تطور تخثر الدم عند الفقاريات
المسودة الاصلية من كتاب العثور على اله داروين يحوي على تفاصيل اكثر حول الطريقة التي يحتمل تطور بها تخثر الدم عند الفقاريات. هذه الوثائق تحوي على جزء من النسخة الاصلية ( مع المراجع ) وعددا من المخططات . اصر محرري على ان الجزء الخاص بتطور الدم من مسودة كتابي طويلة جدا وتفصيلية جدا, وان المسودة ستستفيد من تقليص هذه التفاصيل للقاريء العادي , وقد وافقته على قراره الحكيم.
على كل حال , فان عددا من القراء طالبوني بوضع تفاصيل اكثر على شبكة الانترنت وهذا ما سافعله هنا بهذه الوثائق وهذا ما تمثله هذه الوثائق. وكما سترون , وصفي كان مخططا له بالاساس لمتابعة جزء من النص الاصلي الذي يشرح تطور تخثر الدم في اللافقاريات – سرطان البحر - . اذا كان لديكم نسخة من كتابي, فان وصفي لتخثر الدم في سرطان البحر موجود في الصفحات 158-161
كين ميللر
جامعة براون
تقليد ساذج
نظام تخثر الدم عند الانسان في جوهره لافت للنظر ببساطة ميكانيكيته. بروتين ليفي ذائب بالدم يسمى الفايبرينوجين ( مولد الليف ) او ( صانع الخثرة ) يشكل حوالي 3% من البروتينات في بلازما الدم . الفايبرينوجينات لديها بروتين لزج قرب مركز جزيئاتها ولكن هذا الجزء اللزج مغطى بسلاسل قليلة من الاحماض الامينية ذات الشحنات السالبة . لانه بسبب تنافر الشحنات تبقى الفايبروجينات منفصلة عن بعضها البعض.
عندما تتكون الخثرة, يقوم انزيم البروتيز ( قاطع البروتين ) بقطع السلاسل الامينية وهذا يكشف الجزء اللزج من جزيئات الفايبروجينات , وبشكل فجائي, الفايبروجينات ( والتي تسمى الان بالفايبرينات ) تبدأ بالالتصاق ببعضها , مكونة الخثرة.
البروتيز الذي يقطع السلاسل الامينية المشحونة يسمى الثرومبين, لذا وكما في نظام تخثر الدم لدى سرطان البحر , فان قلب التفاعل يتضمن فقط نوعين من الجزيئات : الفايبرينوجين والثرومبين , لكن وبخلاف سرطان البحر, هناك الكثير من التعقيد في هذه الميكانيكية . فلقد تبن ان الثرومبين نفسه يتواجد بحالة غير فعالة تسمى بالبروثرومبين. لذا فهو, كما هو الحال في الفايبرنوجين, يجب ان يتم تفعيله قبل ان يستطيع البدء بعملية تخثير الدم. مالذي يفعل البروثرمبين ؟ هنا تصبح الحياة اكثر اثارة. البروثرومبين , البروتيز نفسه يتم تفعيله من قبل بروتيز اخر يسمى عامل اكس الذي يقوم بقطع جزء من البروتين غير الفعال لتفعيل الثرومبين. حسنا الان الثرومبين فعال من قبل العامل اكس ولكن من يفعل العامل اكس ؟ صدق او لا تصدق , لا يزال هنالك عدد اكبر من البروتيزات , اثنان منهم بالواقع , يسميان العامل 7 والعامل 9 , والذان يقومان بتشغيل العامل اكس ولكن مالذي يفعل يشغل هذين العاملين ؟ هنا المدرس الجيد سيذهب الى السبورة ليشرح وهذا ما سافعله
الان, كلمة جمال ربما لا يفكر معظم الناس بوضعها في جملة لتصف الكيمياء الحيوية, ولكن الكيمياء الحيوية في هذا المسلك جميلة بالفعل. نبدا من الاسفل من تحول الفايبرينوجين الى فايبرين مخثر للدم . كما ترى كلما صعدت لاعلى يمكنك تتبع العملية الى واحد او اثنين من العوامل المحفزة الخارجية . ففي الزاوية اليسرى العليا, يبدأ المسلك بضرر في سطح الخلية ( جرح مثلا ) شيء ما يحدث للدم كلما يصدف ان يتعرض للهواء او للفايبرينوجين عند سطح الجرح. عند الزاوية العليا اليمنى, عامل النسيج , وهو بروتين يوجد معظم الانسجة ولكن لا يوجد في مجرى الدم , يبدأ هذا العامل بتفعيل المسلك التخثري . هنا يبدأ التخثر من نزف داخلي , وريد ممزق ضمن انسجة الجسم. لذا, كلا من هذين المحفزين يؤديان الى نفس المجموعة من بروتينات تشكيل الخثرة ( العامل اكس , الثرومبين والفايبرين ). ولكن لا احد منهما يقوم بها بشكل مباشر. بدلا من ذلك كل منهما يقوم بتحفيز تراكب لعوامل وسيطة , تقريبا كلها بروتيزات , والتي بالنهاية تفعل عملية تخثر الدم.
