فؤاد فريــق العــمـل
الجنس : عدد المساهمات : 786 معدل التفوق : 2214 السٌّمعَة : 22 تاريخ التسجيل : 17/12/2011
| | أسطورة الشيطان . | |
نحن بصدد فتح ملف الشيطان ..ملف فيه ما يقال الكثير .كيف ظهرت فكرة الشيطان؟ ....وماهى رؤية المعتقدات والأديان المختلفة له ؟....وكيف تطورت وتناسخت فكرته عبر الأزمنه ؟لن نكتفى بسرد تاريخى وميثولوجى لأسطورة الشيطان بل سنعرج إلى التحليل النفسى لظهور الفكرة والتى تمثل فهمنا ووعيناللأسباب المادية والموضوعية لتشكل أسطورة إبليس .سيفيدنا كثيرا أن نقتبس من دراسات المفكر صادق جلال العظم والرائع فراس السواح وأخرين ..مما سيرشح هذا الشريط ليكونإطلالة جيدة على قصة الشيطان .الشيطان كان معروفاً للإنسان منذ بداية حياته على هذه البسيطة وقبل أن تجئ الأديان السماوية، لكني لم أقرأ عن أي مجموعة من البشر اهتمت بالشيطان اهتمام المسلمين به. فمنذ أيام السومريين والكلدانيين وملحمة " إنيوما إليش التي مجدوا فيها انتصار قوى الخير على قوى الشر، ثم تبعتها ملحمة قلقامش، عرف الإنسان بفطرته أن هناك قوة غير مرئية تجلب له الخير بينما تجلب له قوة أخرى الشر، فسمى الأولى بأسماء أسلافه وسمى الأخرى أسماء عديدة اختلفت حسب القبائل والبيئة. وحاول الناس في البداية تفادي ضرر القوة الشريرة هذه بلبس أو حمل التمائم والتعاويذ، ثم حاولوا بعد ذلك الاستفادة من هذه القوة الشريرة لإلحاق الضرر بأعدائهم. وتفشت هذه الممارسات في الإنسان البدائي في أفريقيا ثم حملها أحفادهم إلى جزر البحر الكاريبي التي ما زالت تُمارس فيها طقوس ال " فودو " لإلحاق الضرر بالغير بمساعدة الشيطان أو الجن.وجاءت اليهودية وجعلت من الشيطان الخصم العنيد لإله السماء وأعطى العبرانيون الشيطان عدة أسماء مثل: " أبوليو و " بيلزبب و " أزازيل " . أما العهد الجديد فسماه Satan أو " شيطان " . وعندما ترجم الإغريق الإنجيل إلى لغتهم ترجموا شيطان إلى Diabolos التي تعني في اللغة الإنكليزية The Devil . وأول فكرة كوّنها العبرانيون عن الشيطان هي كون الشيطان محامي يترافع أمام الله ويجادله. فمثلاً في سفر أيوب، الإصحاح الأول، نجد قصة عن إبليس وأيوب فحواها أن الله جمع الملائكة ذات يوم ولكن وجد في وسطهم إبليس، فقال له: من أين أتيت يا شيطان ؟ فقال الشيطان أنه أتى من الأرض بعد تجوال طويلٍ بها. فسأله الله إن كان قد رأى عبده المطيع أيوب، فقال له الشيطان: إن أيوب يطيعك لأنك مددت له في الرزق والبنين وأعطيته كل ما يتمنى. خذ ما أعطيته وسوف ترى أنه غير مطيع. فقال له الله: أذهب وافعل ما تشاء بماله وبنيه ولكن لا تتعرض له شخصياً. فذهب الشيطان ليختبر أيوب.( سفر أيوب، الصحاح الأول، الآيات 1-22). واستمر الشيطان يلعب دور المحامي والمجادل حتى أيام السبي البابلي عندما اعتقد اليهود أن الشيطان قد تمرد على الله وأصبح مستقلاً بعمل الشر، وهو الذي تسبب في هزيمتهم وسبيهم، لأنهم شعب الله المختار. وبالتدريج نسجوا قصصاً عن الشيطان المتمرد وجعلوا له قروناً وحوافر كحوافر الحصان وجعلوا رائحته كرائحة الكبريت.وجاءت المسيحية من صلب اليهودية ودمغت الشيطان بنفس الدمغة اليهودية وجعلته مصدر الشر في العالم وهو الذي يمنع الناس من الإيمان بالمسيح وهو المسؤول عن كل الأمراض النفسية من جنون وما شابه ذلك، إلى الأمراض العضوية مثل البكم. فيسوع يقول لمن حوله من الناس: " لماذا لا تفهمون كلامي ؟ لأنكم لا تقدرون أن تسمعوا قولي. أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا. ذاك كان قتّالاً للناس من البدء ولم ينبت في الحق لأنه ليس فيه حق، متى تكلم بالكذب فإنما يتكلم مما له لأنه كذاب وأبو الكذاب " (إنجيل يوحنا، الإصحاح 8، 43-44). " وكان يخرج شيطاناً وكان ذلك أخرس، فلما أخرج الشيطان تكلم الأخرس فتعجب الجموع " ( إنجيل لوقا، الإصحاح 11، 14). وهكذا أصبح الشيطان يحمل وزر خطايا المسيحيين ويسكن أجسامهم فيسبب لهم الأمراض النفسية وغيرها، ولا يقدر على إخراجه من الأجسام إلا القسيس عندما يتلوا بعض التعاويذ. وفي القرون الوسطى في أوربا كان علاج المجانين يتكون من ربطهم بالسلاسل وضربهم ضرباً مبرحاً حتى يتأذى الشيطان فيخرج من أجسامهم.وعرب ما قبل الإسلام في الجزيرة بحكم اختلاطهم باليهود والنصارى كانوا قد تشبعوا بفكرة الشيطان الذي يدخل الأجسام ويسبب الأمراض ولا يخرجه إلا الكاهن الذي لديه " لقي " أي شيطان يتلقى أخبار السماء فيأتي بها للكاهن الذي يستطيع أن يُخبر بالمستقبل ويستطيع أن يكتب تعاويذاً تمنع الشيطان من دخول جسم الإنسان. وبما أن القوافل التجارية كانت تسافر ليلاً لتفادي حرارة النهار، وبما أن الظلام، خاصةً في وسط محيط من الرمال لا معالم بها، مخيفٌ، فقد تخيل العربي أن الشيطان يسكن في الوديان ويطوف بهذه الصحارى الشاسعة. فأصبح من تقاليد المسافر ليلاً إذا نزل بوادي أن يسلم على سكان الوادي من الجن ويطلب حماية رئيسهم وشيخهم بأن يترك له طعاماُ بالقرب منه. وكان العربي يفسر كل شئ لا يفهمه بأنه من الجن، حتى الشعر الذي لم يكن يقدر على نظمه إلا القلة، زعموا أنه من الجن وأن للشاعر صاحباً من الجن يساعده على نظم قصائده.وفي كل هذه الثقافات العبرية والمسيحية وحتى العربية البدوية كان الشيطان روحاً غير محسوسة ولكنها قادرة على الأذى. ثم جاء الإسلام وتغير الشيطان. فالنبي محمد كان قد نشأ وترعرع بين عرب ما قبل الإسلام وتشبع بثقافتهم القصصية والشعرية والأسطورية، بما فيها قصص الشياطين. فاحتضن الإسلام كل هذه الثقافة ولكنه أراد أن يزيد عليها، فلم يكن هناك ما يزيده في مسألة الجن بعد أن نسجت القرون السابقة من يهودية ومسيحية ولا دينية كل القصص الممكنة عن الجن. فكان الملجأ الوحيد هو تجسيد الجن أو الشيطان. وإذا تجسد الشيطان فلا بد له من مكان يسكنه، وغذاء يأكله وعمل يؤديه، وزوجة يجامعها حتى يتناسل ولا ينقرض بسبب الأعداد الهائلة من الشهب التي تطارده. وإذا تجسد الشيطان فلا بد له كذلك من أن يصبح كالإنسان الذي يشرب فيبول، ويأكل فيذهب إلى الخلاء. ولتقريب كل هذه الأشياء إلى ذهن الإنسان العربي، أتى النبي ببعض الأحاديث التي نسج الفقهاء منها خيمةً ضخمة جمعت كل ما يمكن للإنسان قوله عن الشيطان.فمثلاً عندما كان النبي يسافر ليلاً في الصحراء، لم يكن يسلم على شياطين الوادي كما كان يفعل عرب ما قبل الإسلام، فقد ذكر أحمد عنه أنه كانَ إذَا غزَا أو سافر، فَأدرَكَهُ الليل، قال: ((يا أرضُ رَبِّى وَرَبُّكِ الله، أَعُوذُ باللهِ مِنْ شَرِّكِ وَشَرِّ مَا فِيكِ، وشَرِّ ما خُلِقَ فِيكِ، وَشَرِّ ما دَبَّ عَلَيْكِ، أعوذُ بالله مِنْ شَرِّ كُلِّ أسَدٍ وأَسْود، وَحَيّةٍ وَعَقْرَبٍ، ومِنْ شَرِّ سَاكِنِ البَلَد، ومِنْ شَرِّ وَالد، ومَا وَلَدَ)). ( زاد المعاد لابن القيم، ج2، ص 246). وساكن البلد والوالد الذي ولد هم الشياطين. وساكن البلد هذا كان قد اختار بلاداً