حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
عدد الزوار


 

 الإجماع في الفكر الغربي الحديث

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حسين
فريــق العــمـل
فريــق العــمـل
حسين


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 473
معدل التفوق : 1303
السٌّمعَة : 20
تاريخ التسجيل : 18/12/2011

الإجماع في الفكر الغربي الحديث Empty
30032017
مُساهمةالإجماع في الفكر الغربي الحديث

الإجماع في الفكر الغربي الحديث 58bd98d84cc4e2071571294

يمكن أن نعِدّ أواخر القرن التاسع عشر تاريخ استهلال الدراسة النقدية للإجماع، باعتباره مصدرًا من مصادر التشريع الإسلامي، غير أن ذلك العمل كان من خارج البيئة الإسلامية؛ لأن من قام به هو أحد المستشرقين، وهو سنوك هيرغرونج (Snouck Hurgronge)[1].
وفي عقد الخمسينيات من هذا القرن، بدأت تظهر دراسات أكاديمية جامعية تتطرق إلى الإجماع، من ذلك: أطروحة وصفية للنظرية التقليدية للإجماع في الإسلام؛ خُصص الفصلان الأولان منها لحجية الإجماع من القرآن والسنة عند الأصوليين القدامى[2].
كما نشر كتاب نقدي مهم للباحث الباكستاني كمال فاروقي حول الإجماع وإغــلاق باب الاجتهاد، وقد قدّم فيه في الجزء الأول؛ الموقف التقليدي، وردّ عليه في الجزء الثاني[3]، ونشرت في هذا العقـد كتب استشراقية مهمّة تعرضت للإجماع ونقده[4].
وقد شهد عقد الستينيات ظهور عدد كثيف من الدراسات الخاصة بالإجماع، تتعلق بمفهومه، أو حجيته، أو وظيفته السياسية[5]، غير أن أهمها، هو؛ مقال مطوّل لجورج حوراني، حول حجية الإجماع في الإســلام السني[6]، وكتاب ثان لكمـال فاروقي، بعنوان: "التشريع الإسلامي"، جدّد فيه النظر في مسألة الإجماع من خلال نقد مفهوم عصمة الأمة[7].
وفـي السبعينيــات مـن هــذا القـرن، كانت البحوث المنشورة في موضوع الإجمـــاع كثيــــرة؛ ســـواء كانــت أطروحــات جامعيـة[8]، أو مقــالات[9]، أو فصولًا من كتب[10]. ونلاحــظ، بداية؛ الاهتمام بترجمــة فصول خاصة بالإجماع من مصادر أصولية قديمة.
أما الأطروحة الثانية المهمة في عقد السبعينيات؛ فهي للباحثة ماري بارناند (ت. 1995م)، وتشتمل على قسمين:
1) قسم ترجمت فيه إلى الفرنسية فصل الإجماع في كتاب "المعتمد في أصول الفقه" لأبي الحسين البصري (ص ص 11- 100).
2) قسم تحليل تاريخي؛ يشتمل على فصلين:
أ- فصل عام بعنوان: إجماع الأمة الإسلامية (ص ص 101- 125).
ب- فصل خاص بعنوان: الإجماع عند أبي الحسين البصري (ص ص 126- 137).
وبوصولنا إلى عقد الثمانينات، نلاحظ استمرار الدراسات الناقدة للإجماع، وقد اهتم بعضها بالتأصيل النظري لهذا المصدر التشريعي، في حين ركّز البعض الآخر على مسائل تطبيقية تتعلق بهذا الأصل.
ولعلّ أهم هذه الدراسات، في نظرنا، مقال الباحث (وائل بن حلاق) حول حجية الإجماع في الإسلام السني[11]، وهو يصرّح اعتزامه استكمال مساهمة مقال (جورج جوراني) المذكور آنفًا.
ونستخلص بعد العودة إلى الدراسات التي أحلنا إليها وغيرها؛ أن أهم المحاور التي شغلت الدارسين، هي؛ إشكالية التأسيس النظري لسلطة الإجماع، أولًا وأساسًا، والتي كان يعبّر عنها قديمًا بحجية الإجماع[12]، وإذا كانت ثلاثة مقالات فحسب موسومة بحجية الإجماع أو حججه[13]؛ فإن أغلب المقالات الأخرى توقفت عند المسألة.