بالتاكيد انها تبدو عملية جميلة, ولكن لماذا متراكبة ؟ لماذا لا نملك مسلكا ابسط, كما هو الحال لدى سرطان البحر, حيث يقوم عامل النسيج بتفعيل عملية التخثر بشكل مباشر؟ حسنا , نحن نستطيع ان نمتلك مثل هذا النظام , لكن المسلك التخثري المعقد , حتى وان كان يصيب دارس الكيمياء الحيوية بالتشتت , لديه مزايا خاصة به. مثلا, الخطوات المتعددة تؤدي الى تضخيم الاشارة من المحفز الاول . فلو فرضنا ان جزيئا محفزا واحدا من العامل 11 يستطيع تفعيل لنقل 20 او 30 جزيئا من العامل 9 , اذن لكل مستوى من التراكب في المسلك التخثري سيقوم بمضاعفة تأثير الاشارة المحفزة الابتدائية. ضع خمس او ست خطوات في التراكب, فانك ستضخم الاشارة البيوكيميائية لا كثر من مليون مرة . التخثر بخطوات اقل ممكن ان يعمل, ولكنه سيستغرق وقتا اطول لانتاج خثرة فعالة, وسيكون اقل استجابة للجروح الصغيرة.
مايكل بيهي ( من انصار التصميم الذكي ) مذهول من شدة تعقيد هذا النظام , وكذلك انا, وهو كذلك على حق في قوله اننا اذا ازلنا جزءا من نظام التخثر فسنقع في مشكلة .
مثلا المصابون بالهيموفيليا ( نزف الدم الوراثي ) غير قادرين على تصنيع الشكل الفعال من عامل 13 . وهذا يعني انهم غير قادرين على اكمال الخطوة النهائية لاحد المسالك التخثرية., ولهذا يعرف مرض الهيموفيليا بانه مرض نزف الدم.
العيوب والقصور في عمل اي من العوامل متساوي بالخطورة. بالتأكيد تخثر الدم امر اساسي وليس شيئا يمكن ان تعبث به . ولكن هل يعني هذا انه لم يتطور ؟ على الاطلاق. فالمفتاح لفهم تطور هذا النظام المعقد, وكما يقول رسل دوليتل, هو في حقيقة ان عوامل التخثر تظهر تشابها رائعا وواضحا.
بناء الماكنة
لاعادة صياغة كلام دارون. فان فكرة ان التطزر يمكنه ان ينتج نظاما شدبد التعقيد كنظام تخثر الدم التراكبي تبدو سخيفة في اعلى درجاته الممكنة. ويكون هذا الكلام صحيحا خصوصا اذا كنت تؤمن , كما يفعل بيهي , ان التخثر لا يمكن ان يحدث الا ان تكامل كامل النظام التراكبي المعقد.