بعينها ليسكنها، فمثلاً، عندما كان عمر بن الخطاب بالشام وأراد الذهاب إلى العراق، قال له كعب الأحبار أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من ذلك قال وما تكره من ذلك قال بها تسعة أعشار الشر وكل داء عضال وعُصاة الجن وهاروت وماروت وبها باض إبليس وفرّخ " ( تاريخ دمشق لابن عساكر، ج1، ص 147). ولكن لا يسكن الشيطان في هذه البلاد القصور، وإنما يسكن في الأدبخانات وفي أفراج النساء، كما قرأنا في الكتاب الذي لخصه لنا السيد سعد الله خليل، لأن الشيطان، حسب المفهوم الإسلامي، يحب الأشياء غير النظيفةواختلفت الأحاديث عن ماذا يأكل هذا الشيطان المجسم، فقد روى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله (ص): " لا تستنجوا بالروث، ولا بالعظام، فإنها زاد إخوانكم من الجن " ( أحكام النساء لابن الجوزي، ص 111، حاشية). ولا بد أنه قصد الجن المسلم لأنه قال " إخوانكم من الجن ". فماذا يأكل الجن غير المسلم ؟ في رواية ابن هشام فإن الشياطين ترضع الإبل غير المصررة، فقد روى: " لا تورد الإبل بهلا، فإن الشياطين ترضعها " أي، لا أصرة عليها. ( السيرة النبوية لابن هشام، ج2، ص 114).وفي أحاديث أخرى فإن الشياطين، دون تمييز بين المسلم منهم والكافر، يشاركون الناس في أكلهم إذا لم يسموا باسم الله عليه. وهاهنا ظهرت للمسلمين مسألة عويصة، وهى أن الآكلين إذا كانوا جماعة، فسمَّى أحدُهم، هل تزولُ مشاركة الشيطان لهم في طعامهم بتسميته وحدَه، أم لا تزول إلا بتسمية الجميع؟ فنصَّ الشافعى على إجزاء تسمية الواحد عن الباقين، وجعله أصحابُه كردِّ السلام، وتشميتِ العاطس، وقد يُقال: لا تُرفع مشاركةُ الشيطان للآكل إلا بتسميته هو، ولا يكفيه تسميةُ غيره، ولهذا جاء فى حديث حذيفة: إنَّا حضرنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم طعاماً، فجاءت جارية كأنما تُدْفَع، فذهبتْ لتضع يدها في الطعام، فأخذَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بيدها، ثمَّ جاء أعرابي كَأَنَّمَا يُدْفَعُ، فأخذ بيده، فقالَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الشَّيْطَانَ لَيَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أنْ لا يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وإنَّهُ جَاءَ بِهذِهِ الجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا، فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا، فَجَاءَ بِهذَا الأعْرَابيِ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّ يَدَهُ لَفِي يَدي مَعَ يَدَيْهِمَا)) ثم ذكرَ اسمَ اللَّه وأكل، ولو كانت تسمية الواحد تكفى، لما وضع الشيطان يده في ذلك الطعام." ( زاد المعاد، ج2، ص 222).وجاء المسلمون بأجمل قصصهم عن الشيطان في باب النكاح، فمثلاً، قالوا: كانت امرأة من بني النجار يقال لها فاطمة بنت النعمان لها تابعٌ من الجن فكان يأتيها ( أي يعاشرها) وحين هاجر النبي صلى الله عليه وسلم انقض على الحائط فقالت: مالك لم تأت كما كنت فقال: قد جاء النبي الذي حرم الزَنا والخمر." ( المنتظم في التاريخ لابن الجوزي، ج3، ص 22). ويعتقد المسلمون أن الجن المسلمين يتزوجون النساء المسلمات وينجبون منهن الأطفال. أما الجن غير المسلم فقد قرأنا قصصه عن مجامعة النساء وسكنه في فروجهن في ملخص الكتاب المذكور أعلاه ولا داعي لتكرارها. | |
|
الثلاثاء أبريل 18, 2017 9:41 pm من طرف فؤاد