حسين فريــق العــمـل
الجنس : عدد المساهمات : 473 معدل التفوق : 1303 السٌّمعَة : 20 تاريخ التسجيل : 18/12/2011
| | لماذا يجب أن يكون هناك إله | |
واحدة من الصفات التي يتميز بها الله هي صفة الصمت . نزل قرآن من السماوات العليا في شخص لأنه قال لمحمد : "تبت يداك يا محمد" , ونزل قرآن من السماوات العليا في شخص عير محمد بالأبتر . لن لم ينزل قرآن فيمن قال" مات الاله" , لم ينزل فيمن قال "الانسان أصله قرد" , لم ينزل في خضم النقاش العلمي حول نشأة الكون , و حول وجود حياة على كواكب أخرى , و حول وجود كائنات فضائية ...ربما يرى الله أن أبا لهب والنضر بن الحارث كانوا أحق بأن يرد عليهم من نيتشه و ستيفن هوجينغ وداروين وكبار الفلاسفة الملحدين ... لم ينزل قرآن في هتلر وعقب الحربين العالميتين ... كنا نحب أن يرسل لنا الله تعليقا ولو صغيرا يعني ليس بالضرورة كتابا مقدسا جديدا ...فقط كلمتين أو ثلاثة حول ما وقع في عالمه هذا ...لم ينطق ببنت شفة ! نريد رأي الله في المسائل الفلسفية والعلمية المستجدة التي وقعت طيلة 1400 سنة ! كان القرآن في عهد النبي مسايرا للصغيرة والكبيرة . كان الناس يتكلمون والقرآن يرد ... ثم فجأة انقطع الخط . تكلموا بقدر ما تشاؤون , سبوه , العنوه ,اسخروا منه ,احتجوا عليه , تمردوا عليه , لن يواجهكم الا بالصمت (حاليا على الأقل , في السابق كان يرد بالخسف و طير الأبابيل لكنه غير من منهجيته بعد موت محمد , بل قبل ذلك بكثير) . واذا نطق ردا على تلك الأصوات ففي أغلب الأحوال ليعلمهم أن موعدهم قريب , وبأن لهم أجلا لن يخلفوه . ليس هو ممن يطيل المحاجة والنقاش والجدال . انه اله مقتصد في أقواله , اله أفعال وليس اله أقوال . التلهف الذي يلتهم المسلم وهو مقبل على قراءة رد لله على شبهة للمشركين في القرآن , ما هو في الأخير سوى تعطش للردود الالهية القليلة والنادرة, والتي لا تتسم بالوضوح الا ناذرا. وهنا بالضبط يأتي دور رجال الدين , خدام الله الأوفياء الذين وكلهم عنه ,و الذين سيأخذون على عاتقهم مهمة تضخيم ذلك القليل الغامض من الردود الالهية لتصطبغ بصبغة "الردود الشافية الوافية ,القاطعة والمانعة ,الظاهرة والساطعة " .بالله عليكم , أي سطوع ذاك ؟ أرد مثل " قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ,ان تتبعون الا الظن وان أنتم الا تخرصون " أو مثل " كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم " أو مثل "قل فلو شاء لهداكم أجمعين " من الردود الساطعة الشافية ؟؟ ان من يقرأ مثل هذه الفقرات في القرآن , أقصد تلك التي تتضمن حوارات بين المشركين والله , سيكتشف رويدا رويدا أن أسئلة المشركين كانت أسئلة عظيمة , ترفع التحدي في وجه الاله , أسئلة مشوقة وحماسية للقارئ , لكن الردود الالهية قلما كانت تصل الى المستوى المطلوب: انها ردود "مخيبة للآمال" بحق. تسلسل الأحداث الراهنة وما يقع الآن لا يهم الله أبدا , ما يهمه هو النتيجة النهائية , العاقبة التي سيؤول اليها كل هذا ... الخاتمة . ولذلك فانه يواجه ب"معطيات " من المستقبل كل من يستدل بمعطيات من الحاضر أو من الماضي . على سبيل المثال , عندما يقدم المشركون الواقع الحاضر والماضي الذي لا يوحي بأية ساعة أو فناء كوني , يقدم الاله مقابل هذا المعطى وعدا مستقبليا بالساعة . ومن الطبيعي أن يقدم دليلا على الساعة من المستقبل في غياب أي دليل عليها من الحاضر أو الماضي . لله مستقبله وللناس حاضرهم وماضيهم , و مستقبل الله ذاك غالبا ما يقدم كزمن سبق وأن أخبر الناس به وأنكروه فوقع . وانكارهم ذاك مبني و معلل , وهو بعيد كل البعد عن أن يكون مكابرة و تعنتا . انه مبني على الحاضر وعلى الماضي (وهل من شيء آخر يبنون عليه حكمهم على المستقبل) . فالمشركون ينكرون وحدانية الله في ظل ماض كله شرك وحاضر لا يختلف عن ذلك . وينكرون البعث من القبور لأنه ما من أحد تأتى له ذلك يوما في التاريخ . وينكرون اليوم الآخر , يوم الحساب , وانكارهم ذاك تحصيل حاصل ونتيجة للإنكار السابق.
حقا انها الكوميديا الالهية تلك التي ترسم ملامحها على شفاه رجال الدين الأوفياء . و شأنها شأن كل كوميديا , فانها تضحك . لكنها في نفس الوقت تبكي . تغلغل الله في صدور فئة عريضة من الناس الى درجة صار شغلهم الشاغل الدفاع عن رايته ومعسكره . الغريب في الأمر أن المتأمل في هذه الكوميديا لن يجد فيها سوى رجال الدين على الخشبة , يعارك بعضهم بعضا تارة , ويرفعون التحدي تارة أخرى ضد خصوم خارجيين . ليس لله حضور فيها : ان الهنا غائب عن الساحة منذ مدة طويلة , ولم يشرفنا يوما بحضوره . هذا أمر طبيعي , ذلك أن الله ليس من الشخصيات التي تلعب طور الاستهلال أو تسلسل الأحداث أو العقدة . وكما هو الشأن بالنسبة للمسرح القديم الذي" يصعد فيه الاله من الآلة " في نهاية المسرحية ليحل العقدة , فان الهنا "سينزل من الآلة" في نهاية المسرحية يوم القيامة ليحل العقدة و"يحكم بين الناس فيما كانوا فيه يختلفون".
يتبع ...
| | | |
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ ساحر القرن الأخير على المشاركة المفيدة: | كولمبو |
يوم أمس, 07:31 PM | رقم الموضوع : [26] | ساحر القرن الأخير زائر
|
[size] [size=32]الجزء 16 :[/size]
[/size]أطلب من الله أن يجلس مستقيما في مكانه ... ويضم يدا الى يد ...ويكف عن الكلام مع الملائكة حملة العرش ...وليفتح جيدا أذنيه ...لأن هذا الدرس موجه اليه بالخصوص...وعنوانه : "كيف ينبغي أن يكون العقاب ؟" [size]
الانسانية ...هذه الصفة الجميلة التي ابتكرها البشر وجعلوها خاصية تعريفية لهم , مع أنها لم تتوفر فيهم يوما بشكل واضح ونهائي .. ماذا تعني يا ترى ؟ سيفهمها كثيرون على أنها ضرب من ضروب الرحمة والشفقة , أو المحبة , أو الاحسان...لكنها في نظري أعمق من ذلك بكثير... انها تعبير عن كبرياء انساني , عن غرور انساني , عن مشترك انساني نأبى الا أن نراه في الأعالي . حيثما عومل الانسان دون تلك الصورة , حيثما احتقر الانسان وأهين , ستصرخ في داخلي الانسانية احتجاجا . لأننا انسانيون لا نعذب المجرم ... لا نسعى الى اهانته و جعله ينظر الى نفسه كحشرة حقيرة , لكن في نفس الوقت -ولأننا انسانيون مرة أخرى- لا نتركه بلا عقاب ... كيف ؟ لا بد من العقاب , لأن المجرم انسان . وبهذا سيكون العقاب هو الضامن لبقاء المجرم في دائرة الانسانية . ان الحيوان لا يعاقب على أفعاله السيئة , وفي هذا رد على أولئك الذين ينعتون المجرمين بالحيوانات والوحوش الضارية , دون أن يدركوا أنهم في الحقيقة يخلصونهم من أية مسؤولية تستوجب العقاب . فما الذي أضافه هذا التفهم يا ترى الى سلوكنا تجاه المجرم , اذا كنا في الأخير سنحمله مسؤولية فعله ونقوده الى العقاب ؟ لقد أزاح ذلك الاشمئزاز و التحقير و الكره الذي ننظر به اليه .هذا من جهة , ومن جهة ثانية , لن نختار لعقابه طرقا تجد أصلها في ذلك الحقد وفي ذلك الاشمئزاز . بعد أن كان المجرم يقاد الى العقاب بعبوس و تكشير على الأسنان , سنقوده الى العقاب وعلى محيانا ابتسامة.سبق لنيتشه أن طالب القضاة في هذا الصدد بإصدار أحكامهم ضد المجرم بعيدا عن كل رغبة انتقامية . ان العقاب الانساني ينبغي له أن يحفظ كرامة الانسان أولا وأخيرا , وأن يخلو من كل رغبة انتقامية . العقاب ليس لتفادي اعادة الجريمة من طرف المجرم , و ليس لردع الآخرين لكي لا يقترفوا نفس الفعل. انه عقاب تمليه الضرورة الانسانية كما بينا أعلاه . العقاب الذي سنفرضه عليه لن يكون الا نتيجة لكونه انسانا يعرف القانون , يعرف شروط الوضع البشري وما يستلزمه من قواعد والتزامات . "لست في الغابة" , بهذا ,وبهذا فقط ,سيعاقب المجرم . واذا أمعنا النظر في العبارة السابقة لن نجدها سوى مطابقة للعبارة التالية : " أنت انسان " . العقاب هنا يأخد منحى آخر, مخالف تماما للعقاب السائد ,ذلك أنه يضطلع بوظيفة حيوية ليست بأي حال هي وظيفة الردع , وانما هي : تذكير المجرم بوضعه البشري , اعادته الى فضاء الانسانية , احتضانه . هذا هو العقاب الانساني , وغيابه أو تعطيله يعني دخول المجرم الى فضاء الغاب . ان العقاب الانساني عقاب احتضاني , خلافا للعقاب السائد الذي هو عقاب انتقامي بامتياز . لكل انسان شرف عظيم يتمثل في انتمائه الى ما نسميه بالإنسانية , و العقاب هو بمثابة الحامي لذلك الشرف عند كل انسان ارتكب خطأ يجز به في عالم الغاب . هكذا ينبغي أن ينظر الى العقاب ... انتهى الدرس
يتبع ....
[/size] | | | |
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ ساحر القرن الأخير على المشاركة المفيدة: | كولمبو |
اليوم, 06:35 PM | رقم الموضوع : [27] | ساحر القرن الأخير زائر
|
[size] [size=32]الجزء 17 (ما قبل الأخير) :[/size]
يقول الفيلسوف لوكريس : "الآلهة تنعم في سعادة أبدية , لا تهتم لمشاكلنا ولا لحروبنا و لا لأمراضنا... بل انها ليست هي من خلقت هذا العالم وليست هي من تسهر على ضبط قوانينه الكونية ". ومن الطبيعي , بعد أن يسمع أحدنا هذا الكلام , أن يتساءل : " ماذا تفعل آلهة لوكريس هذه اذن ؟ وما محلها من الاعراب في هذا الوجود ؟" . سيجيبك الحكيم بأن لها" شؤونها الخاصة " كما لنا نحن شؤوننا الخاصة . واذا دخلت في علاقة مع البشر , فلتلهم أحدهم مثلا لينظم شعرا , كما حصل مع لوكريس نفسه الذي اعترف لنا بأن كتابته لقصيدته الشعرية الفلسفية المشهورة "عن الطبيعة" كانت بالهام من الهة الحب الاغريقية : أفروديت . لقد كان كل عمل لوكريس , وقبله عمل أبيقور, يهدف الى تخليص البشر من الخوف الذي سكن قلوبهم بخصوص الحياة بعد الموت , بخصوص الجحيم (كان يسمى عندهم بالعالم السفلي أو التارتار), بخصوص تربص الآلهة بالبشر في هذه الحياة و تسليطها البلايا عليهم . لقد جرد الآلهة من كل سلطاتها محاولا انقاذ البشر من كوابيسهم ليعيشوا حياة مطمئنة سعيدة تشبه تلك التي تعيشها الآلهة الى حد ما , مع فارق واحد يتمثل في كون حياة البشر حياة منتهية بينما حياة الآلهة أبدية . لقد أنقد البشر من الآلهة, لكنه أيضا أنقذ الآلهة أيضا , أجل ... فكما بين هو نفسه في بداية قصيدته "عن الطبيعة" , بفلسفته الطبيعية المستمدة من فلسفة أبيقور , تجنب الكفر بالآلهة والالحاد. اننا في أشد الحاجة الى شخص مثل لوكريس في زمن ساد فيه علينا اله جمع كل السلطات في يده , بل و زاد عليها سلطة عظيمة لم تكن موجودة حتى عند أكبر آلهة الاغريق ألا وهي سلطة القدر . أمدنا الاله الجديد بكوابيس تؤرق حياة الكثيرين , كوابيس جهنم و تبديل الجلود وصرير الأسنان و عذاب القبر ...فأين أنت يا لوكريس ؟ اذا أردنا أن نلخص عمل لوكريس في جملة واحدة فلن تكون الا هذه : " لا داعي لأن تفزعنا الآلهة بعد الآن ". ---------------------------------------------------------------------- مات الله مند زمن طويل , مع مختلف تيارات التمرد التي عرفتها أواخر الحقبة الحديثة و المعاصرة , لكنه ما يزال"حيا في قلوب الملايين" . ولا نرى قربا لموته هناك . اماتة الله في القلب لا يمكن لأحد القيام بها عوضا عن الآخر . الشخص المعني وحده هو القادر على ذلك . انها مسألة ايمانية يبقى فيها الحسم لصاحب السفينة . ذلك أنه لا يكفي أن تسرد أمامه الحجج والبراهين على أن الهه ميت منذ زمن طويل . لا بد وأن يقوم هو بخطوة . ان الله ليس من نوع تلك المقولات الرياضية الخاطئة التي يكفي أمامها البرهان المنطقي لتحطيمها , أو تلك المقولات التجريبية التي تستطيع التجربة تبيان زيفها . انه في قلوب الأتباع مصان من كل امكانية للتخطيء ,يتمتع بحصانة أبدية . حتى بعد تواتر الأدلة والحجج ضده, لن يزيد ذلك من شيء أو ينقص بالنسبة للأتباع. أليس هذا هو الوفاء بحق ؟ أن تتمسك به بعد انهيار كل شيء ؟ بغض النظر عن الزمان والمكان و عن مجريات الأحداث و نتائج الأمور ؟ أليس الوفاء أن تقف مع هذا الاله في السراء والضراء ؟ الأتباع الأوفياء عاهدوا الله عهدا أبديا , لا امكانية لاخلافه . يقطع الله العهود , والمتعاهدان , الله وعبده , يرعيان هذه الشراكة الى الأبد . وبندها الأول : " مهما تبينت لك الأمور ملتبسة بخصوص الاله , و أيا تكن الظنون التي تنتابك بخصوصه , تمسك به , ولا ترتب أبدا " . ان هذا النوع من الضرورات التي نقيد بها أنفسنا تثير الضحك حقا . لقد كنت مرة , في ذروة الايمان , أتصور امكانية أن يحصل أي أمر , الا الالحاد بإلهي العزيز , فقد كنت أقول في نفسي بخصوصه : " يقطع رأسي , بل أفنى قبل أن يحصل ذلك , لا أستطيع العيش بدونك يا الله ".لقد كانت مسألة الله (وجوده , نزاهته ,...) مسألة مصيرية بالنسبة لي , مسألة حياة أو موت . ثم ما ان عشت التجربة حتى اكتشفت حماقتي , وكل ذلك التهويل الذي كنت أتصوره ما كان له أساس من الصحة , وتبدت أمامي آفاق جديدة للتفكير ومسائل عظيمة , جاء عليها الدور لتكون مصيرية , وتعالى داخلي صوت يقول : "ليست المشكلة الوجودية هي الله"[/size] |
| |
|