ولكننا نعرف مسبقا ان التطور لا يبدا من الصفر . ولايحتاج لانظمة كاملة التجميع ليعمل. تذكر ان نظام تخثر الدم في سرطان البحر كمثال. فنظتم تخثر الدم هنا تطور من بروتينيين موجودان مسبقا في اجزاء مستقلة من الجسم , وانهما يتفاعلان تصادفيا عند حدوث ضرر لوعاء دموي يؤدي لجمعهما معا. ما ان حدث هذا التفاعل فقد تكفل الانتخاب الطبيعي بالباقي.
هل من الممكن ان شيئا مماثلا حدث هنا ؟
تذكرو نحن لم نبدأ من لاشيء. نحن بدأنا مع المتعضيات السابقة للفقاريات التي تطورت قبل 600 مليون سنة والتي كان لها نظام دوران دموي واطيء الحجم وواطيء الضغط. مثل اي لا فقاري بنظام دوران دموي, فان اسلافنا كانو يملكون خلايا بيضاء لزجة تساعد على سد الجروح. يبدأ النزيف مع جرح الخلية, وهذا يعني ان الخلايا المجاورة للجرح قد تمزقت والقيت محتوياتها الداخلية الى الخارج. وهذا يعني ومن بين امور اخرى, ان كل الجزيئات التي تعطي اشارات كيميائية طردت بشكل فجائي خارج الخلية الى الوعاء الدموي المتضرر. متضمنا مستنقعا كاملا من الجزيئات ومنها من مثل الادينوسين احادي الفوسفات الحلقي , كل هذه الجزيئات يتم القائها في النسيج المحيط بالجرح.
لماذا وفجأة هذا الادينوسين المتدفق في الجرح مهم ؟ حسنا, لقد تبين ان اللافقاريات تستعمل الادينوسين كجزيء اشارة كيميائية للسيطرة على انقباضات الخلايا العضلات الملساء, وهو النوع من الخلايا العضلية الذي يحيط بالوعاء الدموي, مما يؤدي الى تقليل فتحة الجرح وشدة النزيف وبالتالي يصبح من المحتمل كثيرا ان تقوم الخلايا البيضاء اللزجة بسد ما تبقى من فتحة الجرح. هذا يعني اننا بالاصل نملك القدرة على تقليل ضرر الجروح وسدها في المتعضيات البدائية ذات ضغط الدم المنخفض. وهذا ليس مكانا سيئا لنبدأ منه.
خطوتنا التالية هي ان نضع في الاعتبار طبيعة الدم نفسه. , لاسباب تتعلق بالضغط الاوزموزي ( التناضحي) , ميل الماء الى المرور عبر اغشية الخلايا , ان بلازما الدم محلول لزج محمل بالبروتين. ومن المهم ايضا ملاحظة ان المحيط خارج الخلايا للانسجة يختلف جدا عن الدم. هذا المحيط مثقل بالاشارات الكيميائية البروتينية, مصفوفات الجزيئات غير الذائبة, والبروتيزات التي تقطع وتشذب الجزيئات الى اشكالها واحجامها النهائية. في الواقع, مثل هذه البروتيزات تشكل واحدة من اهم اشكال الاشارات الكيميائية للمحيط خارج الخلايا. لذا فان انسجة اسلافنا الفقاريين ستكون محملة بالانزيمات قاطعة البروتين لاسباب لاعلاقة لها بتخثر الدم اصلا.
وبوضع كل ما سبق في الاعتبار, مالذي سوف يحدث اذا ما تمزق وعاء دموي في متعضيات مثل هذه ؟
حسنا, البلازما الغنية بالبروتين تتدفق خلال بيئة غير مألوفة, والخلايا البيضاء اللزجة " تسرق" من قبل الياف المصفوفات الخارج خلوية. بروتيزات الانسجة , وبشكل عرضي تماما , معرضة الان لانواع جديدة من البروتينات , وتقوم بقطع العديد منها الى اجزاء. ذائبية هذه الاجزاء تتغاير. بعضها اكثر ذائبية من بروتينات البلازما والتي تم تقطيعها بالاصل منها, ولكن العديد الاخر منها اقل ذوبانية. والنتيجة ان عناقيد من البروتينات اجديدة غير الذائبة تتجمع عند سطح الجرح مابين البلازما والانسجة. مما تساعد على غلق فتحة الجرح مشكلة خثرة بدائية.
