حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
عدد الزوار


 

 التوّجه الفكري في أدب فرانز كافكا ...

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حسين
فريــق العــمـل
فريــق العــمـل
حسين


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 473
معدل التفوق : 1303
السٌّمعَة : 20
تاريخ التسجيل : 18/12/2011

التوّجه الفكري في أدب فرانز كافكا ... Empty
27032017
مُساهمةالتوّجه الفكري في أدب فرانز كافكا ...

لتوّجه الفكري في أدب فرانز كافكا ...


عندما نركّز البحث في الأفكار التي تبنّاها فرانز كافكا في بعض أعماله الأدبية والتي كانت محوراً للجدل المحتدم حول علاقتها بانتمائه لمباديء الصهونية أو رفضه الكامل لها, نجد أن الرجل (التشيكي اليهودي الأصل) لم يترك مساحة كافية لحسم النتيجة , وذلك من خلال استخدامه إسلوب (الرمزية بعيدة المغزى) في أعماله لتكوين الفكرة العامة داخل أطرٍ ضبابية , حيث كانت بمثابة إشارات وامضة تلقي الضوء الضئيل على هامش الفكرة لتدفع الباحث إلى التوغل في ضبابية النص الأدبي والغوص إلى أعماقه للخروج بمجموعة أفكار واستنتاجات متمايزة الإحتمال , بدليل أن النقاد والمفكرين العرب انقسموا إلى فريقين متضادين تماماً في تقييم أعمال كافكا وتحديد أيدولوجيته الفكرية, فذهب الفريق الأول إلى أن كافكا كان يتبنى ويدعم الفكر الصهيوني في معتقده وإتجاهاته , بل وأن الأفكار الكافكاوية أصبحت رافداً رئيساً يغذي هذا التيار , بينما أكد الفريق الثاني على أن أفكار كافكا كانت مناهضة للتيار الصهيوني ورافضة لتوجهاته بشكل قاطع , وأنه ثمة فرق كبير ما بين اليهودية والصهيونية , وأن كافكا كان من أتباع اليهودية السمحة التي تنشد السلام والخير وصاحبة الفكر المستنير الذي يبحث عن العالم المثالي الأفضل.

ولكيّ نصل إلى نتيجة يقينية ودقيقة في هذا الخضم , يجب مراعاة الموضوعية والحيادية , والاستشهاد بالوقائع التاريخية والسياسية التي وقعت في فترة حياة كافكا والزاخرة بالأحداث الجسيمة , حيث كانت الأصابع الخفية تسطّر خارطة جديدة للعالم , متزامنةً مع بزوغ تيّارات وحركات كبرى مثل الحركة الاشتراكية والإمبريالية والثورات التحررية الكبرى الخ.. وكانت كلُّ فئة تحثّ الخطى في حجز مكانتها على هذه الخارطة , سواءاً كانت على شكل دولة أو تيار أو حركة أو جماعة منظمة , ومن ضمّنها طبعاً الجماعات اليهودية المتفرقة والمنتشرة في أرجاء الكوكب والتي تتضمن الصهونية التي كانت بمثابة المحوّر الجامع والمنظم لهذه الجماعات , وكان هدفها الرئيس هو الإلتقاء والإتحاد والأنتقال من حالة الشتات إلى الإستقرار وخلق كيان مستقل وموحد ذو نفوذ عالمي رفيع واقتصاد عالي المستوى.

ولإلقاء الضوء على أهمّ العوامل التي تأثر بها أدب كافكا وفكره , والتي يمكن من خلالها تحديد هوية ميوله الفكرية , فإنه يتوجب علينا إلقاء نظرة سريعة على : 

نشأته :

