تفيد الدلائل بأن درجة حرارة الأرض تشهد ارتفاعا مستمرا منذ حوالي مائتي
عام. وهذا لا يتمثل في تقلبات الأحوال الجوية فحسب، بل في بعض المؤشرات
الفيزيائية والبيولوجية للتغير البيئي.
وفي هذا السياق، فإن بعض العلماء الذين تؤيدهم المنظمات البيئية
المعنية مثل حركة السلام الأخضر والصندوق العالمي لحماية الحياة البرية
يشيرون إلى أن العديد من الأنماط المصاحبة لعملية السخونة هذه يمكن
نسبتها إلى التأثير المتنامي لنشاطات الإنسان على سطح الكوكب. وهم
يتوقعون بأنه على مدى المائة سنة القادمة سيصبح جو الأرض أكثر سخونة
وبشكل لم يشهد له الإنسان مثيلا من قبل. ويعتقدون بأن نسبة التغير قد تكون
غير مسبوقة في تاريخ الأرض وستكون شديدة الوطأة بحيث أن العديد من
الأنظمة البيئية وبعض أشكال الحياة البرية ستفقد القدرة على التكيف مع
التغيرات.
ويرى العلماء بأننا إذا لم نتمكن من إبطاء وعكس عملية تراكم الغازات
الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري فلن تمهلنا هذه المستجدات آلاف
السنين بل سيكون أمامنا بضعة عقود فقط للتعامل مع التغيرات الجذرية في
الأحوال الجوية ومنسوب البحار والتهديدات الخطيرة لصحة الإنسان. وكذلك فإن
زيادة حدوث السيول والفيضانات والعواصف والخسائر الزراعية قد تقوض
الاقتصاديات العالمية، هذا بالإضافة إلى أن النباتات والحيوانات التي لا
تتمكن من التكيف مع الظروف الجديدة ستكون عرضة للانقراض.
وقبل البحث في مضامين تلك السيناريوهات المروعة على منطقة الشرق
الأوسط، نرى أنه من المجدي تقديم تعـــــريف دقيق لظاهرة الاحتباس
الحــــراري وسخونة الجو ومن الذي يتنبأ بذلك.
يمكن تعريف ظاهرة الاحتباس الحراري بأنها عبارة عن تسخين سطح الأرض
وطبقات الجو الدنيا. وتتفاقم شدة هذه الظاهرة مع تزايد كميات ثاني أكسيد
الكربون في الجو.
ويسمح جو الأرض لنسبة كبيرة من أشعة الضوء المرئي الصادر عن الشمس
بالوصول إلى سطح الأرض وتسخينها. ويعاود سطح الأرض إشعاع جزء من هذه الطاقة
على شكل أشعة تحت الحمراء، تمتص معظمها جزيئات من ثاني أكسيد الكربون
وبخار الماء في الجو. ثم يحدث أن تنعكس هذه الأشعة ثانية إلى سطح الأرض
على صورة حرارة. ويتماثل هذا تقريبا مع التأثير الناجم عن ألواح الزجاج في
البيوت الخضراء، التي تشع ضوء الشمس وتبثها بعيدا في حين أنها تحتبس
الحرارة.
ويتسبب هذا الاحتجاز للأشعة تحت الحمراء في تدفئة سطح الأرض وطبقات
الجو الدنيا ورفع حرارتها فوق المعدلات الطبيعية. ولولا ظاهرة الاحتباس
الحراري التي تؤدي في الحقيقة إلى تسخين الأرض فإن متوسط درجة حرارة
الأرض سيصل إلى حوالي 73- درجة مئوية. ولو حدث هذا فسوف تتجمد حتى
المحيطات في ظل هذه الظروف. وعلى الضد من هذا، فإن الأثر التراكمي
لظاهرة الاحتباس الحراري ”الهارب” كذلك الذي اكتشفه العلماء على سطح
كوكب الزهرة سوف يتسبب برفع درجة حرارة سطح الكوكب إلى 500درجة مئوية.
ونظرا لارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو، الذي يتسبب به
الاستخدام الواسع النطاق للوقود الأحفوري (الفحم الحجري، النفط، الغاز
الطبيعي) فمن المرجح أن يشتد تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري على سطح
الأرض وأن ينجم عنها تغيرات مناخية بعيدة المدى. ويمكن لازدياد تركيز
الغازات الشحيحة الأخرى مثل الكلورفلورو كاربونات (فريونز) وأكسيد النترات
والميثان الناجم بدوره وإلى حد بعيد عن النشاطات البشرية، ان يفاقم من
ظاهرة الاحتباس الحراري ويزيد من حدة ما تفرزه من ظروف وأوضاع. وفي هذا
يكمن السبب في أن عددا متزايدا من العلماء يتنبئون بتغيرات كبيرة في
العقود القادمة. ويقدر هؤلاء العلماء أن متوسط درجات الحرارة على سطح
كوكب الأرض قد يرتفع بمقدار خمس درجات مئوية (9 درجات فهرنهايت) عند
منتصف القرن الحادي والعشرين. ويمكن لمثل هذا الارتفاع في الحرارة أن
يتسبب بذوبان جبال الجليد، والكتل الجليدية بسرعة، وينتج عنه ارتفاع
ملحوظ في منسوب مياه البحار والمحيطات. كما أن ارتفاع درجة حرارة الأرض
يمكن أن يتمخض عن أنماط جديدة وحدوث حالات من الجفاف الشديد، والهطول
الغزير للأمطار في بعض المناطق – يعرقل وبصورة خطرة إنتاج الغذاء في هذه
الباقات المتضررة، في حين يرى علماء آخرون متخصصون في البحوث المناخية
أن تلك التكهنات مبالغ فيها على كل حال.
وتتوقع لجنة الأمم المتحدة للتشاور بين الحكومات حول التغيرات
المناخية، (أي بي سي سي) وهو هيئة تقوم بجمع المعلومات حول ارتفاع درجة
الحرارة، في تقريره السنوي لعام 1995 بان درجة حرارة الهواء على سطح
الكرة الأرضية سوف ترتفع بمقدار يتراوح ما بين درجة واحدة وثلاث درجات
ونصف على مدى القرن القادم. واختتم التقرير استنتاجاته بتوضيح أن زيادة
التركيز في الغازات الأنثروبوجينية (الناجمة عن النشاط البشري) أو غازات
ظاهرة الاحتباس الحراري قد ساهمت إلى حد بعيد في ارتفاع ملحوظ طرأ على
درجة حرارة الأرض على مدى الخمسين سنة الماضية.
وفي سياق مراجعة لجنة الأمم المتحدة لمعلوماتها في سبتمبر الماضي زادت
تقديرها لمعدل الارتفاع في درجات حرارة هواء الأرض، وهي تعتقد حاليا بأن
درجة الحرارة في العالم ربما ترتفع بمقدار خمس درجات مئوية بنهاية
القرن الحادي والعشرين.
وعليه فماذا يعني هذا كله للشرق الأوسط؟وفقا لتقرير لجنة الأمم المتحدة المذكورة أعلاه تحت عنوان ”التأثيرات
الإقليمية للتغير المناخي”، الذي يدرج المنطقة في سياق مجموعة أكبر، جرى
تعريفه في التقرير على أنه ”الجفاف الغربي”. وتشمل هذه المنطقة البقاع
القاحلة في معظمها، والمناطق شبه القاحلة في الشرق الأوسط ووسط آسيا.
وتمتد هذه المنطقة من تركيا إلى كازاخستان في الشمال، وأما المنطقة
الشرقية فتطغى علي تضاريسها السلاسل الجبلية.
وتتنبأ تقارير الأنماط المناخية التي أصدرتها لجنة الأمم المتحدة بشأن
المناخ بارتفاع درجات الحرارة في المنطقة بمقدار درجة أو درحتين
مئويتين في الفترة ما بين 2030و 2050 مع تركز الزيادة العظمى في الشتاء
في الشمال الشرقي، وفي الصيف في الجنوب الغربي. كما يتوقع أن يرتفع معدل
هطول الأمطار بشكل طفيف في أرجاء المنطقة خلال الشتاء، و أن يبقى على حاله
في الصيف، باستثناء الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة العربية، حيث يتوقع
حدوث زيادة طفيفة. غير أن من المرجح أيضا ارتفاع نسبة التبخر، بحيث أن
المعدل السنوي لهطول الأمطار لن يظهر عليه أي تغير. ومن المعاني
الضمنية التي تنطوي عليها هذه التحولات تفاقم مشكلة تعرية التربة،
وتناقص المحاصيل بالتالي، وسوف تتحول هذه المشاكل إلى معضلة كبرى في بعض
المناطق.
وأما الأنباء السارة، إن شئتم تسميتها كذلك، فبالنسبة للجزء الأدنى
من الخليج تتوقع لجنة الأمم المتحدة تغيرا طفيفا في نسبة المسطحات
الخضراء في معظم أنواع المناخ القاحل أو الصحراوي، الأمر الذي يعني أنه
لن تظهر آثار ملموسة على نظامنا البيئي.
وعلى أية حال، فما يدعو للقلق هو ان تأثير التوسع في إنشاء المدن
والتجمعات الحضرية أدى إلى زيادة معدلات تلوث الهواء والمياه. وبهذا الصدد
نشير إلى أن توسع المناطق الحضرية في عدد من الأقطار كان ناتجا عن
ازدهار صناعة النفط، رغم وجود بعض أشكال الهجرة من الريف إلى المدن بسبب
تعـــرية التربة نظرا للاستخـدام المفرط لها.
ومن الجدير بالذكر أن حوالي %50 من سكان المنطقة يقيمون حاليا في
المدن وهذه النسبة مرشحة للارتفاع. وتضم المنطقة اثنتين من بين أكبر 25
مدينة في العالم هما كراتشي (عدد سكانها 9.9 مليون نسمة) واسطنبول (عدد
سكانها 7.5 مليون نسمة) وغيرها من المدن الكبيرة الأخرى. وكذلك فإن
التوسع في إنشاء المدن بمنطقة الشرق الأوسط وخاصة في الخليج أدى إلى
زيادة الطلب على الموارد والذي يتوقع له أن يزداد مع ارتفاع عدد السكان،
الأمر الذي ينجم عنه العديد من المشاكل فيما يتعلق بالمياه وتصريف
النفايات وارتفاع الطلب على مصادر الطاقة.
وسوف تواجه الدول الكبيرة في تعداد سكانها والفقيرة في مواردها
صعوبات بالغة في التعامل مع مشاكل الفقر في المدن، وتوفير الماء النظيف
وما يكفي من الغذاء والطاقة ونظام الصرف الصحي. كما سوف يكون هناك ارتفاع
كبير في معدلات تلوث الهواء نتيجة لزيادة نواتج الصناعة ومخلفاتها،
وارتفاع أعداد السيارات في المنطقة. هذا في الوقــت الــذي فاقم
الاستخدام المبالغ فيه للمبيدات الحشرية والعشبية من نسبة التلوث في
الغذاء والماء.
ويفيد التقرير أيضا بأن الشرق الأوسط سيكون أحد أقل المناطق تضررا من
جراء التغيرات المناخية العالمية، وهذا لا يعني أنه ليس لدينا ما يدعو
للقلق. فمازال هناك التهديد المتمثل في ارتفاع منسوب مياه البحار بمقدار
يتراوح ما بين 15 إلى 95 سم في ارجاء العالم، مع تصاعد موجة تسخين الأرض
وذوبان جبال الجليد القطبية وتوسع المحيطات.
وهناك سيناريوهات أكثر سوداوية تتنبأ بتغيرات مأساوية في طبيعة المناخ
الإقليمي، وتتوقع هبوب عواصف عاتية وحدوث جفاف يطول أمد من شأنه تدمير
مناطق بأكملها وتشريد عشرات الملايين من البشر. وسيكون لهذا أثره الخطير
والمدمر على الاقتصاد العالمي، ويحول دون تقدم الدول النامية وبلدان
العالم الثالث، حيث ستؤدي الفيضانات والمجاعات وشح المياه وتلوثها إلى
انتشار الأمراض وارتفاع كبير في معدلات الوفيات.
وسوف تتسبب هذه العوامل في تقلص الطلب مما يقود إلى تراجع أسعار
النفط الخام في هذه المناطق. ومن شأن هذه التطورات أن تجعل بلدان الخليج
بوجه خاص أشد عرضة للتأثيرات الأخرى لارتفاع درجة الحرارة، إذ أنها حين
تتقلص إيراداتها من النفط والغاز ستواجه صعوبات متزايدة في تلبية احتياجات
شعوبها، إذ ان الموارد الشحيحة الأخرى مثل الماء سوف تتعرض لمزيد من
الضغوط.
وكانت هذه التوقعات السوداوية المتشائمة هي التي دعت الأمم المتحدة
لإقامة لجنة من الدول الأعضاء عام 1988، لتقييم المخاطر التي تتهدد
كوكبنا والبحث عن حلول لمعضلة ارتفاع درجة الحرارة. وقد دفعت النتائج
التي توصلت إليها اللجنة والتي نشرت عام 1990 مئة وأربعين زعيما من قادة
العالم لتوقيع اتفاقية إطار عمل تتمحور حول تغيرات المناخ، وللتعهد
طواعية بتقليص عوامل التلوث التي تؤدي إلى ارتفاع حرارة الأرض، مثل ثاني
اكسيد الكربون والعودة به إلى مستويات عام 1990 بحلول عام 2000. غير أن
فشلهم في الالتزام الطوعي بخفض الانبعاثات الملوثة بلغ ذروته في
بروتوكولات كيوتو لعام 1997 التي نادت بتخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون
بنسبة %5 بحلول عام 2010.
بروتوكول كيوتويعتبر بروتوكول كيوتو اتفاقا بالغ الأهمية ألزم الدول المتقدمة بتقليص
ثاني أكسيد الكربون، وغيره من الغازات بنسبة %5 مقارنة مع مستوياته عام
1990 وذلك بحلول العام 2008. إلا أنه مع انعقاد مؤتمر بيونيس آيرس عام
1998، بهدف المصادق على خطة عمل لتنفيذ بروتوكولات كيوتو، انقسمت
الوفود المشاركة على أنفسها بشأن الشرخ الحاصل بين دول الشمال ودول الجنوب
ونجحت الدول النامية في طرح خطة عمل لم تشر في ثناياها إلى مسألة إدماجها
في العمليات الإجرائية لبروتوكولات كيوتو، وطغت الاعتبارات التجارية
والاقتصادية على الاعتبارات العلمية. ودعا هذا التوجه أنصار البيئة
لوصفها بأنها ”خطة للإحجام عن العمل” وقد تضمنت خطة العمل قائمة طويلة
بالإجراءات التي ينبغي اتخاذها لخفض نسبة انبعاثات الغازات الناجمة عن
ظاهرة الاحتباس الحراري، إلا أنها لم تضع جدولا زمنيا لتنفيذ هذه
الإجراءات ولم تقترح سوى القليل جدا من التوصيات الملزمة.
وما بين أيدينا هو اقتراح لمشروع يشمل العالم بأسره ويرمي لتحديث البنية
العالمية التحتية للطاقة على مدى 25-15 عاماً القادمة. وسوف يشتمل المشروع
على المشاركة الطوعية لكل بلد. ومن شأن هذا المشروع إعادة نشر جو من الأمن
والطمأنينة بالنسبة للأجيال القادمة. كما يؤدي إلى تحسين مستوى المعيشة،
وذلك بالإسهام في تنشيط النمو الاقتصادي في البلدان النامية وبدون التأثير
على الإنجازات الاقتصادية المتواصلة للدول الصناعية، ومن شأنه زيادة الثروة
الإجمالية في العالم إلى حد كبير، وتحقيق شيء من العدالة في الاقتصاد
العالمي، مع تقليص كبير في انبعاثات الغازات الكربونية وتقليل كثافتها في
الجو، إضافة إلى توسعة آفاق المستقبل عن طريق تعزيز الاحساس بالهدف
الإنساني الأكبر ووضع المصالح البشرية على سلم الأولويات.
ويمكن لهذه المنظومة من الاستراتيجيات التفاعلية، والتي يتم تنفيذها
بشكل مشترك والتي يمولها صندوق عالمي أن تساعد على تسريع التحول العالمي في
الطاقة، إذا تضافرت مع إرساء معايير تفعيل الاستفادة من الوقود الأحفوري
والاعتماد على الطاقة المتجددة، وثمار هذا التوجه سوف تعم جميع أنظمتنا
الاقتصادية والاجتماعية.
خطة تحديث الطاقة العالمية:إلغاء الدعم الحكومي في الدول الصناعية للوقود الأحفوري، وإقامة نظام
دعم مواز لتطوير ونشر تقنيات الطاقة المتجددة والفعالة جداً، وإعادة تنظيم
برامج تدريب على وظائف للعمال الذين يتم تسريحهم من أعمالهم في صناعات
الوقود الأحفوري.
تبني معايير عالمية جديدة أكثر حزماً تركز على تفعيل الاستفادة من
الطاقة وزيادة استخدام الطاقة المتجددة، وذلك كعامل مكمل لجهود الحد من
الانبعاثات الضارة، وهي الجهود التي تبلورت في بروتوكولات كيوتو، ويمكن
لمثل هذه الاستراتيجية أن تكون ذات نفع لجميع البلدان.
إزالة الحواجز التنظيمية التي تعيق التنافس وتدعم تقنيات الهدر في
الطاقة والاستخدام غير الفعال للوقود الذي ينتج عنه انبعاثات عالية من
الكربون، وذلك من أجل قيام منافسة حرة في قطاع الطاقة وفقاً لمعايير
التكلفة والكفاءة وانخفاض المكونات الكربونية.
إقامة صندوق عالمي لتحديث الطاقة باستخدام إيرادات الضرائب على
المعاملات النقدية العالمية، أو غيرها من الموارد الموازية لتمويل عملية
التطوير والانتقال إلى مرحلة تراعي سلامة البيئة وعدم الإضرار بالمناخ ونقل
تقنيات غير ضارة بالبيئة (والتي تركز على الطاقة المتجددة والفعالية في
الاستخدام، وتقلص المكونات الكربونية) إلى الدول النامية.
إنشاء وكالة جديدة أو اعطاء صلاحيات لوكالة قائمة تحت مظلة بروتوكول
كيوتو لتسهيل الانتقال السريع إلى مرحلة مرافق الطاقة غير الضارة بالبيئة
(المتجددة والفعالة والقليلة الكربون) في جميع أنحاء العالم وذلك عن طريق
نقل التكنولوجيا والخبرة على مبدأ المساواة والاستمرارية في الحفاظ على
تدفق الطاقة إلى الأسواق العالمية وحرية المنافسة.
انعقد هذا المؤتمر في لاهاي بهولندا في نوفمبر من عام 2000. إلا أنه
وبعد أسبوعين من المفاوضات وصل المؤتمر إلى طريق مسدود، ورغم تمديد الموعد
النهائي للوصول إلى اتفاق لمدة 24 ساعة أخرى، لم تفلح الوفود في التوصل
إلى اتفاق حول كيفية تطبيق بروتوكولات كيوتو والقيام بخطوات فعالة نحو
رسم سياسة عالمية حول التغيرات المناخية. ويرى أنصار البيئة أن الإخفاق
الذي منيت به قمة لاهاي أدى إلى نتائج عكسية فبدلاً من مكافحة ظاهرة
ارتفاع درجة حرارة الأرض رفعت القمة القيود التي كانت تحد من ظاهرة
الاحتباس الحراري وانبعاث الغازات الملوثة.
ويثير هذا الإخفاف في اتخاذ إجراءات فعالة للحد من تفاقم ظاهرة
الاحتباس الحرارى قلقا بالغا، وذلك على ضوء التقرير التقييمي الثالث الذي
أعده مجلس الأمم المتحدة للحوار بين الدول حول التغيرات المناخية، والذي
صادقت عليه الحكومات الأعضاء في شنغهاي في شهر يناير. ووفقا للدراسات التي
أجرتها اللجنة. فهي تتوقع ارتفاع معدل درجات الحرارة ومستوى مياه البحار،
الأمر الذي ينذر بحدوث موجات مدمرة من الجفاف والفيضانات، والأعاصير
والعواصف العاتية وانتشار الأمراض مثل الكوليرا والملاريا، مع حدوث تغيرات
مناخية لا يمكن عكس مسارها أو كبح انتشارها على نطاق واسع، بما في ذلك
انحسار هائل في الغطاء الجليدي بجزيرة جريـــنلاند والأجـزاء الغربية
من القطب الجنوبي، وتؤدي إلى تبــاطؤ كبير في دوران المياه الدافــئة
شــــمال المحيط الأطلسي.
ويمضي التقرير ليحذر من أن الخسائر الاقتصادية الناجــــــمة عن
الكوارث الطبيعية قد قفزت من حوالي أربعة مليـــارات دولار في حقبة
الخمســـــينيات إلى أربعين مليارا عام 1999، علما بأن ربع هذه الخسائر
تكـبدته الدول النامية.
وتبرز هذه الدراسة دليلا دامغا على أن ارتفاع درجات الحرارة الذي شهدته الخمسون سنة الماضية كان ناتجا عن النشاطات البشرية.
من الإنصاف القول بأن نظرية الاحتباس الحراري والنماذج التي بنيت
عليها تقارير مجلس الأمم المتحدة للحوار بين الدول حول التغيرات
المناخية لقيت الكثير من النقد والتشكيك. فهناك العديد من الخبراء في
الأوساط العلمية ممن لا يتفقون مع الاستنتاجات القائلة بأن حرارة الأرض
ترتفع بمعدلات أعلى مما كانت عليه في الماضي بسبب احتراق النفط والبنزين
وغيرها من المركبات الكيماوية التي ينتج عنها ثاني أكسيد الكربون وغيره
من الغازات التي تحبس الحرارة في الجو.
ويعتقد هؤلاء بأن تقارير مجلس الأمم المتحدة حول التغيرات المناخية
تعتمد على أسس علمية هشه تكاد تستند برمتها إلى القدرات الاستقرائية
والتنبؤية لأنماطها المناخية المعتمدة، وليس على بيانات تجريبية علمية
كافية. ويقولون بأن أنماط الطقس والمناخ على كوكبنا هي من التعقيد بحيث لا
يمكن التنبؤ الصحيح بمسارها وما سوف تتمخض عنه اعتمادا على هذه الدرجة
من الدقة وإنه من غير المعقول بالنسبة لمناصري قضايا البيئة أن
يستخدموا الإعلام ليستغلوا تنبؤاتهم بحدوث كوارث بيئية بهدف إرعاب
العامة، وإثارة هلع عام يجعل الناس تنصاع لتوصيات جداول أعمالهم البيئية.
ومع ذلك يتفق جميع علماء المناخ تقريبا على وجود ارتفاع في درجة حرارة
الأرض حاليا، غير أن الخلاف قائم حول حدته وخطورته، وبشأن ماذا كانت
البشرية سببا في حدوثه، وهكذا وبالرغم من عدم إمكانية البرهنة الكاملة على
هذه النظرية، فإن من الحكمة التعقل بالنسبة لنا جميعا وأن نتخذ خطوات
تقلل من انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري. فإذا تجاهل
الشرق الأوسط وسائر العالم هذه النذر وتغاضى عن هذه المخاوف فإن الطوفان
قادم لا محالة. ويمكن أن يقود هذا التجاهل إلى زعزعة الاستقرار في المناخ
الإقليمي والعالمي وإلى إحداق مخاطر ضخمة بالبيئات التي نعيش في كنفها
وإلى تهديد صحتنا العامة وسلامتنا والتأثير على استقرار أنظمتنا
الاقتصادية والسياسية.
فما الذي يمكن القيام به لتبريد كوكبنا؟هناك مجموعة من التوصيات والاقتراحات التي تقدم بها عدد من
الاقتصاديين والعلماء والمتخصصين بشئون السياسات وغيرهم، ممن يعتقدون
بأن بروتوكولات كيوتو لا تفي بالغرض، ولا تكفي لمواجهة ما يرون فيه
أزمة متفاقمة. وقد رسم هؤلاء استراتيجية يعتقدون بأنها سوف تقلل من
انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس
الحراري في الجو. ومن شأن هذه الاستراتيجية الارتقاء بمعايير المعيشة
عبر إسهامها في تعزيز النمو الاقتصادي في الدول النامية. وذلك دون المساس
بالإنجازات الاقتصادية المتواصلة التي تحققها الدول الصناعية المتطورة،
وهم يعتقدون بأن توصياتهم سوف تساهم بالفعل في زيادة الثروات الإجمالية
وتعزيز الاستقرار وإرساء أسس العدالة في الاقتصاد العالمي. (صندوق 1)
تمكنت أوساط الصناعة في العالم من قطع شوط متواضع في طريق اتخاذ خطوات
فعلية للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري وذلك عن طريق زيادة كفاءة السيارات
والشاحنات ومحطات الكهرباء ومصابيح الكهرباء المستخدمة في الشوارع
والأغراض التجارية وكذلك أنظمة التدفئة وتكييف الهواء المنزلية، ويمكننا
في الحقيقة زيادة كفاءة جميع الأشياء التي تولد الطاقة أو التي تعمل
باستخدام الطاقة، ولسنا بحاجة لانتظار التقنيات الجديدة، طالما يمكن إدخال
تحسينات هائلة على فعالية الاستخدام بتسخير التكنولوجيا المتوفرة
حالياً.
أظهرت الدراسات في الولايات المتحدة أن زيادة عدد الأميال المقطوعة
بالنسبة لكل جالون من الوقود المستخدم في السيارات والشاحنات من شأنه أن
يخفض إلى حد كبير نسبة ثاني أكسيد الكربون المنبعث. ويمكن تقليص معدل
الطلب على الكهرباء بنسبة تتراوح بين 30إلى %40 وذلك بتسخير التقنيات
المتوفرة حاليا والتي تساعد على التوفير في استهلاك الطاقة.
لذا دعونا نتحرك قبل فوات الأوان، فبرتوكولات كيوتو ما هي إلا البداية،
غير أنها اهتمت بالاعتبارات الاقتصادية والسياسية الداخلية لدول العالم
دون النظر للمصلحة البشرية العامة. هناك توصيات واستراتيجيات من شأنها
تقليل التأثير البشري على ظاهرة الاحتباس الحراري، غير أننا إذا ترددنا
في تنفيذها نعرض مستقبل أبنائنا وأحفادنا لخطر جسيم بسبب إحجامنا عن
القيام بما يتعين علينا القيام به الآن.
خطة تحديث الطاقة العالمية:
يشمل هذا المشروع العالم بأسره ويرمي إلى تحديث البنية العالمية التحتية
للطاقة على مدى 25-15 عاماً القادمة، ويشتمل على المشاركة الطوعية لكل
بلد. ومن شأن هذا المشروع إعادة نشر جو من الأمن والطمأنينة بالنسبة
للأجيال القادمة. كما يؤدي إلى تحسين مستوى المعيشة، وذلك بالإسهام في
تنشيط النمو الاقتصادي في البلدان النامية وبدون التأثير على الإنجازات
الاقتصادية المتواصلة للدول الصناعية، ومن شأنه زيادة الثروة الإجمالية في
العالم إلى حد كبير، وتحقيق شيء من العدالة في الاقتصاد العالمي، مع تقليص
كبير في انبعاثات الغازات الكربونية وتقليل كثافتها في الجو، إضافة إلى
توسعة آفاق المستقبل عن طريق تعزيز الاحساس بالهدف الإنساني الأكبر ووضع
المصالح البشرية علي سلم الأولويات.
ويمكن لهذه المنظومة من الاستراتيجيات التفاعلية، والتي يتم تنفيذها
بشكل مشترك والتي يمولها صندوق عالمي أن تساعد على تسريع التحول العالمي في
الطاقة، إذا تضافرت مع إرساء معايير تفعيل الاستفادة من الوقود الاحفوري
والاعتماد على الطاقة المتجددة، وثمار هذه التوجه سوف تعم جميع أنظمتنا
الاقتصادية والاجتماعية.
الغاء الدعم الحكومي في الدول الصناعية للوقود الأحفوري، وإقامة نظام دعم موازٍ لتطوير
ونشــــر تقنيات الطاقة المتجددة والفعالة جداً، وإعادة تنظيم برنامج تدريب على وظائف
للعــمال الذين يتم تسريحهم من أعمالهم في صناعات الوقود الأحفوري.
تبني معايير عالمـــية جديدة أكثر حزماً تركــــز على تفعيل الاستفادة من الطــــاقة وزيادة
استخدام الطاقة المتجددة، وذلك كعامل مكمل لجهود الحد من الانبـــــعاثات الضارة، وهي
الجهود التي تبلورت في بروتــوكولات كيوتو، ويمكن لمثل هذه الاستراتيجية أن تكون ذات
نفع لجميع البلدان.
إزالة الحواجز التنظيمية التي تعــيق التنافس وتدعم تقنيات الهدر في الطــاقة والاستخدام
غير الفـعال للوقــــــود الذي ينـــتج عنه انبــعاثات عالية من الكربون، وذلك من أجل قيام
منافسة حرة في قــطـــاع الطـاقة وفقاً لمعايير التكلفة والكفاءة وانخـفاض المكونات الكربونية.
إقامة صندوق عالمي لتحديث الطاقة باستخدام ايرادات الضرائب على المعــاملات النقدية
العالمية، أو غيرها من الموارد المـــوازية لتمويل عمـــلية التطــوير والانــــتــقال إلى مرحلة
التـــــقنيات التي تراعي ســــلامة البيئة وعـــدم الإضرار بالمناخ ونقل تقــنيات غير ضارة
بالبيئة (والتي تركز على الطاقة المتجددة والفعالية في الاستخدام، وتقلص المكونات
الكربونية) إلى الدول النامية.
إنشاء وكالة جديدة أو اعطاء صلاحيات لوكالة قائمة تحت مظلة بروتوكول كيوتو لتسهيل
الانتقال السريع إلى مرحلة مرافق الطاقة غير الضارة بالبيئة (المتجددة والفعالة والقليلة
الكربون) في جمــــــيع أنحاء العالم وذلــك عن طريق نقل التــــكنولوجــيا والخبرة على مبدأ
المـساواة والاسـتمرارية في الحفاظ على تدفق الطاقة إلى الأسواق العالمية وحرية المنافسة
اقرأ أيضاتقرير علمي يؤكد أن الجليد سوف يكتسح العالم
هيئة البيئة – أبوظبي تدعو المجتمع المحلي إلى المحافظة على البيئة
مجموعة عمل الإمارات للبيئة تحتفل بزراعة أكثر من 2 مليون شجرة
هيلاري كلينتون تعرب عن دعمها لوكالة “ايرينا”
جبال وصخور عُمان ستنقذ العالم من الاحتباس الحراري !
مذكرة تفاهم بين هيئة البيئة بأبوظبي والمؤسسة العليا للمناطق الاقتصادية المتخصصة
انطلاق برنامج البيئة البرية في المدارس ضمن فعاليات حملة التوعية البيئية الرابعة لمرتادي المناطق البرية