أما المسألة الثانية التي تطرقت إليها هذه الدراسات بدرجات متفاوتة من العمق والشمول، فهي: الإجماع بين النظرية والتطبيق[14]، وكذلك، مواقف رواد الإصلاح من الإجماع، وتعريف الإجماع، وهل الإجماع إسلامي الأصل أم أجنبي؟
وقد تخبرنا بعض هذه المحاور عن عدم ظهور الكثير من المحاور الجديدة في عصرنا، إلاّ أن الأمر شكلي فحسب؛ لأن المقاربات والمناهج التي وقع النظر بها، إلى المحاور التي تحمل عناوين قديمة كـ (حجية الإجماع) اختلفت بشكل كبير عن مناهج القدامى.
I- تأسيس سلطة الإجماع:
تعتقد (ماري برناند) أن تبرير استخدام الإجماع دليلًا شرعيًّا، هو أول مشكل طرح نفسه على الأصولي[15]، وأنه مشكل نظري، إذا حُلّ، يترك مكانه لدراسة المشاكل الفنية التي تنجر عن تطبيق هذا المصدر الشرعي.
كما ترى أن نشأة فكرة الإجماع وصياغتها النظرية ضمن علم أصول الفقه في القرن الثاني للهجرة، طرح مسألة حجية هذا المفهوم، وأصبحت هذه الحجية تثير مناقشات مطولة في كتب الأصول، إثر إنكار الخوارج والنظّام اعتبار الإجماع حجة شرعية[16].
إلاّ أن أهمّ تأطير للمسألة، وجدناه في دراسة جورج حوراني حول "حجية الإجماع في الإسلام السني"؛ فهو ينطلق من وقوع تأكيد كبير على أهمية الإجماع إلى حد المبالغة عند بعض المستشرقين المعاصرين، منذ بحوث (سنوك هيرغرونج (Snouck Hurgronje، واعتبر أن السؤال الرئيس يتمثل في البحث عن الأساس الذي تستند إليه سلطة الإجماع.
ويشير حوراني إلى أنه يروم التطرق إلى المسألة في البداية، من زاوية التاريخ الفكري لبيان تطور الحجج في العصور المتعاقبة عند أبرز العلماء.
وبعد أكثر من عقدين على ظهور مقال حوراني، نشر مقال آخر له طابع نقدي حول نفس موضوع المقال السابق، وقد صرح صاحبه الباحث (حلاق): أنه يسعى إلى استكمال مساهمة حوراني، وقد انطلق هذا الباحث من النشأة التاريخية للإجماع، ليوضح أنه مع بروز المعارك السياسية والتطور اللاحق للحركة الدينية خلال القرن الثاني الهجري، اكتسب الإجماع طابعًا دينيًّا، وأصبح أكثر الملامح المذهبية التي يختص بها أهل السنة والجماعة عن غيرهم من المذاهب.
وبعد أن يتساءل الباحث عن الكيفية التي برّر بها الفقهاء المسلمون حجية الإجماع عبر القرون، وعن المشاكل التي اعترضت عملهم هذا، يقول إن أهم المساهمات المعاصرة في المسألة قام بها؛ (هيرغرونج Hurgronge)، و(كولسن Coulson)، وحوراني.
وقد سعى الدارسون في مقاربتهم مسألة تأسيس سلطة الإجماع، إلى تخليص دراستهم من الطابع العقائدي والافتخاري، الذي منع من النظر الموضوعي إلى مسألة حجية الإجماع؛ لذلك سعوا إلى توخي مقاربات تاريخية ذات أبعاد مقارنية نقدية، ولم يروموا بذلك نقد حجج الأصوليين القدامى فحسب؛ بل سعوا أيضًا إلى نقد التيار الاستشراقي الذي ضخم أهمية الإجماع.
غير أن هذه المقاربات النقدية، وإن اختلفت درجة العمق والشمول الذي بلغته، من دراسة إلى أخرى؛ فإن المنهج الثابت فيها كان التطرق إلى الحجج النقلية؛ لنقدها، ابتداءً بالقرآن، ووصولًا إلى الأحاديث، ومرورًا بالحجج العقلية.
لكن هذا النقد، كان يقع، غالبًا، من خلال التطرق إلى أعلام المنظومة الأصولية، واحدًا إثر آخر، وقد يصل التطرق إلى إسهام بعض المجددين المعاصرين في تجديد النظر في المسألة.