نشأ كافكا في تشيكوسلوفاكيا ( سابقا ) ضمن الأقلية اليهودية هناك في عائلة ذات اهتمامات تجارية كمعظم حال اليهود , وبدأ نتاجه الأدبي في الظهور في مطلع القرن العشرين , في ذلك الوقت كانت الاتصالات بين اليهود على مختلف فئاتهم من الصهاينة الكاهانا والهجاناه إلى اليهود الشرقيين (المزراحيون) مثل الشكناز والسيفارديم إلخ.. حيث كانت الإتصالات بينهم على أوجها عبر العالم وفي أوروبا على وجه التحديد , وبما ان الدول الكبرى المسيطرة والتي تصنع القرارات وتختلق الحروب المدمرة في جسد المجتمع العالمي آنذاك , إذ كانت تفرض قيودا على تحركات الجماعات اليهودية , بالإضافة ألى وجود بعض الطوائف المسيحية المعادية للسامية في أوروبا , فقد كانت التشيك التابعة للامبراطورية المجرية حينها , إحدى نقاط الإرجاع والتجمع لهذه الجماعات والوكر الآمن الذي يفسح لها المجال للتخطيط والتواصل , إضافة إلى موقعها الاستراتيجي المميز في المنطقة الأوروبية , وهذا ما ساهم في إيجاد أرضية خصبة لكافكا تمكنه من زراعة افكاره (والتي اتّسمت بالسوداوية لدى بعض النقاد ) لتنمو داخل مناخات ملائمة تتوافق مع الأحداث السائدة في العالم آنذاك .

تعليمه وثقافته:

دراسة كافكا للقانون وحصوله على درجة الدكتوراة فيها عام 1906 كان لها أثرا كبيرا في إطِّلاعه على المتغيرات السياسية العالمية , وفي بناء علاقات متينة مع جماعات يهودية وشخصيات أوروبية وصحفيين من مختلف الجنسيات الأوروبية, كما انه كان مولعا بالثقافة اليشيدية اليهودية وبخليط آخر من الثقافة الألمانية والروسية وغيرها , وكان من أكثر المفكرين الذين قرأ لهم كافكا وتأثر بفكرهم : (يوهان غوته) و (فيودور ديستوفسكي) وغيرهم من أعلام الفكر الأوروبي , بيّد أن هذا التعمق في الفكر الأوروبي بمختلف اتجاهاته جعل من كافكا كاتبا يطلق العنان لفكره ويوجهه خارج نطاق المنهجية الفكرية الأدبية التي كانت سائدة قبل ذلك , مما أضفى لونا مميزا يمكن ملاحظته في أعماله وملاحظة ميّله إلى الرمزية كما في روايته القصيرة (مستوطنة العقاب) , والخروج عن المألوف في رواية ( التحوُّل ) و (المسخ ) واستخدامه سمات فنية متنوِّعة ومحدّثة في بناء النص وقولبة الفكرة , وإلى الإنتحاء إلى الغرائبية وزجِّها في متون بعض الأعمال الأدبية , كما ان جانب من أعماله كان يميل إلى الأسلوب الساخر من خلال تراكيب متناقضة استخدمها عامداً لهذه الغاية , وكان من المعروف عنه أنه كان يواجه صعوبة في اختتام وإنهاء العمل , لذا بقيت بعض الأعمال معلّقة وغير مكتملة , وهذا ما يبرر قصر النصوص الأدبية لديه , وإلى لجوءه إلى كتابة القصة القصيرة لبلّورة الأفكار العميقة بأقصر نصٍ ممكن , مع إعطاء هذا النص عمقاً مجازياً فيخلِّق صراعا خفياً بين الممكن واللاممكن.

اللغة والٍإسلوب:

أثرت اللغة وترجماتها في أعمال كافكا والذي نشأ في وسط يهودي يشجع أبناءه على التحدث باللغة الألمانية العليا إضافةً إلى اللغة اليشيدية , وتعلمّه العبرية في مراحل متقدمة من عمره , ساعد كل هذا في إبتداعه ضبابية الفكرة وسبر غور أعماقها , ووضعها في المنطقة الرمادية في وعي المتلقي , إذ نجد أنه برع في تعويم الأفكار (الأيدولوجية تحديداً) لتسبح بإتجاه التيار الأقوى مهما كان إتجاهه , ولتحتمل أكثر من تأويل , ولتتلائم مع إتجاهات فكرية متعددة حتى لو كانت متضادة . وهذا ما جعل النقاد والمفكرين يختلفون بشدة حول تحديد ميوله وتوجهاته الغير مباشرة ٍ.

العمل الوظيفي:

على خلاف عائلته التي امتهنت التجارة , فإن كافكا آثر العمل بالوظيفة , وقد عمل في احدى شركات التأمين الإيطالية في براغ ضمن النطاق القانوني , وكان ناجحا في عمله , وساهم هذا في إطلاعه على المصانع العسكرية واستعدادات الجيوش في الفترة الحارّة من الحرب العالمية الأولى , واطلاعه على التكنلوجيا المتطورة في ذلك الوقت , وقد ظهر ذلك جلياً من خلال وصفه الدقيق للآلة وطريقة عملها في روايته ( مستوطنة العقاب ) , كذلك يُذكر أنه حاول الانخراط في الجيش للمشاركة في الحرب الكبرى الطاحنة , لكنً تعرضه لمرض السلّ حال دون ذلك , وبعد تقاعده ساهم مع أقاربه في إنشاء مصنع للإسبست وكان الأول من نوعه في التشيك , إلا أنه أيقن لاحقا بأن العمل بات يأخذ الكثير من اوقاته المخصصة للكتابة , مما جعله يهمل العمل في المصنع ويعود للكتابة بشكل مكثف .

أصدقائه وعلاقاته الإجتماعية:

وبإعتقادي فإن هذا العامل هو الأكثر تأثيرا في سيرة كافكا الأدبية وفي توجهاته الفكرية, فقد تعرّف في بداية القرن العشرين إبّان فترة دراسته الجامعية بالكاتب الصحفي ( ماكس برود ) وهو تشيكي من أصول يهودية , وقد كان الأخير يقرأ له أعماله وينقدها ويشجّعه على الكتابة , وسرعان ما عرّفه بالكاتب والصحفي اليهودي الأصل فيليكس فيليتش ثم الأديب الألماني اليهودي أوسكار باوم والكاتب النمساوي اليهودي فرانز فيكتور فيرفل والذي كان متأثرا بالمذهب التعبيري , والفيلسوف الصحفي اليهودي (مارتن بوبر) وهو أحد مؤسسين الحركة الصهونية وصاحب صحيفة ( اليهودي) , كما كانت لكافكا لقاءات مع هذه الزمرة المثقفة من الجماعات اليهودية في بعض النوادي والصالونات الأدبية في التشيك , وهناك كان يناقش أعماله وأفكاره وخططه الأدبيه مع هؤلاء الأصدقاء .
كان ماكس برود هو الصديق المقرّب إلى كافكا وكان ملازما له وبقيّ معه حتى مماته , حتى أن برود قام بنشر جميع أعمال كافكا التي لم تنشر , بعد وفاته بسنوات قليلة , بالرغم من وصية كافكا له بأن لا ينشر شيئا منها وأن يقوم بحرقها , إلا أن برود لم ينفذ الوصية لتخرج هذه الأعمال إلى دائرة الضوء من جديد , ولتعمل على شهرة كافكا في الأوساط الأدبية العالمية بعد موته , حتى أنها لاقت ترحيباً لدى الإشتراكية لاحقاً والتي رفضت أعمال كافكا في بداية الأمر .


أما بعد,,

بعد إستعراضٍ سريعٍ لهذه العوامل المؤثرة نسبياً في فكر كافكا وتوجهه, وكذلك بربط المتغيرات والأحداث المؤثرة في حياته ببعضها البعض , وبالاستشهاد بالوقائع التاريخية الموثقة , وبعيدا عن استحضار فكرة أو (نظرية المؤامرة) والتي هي في حقيقتها المبتكرة (عقدة المؤامرة) , وللوصول إلى استنتاجات وربما نتائج أكثر عقلانية باتباع التفكير المنطقي الإستدلالي السليم وبموضوعية قدر الإمكان (لأنه لا يوجد موضوعية حيادية تامّة) وبمعتزل عن الرغائب والعواطف الغريزية والأهواء الشخصية التي ولدت قبل التأريخ بين أبناء العمومة, وتواكب أحداث التصادم التي زادت من اتساع هالة الكراهية بين اليهود والعرب على مدى قرون طويلة .
بعيدا عن هذا كله كان كافكا برأيي من أذكى الأدباء الذين احتالوا على المتلقين والمفكرين والنقاد بجميع أصولهم ومستوياتهم الثقافية والفكريةٍ , فقد أسرف في تعتيم معتقده الديني والمبدئي والفكري , لدرجة أن مترجم أعماله ( ادوين موير ) قال عنه أنه روائي مسيحي النزعة , بينما اعتبره المفكر ( جونتير اندرياز) متشككا في معتقداته الدينية والميتافيزيقية , أما الشيوعيون فاعتبروه منتميا لمبادئهم حتى النخاع , وهذه التضادات حول معتقداته وتوجهاته , جعلته خارج نطاق التصنيف , وجعلت فكره المتدفق يأبى الاحتجاز داخل تصوّر معيّن .

برأيي أن كافكا الغير مباشر كان يحمل في عقله أقوى الأفكار التي تساند الصهيونية العالمية , وتتبنى قضيتها , وتبرر لها أفعالها وتمهد لمخططتاها وبروتوكولاتها البعيدة المدى , فقد كان كأي يهودي يتقن بغريزته الإلتفاف وفنون التلفيق المبطنة بالفضيلة , وهذا الحكم لا يمكن وصفه على أنه (شخصنة) أو ( تحامل ) من نوع ما , إنما هي النتيجة الطبيعية للفكر اليهودي المستشعر للإضطهاد والظلم منذ السبيّ البابلي الذي انبثقت عنه (عقيدة الشتات) وحتى يومنا هذا , وهذا الشعور يولد مع كل طفل يهودي ويتنامى مع نموه , بدليل نشوء الفئات والاخويات اليهودية المشتتة حول العالم بمختلف أنواعها على مدى العصور, السرّية منها والعلنية , وجميع هذه التجمعات كانت تتوارث وتتبنى نفس الأهداف والمخططات جيلا بعد جيل , كمرجعية دينية تتعلق بالجذور ( مع وجود استثناءات طفيفة فرعية وليست عمومية ) , وما الصهيونية إلا مزيج من هذه التكتلات اليهودية المتطرفة دينياً وسياسياً , والتي بدافع توحّد أهدافها تكوّنت في بؤرة قريبة من الهدف , وكانت هذه البؤرة على بعد عقود من الزمن للوصول إلى الهدف المنشود , وهي ما زالت تترجم عصارة التخطيط والتطرف لتجسيد الحلم اليهودي الذي استمر عدة قرون على أرض الواقع على مرأى من المشاهد العالمي , ولكي لا أبتعد عن صلب الموضوع فإن كافكا المثقف كان متواجداً ضمن هذه الفترة القريبة من تحقيق الهدف , وكان بغريزته وشخصيته التي اكتسبت كمّاً هائلاً من الثقافة اليشيدية , يميلُ في فكره وعاطفته إلى هذه التكتلات التي بدأت بوارق الأمل تلوح في سماءها والتي كانت تبني آمالها على المثقفين والمفكرين من أبناء جلدتها , ولكي أتمكن من دعم هذا الحكم الذي أطلقته فلا بدّ من الإستعانة والاستشهاد بالعوامل المذكورة أعلاه , وباستحضار شريحة من أعمال كافكا وهي قصة ( عرب وبنات آوى ) والتي كانت أكثر تلميحا ووضوحا لمشاعر كافكا تجاه العرب . ثم كشف الغطاء عن المؤشرات والدلالات المبطنة لتوجهات كافكا الفكرية , ومن هذه المؤشرات والدلالات :
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

