتوسع بشكل منتظم في جميع الاتجاهات. ولكن لماذا؟ سنحاول تبيان السبب بالنظر إلى كون ثنائي الأبعاد بحيث نستطيع أن نقف خارجه:
شكل – 5في اللحظة رسمت المجرات على مسافات متساوية من بعضها. وفي اللحظة نلاحظ أنه بتوسع هذا الكون تبتعد هذه المجرات عن بعضها. ولكن ماذا سيرى راصد موجود داخل هذا الكون؟ لنفترض وجود راصد في إحدى هذه المجرات كما في الشكل:
شكل – 6لكي نعرف ماذا سيشاهد هذا الراصد، نقوم بمطابقة الصورتين على بعضهما بحيث تنطبق المجرة على ذاتها:
شكل – 7ونلاحظ أننا نرى تماما ما راّه هبل وأن جميع المجرات تبتعد عن هذه المجرة, والمجرات التي تبعد ضعفي المسافة ستبعد في نفس الزمن ضعفي البعد. ولا يهم في أي مجرة وجد هذا الراصد، فإنه سيلاحظ نفس النتيجة!.
شكل – 8وأينما وجد فسيبدو له وكأنه مركز الكون:
شكل – 9ولكن حقيقة الأمر أن الكون يتوسع. ولكن كيف علمنا أن الكون يتوسع؟
شكل – 10في هذا الشكل يقول أحد الرجلين للاّخر: «أحب سماع عويل صافرة القطار الناتج عن تغير تواتر(تردد) الموجة بسبب مفعول دوبلر». إن ما يشير إليه هو أن صوت صافرة القطار يصبح أكثر حدةً عندما يقترب القطار من السامع, في حين يصبح أثخن عندما يبتعد عنه. ونفس المبدأ استخدم من هبل واّخرين لأنه يبقى صحيحًا بالنسبة للضوء لأنه عبارة عن أمواج كهرطيسية ( بينما الصوت هو أمواج ميكانيكية ومفعول دوبلر يطبق على جميع أنواع الأمواج). وبالتالي عندما ننظر إلى المجرات البعيدة، فإذا كانت تبتعد عنّا فإن أطوال أمواج الضوء الصادرة عنها تتمدد ونقول أن الضوء ينزاح نحو الأحمر وذلك لأن اللون الأحمر يمتلك أكبر طول موجة في الطيف المرئي. ومن مقدار الانزياح نحو الأحمر، نستطيع حساب سرعة المجرات.
ولكن كيف نعرف مسافتها عنّا؟ لنتأمّل في المثال التالي:
لنفترض أن لدينا غرفة يحوي أحد جدرانها على مصباح استطاعته 100 واط ولنفترض أننا أطفأنا جميع الأضواء ما عداه وأننا نمتلك جهازًا يقيس استطاعة الضوء الساقط عليه. فلو استقبل هذا الجهاز 1% فقط من استطاعة المصباح، فسنعلم المسافة التي تفصلنا عنه (وذلك لأن استطاعة الضوء تتناسب عكسا مع مربع المسافة عن المنبع وذلك نتيجةً لانتشار الضوء). ولكن المشكلة هي أن الكون ليس مليئأ بمصابيح استطاعتها 100 واط لذلك يجب علينا أن نبحث عن شيء مكافىء ولفعل ذلك يجب أن نجد ما يسمى بالشمعة العيارية standard candle، وهي شيء نعلم بالضبط مقدار سطوعه الحقيقي. ولذلك عندما ننظر إليه بوساطة تيليسكوب ونقيس مدى سطوعه بالنسبة لنا، فنستطيع كما تعلمنا في حالة المصباح أن نحسب المسافة التي تفصلنا عنه. وما جعل تقدير معدل توسع الكون صعبًا جدًا هو صعوبة إيجاد الشموع العيارية.
هذه بيانات هبل الأصلية من عام 1929 :
الأربعاء أبريل 19, 2017 9:35 pm من طرف محمد