http://blogs.ei.columbia.edu/2011/09...ows-evolution/
_ _ _ _
تعتبرُ حاسّة الشمّ واحدة من الحواس التي لازال يكتنفها الكثير من الغموض على الرغم من الدور المهمّ الذي يُعزى لها في تطوّر الفقاريّات، إذ إنْ سلوكيّات أساسيّة للبقاء مثل البحث عن الطعام، و التواصل، و استعادة الذاكرة، و كذلك التوالد، كلّها تعتمد على هذا العضو البارز في أوجهنا، و الذي غالبا ما نتجاهله.
كَمَثَلِ العيْنِ البشريّة في قدرتها على التعرّف على الأمواج الطوليّة للضوء، تقومُ المستقبلاتُ الحسّيّة المتموقعةُ في بقعة النسيجِ داخل التجويف الأنفيّ باستقبال الموادّ الكيميائيّة المُجوْقلةِ ليدركها الذهنُ على شكل روائح، فعلى الرّغم من أنّ العلماء لم يفهموا تمامًا طريقة عمل هذا العضو، إلّا أنّ الأدلّة ترجّح بأنّ شكل الأنف وحجمَه يحدّدان الطريقة التي يتعرّفُ بها الدماغ على هذه الرائحة.
بالنسبة للإنسان، تعتبرُ الروائحُ التي تقوم بإحياء ذكرياتٍ قديمةٍ، مرتبطةً بمركز الشعور لدى الإنسان، ما يجعل هذه الروائح ترتبط بمشاعر و ذكريات حادّة.
بعض الروائح مثيرة للاشمئزاز، مثل رائحة البيض الفاسد، بينما بعض الروائح الأخرى، مثل رائحة معطّر الجوّ المفضّل عندك، تعتبرُ روائح ذكيّةً، هذه الروائح تقوم بتحفيز دماغك على إطلاق ناقلات عصبيّة Neurotransmitters تقوم بإنتاج ردّةِ الفعلِ المناسبةِ تجاه هذه الروائح: النفور أم الاقتراب، فأنفُك يعرف أيّ نوع من ردّات الفعل يجب عليه أن يبدي، حتّى قبلَ أن تقرّر أنتَ كيف ستكون ردّة الفعل.
غير أنّ هذه الحاسّة تستطيع أن تحدّد شيئا آخر: الشريك الذي تكنّ له مشاعرك، إذْ أظهرت بعض الأدلّة، أنّ الرائحة الذكيّة النابعة من جسم الشريك، قد تكون دليلا على تنوّع الجهاز المناعيّ لدى هذا الشخص، فكلّما كانت رائحة شريكك أجملَ، كلّما كان جهازه المناعيّ أكثر تنوّعا.
غير أنّ أهمّيّة حاسّة الشمّ قد تكون أكثر بروزا في العالم الطبيعيّ، بين أقربائنا المتطوّرين.
فعلى الرغم من أنّ بعض الطيور تمتلك بصلة شمّيّة Olfactory bulbsصغيرةً نسبيّا، إلّا أن البعض الآخر من الطيور يعتمد على قدرة استثنائيّة على تحسّس الروائح، فالنسرُ الروميُّ Turkey vultureعلى سبيل المثال، يستطيع أن يميّز رائحة اللحم المتعفّن على بعد أميال في السماء، كما يستطيع طائر النوء ويلسونWelson’s petrelالتعرّف على رائحة العوالق، التي تشير إلى تواجد الأسماء بالقرب منها، أمّا طائر الكيوي النيوزيلنديّ New Zealand’s Kiwi فيستطيع أن يشمّ الحشرات القابعة على أوراق الأشجار، في حينّ أنّ طائر مرشد العسلِHoneyguie bird يستطيع بسهولة اكتشاف شمع العسل المخفيّ.
و على أيّة حالة، فحاسّة الشمّ عند الطيور، مثل كثير من الحيوانات الأخرى، هي حاسّة متعدّدة الوظائف.
قام باحثون من جامعة شيكاغوUniversity Of Chicago، و كذلك من مجمّع علمِ حيوان البطريقChicago Zoological Society Penguins، بنشرِ نتائجِ أبحاثٍ تفيدُ بأنّ حاسّة الشمّ تعتبرُ آليّةً ضروريّة للتعرّف على الأقارب عند بطاريق همبولتHumboldt Penguins،حينما تكون هذه البطاريق معرّضة لتمضيّة الوقت داخل مجموعة من الأسيجةِ المبطّنة بروائح مختلفة، تختار هذه البطاريقُ أن تقضي وقتًا أكثر بالقرب من الروائح المألوفة لديها، إذْ تُمكّنُها هذه القدرة على تمييز الأقارب عن طريق الرائحة من تجنّب التزاوج الداخليّ Inbreeding .
كان العلماءُ يعتقدون في الماضي بأنّ دور حاسّة الشمّ قد تراجع مع تطوير الطيورِ للقدرة على الإبصار و السمع، و لكن حينما قام العلماء بمقارنة البصلات الشمّيّة في أدمغة الديناصورات مع أدمغة الطيور الحديثة، اكتشفوا بأنّ القدرات الشمّيّة قد ازدادت مقارنة بالديناصورات.
كما يبدو أنّ الثديّات أيضًا قد قامت بتطوير أدمغة أكبر و أكثر تخصّصًا من أجل معالجة الروائح التي ساعدت بشكل أساسيّ في البحث عن الطعام خصوصا في الظلام، و حينما قام العلماء بمقارنة شكل الأدمغة لدى الثديّات مع الحيوانات اللاثديّةPre-mammals، لوحظَ بأنّ المناطق المسؤولة عن حاسّة الشمّ كانت أوّل المناطق التي تتطوّر.
و بعد مرور سنوات من الترقيع التطوّريّ المستمرّ، أصبح الأنفُ لدى الفقاريّات الأداة الأفضل للنجاة، فأنفُك يعرف ذلك، و أنت الآن أيضا تعرف.