سهى ثـــــــــــــــائر
الجنس : عدد المساهمات : 57 معدل التفوق : 143 السٌّمعَة : 20 تاريخ التسجيل : 23/02/2012
| | هل ضعفت الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط؟ | |
مع التحول إلى مرحلة بناء الدولة في أفغانستان والعراق، تقلصت الفاعلية الأمريكية في المجالين العسكري والسياسي، فإنهاك الجيش وعدم تمتع الحربين بالدعم الشعبي الأمريكي وبخاصة حرب العراق، أدى إلى تآكل القوة السياسية المحلية للرئيس بوش في أواخر عهده، وظهرت العوائق أمام الالتزام الأمريكي طويل الأمد بالقضية العراقية، أو باستخدام القوة في مسرح عسكري جديد. وفي الوقت الذي عززت فيه الولايات المتحدة قواتها في العراق بصورة مؤقتة، وشهدت البلاد تحسنًا في الأوضاع الأمنية، وقّعَت في نوفمبر 2008م المعاهدة الأمنية مع العراق بشأن بقاء القوات، والتي حددت الانسحاب من المدن العراقية إلى قواعد في المناطق المفتوحة في صيف 2009م، ثم الانسحاب النهائي بنهاية 2011م. ولكن تلك الاتفاقية ركزت بصورة أكبر على التواريخ، وليس على المعايير الكيفية، مما يجعل من الصعب على الولايات المتحدة الالتزام بذلك الجدول الزمني. وفي فبراير 2009م أعلن الرئيس أوباما عن نيته سحب معظم قواته المقاتلة بحلول أغسطس 2010م.وعلى النقيض فإن إيران تسير في برنامج فعَّال للحصول على النفوذ في العراق، فستين بالمائة من العراقيين يدينون بالمذهب الشيعي، وعكست أرقامهم نتائج الانتخابات البرلمانية، فقد حصل التحالف الإسلامي الشيعي الجبهة الموحدة العراقية على 128 مقعدًا من 275، بل من ضمن قادة الحزب رجال دين تم نفيهم في السابق إلى إيران، وبعضهم لهم علاقات مباشرة بفيلق بدر، وهي ميليشيات عراقية شيعية قاتلت إلى جانب إيران في الحرب العراقية الإيرانية، ومعظمهم تم دمجهم في القوات الأمنية العراقية الرسمية، ولذا فإن النفوذ الإيراني في العراق يتزايد عن طريق تعيين حلفاء لها في أهم الوظائف في النظام، وذلك بسبب الرشاوى الإيرانية لكبار المسئولين العراقيين، واستثمارها لملايين الدولارات في الاقتصاد العراقي. فالميليشيات الشيعة التي تعمل في العراق، مثل جيش المهدي، استفادت من مساعدات جيش القدس التابع للحرس الثوري الإيراني ومن حزب الله، ففي أبريل 2008م شهد الجنرال ديفيد بيتريوس أمام الكونجرس أن إيران كانت تدرب قوات مسلحة تابعة لها مثل حزب اله ، بحيث يكون لها القدرة على العمل ضد الحكومة المركزية العراقية، وبالمثل فإن تقرير وزارة الدفاع الأمريكية في سبتمبر 2008م خلص إلى أن الخطر الأكبر على الاستقرار في العراق هو ظهور مثل تلك المنظمات، والتي تعد مسئولة بصورة كبيرة عن إضعاف النفوذ الأمريكي في العراق.فبعد الانسحاب الأمريكي من العراق من المتوقع أن يتخذ النفوذ الإيراني أحد شكلين: إذا ما ظلت العراق تحافظ على حكومة مركزية قوية؛ فإن إيران ربما تمارس نفوذها السياسي والاقتصادي على الحكومة مع قدرتها على تهديد استقرار العراق (مثلما يفعل حزب الله في لبنان). أما إذا ما ضعفت الحكومة المركزية العراقية واستطاعت التجمعات العرقية والإثنية أن تدير شئونها بصورة مستقلة عن بعضها البعض، فإن طهران ربما تقوِّي نفوذها على الجنوب الشيعي. وللملاحظة فإن الشيعة العرب العراقيين غير متطابقين تمامًا مع نظرائهم الإيرانيين، فالعراقيون الشيعة أنفسهم ليسوا مجتمعًا موحدًا، ولكن إيران ربما تحاول أن تحصل على نفوذ ديني واقتصادي وأمني وسياسي في تلك المناطق الشيعية في العراق. وفي أي الحالين سوف تصبح إيران العنصر الأجنبي صاحب النفوذ الأكبر على العراق.أما الاختبار الأمريكي الإيراني الآخر فجاء في لبنان، ففي مايو 2008م قررت الحكومة اللبنانية تفكيك شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله، والمرتبطة بإيران وسوريا، واتخذت بضعة خطوات إضافية ضد حزب الله، ولكن الحزب رد بقوة وبتصميم على الحكومة، وحدثت أزمة كبيرة داخل لبنان، ووقع ما يشبه انقلاب عسكري انتهى ليس فقط بتراجع الحكومة عن قراراتها، ولكن بإحداث حزب الله تغييرًا في توازن القوة في الدولة، ورغبته في أن يحصل على الثلث المعطل لقرارات الحكومة، وضمِن زيادة التمثيل الشيعي في البرلمان، كما ضمن تقوية موطئ قدمه في الجيش اللبناني. ولكن الأكثر إزعاجًا هو غياب النفوذ الأمريكي الفعال في لبنان؛ فقد كان كل من الولايات المتحدة وفرنسا (بل وحتى مصر والسعودية) بلا أنياب للتأثير على تلك التطورات، في حين سيطر النفوذ السوري والإيراني، والذي أثبت مرة ثانية أن تصميمهم على العمل ضد الغرب المتردد أتى بثماره.أما الخطأ الأمريكي الآخر فاتضح في السياق الفلسطيني، ففي عام 2006م أدت الضغوط الأمريكية إلى موافقة إسرائيل على مشاركة حماس في انتخابات السلطة الفلسطينية، ولدهشة الولايات المتحدة وإسرائيل فازت حماس بالانتخابات، وسيطرت في النهاية على قطاع غزة. وحماس هي منظمة سنية بأجندة فلسطينية وليست عميلة لإيران، ولكن بالرغم من ذلك استطاعت إيران أن تمول وتسلح الحركة، وأمدتها بدعم سياسي، ومارست ضغوطها على حركة حماس، وزعم الرئيس المصري حسني مبارك أنه بعد استيلاء حماس على غزة فإن مصر أصبحت فعليًّا لها حدود مع إيران. كما هددت إيران المصالح المصرية الأخرى، مثل تعاونها العسكري مع السودان الجار الجنوبي لمصر، وقد انكشف هذا الحاجز ما بين مصر وإيران تمامًا أثناء عملية الرصاص المصبوب الإسرائيلية، عندما وجدت إسرائيل نفسها تقف مرة ثانية مع الدول العربية السنية في جانب استراتيجي واحد ضد الإجراءات العسكرية للهلال الإيراني. وما يثير الدهشة أيضًا أن أمريكا وقفت عاجزة أمام محاولات إيران لتقويض أمن مصر والتي تعد الحليف العربي الأقرب للولايات المتحدة.كما ظهر عجز النفوذ الأمريكي جليًّا في قضية أخرى، وهي قضية البرنامج النووي الإيراني. وهذا العجز ظهر في ثلاثة عوامل: الفشل في بناء تحالف دولي موسع يدعم العقوبات (بالرغم من أن العالم العربي وروسيا والصين يشاركون أمريكا نفس القلق تجاه إيران النووية)، وعدم وجود مصداقية للتهديد الأمريكي باتخاذ رد عسكري فوري، حتى بدون تحالف مساند له، والعامل الثالث هو تصميم إيران أمام التردد الغربي. فالقيادة الإيرانية تعتبر البرنامج النووي من مصالحها الاستراتيجية العليا، وتستعد لدفع ثمن باهظ للحصول عليه. ولا ترى إيران أن الغرب، المتردد في دفع ثمن المواجهة، قادر على تنحية مسار القطار الإيراني عن وجهته، وقد خرجت بعض التصريحات في الغرب مؤخرًا تحمل معانٍ ضمنية بضرورة تعلم العيش مع إيران النووية، وظهر ذلك في تقارير عن النوايا الأمريكية لتقديم "غطاء نووي" إلى حلفائها. وبدون تغير عاجل في السياسات فمن المتوقع أن تحصل إيران على قدرات نووية، أو على الأقل تنجح في ضرب تعتيم كبير على برنامجها النووي في المستقبل القريب.كما أن خطورة إيران النووية تتعدى مجرد النظام الإيراني، فليس من الواضح ما إذا كانت إيران تستطيع أن تحافظ على توازن رادع بمقاييس الحرب الباردة (التدمير المتبادل)، وذلك للتشكيك في قدرة إيران على سيطرتها على برنامجها النووي، واحتمالية تسرب الأسلحة إلى كيانات وميليشيات ليست دولاً، مما قد يؤدي إلى إطلاق سباق تسلح نووي متعدد الأقطاب، كما يمكن أن ينهار النظام الإيراني ذاته، أو أي أنظمة أخرى يمكن أن تحصل على السلاح النووي، مما يؤدي إلى مخاطر وقوع السلاح النووي في الأيادي الخطأ التي ربما لا تتورع عن استخدامه.ووجود إيران نووية سوف يؤدي إلى تغيير قواعد اللعبة الإقليمية والعالمية بصورة كبيرة، وذلك في حالة تغير نفوذ إيران وحرية حركتها في المنطقة، مما سيهدد الولايات المتحدة ويهدد حلفائها، فإيران على سبيل المثال يمكنها أن تسيطر على الأراضي التي تزعم ملكيتها في مضيق هرمز، وحينئذ سوف تجد الولايات المتحدة أنه من الصعب مواجهة ذلك، كما أن التعتيم الإعلامي على البرنامج النووي الإيراني من شأنه أن يعقد تحركات الولايات المتحدة ضد إيران، وسوف تجد أمريكا صعوبة في التعامل مع إيران بالطريقة ذاتها التي تعاملت بها أمريكا مع العراق أو مع صربيا في التسعينيات.كما يمكن لإيران أن تفكر في إمداد حلفائها بالمظلة النووية، وسوف يؤدي ذلك إلى حرية حركة سوريا وحزب الله وحماس، أو أيّ دولة أخرى يمكن أن تدور في الفلك الإيراني مستقبلاً. وسوف تزداد الثقة الذاتية الإيرانية، وربما تستفز الولايات المتحدة أو إسرائيل، وبالمثل فإن العرب والأتراك ربما يرغبون في عقد علاقات وثيقة مع إيران في تلك الحالة، مما سيعطيها نفوذًا سياسيًّا أعلى. وعندما تتصادم المصالح الإيرانية والأمريكية، فربما تنحاز بعض الدول إلى جانب إيران التي سيمنحها حصولها على القدرات النووية عزيمةً على استخدام القوة وقدرةً على تهديد الأنظمة المعتدلة بمجموعة من التهديدات المتنوعة.كما تهدد إيران مجموعة من المصالح الحيوية للولايات المتحدة، حيث تمتلك إيران وجودًا في أفغانستان، ووجودًا عسكريًّا في عدد من دول القرن الإفريقي، وتدعم الثوار الشيعة في اليمن، وتتطلع بعين طامحة إلى البحرين (ذات الغالبية الشيعية)، وحتى بموطئ قدم في فنزويلا وفي الدول اللاتينية الأخرى، وحتى على مسارات تهريب المخدرات عبر المكسيك إلى الولايات المتحدة, ولا تستجيب الولايات المتحدة بفاعلية إلى تحركاتها هناك أيضًا.ومن المسلَّم به أن إيران قوة إقليمية، ولكن بإجمالي دخل قومي مشابه لولاية ميريلاند الأمريكية، وهو اقتصاد لا يمكن أن ينافس القوة العظمى الوحيدة في العالم، بل إنه بالرغم من التعاون ما بين إيران والصين وروسيا، بما في ذلك في قضايا البرنامج النووي، والتسلح، وقضايا وسط آسيا، إلا أنهم لا ينتمون إلى المعسكر الاستراتيجي ذاته. ولكن محل النزاع بين إيران النووية وبين حلفائها في جانب، والولايات المتحدة وحلفائها في جانب آخر، واضح للغاية، لذا فإنه من الضروري على إسرائيل والولايات المتحدة أن يرسما صورة متماسكة وديناميكية وواضحة للتهديد الإيراني.ونحن نرى بأعيننا الآن إيران وهي تقوِّض الهيمنة الإقليمية للولايات المتحدة، وأصبح الهلال الشيعي أكثر تماسكًا على الأرض، وبدأ في التشكل من طهران عبر كربلاء ودمشق وينتهي في بنت جبيل في لبنان. ومن المتوقع أن يصل النفوذ الإيراني إلى غزة وإلى السواحل الشمالية والجنوبية الغربية للجزيرة العربية، وإلى باب المندب وإلى آسيا الوسطى. ومن أهم استراتيجيات إيران هو بناء القدرة على تهديد الأنظمة العربية من خلال الأطراف التابعة لها، والتي تعمل داخل مختلف الدول العربية، في الوقت الذي تحافظ فيه على قدرتها على إنكار تورطها المباشر.إن سياسة الرئيس أوباما تجاه إيران غير واضحة بشكل كامل، فقد أعلنت إدارته عن حاجتها إلى الحوار مع إيران، بالإضافة إلى حاجتها لمنع إيران من أن تصبح دولة نووية في الوقت نفسه، ولكن يجب أن يتم تحويل تلك التصريحات الدعائية إلى سياسات عملية. والفترة الأولى من رئاسة أوباما تشير إلى محاولات لخوض سياسة خارجية تعتمد على الحوار، ولكن محاولات إجراء حوارات مع إيران توفر لها الوقت الثمين، وإيران ماهرة في استغلال الوقت، بينما تباشر مصالحها النووية في دأب شديد. | |
|