حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
عدد الزوار


 

 الرُّموز والأحلام قراءة في الأسطورة والتَّحليل النّفسي (ج2) معاذ قنبر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
باسم
ثـــــــــــــــائر محــــرض
ثـــــــــــــــائر محــــرض
باسم


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 342
معدل التفوق : 954
السٌّمعَة : 20
تاريخ التسجيل : 15/12/2011

الرُّموز والأحلام قراءة في الأسطورة والتَّحليل النّفسي (ج2)  معاذ قنبر	 Empty
12042017
مُساهمةالرُّموز والأحلام قراءة في الأسطورة والتَّحليل النّفسي (ج2) معاذ قنبر

الرُّموز والأحلام قراءة في الأسطورة والتَّحليل النّفسي (ج2)  معاذ قنبر	 Dreams1_1084_article_93584-750x400
وحدة السّياق
اللّغة الرمزيّة كما وردت في الأساطير والأحلام، موجودة في كل الحضارات، سواء الحضارات البدائية، أم الحضارات الأكثر تطوراً كالحضارة المصرية واليونانية، وفضلاً عن ذلك، فإن الرموز المستعملة في مختلف هذه الحضارات، شبيهة ببعضها شبهاً ملحوظاً، ذلك لأنها كلها تعود إلى نفس المحسوسات أو المدركات الحسية، و تعود إلى نفس التجارب الروحية التي تجمع أقوام هذه الحضارات كلهم، وتوحدهم .[1] ونحن نجد تماثل غالب على خصائص  الرسومات الأسطورية الرمزية التي نراها في مختلف التجارب الدينية، إذ تتماثل مع أصناف النماذج الأصلية (اللاشعور الجمعي) الذي يرى يونغ أن أحلامنا تنبني عليها. إنها عبارة عن دراما خلق أسطورية رمزية، من أشكال الموت و البعث و الجنات الضائعة، والآمال والذكريات التي تبدو منغرسة في الروح الإنسانية.
ومع أن الأحلام تشير إلى موقف محدد للوعي و حالة نفسية محددة، فإن جذورها تمتد عميقاً في تجاويف مظلمة لا يُسبر غورها من الذهن الشعوري، ولعدم وجود مصطلح أكثر توصيفاً فإننا نطلق على هذه الخلفية المجهولة “اللاشعور”. ولا نعلم طبيعته بذاته ومن أجل ذاته، ولكننا نلاحظ بعض الآثار التي باستفادتنا من صفاتها نخاطر ببعض الاستنتاجات فيما يتعلق بطبيعة النفس اللاشعورية. وبما أن الأحلام هي التعبير الأعم والمعهود أكثر من غيره عن النفس اللاشعورية. فإنها توفر حجماً كبيراً من مادة البحث.[2] وفعل الحلم في جملته مثال على نكوص يعود فيه  الحالم إلى أقدم أوضاعه، بعث جديد لطفولته، للدفعات التي كانت تسيطر على هذه الطفولة ولوسائل التعبير التي كانت إذ ذلك في متناوله. ومن وراء هذه الطفولة الفردية، وعد يعدنا بنظرة إلى طفولة النوع، إلى تطور الجنس البشري الذي لا يخرج تطور الفرد في الحقيقة على أن يكون ترجيعه المختصر المتأثر بملابسات حياته العارضة. إن أحلامنا، كقاعدة عامة، لا تكون معنية أساساً بتكيفنا مع الحياة الخارجية، ففي عالمنا المتحضر، يكون لمعظم الأحلام علاقة بتطوير الموقف الذاتي الداخلي الصحيح تجاه النفس الكلية، ذلك لأن هذه العلاقة داخلنا تشوشها أساليب التفكير والسلوك الحديثة أكثر بكثير مما هي الحالة عند البدائيين.[3]
إن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يمتلك المقدرة الإرادية ليس فقط على قمع غرائزه والتحكم فيها، بل وتشويهها في بعض الأحيان، والحلم المألوف الذي يرى فيه الحالم أنه مطارد من حيوان يدل بصورة دائمة تقريباً على أن الغريزة انشطرت عن الوعي وينبغي أو تحاول أن تدخل من جديد إلى الحياة و تندمج بها. والإنسان، بنزعته الواضحة لصنع – الرموز، يحول الأشياء أو الأشكال باللاشعور إلى رموز، وبالتالي يضفي عليها أهمية سيكولوجية كبيرة، ثم يعبر عنها في طقوسه الدينية وفنونه البصرية. من هنا نجد أنه أثناء القسم الكبير من التاريخ الإنساني، ترتكز حياة الطفل العقلية – عدا تجاربه المباشرة في كنف أسرته – على الحكايات الخرافية والدينية والشعبية، هذا الأدب المألوف يغذي مخيلة الطفل ويحثها بالوقت نفسه، بما أنه يجيب عن الأسئلة الأكثر أهمية التي يستطيع الطفل أن يطرحها على نفسه، وهي تظهر كعامل أولي في عملية انخراطه الاجتماعي. الخرافات والأساطير الدينية القريبة منها، تقدم للطفل مادة تسمح له أن يكوّن مفاهيمه عن أصل العالم ونهايته، وعن الأفكار الاجتماعية التي يستطيع أن يلتزم بها .[4] ولكن لماذا يحدث ذلك؟
السبب هو أن الأسطورة تروي لنا، كما يروي الحلم، خبراً تم في زمان ومكان ما و لكن خارج حدود التحديد المنطقي السببي وقيوده . إنها ضرب من الحكاية التي تعبر بكلام رمزي عن أفكار دينية وفلسفية، عن خبرات معيوشة من قبل النفس تكمن فيها دلالة الأسطورة بمعناها الصحيح .[5] وهي تصنع صورة لكون حي لا يقوم على ميكانيكيات متبادلة  التأثير، بل على إرادات وعواطف تتبدى في شكل حركي. وهي في سعيها لخلق هذه الصورة تعتمد على خزان لا ينضب معينه من وسائل الترميز، وتفتح البوابات بين الوعي واللاوعي، لذلك فإن متلقي الأسطورة لا يشعر بأنه أضاف إلى معرفته شيئاً جديداً، وإنما غدا أكثر توافقاً مع نفسه ومع العالم، وهو نفس الدور الذي نراه غالب الأحيان في دور الحلم، لأن ما تنقله الأسطورة من معان لا يشبه الوقائع والمعلومات، إنه إيحاء لا إملاء، وإشارات لا تعليم وتلقين. وهي في سعيها هذا تلجأ إلى استخدام الظلال السحرية للكلمات أكثر من مدلولاتها المباشرة. [6]
ولنا أن نتوقع أن يقودنا تحليل الأحلام إلى معرفة التراث الأول للإنسان، بما هو مفطور عليه من الوجهة النفسية، فالأحلام، والأعصبة فيما يبدو ، قد أبقت على مخلفات نفسية قديمة تفوق ما كنا نستطيع تقديره، بحيث يحق للتحليل النفسي أن يطلب لنفسه مكانة عالية بين العلوم التي تشغل بتكوين صورة عن أقدم الفترات التي مر بها الجنس البشري في بداياته، وأكثرها غموضاً .[7]
ومبدأ هذا التصور يقوم على مفهوم التعويض كقانون أساسي في السلوك النفسي، حيث أن كل تفريط في أحد الجانبين (الشعوري و اللاشعوري) يؤدي إلى الإفراط في الجانب الآخر. فتغدو العلاقة بين الشعور واللاشعور تعويضية. وهذه القاعدة هي أحد أكثر القواعد ثبوتاً في تفسير الحلم الفردي – وفهم دور الأسطورة التعويضي الاجتماعي – . فعندما نبدأ في تفسير حلم، من المفيد على الدوام أن نسأل: أي موقف شعوري يعوض عنه الحلم – تماماً كما نسأل أي موقف لاشعوري أدى لنشوء الرموز الأسطورية الملغزة. وكما أن للعقد الشخصية تاريخها الفردي، كذلك هي العقد الاجتماعية ذات القوام المؤلف من النماذج الأصلية. لكن في حين أن العقد الشخصية لا تحدث أكثر من انحراف شخصي، فإن النماذج الأصلية تبدع الأساطير، الأديان، وكذلك الفلسفات التي تؤثر في أمم التاريخ وحقبه كلها. إننا ننظر للعقد الشخصية باعتبارها تعويضات عن مواقف للوعي أحادية الجانب أو خاطئة، وبالطريقة نفسها يمكن تفسير الأساطير ذات الطبيعة الدينية  كنوع من العلاج العرضي الذهني للمعاناة والقلق الذي يقاسي منه الجنس البشري عامة كالجوع، الحرب، المرض، الشيخوخة، الموت.[8]
وهنا نحن نقابل بين لاشعور شخصي من جهة، ومن جهة أخرى نتحدث عن لاشعور جمعي يكمن في مستوى أعمق و أبعد عن الشعور. وتأتي الأحلام الكبيرة أو ذات المعنى، من هذا المستوى الأعمق، وهي تكشف عن أهميتها بصرف النظر تماماً عن الانطباع الذاتي الذي تخلقه، بشكلها المرن، الذي تكون له على الأغلب قوة شعرية وجمال، ولا تحدث هذه الأحلام عموماً إلا في المراحل الحرجة من الحياة، في الشباب الباكر، والبلوغ، وعند حلول منتصف العمر. وكثيراً ما يكتنف تفسيرها مصاعب جسيمة، لأن المادة التي في مقدور الحالم أن يُسهم بها جد ضئيلة، وآية ذلك أن النواتج النموذجية الأصلية لا تعود معنية بالتجارب الشخصية، بل بالأفكار العامة التي يكمن معناها الجوهري لا في أية تجربة شخصية وتداعياتها.[9] وذلك من خلال الرموز الثقافية التي أستخدمت للتعبير عن حقائق أبدية، وهي ما تزال  تستخدم في كثير من الأديان، وقد مرت تلك الرموز بتحولات كثيرة بل وبعملية طويلة من التطور الواعي تقريباً. وبذلك أصبحت صوراً جماعية مقبولة لدى المجتمعات المتحضرة، ورغم ذلك، تحتفظ مثل تلك الرموز الثقافية بقدر كبير من قدسيتها الأصلية أو سحرها، فالمرء يمكن أن يدرك أنها تثير رداً عاطفياً عميق الجذور لدى بعض الأفراد صانعة بذلك شحنة نفسية، هذه الشحنة النفسية تجعلها تعمل بطريقة تشابه كثيراُ طريقة الأهواء و التعصب. إنها العناصر التي ينبغي على عالم النفس أن يحسب حسابها، ومن السخف البالغ إهمالها لأنها تشكل مكوناً هاماً في تركيبنا الذهني، وهي قوى بالغة الحيوية والأهمية في بناء المجتمع البشري. لذلك يؤكد يونغ على أن المعرفة بالأساطير من الأمور المهمة لأي شخص يعمل في مجال تفسير الأحلام، ولو درس الشخص هذه الأساطير دراسة متأنية فإنه سيفاجأ كيف يكون لها تأثير على شخصيته ومختلف جوانب حياته. ذلك أن الفضائل النفسية في الحكايات الشعبية و الأساطير تأتي من أن الشخص يجد حلوله الخاصة عبر تأمل ما تقدم القصة ومرمزاتها، حول ذاته و نزعاته الداخلية في فترة معينة من حياته. المادة التي تختارها الحكاية ليست بشكل عام ذات علاقة مع الحياة الخارجية للمريض، بل هي مرتبطة بشكل معين بمشكلاته الداخلية التي تبدو غير مفهومة، وبالتالي لا يمكن حلها. والطبيعة اللاواقعية لهذه الحكايات هي عنصر مهم يبرهن بوضوح أن الحكايات الشعبية ليس هدفها بذل المعلومات المفيدة عن العالم الخارجي، بل أن تجعل الفرد واعياً بسيرورته الداخلية.[10] وبالمقابل، لا تزال الأحلام تعمل و لها وظيفة ودور ذي  قيمة عالية، لا سيما بسبب طبيعتها التاريخية. إنها تشكل جسراً بين الطرق التي نعبر بها، ونحن في وعينا الكامل، عن أفكارنا، وهي شكل من أشكال التعبير أكثر بدائية و أغنى لوناً وأزهى صوراً. إضافة إلى ذلك فإن هذا الشكل هو الذي يخاطب مباشرة الشعور والعاطفة، وهذه المترابطات التاريخية إنما هي الحلقة التي تصل بين عالم الوعي العقلاني، وعالم الغريزة.[11]
تمثيلات ووقائع
إذا ما تساءلنا عن الرموز في الأحلام، مثلاً هل صورة الحلم تحمل ذات الدلالة في كل مكان؟ نجد أن المحلل النفسي الأنثروبولوجي (سليغمان) يؤكد ذلك، وذلك من خلال بحثه على الحضارات المتنوعة، وفي رأيه، تكون العملة في كل مكان رمزاً للغائط (بابوس ميلانيزيا – آشنتي – سيام – آرابي – كيواي في غينية الجديدة) ويرمز الأب للحاكم، الطوطم، الوحوش الأسطورية، الأرواح آكلة لحوم البشر، الشمس. وإلى الأم بالكنيسة، المنارة، القمر كما عند الهنود الأميركيين الشماليين. وإلى الولادة بالماء، كما عند الداغومبيا في إفريقيا، والكوكيوكاتل في أميركا، والتيكوبيا في ميلانيزيا. وهلع الولادة بالمهبل المزود بأنياب في أميركا الشمالية، حيث يبدو لنا تمائل في عقدة أوديب عند أغلب الشعوب.[12] وهذا ينطبق حتى على المفاهيم التي أصبحت أكثر تجريداً، فمثلاً العدد ثلاثة في الحكايات الشعبية –  والأساطير – نجده على علاقة وثيقة مع ما يعتبره التحليل النفسي مظاهر النفس الثلاثة: الهو – الأنا  – الأنا الأعلى. وهو ما يعبر عنه جزئياً في الحكايات والأساطير والأديان.
إن الحكايات الشعبية – كما الأساطير و الأحلام – تصف الحالات الداخلية للنفس بواسطة الصور والأحداث. فعندما يكون على البطل مثلاً أن يواجه مسائل الحياة الداخلية التي يبدو أنها تتحدى كل حل، لا توصف لنا حالته النفسية، بل تظهره الحكاية لنا ضائعاً في غابة كثيفة لا يمكن اجتيازها، في مأزق مخيف لا يعرف كيف يخرج منه. وهي صور لا تكاد تنسى .[13] وهذا ما نراه في كل صورة مرئية في حلم (كما في الأسطورة) التي هي رمز لشيء أحسسناه، وربما  رغبناه. فنجد من الحيوانات التي تتخذ رموزا إلى أعضاء التناسل في الأساطير والقصص الشعبية، يلقى الكثير منها ذات الاستخدام في الحلم: السمك والقواقع والقطط والفئران (شعر العانة)، ثم بنوع خاص ذلك الحيوان الذي هو أهم الرموز إلى قضيب الرجل (الثعبان)، كما تمثل الديدان والحيوانات الصغيرة صغر الأطفال كالأخوة والأخوات غير المرغوب فيهم ….[14] .كذلك نجد في الرسومات الأسطورية الرمزية التي نراها في مختلف التجارب الدينية، تماثل  غالب على خصائصها، إذ تتماثل مع أصناف النماذج الأصلية (اللاشعور الجمعي) الذي يرى يونغ أن أحلامنا تنبني عليها. إنها عبارة عن دراما خلق أسطورية رمزية، من أشكال الموت والبعث والجنات الضائعة، والآمال والذكريات التي تبدو منغرسة في الروح الإنسانية. فعبر العالم القديم، تظهر (الحية) حيواناً غريباً مرعباً يتعذر الإمساك به، عينه تشل، وسمه مُهلك، حيوان يعيش في الأرض، يتحول تلقائياً إلى آلهة جهنمية مالكة لقوى التجدد الجنسي، فالهرمسات الإغريقية القديمة، تظهر معاً حيات متشابكة في وضع جماع، وقضيب في حالة إنتصاب، يشهد ذلك على التواصل الجنسي والخصوبة (الأفعى في الحلم قد ترمز لرمز جنسي ذكري، أو إغواء جنسي، ورمز للخصوبة و الخلود) كإحدى الخاصيات المميزة لذلك الحيوان الرمزي. بالمثل، نجد في الثقافات الآسيوية والميثولوجيا المكسيكية، تلك الحية سيدة النساء، التي توحي هيئتها و خاصيتها بقوة الذكر، كذلك تشارك في الإيحاء بشهوة جنسية عارمة ينسبها يونغ للرمزية الحيوانية. ولعل الحية تعبر أيضاً عن أبرز رموز التسامي، كما يمثلها الرمز العلاجي لإله الطب الروماني (إيسكو لابيوس) وهو الرمز الذي بقي حتى الوقت الحاضر كعلامة لمهنة الطب، تلك الأفعى هي بالأصل، أفعى شجر غير سامة، تلتف حول عصا إله الشفاء، وتبدو وكأنها تمثل توسط بين الأرض والسماء، ورمز التسامي الأكثر عمقاً هو صورة الثعابين الملتفين، إنها ثعبانا الفيدا الشهيرة في الهند القديمة، كما نجدهما عند الإغريق على شكل ثعبانين ملتفين على طرف عصا تخص الإله هرمز . وأحد النصب الإغريقية القديمة هو عمود حجري يتكون أعلاه من تمثال نصفي للإله. على أحد جانبه ثعبانان ملتفان، وعلى الآخر قضيب منتصب، وبما أن الثعبانبن يُرسمان و يقومان بعملية الإتحاد الجنسي كما أن القضيب المنتصب هو رمز جنسي بلا مراء، فإن بإمكاننا أن نستخلص بعض النتائج حول دور النصب كرمز جنسي [15]، والذي له اسقاطاته الأكيدة على قصة حواء وآدم والثعبان. ولأنها كانت غالباً وراء إخراج الإنسان من طهارته الأصلية، إذ سببت سقوطه الأصلي الناتج عن الخاصية الفيزيولوجية المميزة للمرأة، بحسب الأسطورة التوراتية، فالحية هي رمز مرتبط بالمجموعة القمرية، كما الأمر بأوضاع الأنوثة كأصل للخصوبة، ولأن الحية تنسلخ وتتغير (جلدها) مع بقائها على حالتها، فهي حارس الخلود للأسلاف .[16]
ومن الرموز الحيوانية نذكر البقرة التي ترمز في أغلب الحضارات للأم وما تمثله من غرائز و صفات للأمومة. وترمز لدى الهندوس للأم بصفاتها العظيمة العليا باعتبارها حيوان مقدس، كما ترمز أيضاً للخصوبة والعطاء. وعموماً فظهورها في الحلم يرمز للأم بشكل أو بآخر كما تشير أغلب الأساطير. وظهور العجل في حلم المرأة يرمز للأمومة أيضاً أو أنها في طريقها للولادة، أما ظهور البقرة الحلوب، فقد تكون إشارة للحنان الإنساني وغريزة الأمومة أيضاً .[17] أما الحرباء، فقد وصفتها بعض الأساطير بالشيطان لقدرتها على التنكر والتلون والخداع، وقد يعني ذلك وجود  تلك الصفة في اللاشعور. والسلاحف من الحيوانات المقدسة عند الصينيين، وبسبب قشرتها القوية الصلبة ترمز في المسيحية للمرأة العفيفة المحتشمة، وترمز لدى الهنود إلى الأنوثة. أما الكبش فيرمز للقوة والتجدد والانبعاث، والربيع، وتشير أغلب الأساطير إلى القدرة الجنسية للكبش.
وإذا تغاضينا عن الرموز الاصطلاحية التي تربط بين الكلمة ودلالاتها، نجد أن هناك بعض الرموز الجامعة التي تتصف بوجود صفة جوّانية بين الرمز وما يمثله، لنأخذ كمثال رمز النار، فنحن تستهوينا بعض خصائص النار التي تشتعل في المدفأة، فنؤخذ قبل كل شيء بحيوية حركتها، فهي لا تنفك تتحرك وتتغير، إنها توحي لنا بالمقدرة والحيوية والطمأنينة والخفة، وتبدو لنا متراقصة وكأنها تنطوي على طاقة لا نفاذ لها. فنحن عندما نستخدم رمز النار، إنما نصف تجربة حميمة ذاتية تمتاز بالمواصفات نفسها التي نلاحظها عند اختبارنا البصري أو اللمسي للنار، إذ يتولد لدينا انطباع بالحيوية والخفة والحركة والطمأنينة. والحرارة والإثارة وهي رمز جنسي لا يخفى في الحلم، وتستخدم في الكثير من الحضارات للرمز على الحياة والتغير والموت والرغبة والغضب والشهوات، كذلك ترمز في الأساطير إلى المعرفة، والطهارة والنقاء.
وقل مثل ذلك في الماء مع فارق أنه رمز يرتبط بالهدوء والبطء والسكينة، والترقب والتوقع الهادئ أكثر من العاطفة المتقدة، وقد يكون رمز أمومي في الحلم . وتعتبر الماء من أكثر الرموز أهمية من حيث تناولته جميع الثقافات والحضارات، يعتبر مصدر للحياة، وله أهمية في تصور مصير الإنسان كما يشير إلى الأم (الرحم و الولادة والتجديد)، والغوص فيه يرمز للعودة للبدء واللاشعور والبحث عن معنى الحياة، كما يشير إلى العبور والتجاوز. ففي حين أن النار  تأخذ صفات الفاعلية، الجنس، الصعود، والانفعالات المتوقدة، والغضب. فإن رموز الماء تأخذ صفات السلب، الأنثى، الرحم، الأرض. أما الجسر كما ورد في الأساطير فهو واسطة بين الجنة والنار، أو الجسر الذي يربط هذا العالم بالعالم الآخر. وقد يعبر عن خيارات ذات طابع جنسي في الحلم، كما يرمز بالتالي إلى عالمين اثنين قد تمثلهما حالة الطموح عند الإنسان للعبور إلى عالم آخر، وبالتالي الانتقال من حالة لأخرى . وهو أمر نراه كثيراً في أساطير التحول أو الانتقال أو الرغبة بالانتقال. جلجامش. الصراط، أساطير العبور.
كذلك نجد الشجرة ترمز للحياة سواء أكانت مادية أم روحية، كما ترمز للخلود، والاتجاه للسماء، والصعود إلى الجنة من خلالها تناولتها جميع الحضارات السومرية والصينية والهندية واليابانية والمسيحية. وتعبر عن مضمون جنسي ذكري يعبر عن زرع البذور أي الولادة والانتصاب. كما يجب ملاحظة أن صورة الحبل والعريشة والسلّم (كذلك الشجرة والطيران) هي صورة كثيراً ما تستعمل للتعبير عن الانتقال من نمط الكينونة والوجود، إلى نمط آخر. أي من العالم الدنيوي الفاني، إلى العالم المقدس الخالد.[18]
وكثيراً ما يمثل جسم الإنسان رمز البيت (في الحلم قد يعبّر عن الرحم)، وتندرج في إطار هذا الرمز النوافذ والأبواب التي ترمز إلى منافذ التجاويف في الجسم البشري. هذه الرمزية نجدها في لغتنا الدارجة، فنحيي مثلاً صديقاً قديما بوصفنا إياه كـ “البيت العتيق”، ونقول عن شخص آخر أن “طابقه العلوي ليس على ما يرام” كتعبر عمن فقد عقله.
ولا يدهشنا أن نعرف أن الوالدان في الأحلام كثيراً ما يمثلان صورة الملك والملكة، كما كثيراً ما يداعب الأولاد بوصفهم كأمراء ويلقب كبيرهم بولي العهد، ثم أن الملك نفسه يسمى بالأب، كما يسمى الأطفال على سبيل المزاح بأسماء صغار الحيوانات كالديدان الصغير، وهو ما يميز رمزيتهم في الأحلام.[19] ويشير الحلم بالأب إلى شعورك  نحوه ونظرتك لبعض القضايا بينكما، وربما لا يعني الحلم بالأب شخص الأب نفسه، وإنما النموذج باعتباره يمثل السلطة والنظام والقوة. بينما تمثل الأم المشاعر والعواطف. الخروج على طاعة الوالدين في الحلم تعني محاولة التمرد والعصيان ضد المجتمع بأسره، أو حتى التمرد على الآلهة أو الدولة أو الأب كأب. ومن رموز الأب  الشمس، وقد تمثل المعرفة باعتبارها عكس الظلام الذي يمثل الجهل، وترتبط بالقوة والطاقة ومصدر الحياة، رمز أبوي مثالي، وتعبير عن إله كلي القدرة في أغلب الأساطير. كذلك يرتبط بالأسد الذي يعرف بملك الغابة لشجاعته وقدرته الجنسية، وقد كان و لا يزال من الرموز المهمة لدى الإنسان فهو يرمز في المسيحية للخير والشر معاً، وكذلك القوة، كما يرمز لليقظة والانتباه والحذر حيث ينام وعينيه مفتوحتين. ويرمز عند الصينيين للشجاعة ويعتبر لدى المصريين بمثابة الحارس العظيم، ويعتبره العبرانيون رمزاً للقسوة، ويشار له عند الرومان والايرانيين بالملك. ويرمز كل من الأسد والحمل للسعادة والسلام، أي العصر الذهبي، وقد يشير هذا الحلم إلى محاولة الإنسان فرض إرادته وسيطرته على الآخرين. وقد يشير إلى وذع الشخص الحالي أو كما يقال، يلعق جراحه.[20]
وتعتبر الأم رمز للنموذج الأصلي وتشير إلى مكان الأصل، إلى الطبيعة وإلى ما يخلق سلبياً، ومن ثم إلى الجوهر والمادة، وإلى المادية والرحم والوظائف الإنمائية. وهي تعني كذلك اللاشعور، والحياة الطبيعية والغريزية، والمجال الفيزيولوجي، والجسد الذي نسكنه أو يحتوينا، لذلك تمثل من الناحية السيكولوجية أسس الوعي، والوجود أو الاحتواء من الداخل يشير كذلك إلى العتمة، إلى شيء ليلي ومخيف يُطبق على المرء (الساحرة الشريرة – زوجة الأب القاسية)، هذه الإلماعات تقدم فكرة الأم في الكثير من صورها الأخرى الأسطورية والاشتقاقية. وهي تمثل كذلك جانباً مهماً في الين، في الفلسفة الصينية، أو المبدأ الأنثوي المظلم والسلبي، هذا تصور عام مأخوذ من إرث جماعي حي و مدون في اللغة، موجود في الأزمنة كلها وعند الشعوب جميعاً ويعبر عنه من خلال الحلم الفردي على هيئة رموز عامة نجدها في أحلام جميع الناس. فكلمة الأم التي تبدو مألوفة جداً، تشير بوضوح إلى الأم المعروفة، الأم الفردية  “أمي”، إلا أن رمز الأم يشير إلى خلفية أشد ظلمة تستعصي على الصياغة ولا يمكن أن تفهم إلا فهماً غامضاً على أنها حياة الجسد الخفية  المرتبطة بالطبيعة، ولكن حتى هذا الفهم شديد الضيق، ويستبعد الكثير من المعاني الحيوية الرافدة. والواقع النفسي الأولي الأصلي شبكة لا يمكن تصورها و لا تُفهم إلا في أبعد مدى يصل إليه الحدس، وبعدئذ، ولكن بغموض شديد.[21] ومن رموز الأم الكهف، الذي يرمز في الأسطورة إلى عالم الأسرار والخفايا والولادة، والموت  أيضاً، كما قد يرمز للأنوثة والأم وما تمثله من الرحم الآمن النكوصي. والنفق، وقد يرمز إلى الأنوثة، وقد يشير إلى الحاجة بالأمن، العودة إلى الرحم.
كذلك ترمز السفينة لدى المسيحيين إلى الحماية والنجاة (نوح)، وكذلك إلى الروح الجماعية، بل إلى النفس الفردية في أحيان أخرى تأخذ رمز عن الجسد الذاتي للإنسان. وترمز إلى العبور والتطهر المرتبطة بالماء، كرحلة يونس في البحر التي تنتهي في أحشاء سمكة كبيرة. يونس الذي يتعرض لخطر كبير يكتشف مرحلة عليا من وجدانه ومن أناه، فيولد كما لو ولد بشكل سحري، مستعداً للخضوع إلى أوامر الأنا الأعلى. ولكن هذه الولادة لا تكفي وحدها لتؤمن له إنسانية كاملة. ليس بكونه حبيساً في الهو ومبدأ اللذة (من خلال تجنب المهمات الصعبة التي ألقاها الله عليه) ولا سجيناً في صرامة الأنا الأعلى (عبر التمني بخراب المدينة الضالة)، يمكنه الوصول إلى الحرية الحقيقية وإلى أنا متفوقة. يونس لا يصل إلى إنسانيته الكاملة إلا انطلاقاً من اللحظة التي لم يعد فيها تابعاً بشكل أعمى للهو والأنا الأعلى، لكي يرى شعب نينوى حسب الحكمة الإلهية: ليس حسب البنى القاسية للأنا الأعلى، ولكن عبر الأخذ بعين الاعتبار الضعف البشري.[22]
والأجنحة ترمز إلى في الديانة المسيحية للألوهية، فالملائكة لها أجنحة، بينما ترمز للحكمة عند البوذيين (لاحظ الأطفال المتوفين هم طيور الجنة، بالارتقاء دائماً نعبر عن الطيران) الحلم بوجود أجنحة يشير للمعرفة والحكمة وقوة الروح، إنه يدل على السيطرة والقوة والقدرة على الرؤية الموسعة، وهذا ما عبرت عنه أساطير الطيران. وأن ترى الآخرين بأجنحة فهذا دليل إعجابك بهم. وبذلك ترتبط الطيور، فقدرتها على الطيران الحر تعبر غالباً عن الطموح والمعرفة والقدرة. وقد كانت الطيور تقوم في الأساطير بدور الرسول بين الآلهة والإنسان، كما أنها تمثل في التراث المسيحي والاسلامي الأرواح في الجنة. ويعتقد المصريون القدامى أن الطيور ترمز للروح المتحررة من الجسد بعد الموت.[23] في حين أن الغراب تصفه أغلب الحضارات بالكائن القادر على التكهن بالأحداث المستقبلية المرتبطة  بالشر، وأنه على اتصال دائم بآلهة العالم السفلي والموت، كما يرسم على غصن الشجرة التي قطفت منها حواء التفاحة قبل خروجها وآدم من الجنة، لذلك يرتبط ظهوره الحلمي بالجانب المظلم من الدوافع.
خاتمة
إنّ حريتنا – حسب يونغ – لا تكمن خارجنا، بل داخلنا. يمكن أن يقيد المرء في الخارج، لكنه سيشعر أنه حر، لأنه فجّر قيوده الداخلية. يمكن للمرء بالتأكيد أن يحصل على الحرية الخارجية من خلال تصرفات مفعمة بالقوة، لكن المرء لا يخلق الحرية الداخلية إلا من خلال الرمز، الذي يفتح الباب على مصراعيه للولوج في عالمنا الذاتي. يقول يونغ: ” نحن أيضاً نعيش في أحلامنا، لا نعيش فقط في النهار، أحياناً ننجز أعظم أعمالنا في الأحلام”
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

الرُّموز والأحلام قراءة في الأسطورة والتَّحليل النّفسي (ج2) معاذ قنبر :: تعاليق


موضوع في قمة الخيااال

طرحت فابدعت

دمت ودام عطائك

ودائما بأنتظار جديدك الشيق
 

الرُّموز والأحلام قراءة في الأسطورة والتَّحليل النّفسي (ج2) معاذ قنبر

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» الرُّموز والأحلام قراءة في الأسطورة والتَّحليل النّفسي (ج2) معاذ قنبر
» المادّة في الفيزياء الاحد 11 أيلول (سبتمبر) 2011 بقلم: معاذ قنبر
» المادّة في الفيزياء الاحد 11 أيلول (سبتمبر) 2011 بقلم: معاذ قنبر
»  من الأسطورة إلى العقل ومن العقل إلى الأسطورة
» لتّحليل النّفسيّ والحدث الإسلامويّ قراءة في كتاب فتحي بن سلامة “الإسلام والتّحليل النّفسي”

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا :: المكتبة الشاملة-
انتقل الى: