لقد مرّت حتّى اليوم أكثر من ستّ سنوات منذ انطلاق تنفيذ أهداف مشروع الشرق الأوسط الكبير على بلادنا , وخلال هذه السنوات تكاثرت مجموعة من المنظمات وتنوعت ,وتستّرت تحت عناوين مختلفة كالعمل الخيري والاخلاقي والانساني والتعليمي والثقافي ... وغيرها .تتمتع هذه المنظمات بتمويل خارجي كبير على النحو التالي :
* مصادر تمويل من الحكومة الامريكية مباشرة
* مصادر تمويل من مؤسسات امريكية غير حكومية
* مصادر تمويل من اوروبا وخاصة المانيا وفرنسا وبريطانيا .
كما تعددت جنسيتها من منظمات محلية اهلية لكنها مربوطة تمويلا ودعما بمنظمات خارجية مثل :المنظمات النسائية التي تعنى بالاسرة والمراة والطفل.والمنظمات الشبابية التي تهتم بالشباب والمنظمات الخيرية والاخلاقية والانسانية.وهناك منظمات محلية هي فرع عن منظمات دولية عالمية مثل :
- منظمة روتاري وتختص بتوفير المنح الدراسية والمهنية كما توفر دعما ماليا للمشاريع الذاتية وميزانيتها فاقت 150مليون دولار .
- نوادي ليونز شعارها حرية ذكاء وامن لشعبنا " يقصد به الشعب اليهودي "وهو فرع للماسونية وتهدف لافساد الشباب وضرب القيم والمثل الاسلامية .
- منظمة دريم سيتي وتهدف الى الترويج للثقافة الغربية ومفاهيمها وقيمها باسم التبادل الثقافي واحياء التراث
- منظمات الكيداني والاكستشانج والمائدة المستديرة والقلم وتساعد المكفوفين والفقراء وفاقدي السند وهو غطاؤها للترويج للشذوذ والالحاد والثقافة الغربية .
اما القسم الثالث من المنظمات فهو ماكان في شكل لجان اقتصادية مثل :
- اللجنة المهتمة بمجلس الشرق الاوسط وشمال افريقيا - لجنة النشاطات وتجميع التبرعات
- لجنة الشركات الامريكية وهذه اللجان تقوم بدور تسهيل الارتباط للشركات المحلية بالشركات الامريكية .
وهناك نوع آخر من هذه المنظمات وهي تلك المنظمات الدولية التي فتحت لها فروع في بلادنا مثل :
- اطباء بلا حدود ومراسلون بلا حدود : عملها دعم الانفصاليين وتكوين العملاء والمخبرين وتشجيع الاقليات على الانفصال كما حدث في السودان وتيمور الشرقية .
- معهد الصحافة للسلم والحرب البريطاني : يقوم بتدريب المراسلين على اعداد التقارير المعمقة والشاملة على الاوضاع في البلاد وذلك من اجل توجيه الراي العام الوجهة التي يريدونها وصياغته بما يخدم الاستراتيجية الاستعمارية تحت عنوان الحرية والعدالة والحيادية .قام هذا المعهد بدور خطير في تونس اذ ابتدا العمل منذ بداية 2011 ونجح في تكوين مجموعة من الاعلاميين والمراسلين والصحافيين ليكونوا هم نواة العمل الاستخباراتي مستقبلا .قد انهى عمله في تونس منذ ثلاث سنوات للانتقال الى سوريا .وقد أشرف على آخر ندوة تلك التي انعقدت يوم الخميس 29اوت 2013م بفندق المشتل قولدن توليت بالاشتراك مع منتدى نور وجمعية الصحافيين الشبان , وقد كان الحضور يتكون من عمرو الكحكي صاحب قنوات النهار وفؤاد عبد الرازق مدير برامج اخبارية في بي بي سي سابقا .وزين العابدين توفيق اعلامي بقناة الجزيرة وسليم عزوز رئيس تحرير صحيفة الاحرار المصرية وعبد الباسط حسن رئيس المعهد العربي لحقوق الانسان .كما حضر من تونس كل صلاح الدين الجورشي وجمال الزرن استاذ في معهد الصحافة ورؤوف بالي رئيس جمعية الصحافيين الشبان وزياد الهاني نقابي ومريم بن حسين اعلامية والحبيب بو عجيلة جامعي ومدير الاخبار في قناة المتوسط وغيرهم .
ماهو دور هذه المنظمات ؟ بل ما هو الدور الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني تحت غطاء العمل الخيري والاعلامي والحقوقي ؟
بواسطة هذه المنظمات تتغلغل القوى الاستعمارية بقيادة الولايات المتحدة الامريكية داخل المجتمع وتقوم بتسويق المشروع الامريكي الجديد باسم حقوق الانسان والكرامة والحرية والحكم الصالح والديمقراطية .وتقوم الادارة الامريكية بضخ اموال طائلة لها مباشرة او غير مباشرة .وغطاء هذه الاموال هو المساعدة في بناء الديمقراطية والتنمية .
* تقوم هذه المنظمات بالتجنيد الاستخباراتي لعدد من النخب السياسية والاعلامية والفكرية وتمويلهم لبناء مؤسسات من الصفر تقوم بالترويج للسياسات الامريكية .
* تمويل المنظمات الاهلية القائمة بالفعل لاتخاذ مواقف سياسية محددة سلفا تخدم مصالح امريكا وسياساتها .
* الدعم المادي والسياسي لمنظمات حقوق الانسان وتجنيدهم من خلال المؤتمرات الدولية وتوظيفهم كمستشارين واكادميين لخدمة السياسة الامريكية .ومن يقع في شراك هذه المنظمات الخبيثة من السياسيين والاعلاميين والحقوقيين في الغالب لا يعرف انه اصبح عميلا وخادما للاستعمار وموجها للترويج للسياسة الاستعمارية الغربية لانهم يزرعون فيه قناعات فكرية معينة ثم يستغلونه لديهم لخدمة سياساتهم وهو يظن انه يناضل من اجل قناعاته الفكرية .لماذا تعول امريكا على منظمات المجتمع المدني للاستعمار؟؟
* لانها الاقدر على رصد التغيرات داخل المجتمع بطرق شرعية وقانونية .
* تمكن هذه المنظمات الاجهزة الاستخبارية من الحصول على المعلومات الضرورية بطرق قانونية .
* تستقصي هذه المعلومات لرصد تحركات الشعوب فتسارع لصياغتها بما يخدم مصالح المستعمر .دور المنظمات في مشروع الشرق الاوسط الكبير :كان دورها بارزا لتنطلي حيلة الربيع العربي على الناس من خلال :
* الترويج للاشاعات والاكاذيب
* استنفار الناس وتجييشهم ضد الحاكم دون الاشارة للنظام الذي هو سبب الازمات .
* تنظيم التحركات الشعبية واختيار الشعارات
* تقديم الرشاوي للمتنفذين وللقياديين المؤثرين
* ضبط حركة الشارع حتى لا تنفلت الامور وقد قامت المخابرات الامريكية ووزارة الخارجية بتحمل القسط الاكبر من تمويل هذه المنظمات لتقوم بدورها في الاطاحة بالحكام والرؤساء الطواغيت وخاصة في تونس واليمن ومصر والان في سوريا دون ان يؤدي ذلك لتغيير في البلاد وهكذا امتصت امريكا حركة غضب الشارع بل واستغلتها من اجل ضمان بقاء استعمارها , فنجحت في اصطناع ثورات بعمل مخابراتي استخباري ناجح لم تطلق فيه رصاصة امريكية واحدة ولا خسرت جنديا امريكيا واحدا.
اهم طرق امريكا للسيطرة على الشارع وتحركات الشعوب :
دخلت امريكا للبلاد وانفذت سياساتها ورسخت استعمارها من خلال مجموعة ادوات منها :
1- مبادرة الشراكة مع الشرق الاوسط : اطلقتها الخارجية الامريكية في 2002م وتسمى اختصارا " ميبي " وتقوم بدور مساعدة المنظمات الاهلية .في 2008م اعلن مكتبها في تونس عن بدء تقديم المساعدات " 3 مليون دولار " . وقد ركزت على الجمعيات النسائية والمنظمات المهنية " منحت مساعدات ب 430م د في 17بلدا"في 2008م كذلك فتحت هذه المنظمة باب الالتحاق والترشيح لصنع العملاء والمخبرين من ابناء البلد .اطلقت السفارة الامريكية في تونس برنامج " ميبي " تحت عنوان " المبادرة للتحول في تونس " وقد وقع تخصيص 50مليون دولار له . هذا البرنامج يشمل ادارة برامج في كل من الجزائر ومصر ولبنان وليبيا وتونس واسرائيل .ينظم هذا المكتب بتونس مؤتمرات اقليمية " مؤتمرات نساء الاعمال ..مؤتمرات القادة الطلاب ..تدريب سيدات الاعمال الشابات "وفي 2011م مولت " ميبي " منظمة " منتدى المواطنة " في برنامج شراكة مع نادي اليونسكو بباردو من اجل تكوين القيادات الشبابية بحسب الرؤية الامريكية .في هذا البرنامج تم التسويق للاجندات الامريكية المتعلقة بالمنطقة ومنها اهم نقطتين في المشروع وهما:
* ترسيخ التشارك في الحكم
* التسوية النهائية للصراع العربي الاسرائيلي واعلنت مسؤولة البرنامج حينها تخصيص 20مليون دولار لدعم التحول في تونس .
2- الوكالة الامريكية USAID :
* تقوم هذه الوكالة بممارسة نشاطاتها الاستخبارية تحت واجهات تنموية وخيرية وانسانية .
* في تونس رصدت هذه الوكالة اكثر من 60مليون دولار منها 7 مليون دولار لسيدي بوزيد وقفصة ومدنين وتطاوين
*في 2011 وفي تعتيم شديد التقى مدير الوكالة الامريكية عشرات الاحزاب والمنظمات والوزراء والمسؤولين وذلك في زيارة قام بها الى تونس .
** اخطر اعمالها تمويل مدارس المواطنة وهي نواد يتم فيها اختطاف النجباء من التلاميذ وتجنيدهم منذ الصغر لخدمة السياسة الاستعمارية الامريكية في بلدانهم وذلك بعد سلخهم عن بيئتهم واوساطهم .وليس عجيبا 95% من التلاميذ يبقون في اوروبا او امريكا ولا يعودون .
* اطلقت هذه الوكالة برنامج " شبكات المجتمع المدني الاقليمية " من اجل جمع اكبر قاعدة بيانات حول حياة الناس في البلاد مع الترويج للمفاهيم والقيم الغربية والحلول السياسية الامريكية كالتطبيع وحوار الاديان .ولعل " جمعية المواطنة " من اخطر الاوبئة السرطانية .
3- مركز دراسة الاسلام والديمقراطية CSID :قام على انشائه جون اسبوزيتو مدير مركز الوليد بن طلال للحوار الاسلامي المسيحي بجامعة جورج واشنطن وقد كان مستشارا في وزارة الخارجية الامريكية .
* كانت لجون اسبوزيتو علاقة قوية بجماعة الاخوان " طه العلواني واحمد يوسف "
* رضوان المصمودي من ضمن مجلس الادارة وقد اصبح من اكبر مسوقي النموذج الامريكي .
ماهو النموذج المراد تطبيقه بعد خديعة الربيع العربي؟
في رسالة فاضحة تشمئز منها النفوس بتاريخ 22-5-2009م وموقعة من العديد من السياسيين والمفكرين والاعلاميين الذين نجحت امريكا في صقل عقولهم ومواهبهم " ومن هؤلاء المنصف المرزوقي ولطفي زيتون وطبعا لا ننسى العراب رضوان المصمودي " استنجد فيها هؤلاء المضبوعين بما علمتهم امريكا بالرئيس الامريكي اوباما لتعميم النموذج الديمقراطي الامريكي على المنطقة .وطلبوا بدعم الاحزاب المعتدلة مشددين على التمسك بالنموذج الديمقراطي الامريكي .ثم جاءت اواخر 2010م وانطلقت مجموعة احداث قادها هم انفسهم من صنعتهم هذه المنظمات باموال امريكية واوروبية وتلقوا تلقينا وممارسة ماذا يفعلون واين يحركون الجماهير والى اين .وفي النهاية نعم يسقط الحكام ويتخدر الناس ويقضون السنوات وهم يمجدون ثورتهم وبطولاتهم ويصفونها تارة بثورة الياسمين واخرى بثورة الشباب او ثورة الربيع .ولا يقفون على الحقيقة وهو نفس المشروع الذي كانت تعد له هذه المنظمات تحت اشراف الاجهزة والوكالات الامريكية وهو صناعة ثورات تجدد للاستعمار الامريكي بسايكس بيكو جديدة لا دور فيه للجيوش ولا للدولة .فالجيش لم يعد يحتاج لا للعتاد ولا لكثرة الجنود لانه زمن السلم والحوار والتسامح .ولا الدولة يجب ان تستمر هي وحدها في التحكم بالحياة السياسية فلا بد من تفتيتها وتوزيع الرعاية على منظمات المجتمع المدني وبذلك يسهل على امريكا التحكم في الحكام وفي الشعوب وفي الجيوش .اي هو استعمار خطير لعقود اخرى .فالشعوب الان تسقى خمرا معتقة وقليل هم من يعقلون او يفهمون .وقد نحتاج لسنوات قبل ان يدرك الجميع ماذا يعني وهم الربيع العربي .