التوّجه الفكري في أدب فرانز كافكا ... :: تعاليق

حسين
رد: التوّجه الفكري في أدب فرانز كافكا ...
مُساهمة الإثنين مارس 27, 2017 11:16 pm من طرف حسين
أولاً : 90% من أعمال كافكا لم تنشر في فترة حياته ولم يكن حينها ذو شهرة عالمية, لكنّها نشرت وترجمت فعليا بعد سنوات من وفاته بالرغم من وصيته بعدم نشرها, والشخص الذي قام بنشرها هو صديقه المقرّب الصحافي ماكس برود , وهو من أصول يهودية , وكانت توجهاته أكثر وضوحا من كافكا تجاه العرق اليهودي ومعاناته الطويلة , وهو الذي تبنى فكر كافكا في حياته وساعده على الإسترسال في نفث أفكاره .
ف بالرغم من وصية صديق عمره بعدم النشر وبإتلاف المخطوطات , أصرّ على نشّرها جميعها دون إهمال أي جزء منها , مع أن تكاليف الترجمة والنشر كانت باهظة في ذلك الوقت إلا أنه أقدم على ذلك , والسؤال هنا : هل يستطيع محض صحافي الأخذ على عاتقه تكاليف النشر لكامل الإعمال كرمى للصداقة ؟ , دونما اللجوء إلى معارفه من الجمعيات اليهودية والمعروف عنها حرصها على تكافلها الإجتماعي المنغلق من خلال الصندوق القومي اليهودي (الكيرن كييمت) والذي تأسس مع الصهونية عام 1901 و وكانت الغاية منه شراء أراضي داخل فلسطين ؟ , والسؤال الثاني الذي يتشكل ذاتيا بعد هذه النقطة هو لو أن الفكر الكافكاوي كان مناهضا للصهيونية فهل ستساهم الجماعة اليهودية في نشره وتسانده ؟ ولو ألغينا هذا الإفتراض وعدنا إلى حقيقة أن النشر كان عن طريق برود نفسه فقط , فهل يقدم هذا الأخير والذي ثبت انتمائه الكامل للصهونية على نشر هذه الأفكار ؟ والحقيقة التي ثبتت لاحقاً أن ماكس برود حسب ما وثقه التاريخ التحق بدولة إسرائيل المزعومة بعد الحرب العالمية الثانية ومات في فلسطين وهو يحمل الجنسية الإسرائيلية.

ثانياً : معظم أصدقاء كافكا كانوا من يهود أوروبا المثقفين , والنافذين في المحافل السياسية الأوروبية وفي الرأي العام الأوروبي أيضاً , ومن الثابت أن توجهاتهم وانتماءاتهم كانت  تنحاز إلى جذورهم لا إلى جنسياتهم , وهذا ما كان جليا واضحا في كتاباتهم وأنشطتهم الثقافية ومقالاتهم ورسائلهم واجتماعاتهم السرّية , ويصدف أنهم جميعاً حاولوا الإلتحاق بدولة إسرائيل المزعومة لاحقاً , ومنهم من أطال الله بعمره والتحق بها فعلا , وكان من المروِّجين للمحرقة المزعومة (الهولوكوست) , مثل (مارتن بوبر) , وباعتقادي لو أن كافكا أدرك هذه المحرقة لكان فكره أكثر تحديدا وانحيازاً ووضوحاً .

ثالثا : من أهمّ أعمال كافكا التي لمّح من خلالها إلى بغضه للجنس العربي وتحدث فيها عن مشاعر الكراهية بين العرب واليهود , واعترف بوجود النزاع القديم بينهم , هي قصته  القصيرة والمثيرة للجدل (عرب وبنات آوى) أو حسب الترجمة ( بنات آوى وعرب) والتي اعتبرها بعض النقاد العرب إطراءٌ للجنس العربي وهجومُ على المظلة الصهيونية ونعتها بأبشع الصفات, ولكي أتمكن من دحض هذا الاعتقاد لديهم , فلا بد لي من تشريح هذه القصة وتحليلها تحليلاً دقيقا على غير العادة , وفصل الأجزاء المتعلقة بالإطراف المتضادة , وتفكيك الالتباس المتعمد , وكيّلها بالمكيال النقدي الممنطق , لتكوين الصورة الحقيقية لقالب الفكرة , ولبيان الأوزان الحقيقية للمفردات الرمزية في متن هذه القصة :

ظرف القصة : 

الظرف الزماني الفعلي لمناسبة القصة التي نشرت لأول مرة سنة (1917) , تزامن نشرها مع حدوث ثورات كبرى على المستوى العالمي , ومن ضمنها الثورة العربية الكبرى ضد الأتراك والتي انطلقت شرارتها سنة 1916 وأحدثت صدىً مدوياً في الأوساط السياسية العالمية , وكان من أهم أهدافها خلق إتحاد عربي موحد , مما دفع الجماعات اليهودية قاطبة إلى الإعتقاد بأن العرب في طريقهم للإتحاد لا محالة , وهذا سيشكل عقبة كبيرة أمام سعيهم لتحقيق حلمهم في فلسطين , فازداد كرههم وبغضهم للعرب (لا سيما المثقفين منهم) , وحثّهم على تكثيف التخطيط وغزل المؤامرات وتكثيف الترويج الإعلامي المضاد , لمجابهة هذا التضامن الخطر , ومن الأدلة على ذلك الحملة الصهيوينة الشهيرة (ادفع دولاراً تقتل عربياً) والتي ظهرت لاحقاً في مدينة نييورك.
أما الظرف الزماني الفنّي في النص فقد تُرك معلقا لم يتم تحديده أنما تم التلميح إلى حداثة عهده بموجب الإشارة الرمزية المتسلسلة كبداية (وانتظرتك أمي وأمها وأمهاتنا , منذ الأم الأولى لبنات آوى) والرموز اللفظية الأخرى مثل ( ما قلته للتو , يتفق تماما مع أعرافنا القديمة) ( ويبدو ان العراك بينكم بالغ القدم ) ولو أُعتمدت هذه الرموز كنقطة بداية للظرف الزماني فإن المسافة الزمنية المقدّرة تصل نهايتها إلى آنية الزمن الحاضر , وهو الزمن الحالي لحدوث النص . 

- الظرف المكاني في القصة فقد اتخذ موقعين محددين حسب جغرافية السياسة والحدث القائم , ف رُمز للأول بالرموز (الصحراء) (الواحة) وكان المقصود بها المنطقة العربية , وفيه جرت أحداث القصة , أما الظرف المكاني الثاني فرمز له ب ( الشمال البعيد ) وكان المقصود به المنطقة الاوروبية , وجاء الرمز على هامش الحوار للإشارة إلى هوية أحد شخوص القصة الرئيسة جغرافياً .

شخوص القصة : 

جاءت شخوص القصة الرئيسة على ثلاثة أجناس مرمزة على النحو : (الأنسان) و (الحيوان بشقيّه : المؤنسن والجماد) و(الجماد الرمز)
فمثّل شخوص القصة عن دور الإنسان كلّ من العربي قائد القافلة والمسافر القادم من الشمال حيث رمز بالعربي قائد القافلة إلى قادة الشعوب العربية , أمّاٍ المسافر فرمز به إلى إحدى دول الإستعمار الأوروبي التي مرقت عبر الجسد العربي , 
ومثّلت بنات آوى وكبراهم شخوص القصة عن دور الحيوان المؤنسن ورمزت إلى الجماعات اليهودية بقيادة كبراهم الصهيونية .
أماّ عن دور الحيوان الجماد فكان البعير النافق ورمز به إلى خيرات الوطن العربي والتي نعتها الكاتب بالقذارة.
كما مثّل شخص الجماد المقص الصديء , والذي رمز به إلى المعتقد اليهودي المثبّت بالتلموذ بلزوم إبادة العرق العربي وإباحة دمه الكريه ( حسب المعتقد المتطرف) , والصدأ يدل على أن هذا المعتقد قديم ومتوارث , وقد يرمز هذا المقص إلى التلموذ نفسه .

الوصف : 

كان الوصف في هذه القصة نعتاً لاذعاً وانفعاليا لجميع شخوص القصة , لكنّ إذا دققنا في النص فسوف نجد أنّ الصفات المذمومة التي وصفت بها بنات آوى على لسان الراوي والعربي , كانت سطحية فرعية وغير جوهرية وقابلة للنقض لأنها ذات مصداقية مشكوك بأمرها في الإطار العام للقصة , وحتى أن بعضاً من هذه الصفات المذمومة يمكن تأويلها إلى صفات محمودة , أمّا الصفات المذمومة التي وُصف بها العرب فكانت رئيسية وجوهرية تتمتد إلى جذور عرقهم وليس بها ما هو محمود .

صفات بنات آوى ومدلولاتها كانت على النحو:

- الكراهية والبغض الشديد للعرب : مع ذكر الأسباب التاريخية لهذه الكراهية بالرمز إلى وحشيتهم مع بنات آوى منذ القدم .
- الكآبة واصفرار العين : وكان يرمز بها إلى الشعور الدائم بالظلم والإضطهاد الذي يستشعره اليهود على مدى العصور .
- المكر والمراوغة : وقصد به السلاح الذي اضطر اليهود إلى استخدامه كوسيلة لتحقيق أهدافهم .
- البؤس وقلة الحيلة : واتخذ هذا الوصف هنا على لسان بنات آوى كذريعة وتبرير لأفعال اليهود ووسائلهم للدفاع عن قضيّتهم .
- قلة الدماثة بسبب البؤس : وقصد به صفات اليهود المتزمتة ويعزي ذلك إلى الأحداث المؤلمة والمآسي التي حدثت لهم .
- رائحة الفم الكريهة : وقصد بها السمعة السيئة التي كانت تلازم اليهود أينما حلّوا , ولها تفسير آخر وهو عدم تقبل الآخرين لأحاديثهم وأفكارهم حتى الأوروبيين منهم .
- التصميم والإصرار والإلحاح في طلب الشيء : وأشار إلى ذلك بوصف إصرار بنات آوى التقرب من الجيفة بالرغم من لسعات سوط العربي المتكررة لها , كذلك تكرار نفس المحاولات لإقناع الإنسان الاوروبي والضغط عليه , وأيضا وصف العربي لهنّ بتعلقهن في الآمال المجنونة وإصرارهنّ على تحقيقها.
- التأثير العاطفي على الإنسان الأوروبي أو الغربي (المتحضّر) , وأُشير إليه في القصة بنواح وعويل بنات آوى للتأثير على الاوروبي , وهذا ما يتقنه اليهود فعلياً في التأثير على الشعوب الغربية الحليفة , وكما حدث لاحقاً في تضخيمهم وتسويقهم الإعلامي الضخم للهولوكوست التي حدثت في الحرب العالمية الثانية , لكسب تعاطف الشعوب الحليفة .
- وصف العربي لبنات آوى بأنهم حمقاوات ( وهذا الوصف جاء على لسان العربي كصفة مرّتدة عكسياً على القائل الذي وصف بافتقاره الفهم في القصة على لسان بنات آوى).

صفات العرب في القصة :

- قلة الفهم : بالإشارة المباشرة في أن الشماليين يتمتعون بالفهم الذي لا يوجد ذرة منه لدى العرب .
- صلفهم البارد : وترمز إلى رداءة جذورهم وأصلهم .
- ذبحهم وأكلهم للحيوانات وازدراءهم للجيف : وهذه الصفة جديرة بالتوقف عندها طويلاً , وأعتقد أنها إنعكاس داخلي لشخصية الكاتب كافكا الباطنية , والذي كان بقناعته الشخصية أن أكل الحيوانات صفة بشعة , بدليل أنه كان نباتي التغذية بالكامل ولم يأكل اللحوم منذ ريعانه وحتى موته , وكان يبغض آكلي اللحوم ويصفهم بالوحوش , ونرى هنا أنه صبّ جام بغضه هذا على العرب بسبب كراهيته المطلقة لهم , فنعتهم بأسوأ صفة قد اعتمدها في عرفه الخاص , مع العلم أن أكل اللحوم غير محرم في الديانة اليهودية .
- تسببهم بالبؤس وسوء الطالع لبنات آوى : في إشارة إلى ظلم العرب الدائم لليهود .
- وصف دمهم ولحمهم بالنجس : في تلميح غير مباشر بأن مياه النيل لن تطهّر بنات آوى من نجاسة دماء ولحم العرب.
- اختلاقهم للشر ومضايقة بنات آوى : ولمح إلى ذلك عن لسان بنات آوى بلزوم تطهير العالم منهم ومن شرورهم .
- قذارة بياضهم وسوادهم : وتمت الإشارة قبل هذه الصفة إلى نبل ونقاء نفوس الشماليين لتكون الصفة عكسية لدى العرب يشار بها إلى سوء نفوسهم ونيّاتهم .
- فظاعة لحاهم ومحاجر أعينهم يدفع المرء للبصق : صفة قصد بها إثارة الإشمئزاز من العرق العربي , حيث أنه في علم الإنسان والسلالات البشرية , تعتبر محاجر الأعين من الصفات المُميزة لكل سلالة , مثل محاجر أعين السود الجاحظة أو القوقازيين العميقة أو الصفر ذوي المحاجر المنسلبة إلخ ... وهذه الصفات وردت في التلموذ للتفريق بين سلالة اليهود (المختارة) والشعوب الأخرى , وهي إحدى أدوات التعنصر لديهم .
- حين يرفعون أذرعهم تتثائب ظلمة الجحيم تحت آباطهم : وهذه استعارة مكنية لا يقصد بها عدم النظافة أو ما شابه ذلك , أنما قصد بها أنّهم يحملون الظلم والشر بين جنباتهم أينما ذهبوا (تأبطوا الشر) . 
- قساوة قلوبهم : وأشير إلى هذه الصفة في فقرة استخدام العربي السوط الهائل لجلد بنات آوى دون رحمة لمجرد التسلية .
- السذاجة والغباء والثقة الكاملة بالأوروبي : وجاءت هذه الصفة ضمن السياق العام للنص .

الفكرة العامة للقصة :

برأيي أن فكرة القصة بشكل عام كانت إنعاش لفكرة قديمة لدى اليهود لم تفتأ تسكن عبر العصور أو تتبدل مع كل التطورات التي حصلت في مراحل تطور البشرية . حيث برع الكاتب باستتار المغزى خلف جلود هاتك الحيوانات البائسة , ونقل عن لسانها محتوى التوجه الصهيوني تجاه الكائن العربي , بصياغة المبررات والدوافع باسلوب حكائي متمايز بين عالم الواقع وعالم التخايل , وهو المادة الخام في العقل والتي يحركها الرمز أو الأحجية الكامنة في النص , ليشرك القاريء بإنجاز مهمة تشكيل الصورة العامة للفكرة وصولا للغاية , (القارئ الغير عربي طبعاً كونه طرفا مضاداً في الفكرة) , وهنا تعامل الكاتب مع شخص العربي وشخص الأوروبي بصورة مباشرة وواضحة لكنه أستتر الطرف الثالث خلف شخص بنات آوى المؤنسنة والتي تعمد الكاتب أن يرمز بها بشكل واضح إلى الصهيونية, ولم يختر الكاتب هذا الصنف من الحيوانات عبثاً أو من قبيل المصادفة , أنما اختارها كرمز للمخلوقات الضعيفة المضطهدة والتي تلجأ للحيلة لتخليص أبسط حقوقها وللدفاع عن نفسها , تلك المخلوقات التي يحتقرها الجميع بسبب تصرفاتها , لكن الكاتب اجتهد هنا لوضع المبررات الممنطقة والمقنعة لهذه التصرفات التي بدرت منها , ليخلص القارئ و المثقف الغربي إلى تكوين صورة عامة عن هذا النزاع , فيتوالد في سريرته تعاطفاً مفعماً بالإقناع مع هذه المخلوقات .

وبعد :
ها أن قدمت قرائتي في الأيدولوجية الفكرية لدى فرانز كافكا , وهذ
 

التوّجه الفكري في أدب فرانز كافكا ...

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» فرانز كافكا - د. زياد الحكيم
» في التملك الفكري بقلم: عبد السلام بنعبد العالي
» كافكا بعيون عربية علاء اللامي
»  كافكا بعيون عربية علاء اللامي
» محاولة في قراءة الاستقلال الفكري في التراث

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا :: الحــــــــــــــــــداثـــة-
انتقل الى: