من أجل أن نفهم ماذا تعني نظرية التطور و ماذا يعني أنّ الكائنات البرمائية والبرية انحدرت من نوع سمكة واحدة (سمكة التيكتاليك)، التي خرجت من المياه تحت وطأة الضغوط التطوّرية، يجب أن ندرك أنها عندما خرجت من المياه لم تتلاشَ الخياشيم فى ثواني وأنّ الرئتين لم تنمُ فى دقائق ولا حتّى خلال عشرات السنين وإنما على مدى ملايين السنين وآلاف الأجيال. و لأجل أن نفهم ماذا يعني هذا الكلام يجب أن تتعرف على مصطلح “Microevolution” او “التطور المُصغّر”.
التطور المُصغّر هو التغير في نسبة تكرار (الأليل) (Allele frequency ). الأليل هو نسخة أو شكل مُغاير لنفس الجين. فمثلا الجين المسؤول عن لون العينين له نسخ مغايرة كثيرة منها ما يعطي لون عيون زرقاء ومنها ما يعطي لون عيون سوداء أو بنية وهكذا.
التغير فى تردد الأليل تتحكم به أربع عمليات أساسية:
1-الطفرات : هي التغيّر الحاصل فى تسلسل الحمض النووى “DNA” داخل الخلية ، هذا يحدث إما بسبب خطأ في عملية النسخ الجيني الذي تقوم به الخلية, أو التعرض لإشعاعٍات أو إصابة فيروسيةٍ أو الجينات القافزة “transposable element” . الجينات القافزة هي سلاسل من DNA يمكنها القفز والإندماج داخل مواقعٍ مختلفةٍ من الجينوم.
2- الانتقاء الطبيعي أو الانتقاء الصناعي: الانتقاء الطبيعي هو مُجمل الضغوط التطوّريّة التي تؤدي إلى إبقاء أكثر الأفراد تلائما مع الطبيعة المحيطة و إبعاد الأفراد الغير قادرة على التأقلم مع نفس البيئة. هذه الضغوط التطوّريّة التي تدفع بالأفراد الى التغيّر و اكتساب صفاتٍ جديدة عبر الأجيال يُطلق عليها الانتقاء الطبيعي. فمثلا, في بيئة تتميز بالشمس الحارقة يصبح (الأليل) المسؤول عن إنتاج البشرة السمراء تكراره أكبر من الأليل الذي ينتج البشرة الفاتحة. وذلك لأن أصحاب البشرة الفاتحة سيكونوا معرضين للإصابة بسرطان الجلد بشكل أكبر قد يعوق قدرتهم على العيش والتكاثر. أما الانتقاء الصناعي فهو يتم عن طريق تفضيل الإنسان لبعض الصفات التي يراها مفيدة بالنسبة إليه في كائن معين و استبعاد الأفراد التي تحمل صفات غير مرغوبة. أكبر مثال على ذلك موجود في تهجين الكلاب أو لحوم البقر و المحاصيل الزراعية. لذا فالطبيعة هي المسؤولة عن الانتقاء الطبيعي، بينما الإنسان هو المسئول عن الانتقاء الصناعي.
3- الانجراف الوراثي : الإنجراف الوراثي هو تغيّر فى نسبة تكرار الأليلات نتيجة توريث عينات من الأليل دون غيرها. فمثلا حدوث زلزال معين أو فيضان في منطقة يؤدي الى فناء أعداد من الافراد ونجاة أفراد اخرين. وهو ما يؤدي الى نقص في تنوع أشكال الأليل وجعل أليل معين (الموجود في الناجيين) أكثر توريثا وإنتشارا من قبل. الإنجراف الجيني يحدث أيضا نتيجة هجرة عينة من الأفراد تحمل أليلات معينة دون غيرها الى منطقة معزولة وهو ما يعرف ب (تأثير المؤسس). بالتالى كل ما قلّ عدد الأفراد, كل ما زاد تأثير الإنجراف الجيني نتيجة بقاء عينات من الأليل دون غيرها. وبالتالي, يمكن أن يتسبب الانجراف الوراثي في تغيرٍ ضئيلٍ جداً يُكاد لا يذكر في الجيل الواحد. ولكن مع تعاقب الأجيال ومع مرور الزمن، يزداد الانجراف تجاه سيطرة أليل معين وظهوره في غالبية الأفراد الموجودين.
4- انسياب المورّثات أو Gene flow: انسياب المورّثات هو تبادل الجينات و الأليلات بين أفراد جماعةٍ ما مع أخرى من نفس النوع. العامل الأساسي في انسياب المورّثات هو الحركة، مثل هجرات الطيور أو حتى تدجين الحيوانات من جماعات مختلفة لنفس النوع، و يعمل انسياب المورثات ضد الاستنواع (تنوع الأنواع وزيادتها) لأنّه ببساطة يُقلل من الاختلاف الوراثي بين مجموعتين.
اليات التطور المُصغّر كالطفرات والإنتخاب الطبيعي و الانجراف الجيني تؤدي في نهاية المطاف وعلى مدى فترات جيولوجية كبيرة الى حدوث تغيرات كبيرة تؤدي الى ظهور أنواع مختلفة من الكائنات. وهو ما يعرف بالتطور الكبير