( ربما يعترض احدهم بالقول ان هذه العملية بدائية جدا وغير محددة لتقوم بانجاز هذا العمل ؟ وانها لربما لن تكون كافية لغلق الجرح ؟ حسنا, لقد تبين انه وببساطة لا يمكنك الاعتراض عليه لان هذه العملية تشابه جدا ميكانيكية التخثر الموجودة اليوم في عدد كبير من اللافقاريات المعاصرة, وانها تعمل بشكل جيد فيها. وعليه لا معنى للقول انها لم تكن تعمل بشكل جيد عند اسلاف الفقاريات ايضا )
لنعد للعمل, طفرة تضاعف جين السيرين بروتيز ( وهو انزيم مسؤول عن عن فسخ روابط الببتايدات في البروتينات ) وهو انزيم هاضم ينتج في البنكرياس. تضاعف الجينات يحدث طول الوقت, وعموما تكون قليلة الاهمية بحيث تعرف بانها طفرات محايدة, ليس لها تأثير على صلاحية الكائن الحي للبقاء. على كل حال , الجين الاصلي له منطقة سيطرة يتم تشغيلها فقط في البنكرياس , لكن خلال التضاعف فان منطقة سيطرة الجين قد تضررت لذا فان الجين يشتغل في كلا من البنكرياس والكبد . بالنتيجة, الجزء غير الفعال من الانزيم , الزايموجين, تم اطلاقه الى مجرى الدم.
وهذا يتسبب بمشكلة لدى الكائن الحي- معظم البروتيزات البنكرياسية غير فعالة حتى يقوم بروتيز اخر بقطع جزء قريب من منطقتها الفعالة, على كل حال, عندما يتسسب ضرر في وعاء دموي لتسرب البلازما الى الانسجة , فجأة السيرين بروتيز غير الفعال في البلازما ستفعله بروتيزات الانسجة, مما يزيد في النشاط الكلي لتقطيع البروتينات في منطقة النزف. خثرة الدم تم تحسينها, وعليه فان جيننا المضاعف ( مع البروتين الذي لم يكن مستهدفا اصلا لغاية التخثر ) اصبح مفضلا بواسطة الانتخاب الطبيعي.
جين بروتيز البلازما هذا سيطبخ في قدر الساحرة ( تعبير مجازي عن خليط من اشياء ضارة ونافعة ) ليتم استنساخ نفس الاخطاء, ويتم اعادة الترتيب الجيني والذي سيؤثر بدوره على كل البروتين الخلوي.
مع الوقت, اجزاء وقطع من جينات اخرى تقسمت عرضيا الى متسلسلات بروتيزات بلازما. ولان القيمة الانتخابية لبروتيزات البلازما منخفضة ( فهي لا تساعد كثيرا في تخثر الدم ), ولكن الكثير من هذه التغيرات ستدحدث اختلافا قليلا. ولكن يوما ما, وخلال عملية مفهومة جيدا تدعى خلط الاكسون ( الاكسون هو اي جزء من الجين الذي يصبح جزءا من ال ر ن ا المنتج بواسطة هذا الجين... المترجم ) وخلط الاكسون ( هو عملية جزيئية يتم فيها تشكيل جينات جديدة ... المترجم ) . تسلسل ال د ن ا المعروف ب نطاق البروتين التطوري المحفوظ ( وهو ذلك الجزء من الجين الذي يمكنه ان يتطور ... المترجم) يمكنه ان يتقسم الى نهاية واحدة من جين بروتيز. البروتين المحفوظ هو المسؤول عن عامل نمو البشرة, بروتين صغير يستعمل من قبل الخلايا خىل الجسم لاعطاء اشارات كيميائية لخلايا اخرى. البروتين المحفوظ شائع جدا بحيث ان كل خلية نسيجية تملك مستقبلات له. هذه المستقبلات هي بروتينات سطح الخلية وقد شكلت بحيث يمكنها ضم البروتين المحفوظ بشدة.
هذا التركيب التصادفي لتسلسل البروتين المحفوظ مع بروتيزات البلازما غيرا كل شيء.
النسيج المحيط بالوعاء الدموي المتضرر يعج الان بالمستقبلات التي تضم البروتين المحفوظ بتسلسل جديد على بروتيزات البلازما. بالنتيجة, تركيز عالي من البروتيزات الحلقية ستتجمع مباشرة عند سطح الجرح. البروتيزات تم تفعيلها بنفس الطريقة لكن هذه المرة نشاطاتها البروتينية شديدة المحلية. انتاج خثرة من اجزاء بروتينية غير ذائبة اصبح اسرع واكثر تحديدا من قبل, الكائنات الحية مع التركيبة الجديدة بروتين محفوظ- بروتيز تستطيع تخثير دمها بشكل اسرع من ذي قبل, وعليه تكون مفضلة من قبل الانتخاب الطبيعي. للتأكيد على دورها في عملية التخثر فان تركيبة بروتين سطح الخلايا مع مستقبلات البروتين المحفوظ تسمى عامل النسيج.
مالذي سيحدث تاليا؟ حسنا, تذكرو حالة سرطان البحر والتي حدث فيها تضاعف للبروتين الحلقي ( الفايتلوجينين) بحيث اصبح متخصصا لانتاج البروتين المشكل للخثرة ( فايبرنوجين سرطان البحر ) .عنما يكون لدينا وضع يكون فيه اي نزيف يفعل البروتيز المرتبط بمستقبلات الانسجة, فان جينا يضاعف واحدا من بروتينات البلازما سيتعرض لضغوط انتخابية لزيادة قدرته على التفاعل مع البروتيزات.
الفايبرنوجين, البروتين الذائب والذي هو الان الهدف الاولي لعملية التحليل البروتيني في تراكب التخثر الدموي, بشكل واضح يبدو انه ظهر بهذه الطريقة. الانتخاب الطبيعي سيفضل كل واي طفرة او اعادة ترتيب تزيد من حساسية الفايبرنوجين لبروتيزات البلازما, مما يحسن بشكل درامي قدرة البروتيزات الجديدة على تشكيل خثرة محددة من البروتين غير الذائب.
لايوجد شك ان هذه الخطوات الثلاث, وكل منها مدعومة بالميكانيكا الداروينية الكلاسيكية, ستكون كافية لتشكيل نظام تخثر بدائي. وهذا سيتركنا مع نظام فيه البلازما تحوي على كلا من السيرين بروتيز غير الفعال والفايبرونوجين المستهدف . البروتيز سيفعل من خلال اتصاله بعامل النسيج , وسيقوم البروتيز المفعل بدوره بفصل الاجزاء الحساسة في الفايبرنوجين ليشكل الخثرة. هذا النظام سيكون تقريبا بنفس سرعة استجابة او بحساسية انظمة التخثر للفقاريات الحديثة. ولكنها ستعمل بشكل افضل من النظام الذي سبقها, وهذا كل ما يتطلبه التطور.
اضافة التعقيد
هل يمكن للتطور ان يأخذ نظاما بدائيا لينتج منه عوامل متراكبة متعددة الطبقات؟ فقط لاحظ. معظم السيرين بروتيزات, بضمنها التريبسين والثرومبين , انها محفزة اليا. هذا يعني الى حد ما انه يمكنهما تفعيل نفسيهما, في حالات عديدة بتقسيم بعض الاحماض الامينية لتشغل مناطقه الفعالة. اذن, يمكننا رسم مخطط للوظائف الحقيقية لبروتيز اسلافنا ( والذي سندعوه البروتيز ا )
كما راينا , الشكل غير الفعال من البروتيز( ا) تغير الى الشكل الفعال( ا*). عندها يحدث شيئان : الاول انه يرتبط بعامل النسيج( تي اف) والثاني انه يفعل بواسطة بروتيز النسيج, وبضمنه البروتيز نفسه ( هذا هو جزء التفعيل الالي) . فان هذا يعني _ وهو امر مهم_ ان بروتيزنا في الواقع قد قطع شيئين : الاول هو الفايبرنوجين والثاني هو نفسه, محولا الشكل غير الفعال من البروتين( ا) الى الشكل الفعال( ا* )
والان لنفترض ان تضاعفا جينيا قد حصل للجين المسؤول عن البروتيز, منتجا النسخة الجديدة( ب) من الجين:
في البداية , وكغالبية التضاعفات الجينية , فانها لا تشكل مسألة كبيرة. البروتين ا ولبروتين ب متطابقين كل منهما يمكنه الارتباط بعامل النسيج تي اف , كل منهما يمكنه ان يقسم الفايبرنوجين الى فايبرين , وكل منهما يستطيع تفعيل نفسه او تفعيل شقيقه. لذا ففي الواقع لم يتغير شيء- نحن الان لدينا فقط نسختان من نفس الجين. لكن لنفترض طفرة في الجزء الفعال من ب غيرت سلوكه, مما يجعله اقل احتمالا ليقطع الفايبرنوجين واكثر احتمالا ليفعل البروتيز ا. في الجوهر, فان هذا سيغير العلاقة بين هذه الجينات السابقة الى ماهو سبيه بالشكل التالي:
بشكل مفاجيء, قدرة ا على الرتباط بعامل النسيج اصبحت اقل اهمية. اذا كان ب قادرا على اشباع كل المواقع الفعالة من عامل النسيج تي اف بنفسه ( بفضل من نطاق البروتين المحفوظ الخاص به ) , اذن التفعيل الوسيط لعامل النسيج تي اف للبروتيز ب , مجموعا الى انجذاب ب الى ا, سيؤدي الى تفعيل سريع للبروتيز ا, منتجا الكثير من ا المفعل ليحول بالتالي الكثير من الفايبرنوجين الى فايبرين خثري. يبدو هذا جيدا. لكن لماذا الانتخاب الطبيعي سيفضل طفرة مثل هذه في مواقع تفعيل ب ؟ ببساطة: لانه سيزيد من كفائة عملية التخثر بانتاج تراكب من مستويين. انظر عن قرب, وسترى ان نظامنا السابق ذو الخطوة الواحدة يتطلب تفاعلا مباشرا مع عامل النسيج ليتم تفعيل كل بروتيز. اما نظام المستويين او الخطوتين هذا فانه يسمح لكل عامل نسيج ان يفعل بروتيز ب, والذي كل واحد بدوره يمكنه ان يفعل المئات من البروتيز ا. وبوجود المزيد من البروتيزات الفعالة قرب الجرح, فانه يمكن للخثرة ان تتشكل بسرعة اكبر, وبذلك تزيد فرص النجاة من النزيف. وهذا بالضبط النوع من الاشياء التي يفضلها الانتخاب الطبيعي.
لنترجع خطوة لوهلة ولنفكر بما رأيناه للان. تضاعف بسيط لجين وضع ترتيبا جديدا لانتخاب طفرات في مواقع التفعيل بحيث ادت وبشكل درامي الى تحسين عملية التخثر. تضاعف الجينات هو طفرات محايدة, وهو الامر الذي يحدث كل الوقت, لذا, وباعطاء الزمن الكافي, ستكون عالية الاحتمال.
عندما يحدث التضاعف الجيني, فان اي طفرة في مواقع التفعيل بحيث تزحزح افضلية الموقع التفعيلي بالاتجاه الذي ذكرته سوف تكون مفضلة بقوة. وهذا يعني ان نظام الخطوتين سيتطور بشكل اسرع.
نقطتان اضافيتان يجب ذكرهما. الاولى واضحة. اذا تضاعف جين وكانت الطفرة اللاحقة للتضاعف للبروتيز المضاعف يمكنها تغيير نظام الخطوة الواحدة الى نظام الخطوتين. فانه باتاكيد يمكن تغيير نظام الخطوتين الى نظام الثلاث خطوات. هذا يعني ان الزيادة في التعقيد البيوكيميائي ليست مستوعبة في نظرية التطور فقط بل انها في الواقع تتنبأ بها. اما النقطة الثانية فهي اكثر رقة . المراحل الاولى من نظام تخثر الدم لم تكن ملزمة للعمل بشكل جيد جدا. لكن النظام اخذ يتحسن مع زيادة تعقيده وكفائته, فلقد بدأ يمثل خطرا بالنسبة للكائن الحي. هذا الخطر ببساطة يكون فيما اذا خرج نظام التخثر عن السيطرة. فمع تطور النظام ليكون اكبر واكبر , اصبح هنالك احتمالية ان يؤدي محفز صغير الى تخثر كل الدم في الكائن الحي, او على الاقل جزء من الدم قد يتسبب في مشاكل خطيرة. فهل يمتلك التطور اجابة على هذا ايضا؟
حسنا, لقد تبين انه يملك اجابة, اولا, ضعو في بالكم نظام تخثر بدائي, ملائم لحيوان ذو ضغط دم واطيء وجريان دموي واطيء, لا يمتلك قدرة تخثرية لتمثل هكذا تهديد له. لكن حالما اصبحت الخثرة بحجم كبير كفاية لتمثل خطرا على الصحة, فان الانتخاب الطبيعي سيفضل تطور الانظمة التخثرية التي يبقي تشكيل الخثرة تحت السيطرة. ومن اين جاءت هذه الانظمة؟ من بروتينات موجودة اصلا, بالطبع, تضاعفت وحورت. نسيج الجسم ينتج بروتينا يعرف ب ال-انتيتربسين والذي يرتبط بالمواقع الفعالة من السيرين بروتيز ويبقيها تحت السيطرة. لذا, فور ان يصبح نظام التخثر قويا كفاية, فان تضاعفا جينيا سيمثل انتخابا طبيعيا مع مثبط للبروتيز الفعال يمكنه ان يتطور الى انتيثرومبين, وهو المثبط الذي يمنع عمل الثرومبين( بروتيز شطر الفايرنوجين )
بطريقة مماثلة, البلازمينوجين, سلف البروتين الحالي المذيب للخثرة الموجود في البلازما , سيكون قد نشا من تضاعفات لجينات بروتيز سابقة, حالما اصبح مفيدا لتطوير قدرة اذابة الخثرة.
باختصار, مفتاح فهم تطور تخثر الدم هو في تقدير ان النظام الحالي لم يتطور كله في نفس الوقت. بل مثل كل الانظمة البايوكيميائية, فانه تطور من جينات وبروتينات كانت بالاصل تخدم اغراضا اخرى. والغرض النفعي من الضغط الانتخابي بتدرج جند تضاعفا جينيا تلو الاخر , ليشكل تدريجيا نظاما عالي الكفاءة على تخثر الدم مما جعل انظمة الدوران لدى الفقاريات الحديثة ممكنا.
التنقيب في الماضي البيوكيميائي
هل نحن متاكدون من ان هذه هي الكيفية التي تطور بها نظام تخثر الدم ( او اي نظام بيوكيميائي اخر ) ؟ الاجابة الصارمة, بالطبع , لا لسنا متأكدين. افضل ما يمكن ان نأمله من اسلافنا الفقاريون هو متحجرات حفظت اجزاءا من شكلهم وبناءهم, وواضح ان التاريخ البيوكيميائي ضاع وللابد من هذه المتحجرات. ولكن هذا ليس صحيحا تماما. فالكائنات الحية الحالية متحدرة من ذلك الماضي البيولوجي والبيوكيميائي, وهذا يوفر فرصة ممتازة لاختبار هذه الافكار.
حتى مخطط عام, كالذي عرضته, يقود الى مجموعة من التنبؤات المحددة بدقة, ويمكن اختبار كل واحدة من تلك التنبؤات. اولا, المخططات مبنية على ادلة بيوكيميائية معروفة. على سبيل المثال, معظم الانزيمات المشاركة في تخثر الدم هي سيرين بروتيزات , انزيمات قاطعة للبروتين وقد سميت بالسيرين بروتيزات لتواجد السيرين عالي التفاعل في مواقعها الفعالة, انه نهاية عمل البروتين. الان, ماهو ذلك العضو ينتج الكثير من السيرين بروتيزات؟
انه البنكرياس بالطبع, والذي يطلق السيرين بروتيزات للمساعدة في هضم الطعام. البنكرياس, وكما تبين, يتشارك في اصل جنيني مع عضو اخر : انه الكبد. وليس مفاجئا, ان كل بروتيزات تخثر الدم تصنع في الكبد. لذا, للحصول على بروتيز مقنع في مجرى الدم نحتاج الى تضاعف جيني يحدث في شقيق البنكرياس ( الكبد), امر بسيط ومعقول ومدعوم بالادلة.
تاليا, اذا كان نظام تخثر الدم قد تطور حقيقة بالطريقة التي اقترحتها , فان انزيمات التخثر يجب ان تكون قريبة من الانزيمات المضاعفة في البنكرياس وايضا لكل منها.وكما تبين, فانهم قريبون بالفعل. ليس فقط في تماثل الثرومبين مع التريبسين, كسيرين بروتيز بنكرياسي, ولكن ايضا خمس بروتيزات تخثر اخرى (البروثرومبين والعوامل 10و 9و 11 و 7 ) تشارك نفس التماثل. هذا متسق بالفعل مع فكرة انها تشكلت من تضاعف جيني, كما اقترحت. ولكن هنالك الكثير بعد. نحن نستطيع ان نأخذ كائنا حيا, الانسان على سبيل المثال, ونقوم ببناء شجرة فرعية بناءا على درجات التشابه والاختلاف بين كل من بروتيزات التخثر الخمس. الان , اذا كان التضاعف الجيني الذي انتج نظام تخثر الدم المتراكب قد حدث منذ زمن طويل في اسلاف الفقاريات, فيجب ان نكون قادرين على ان نأخذ اي كائن فقاري اخر ونبني شجرة مماثلة تتطابق فيها العلاقات بين البروتيزات الخمسة مع العلاقات بين البروتيزات البشرية. وهذا اختبار قوي لمخططاتنا الصغيرة لانه يتطلب ان التسلسلات التي بقيت غير مكتشفة يجب ان تطابق نموذجا معينا. و لاي شخص تابع اعمال مختبرات دوليتل عبر السنين, فانه ايضا اختبار لمرور التطور من كائن حي بعد اخر.
هنالك العديد من الاختبارات والتنبؤات التي يمكن تطبيقها على المخطط ايضا, ولكن اجرأها ما قام به دوليتل نفسه قبل اكثر من عقد. فاذا كان جين الفايبرنوجين حقيقة قد تم تجنيده من خلال تضاعف لجين سلفي, ذلك الجين الذي لا علاقة له بتخثر الدم, اذن يجب ان نكون قادرين على ايجاد جين شبيه للفايبرنوجين في حيوان ما لا يدخل في مسلك التخثر له. بكلمة اخرى, يجب ان نجد بروتين فايبرنوجين لا تخثري في اللافقاريات. هذا التنبؤ الجريء جدا, لان دوليتل ان لم يجد ذلك فسيكلفه ان يضع كامل المخطط التطوري في الشك.
ولكن لاداعي للقلق. ففي عام 1990 , زون يو و دوليتل ربحا رهانهما, بالعثور على تسلسل شبيه بالفايبرنوجين في خيار البحر, احد الشوكيات.
جين الفايبرنوجين لللافقاري, كما هو الحال بالنسبة لباقي بروتينات تخثر الدم, تشكل من تضاعف و تحوير لجينات اسبق.
الان, لن يكون من الانصاف, فقط لاننا اظهرنا بمخطط تطوري واقعي مدعوم بالتسلسل الجيني للكائنات الحية المعاصرة, لن يكون منصفا ان ندعي اننا عرفنا بالضبط كيف تطور نظام تخثر الدم. فهذا الامر ابعد بكثير من قدراتنا المحدودة لاعادة بناء تفاصيل الماضي. ولكن على الاقل, هنالك شك اننا نعرف مايكفي لنطور سيناريو علمي ومعقول للكيفية التي يمكن ان تطور بها هذا النظام. وهذا السيناريو يصنع نبوءات محددة يمكن اختبارها مقابل الادلة.