1) نقد المحدثين التأصيل القرآني للإجماع:
وجد الباحثون الغربيون المحدثون الأرضية ممهدة لتطوير الموقف النقدي لتأصيل الإجماع بالنصوص القرآنية؛ فبعضهم اعتبر أن هذه الآيات ليست سوى تبريرات حدثت في زمن متأخر، نتيجة بحث الأصوليين عن التأسيس الفقهي لما يتفق عليه المسلمون، كما أنها ليست حججًا مباشرة على شرعية الإجماع[17]، ونفى بعضهم الآخر، وجود نص قرآني واضح ودقيق حول الإجماع، باعتباره عملية حيّةً، وقرارًا يتخذ بعد نقاش أفراد الأمة ومداولاتهم، وحاول أن يبين أن الأصوليين يثبتون سلطة الإجماع المستندة إلى القرآن، بالاستعانة بمبدأ منطقي هو عدم التناقض؛ فهم يبحثون عن آيات تجعل قبول المفهوم وقبول سلطته، باعتباره مصدرًا للأحكام، أمرًا ممكنًا[18].
ومن جهة أخرى، توقف بعض المحدثين عند أول آية استخدمت لتأصيل الإجماع، وهي؛ الآية 115 من سورة النساء، وهم يقرّون أنها غير مذكورة في (رسالة) الشافعي (ت 204 هـ)، ولكن رواية اعتماده لهذه الآية تظهر في مصادر أخرى، وهذه الرواية تنصّ: أن الشافعي بقي ثلاثة أيام يبحث في القرآن عن آية، يمكن أن تصلح حجة تؤصل الإجماع، وهذه المدة التي قضاها هذا الفقيه في البحث، استنتج منها البعض؛ أن الشافعي لم يكن يعتقد أن هذه الآية حجة مهمة[19].
إلا أن بعضًا آخر من الباحثين، اعتبر أن بقاء الشافعي هذه المدة، لا يدل على أنه ظلّ يبحث عن الآية الأكثر دلالة؛ بل، أيضًا، على تردده قبل قبول الآية حجة[20].
وهكذا، يبدو مجهود تأسيس مشروعية الإجماع على القرآن غير مجد؛ لأنه لا يوجد في القرآن نص قطعي واحد يصلح لتأصيل الإجماع، وكل ما يوجد هو آيات، متفرقة وعامة، اعتمدها بعض الأصوليين وهمشها آخرون.
2) نقد المحدثين تأصيل الإجماع عن طريق الأحاديث:
تعددت في الفكر الغربي الحديث المواقف الناقدة لاستخدام الحديث مستندًا لتأصيل الإجماع، وكانت منطلقات هذه المواقف وغاياتها مختلفة؛ لذلك تنوعت مقاربات الدارسين.
قولد زيهر، مثلًا، في دراسته للسنة المحمدية؛ لاحظ أن الحديث الذي يؤسس الإجماع، وهو: {لا تجتمع أمتي على خطأ}، لم يذكر في صحيح البخاري ولا في صحيح مسلم، وذلك لأنه لم يكن يعدّ صحيحًا؛ بل يعدُّ حسنًا فحسب[21]، والجدير بالذكر؛ أن هذا المستشرق المجري، قام في كتابه حول السنة بالتشكيك في كامل مدونة الحديث، مطبّقًا عليها مناهج النقد التاريخي، لكي يصل إلى أن أغلب الأحاديث، ينبغي أن تكون قد ظهرت في آخر العصر الأموي وأوائل العصر العباسي[22].
ويعتبر حوراني أن السنة أقوى حجة تثبت الإجماع، وخاصة، الأحاديث التي تؤكد عصمة الأمة، ويرى أن هذه الأحاديث لم يقع الشك في تأويلها، وبقيت الأمور على حالها، وتركت كل التساؤلات حول حجية الإجماع حتى الأزمنة الحديثة، عندما برز التساؤل حول صحة الإجماع من جديد.
وهذا الرأي في نظرنا، ينبغي أن يراجع ويصحح في ضوء ما ظهر بعد هذه الدراسة، وخاصة، ما يتعلق باعتراض النظّام المعتزلي حول محتوى أشهر حديث يؤصل به الإجماع، بالقول: إنه من الممكن أن يتفق كل المسلمين على الخطأ[23].
وقد توقفت الباحثة (ماري برناند) عند مسألة تأصيل الإجماع بالحديث[24]، فنظرت، أولًا، في الحديث المشهور: {لا تجتمع أمتي على خطأ}، مشيرة إلى اعتراض النظّام عليه، إلاّ أنه عُدُّ من قبيل الشذوذ الذي يؤكد القاعدة[25]، وأبرزت أنه لم تقع مقاربة مسألة صحة هذا الحديث، إلاّ من أجل حلّها في اتجاه إيجابي، من ذلك؛ أنّ ابن حزم يعتبر أن هذا الحديث صحيح من ناحية معناه، مع أن صحة سنده وألفاظه غير متفق عليها[26].
إن الموقف السني ينص على قبول هذا الحديث، على غرار كل الأحاديث التي عبّرت عن الفكرة نفسها؛ لأن أغلبية المسلمين تلقوه بالقبول ودون تحفظ، وهكذا، ألا تفترض الحجة التقليدية التي تؤسس مشروعية الإجماع نوعًا من الإجماع السكوتي؟ وحينئذ، نجد أنفسنا إزاء حلقة مفرغة، هذا الاعتراض جوبهت به نظرية الإجماع، ووقع الرد عليه من بعض السنيين خلال عرضهم للمسلك الثالث في تأصيل الإجماع: العقل.
3) نقد المحدثين التأصيل العقلي للإجماع أو نقد مبدأ العصمة:
ركّزت أغلب الدراسات النقدية الحديثة للإجماع ومشروعيته على موقف المستشرق (سنوك هيرغرونج Snouck Hurgronje) (ت 1936م)، ووسمته بالتميز[27]، على الرغم من ردود الباحثين المسلمين التقليديين على أطروحاته[28].
لقد أكد هذا المستشرق، كثيرًا، على أهمية الإجماع، معتبرًا أنه أصل الأصول في المنظومة التشريعية الإسلامية، وأنه المسلّمة الأساسية في العقيدة والفقه الإسلاميين.
وذكر أن العلماء المسلمين اجتهدوا كثيرًا للبحث عن حجج تؤصل الإجماع، من القرآن والسنة، ولكن مع ذلك، لا ينفي أنهم كانوا يدورون في حلقة مفرغة؛ فالأمة المعصومة وحدها يمكن أن تفسر القرآن والسنة بدقة، إذن، فمن غير المجدي على الإطلاق الزعم بتأسيس عصمة الأمة، عن طريق حجج من القرآن أو السنة؛ فالإجماع له، مع ذلك، براهينه المقنعة[29].
وبإيجاز، يبدو أن ما يقرره هذا المستشرق في نهاية التحليل؛ هو أن الإجماع يمثل السلطة الأخيرة في تأويل القرآن والسنة، وفهمهما، وتأصيلهما، وأن قاعدة أصول الإسلام؛ هي عصمة الأمة الذاتية، وعصمة الأمة في نظره هي الأساس الماورائي للفقه الإسلامي[30].
والنتيجة التي يصل إليها؛ أن الإجماع يقوم على الدور، وقد تبنى المستشرقان (شخت وكولسون) رأيًا مشابهًا لهذا[31].
وقد انتقدت أطروحات هذا المستشرق، خاصة من خلال مقال جورج حوراني حول حجية الإجماع، وقد انتقد حوراني المستشرق من خلال الاعتماد على العلماء القدامى، وتقرير أنهم وجدوا مخرجًا لمأزق الدور والتسلسل، أو الحلقة المفرغة.
وانتقد حوراني اعتقاد (سنوك) أن كل تأويل للنصوص الإسلامية وقع تثبيته عن طريق الإجماع، وهو ما ينجر عنه تجميد حركة المسلم في العهود المتأخرة، ويعتبر حوراني أن هذا لم يكن صحيحًا أبدًا، حتى في أكثر الفترات محافظة.
ومهما تكن أهمية الإجماع في المنظومة التقليدية؛ فإن تصور (سنوك) له، باعتباره الأساس النظري للمنظومة، جرّه إلى صعوبات كلامية وفلسفية، وإن كان هذا التصور لا يسمح إلاّ باختيارين؛ فكلاهما لا يمكن الدفاع عنه[32].
ومن جهة أخرى؛ انتقد (كميل منصور) موقف (سنوك)، ونقف في انتقاده عند نقطتين:
أوّلًا: يمكن تفسير موقف (سنوك) بخلطه أو عدم تمييزه بين فكرتين: الإجماع المجرد؛ باعتباره مفهومًا أصوليًّا، والإجماع؛ باعتباره حدثًا ونتيجةً (إجماع حول أ، حول ب، حول ج...).
ثانيًا: عندما يقرر (سنوك): "أن الإجماع؛ هو المسلمة الرئيسية في العقيدة والفقه الإسلامي"، فعن أي شيء يتحدث؟ هل عن مجموع الإجماعات التي وقعت في الإسلام؟ أم عن النظرية العامة للإجماع؟
وينجرّ عن هذا الخلط، حسب الباحث، أنه: يمكّن من الإدانة اليسيرة جدًّا لمسألة الدور، وإخفاء حقيقة أن العلماء المسلمين أدانوها بشكل أقوى أيضًا.
وإذا كان العلماء المسلمون ينقدون الدور لإثبات سيادة النصوص المقدسة؛ فإن سنوك وكثيرًا من المستشرقين، يفعلون ذلك ليثبتوا سيادة الإجماع، وتضخيم أهميته، والتقليل من مجهود العلماء المسلمين في تحقيق التجانس والانسجام في منظومتهم[33]. وإلى جانب الاهتمام بموقف سنوك، توقفت الدراسات الحديثة لتنقد مبدأ العصمة المطلقة للأمة، والذي أقرّ على أساس الأحاديث التي يؤصل بها السنيون الإجماع؛ فقد اعتبر البعض أن مبدأ العصمة كرسته نظرية الإجماع، على الرغم من أن آيات عدة تعارضه[34]، وقد أبرز بعض المحدثين أن مفهوم العصمة برز باعتباره حاجة حيوية لإيجاد الثقة في سلطة ما.
وقد توقف بعض المحدثين عند الاعتراض القديم، الذي ينسب إلى إبراهيم النظام إزاء نظرية العصمة؛ فهذا العالم الاعتزالي ومن اتبعه في نفي حجية الإجماع، يرون أن: (العقول لا تدل على كون الإجماع حجة، وليس يمنع، في مقدور الله، أن تجتمع أقوام لا يعصم أحدهم عن الخطأ على نقيض الصواب)[35]، وهذا الاعتراض شغل السنيين مثل هاجس، ولكنه غالبًا ما يتجاوز ويطمس[36] .
II- موقف إنكار حجية الإجماع لدى الباحثين الغربيين:
في سنة 1970م نشرت الباحثة (ماري برناند) أطروحتها حول الإجماع، والتي تتكون من: قسم أول؛ ترجمت فيه باب الإجماع في كتاب "المعتمد في أصول الفقه" لأبي الحسين البصري المعتزلي. والواقع أن هذه الترجمة، قد أنجزت بين سنتي (1963م - 1964م) بطلب من أستاذها (روبار برونشفيك)[37].
وهذا يعني؛ أنها، منذ ذلك الوقت وحتى عقد التسعينات، ظلت منشغلة بعلم أصول الفقه ومسائله[38].
ويمكن أن ندرج هذه الباحثة ضمن منكري مشروعية الإجماع، وإن لم تقل ذلك صراحة، في حدود ما اطلعنا عليه، وما يبرر موقفنا هذا؛ انشغالها بالموقف الاعتزالي من الإجماع، لدى القاضي عبد الجبار وتلميذه أبي الحسين البصري، وإعجابها بموقف النظام، الذي عدّ أول العلماء المسلمين الذين أنكروا حجية الإجماع؛ ولذلك نراها تصرّح بأسفها الشديد على ضياع مؤلفات هذا العالم الاعتزالي[39]، ولا يكاد يخلو مقال من مقالاتها من تكرار هذا الموقف، وإبراز الهاجس الذي مثله لدى العلماء السنيين.
إضافة إلى ذلك؛ فقد سعت في مقاربتها لخطاب القاضي عبد الجبار حول الإجماع، إلى إبراز المسكوت عنه، من خلال وصل الخطاب بالواقع التاريخي الذي نشأ فيه، وعلى هذا الأساس، تبرّر سكوت القاضي عن اعتراض النظام باعتماده التقية؛ لأّن الظرف التاريخي كان يتّسم بالقمع السني.
ولعلّ أهم مبررات موقفنا؛ نقد هذه الباحثة الحجج المشرّعة للإجماع، من النقل أو العقل، وواضح مع ذلك؛ أنها ترفض نظرية الإجماع التقليدية التي لا تصمد أمام المقاربة التاريخية، وتميل في المقابل إلى المقاربة الحديثة، وخاصة، من خلال مساهمة كمال فاروقي؛ فقد أثنت على مواقفه، واعتبرتها أكثر تفتحًا وعقلانية من مقاربات بعض الدارسين التقليديين، مثل عبد الوهاب حلاف[40].
ومع ذلك، يمكن أن نلاحظ؛ أن مقالات هذه الباحثة، وإن تحلت بالموضوعية؛ فإنه يغلب عليها الوصف والعرض لآراء الأصوليين القدامى. والمجهود النقدي لها، وإن كان حاضرًا؛ فهو قليل، ولعل ما يفسر ذلك: سعيها، أولًا وأساسًا، إلى تعريف القارئ الفرنسي بعلم أصول الفقه وإشكالياته.
وضمن المواقف الناقدة والمنكرة لشرعية الإجماع وفاعليته في العصر الحديث، نجد: "كارل كالار"[41]؛ فقد أوضح مشاكل التأسيس النظري للإجماع وتطبيقه، وبيّن أن عصمة الإجماع مبدأ خادع، ومع ذلك، فإنه يسيطر على كل المنظومة الفقهية الإسلامية[42]، ويشكّ في أن الإسلام، باعتباره دينًا كبيرًا، مثل؛ المسيحية والبوذية، في حاجة إلى إجماع.
III- الإشكاليات التطبيقية للإجماع:
نشير في البدء إلى أن القضايا التطبيقية الخاصة بالإجماع، لم تثر كثيرًا من البحوث والدراسات العصرية، على غرار ما شاهدنا بالنسبة إلى مسألة التأسيس النظري للإجماع[43]، ولكن ذلك، لا يعني التهميش التام للمسألة؛ فالكثير من الباحثين تطرقوا إليها ضمن دراساتهم، وبدرجات مختلفة من العمق والشمول والموضوعية، ولعل ذلك يعزى، بالأساس، إلى إدراك المحدثين تعقد الإجماع في مستواه التطبيقي، والذي كان موضوع تأويلات متنوعة جدًّا[44].
وهكذا، يمكن أن نقرّ من الآن؛ أن محاولة إنزال مبدأ الإجماع من حيز النظرية، إلى أرض الواقع، قد أثار مشاكل متنوعة يصعب حصرها، ولعل أهمها تحديد المشاركين في الإجماع؛ فمن هم الأفراد المؤهلون لعقد الإجماع؟ هل هم أفراد الأمة جميعًا، أم هم العلماء والفقهاء فحسب؟ هل للعامة (الشعب الآن) حق المشاركة في الإجماع؟ هل يحق (لأهل البدعة)، أو المبتدعة، أو أهل الأهواء، (وهي تسميات يطلقها السنيون على أتباع المذاهب الإسلامية غير السنية؛ كالخوارج، والشيعة، والمعتزلة) أن يكونوا طرفًا من أطراف الإجماع؟ ما هي الشروط المطلوبة في العلماء؟ وما هي السلطة التي تعلن أنهم أكفاء للمشاركة في الإجماع؟
وقد اتجه بعض الناقدين المعاصرين، إلى القول: باستحالة تطبيق مفهوم إجماع العلماء، بسبب امتداد هذه الديانة على مناطق متباعدة من العالم، وفضلًا عن ذلك؛ فإن اجتماعات من هذا النوع، يمكن أن تضاعف الخلافات الموجودة، بدل أن تؤدي إلى تحقيق الإجماع[45].
وعلى هذا الأساس، رأى بعض الباحثين: أن هيمنة الحكام على حقل السياسة من جهة، وهيمنة العلماء على حقل الدين من جهة أخرى، شلّ إرادة الشعب في الأمة الإسلامية، وهكذا وصل الإجماع إلى الجمود[46].
في المجال النظري، لم يقَصّر القدامى في وضع قائمة شروط مطولة لتحديد هوية المجتهد، ولكن، عمليًّا؛ فإن تلبية هذه الشروط، كان محدود الأهمية؛ لأنه لم يقع، أبدًا، اختيار عملي لها، خاصة في غياب سلطة مراقبة مقننة ومؤسسة، لذلك؛ فإن هذه الشروط تتسم بطابعها النظري، كما أنها قائمة من المعارف متّسعة جدًّا، لم يستوعبها أبدًا عقل بشري[47].
إن هذا التضييق، لا يستنتج من الشروط الموضوعة لتحديد المجتهدين فحسب؛ وإنما نستطيع أن نلمسه، أيضًا، من تضييق مجالات إسهام العلماء في انعقـاد الإجماع[48].
تطرق الدارسون المعاصرون للإجماع إلى مشكل تطبيقي آخر، يتمثل في طبيعة الإجماع؛ فحتى ينعقد الإجماع، ينبغي أن يتأسس على قول، أو على فعل، وأن يكون كل المجتهدين قد استشيروا، وأن يعبروا جميعًا عن آرائهم، لكن الإشكال أن النظرية السنية حول الإجماع، لا تقدم آلية، ولا تقترح مجلسًا أو تنظيمًا محددًا، يسمح للمجتهدين بالإجماع، أو على الأقل يضطلع باستقبال كل الآراء، ويعد طابع عدم تنظيم الإجماع، وغياب سلطة ترعاه، من أهم الأفكار التي انتقدت الإجماع في مستواه التطبيقي[49].
وتثير طبيعة الإجماع مشكلًا آخر: هل الإجماع السكوتي شرعي؟ وهل المجتهد الذي لزم موقف الصمت مشارك في الإجماع ومؤيد له أم لا؟
يثير الباحثون المحدثون، هنا، من جديد الموقف الحنفي، الذي منح الدعم القوي لمفهوم الإجماع السكوتي، وقد استعادوا الاعتراض القديم على هذا النوع من أنواع الإجماع؛ وهو أن السكوت قد يكون وليد التقية والخوف، ويقع الاحتجاج، في هذا السياق، على ابن عباس؛ الذي لم يتجرأ في حياة عمر على معارضته فيما ذهب إليه في مسألة من مسائل الميراث (العول)[50].
وقد ركز بعض الباحثين الغربيين، على أن الإجماع يمكن أن ينظر إليه في عصرنا، باعتباره متطابقًا مع الرأي العام، وعلى هذا الأساس، نظروا في بعض المسائل الدنيوية التي كان للرأي العام فيها موقف محدد، من ذلك؛ وقوع حادث مشهور في القرن السابع عشر للميلاد، برهن على وهن إجماع الفقهاء أمام ضغط الرأي العام، حتى ولو استند هذا الإجماع إلى السلطة الزمنية.
فحين بدأت عادة احتساء القهوة تشيع في بلاد الشرق، أصدر الفقهاء فتاويهم في شبه إجماع على أن احتساء القهوة محرم، ويعاقب شاربها، كما يعاقب شارب الخمر، وقد نفذ حكم الإعدام ضد بعض الذين أقدموا على عصيان هذا الأمر، ولكن إرادة المجموعة هي التي انتصرت، وأصبح علماء الدين أنفسهم يحتسون القهوة[51].
واستيحاءً لنفس هذا التصور، اعتبر بعض الباحثين أن إصلاح مجلة الأحوال الشخصية في تونس بين سنتي 1956م- 1957م، قد حظي بإجماع الأمة؛ أي الشعب التونسي، لأنه أمر دنيوي[52]، ولكن حين تعلق الأمر بتغيير يمس أمرًا دينيًّا، لم يوافق الرأي العام، وهكذا، لم يحدث الإجماع[53].
وإذن؛ فإن هذا التيار من الباحثين، يرون إمكانية قيام إجماع معاصر، يفرض نفسه داخل الأطر الوطنية، وأن هذا الإجماع المحلي يهيئ لإجماع عام[54].
لكن في مقابل هذه الرؤية، نجد بعض الباحثين ينطلقون من المشاكل التطبيقية التي يثيرها مبدأ الإجماع؛ ليبرزوا أن الاختلاف والتردد من أهم خصائص أجوبة الأصوليين على هذه المشاكل، وهذا التيار يرى أن الإجماع انعقاده مستحيل، وهي نتيجة تستخلص من ملاحظة الإسلام في مستواه التطبيقي الواقعي؛ فالإسلام، في نظرهم، ليس القرآن وسنة النبي وفكر الفقهاء والمتكلمين فحسب؛ بل هو، أيضًا، الواقع والناس؛ أشواقهم، ومعاناتهم، وأفراحهم، وأعيادهم، وطقوسهم.
إن إلقاء نظرة على هذا الواقع، يستخلص منه تنوع عظيم، يجعل إمكانية انعقاد الإجماع أمرًا مستحيلًا[55].
ويبدو أن هذا الموقف متأثرٌ بنتائج بعض البحوث الأنثروبولوجية حول الإسلام، من ذلك؛ تجربة عالم الأنثروبولوجيا ميكائيل قيلسنان (Michael Gilsenan)؛ فقد أخذ باكتشاف الإسلام بدراسته على عين المكان في اليمن، ومصر، ولبنان، ثم درسه عن طريق التاريخ وتقارير الأنثروبولوجيين الآخرين، وقال في النهاية: إنه يشعر أنه في متاهة أو في حديقة برية، ويسير دون هدف، ودون إدراك غاية ما، وإن عظمة الإسلام غير قابلة للإدراك[56]. إضافة إلى ذلك، يلاحظ تعايش مذاهب إسلامية متنوعة في صلب الأمة، من أهل سنة وشيعة وغيرهم، واختلاف الممارسة الدينية، والمواقف الدينية الأساسية داخل هذه المذاهب ذاتها، ووجود هوة بين تصوّر الإسلام عند الفقهاء، وتصور الصوفية له، وتعدد الأنظمة السياسية الإسلامية، وتنوعها، وتطبيق الشريعة الإسلامية قد يلغي، بفعل أهمية العادات والأعراف المحلية، (من ذلك؛ أن القوانين القرآنية الخاصة بالميراث لا تطبق في أندونيسيا بسبب سلطة العادات)، ويستنتج من كل هذا: غياب إجماع نظري في مستوى رسمي، ونقص ظاهر في الوحدة، ووجود تناقضات تميز البنية الداخلية للإسلام.
إذن، نستنتج أن: الباحثين المعاصرين تطرقوا إلى المشاكل التطبيقية التي يثيرها مبدأ الإجماع من خلفيات ومنطلقات متنوعة، ومتباينة أحيانًا، وهم على اختلاف مشاربهم يدركون أن النظر في الإجماع لدى الأصوليين القدامى، لم يؤد إلى تقديم مقترحات عملية، ولذلك؛ رأى بعض الباحثين أن النظرية التقليدية تقبل مبدأ الإجماع نظريًّا، ولكنها تحدّ من إمكانية تطبيقه عن طريق وضع شروط لا يمكن تحقيقها، وعلى هذا الأساس، اعتبر البعض أن الإجماع دون تطبيق ليس له إلا وجود رمزي[57].
نستخلص في خاتمة هذا البحث: أنّ الجانب الأساسي الغائب من الدراسات الحديثة حول الإجماع، هو: صلته بالواقع التاريخي؛ ما هي الظروف التاريخية التي نشأ فيها؟ ما هي وظيفته السياسية[58]، وما هو تأثير الخلفيات المذهبية والإيديولوجية للأصوليين في تنظيرهم لمسائل الإجماع؟ ثم ما هي نقاط الالتقاء والافتراق بين تصورات الإجماع لدى كل من السنة والشيعة والخوارج؟ متمثلين بالإباضية خاصة؛ لأن كتبهم موجودة عكس بقية فرق الخوارج[59].
ومهما يكن من أمر؛ فإنّ المواقف الناقدة للإجماع في العصر الحديث، تخبر عن مراجعة جذرية لهذا الأصل التشريعي عند فريق من العلماء، تحت تأثير القيم الحديثة، وتطور المنظومة الحقوقية والقانونية في العصر الحديث.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

الإجماع في الفكر الغربي الحديث :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

الإجماع في الفكر الغربي الحديث

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
»  تحيز النقد العربي الحديث إلى النقد الغربي علي صديقي
» التفكير العلمي في الفكر العربي الحديث: بدايات ومآلاتبقلم: عبد الرزاق عيد
» أسباب إخفاق التفكير العلمي في الفكر العربي الحديث بقلم: عبد الرزاق عيد
» التفكير العلمي في الفكر العربي الحديث: تدريس العلوم في الأزهر / رفض الرياضيات والمنطق بقلم: عبد الرزاق عيد
»  هل هو "الربيع العربى" بالمعنى الغربي حقا..؟

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا :: الحــــــــــــــــــداثـــة-
انتقل الى: