أودين، إله الآلهة بحسب الثقافة الاسكندنافية القديمة
لا شكّ أنّه خبر تاريخيّ وبارز، هو الذي يتصل بإنشاء أوّل هيكل لآلهة نوردية، بعد منعها لأكثر من ألف عام من قبل المسيحية في البلدان الاسكندنافية، هذا الخبر لن يلفت انتباه العامة فقط، بل كذلك سيكون موضع اهتمام المؤسسة العلمية اعتباراً من نطاق علم الإنسان الأنتروبولوجيا، باعتبار أنّ الأمر يمثّل إعادة ظهور الاعتقادات الإسطورية بآلهة الفالهالا الشهيرة، فهذا لا يُشكّل خيال علمي بل واقع قائم!
رمز من رموز الفالهالا
يكون القسم الأكبر من الآلهة التي خلقها البشر، تبعاً للثقافة التي ظهرت بها، محسوب على الأساطير، وهنا يجب التذكير بالعبارة الشهيرة للملحِدْ James Feibleman:
" تُشكّل الإسطورة دين لا يعتقد به أحد ".
تُشكّل الآلهة النوردية { الاسكندنافية } جزء من الأساطير أو هذا على الأقلّ ما يراه الغالبيّة، وفي الثقافة الشعبية عادة ما تُستخدم تلك الآلهة لثقافات منقرضة بقصد التسلية وما هو أكثر انتشارا ببعد كوميديّ، أفلام سينمائية وألعاب الفيديو، ولكن نحن هنا أمام موضوع مختلف يطال تلك الآلهة، فبعد مرور 1000 عام، وفي بلد أوروبي هو إيسلنده، سيُبنى أوّل هيكل / معبد للآلهة الاسكندنافية لثقافة الفايكنغ القديمة.
ولكن ما هو مفاجيء وغير قابل للتصديق هو سماع الخبر أو مشاهدته على تلفزيون وراديو البي بي سي وقراءته في جريدة الغارديان! حيث يؤكد الخبر على أنّ حوالي 3000 شخص في إيسلنده يتابعون إيمانهم بالتقاليد الاسكندنافية الموروثة من الأسلاف كدليل ومُرشد لحياة كل واحد فيهم.
تُشجّع منظمة Asatruarfelagid والمعروفة باسم الآساترو أيضاً أو Norsk sed { التقليد النوردي أو الاسكندنافي } على الإيمان بتلك الآلهة في إيسلنده. وقد تضاعف عدد أعضاء تلك المنظمة ثلاث مرّات في العقد الأخير. تكون آلهة مثل أودين، ثور وفريغ هي الآلهة الرئيسية التي بدأت تظهر من جديد مع الاعتراف بهذه المنظمة بوصفها دين.
جرى تأسيس تلك المنظمة في العام 1972 على يد الشاعر Sveinbjörn Beinteinsson والمُعترف بها من قبل الحكومة بوصفها دين في العام 1973 بفضل أعمال هذا الرجل الذي كان أوّل قائد للجماعة حتى العام 1993 { حيث توفي هو بهذا العام }، هذا سمح للدين المتعدد الآلهة بالاحتفال بالصلوات الدينية بكل أبعادها الإيمانية.
جرى اعتبار Sveinbjörn Beinteinsson بوصفه جد الجمعية، وقد عاش حياة بسيطة في مزرعة بالطبيعة دون أيّة مظاهر كمالية حديثة، وقد وصف تأسيس Ásatrúarfélagið على قاعدة الإيمان بقوى خفيّة في الأرض وتتصل " بالرغبة بتمكُّن الايسلنديين من امتلاك إيمانهم الخاص وتغذيته بصورة لا تقلّ عما يحدث مع الأديان الكبرى المعروفة اليوم ".
لم تكن بدايات Asatruarfelagid سهلة عند محاولة ترخيصها كدين لدى الوزير Ólafur Jóhannesson { وزير العدل والشؤون الدينية وقتها }، الذي اعتقد بأنّ الأمر لا يعدو كونه مزحة! ولكن عندما انتبه لأنّ الأمر لا يكون هكذا أما إصرار مقدّم الترخيص غيّر رأيه.
بحيث أنه لا يحدث هذا الأمر عادة، حيث يتبنى بعض الناس الإيمان بآلهة قد ترك البشر عبادتها منذ قرون طويلة.
وإثر خروج مؤسس الآساترو من مكتب الوزير، حدثت عاصفة تسببت بانقطاع الكهرباء وسط المدينة، وقبع الوزير في مكتبه بالظلمة!
كتبت صحيفة Vísir الإيسلندية تعليقاً ساخراً على ما حدث باعتباره غضب الإله ثور إله العواصف على موقف الوزير! حيث بمجرد مرافقته الوفد إلى بوابة المكتب، حدثت العاصفة وتضررت المنطقة!
جدلٌ حول إعادة ظهور عبادة الآلهة الاسكندنافيّة
وكما كان منتظراً، تولّد جدل دينيّ، نصح كاهن الكنيسة الوطنية الإيسلندية اللوثرية وزير الداخلية بعدم الاعتراف بهم كدين. وقد كان بين انتقاداته أنهم جماعة متعددة الآلهة ولا تؤمن بإله واحد، اضافة لاعتقاداتها الوثنية وتأثيرها على التعاليم الأخلاقية التي يمكنهم تعليمها.
كما أنّ هذا الكاهن اللوثري قد ربط هذه الجماعة بالإيديولوجيا النازية واعتبره سبب لمنعهم من بناء معبد. وفي وقت لاحق، كتب الكاهن وبيّن بأنّ الدستور الإيسلندي يسمح بترخيص المؤسسات والجمعيات التي تخدم إله الكتاب المقدس أو كما نقول نحن الملحدين: الإله يهوه الذي اخترعه العبريين!
لم يتأخّر ردّ أعضاء آساترو، الذين قدموا البراهين على وجود بعض العناصر الوثنية والمتعددة الآلهة ضمن المسيحية { نتفق كملحدين معهم بهذا الشأن، سيما بقصة التثليث، حتى المسلمين يعتبروا المسيحية توحيد مزيّف بهذا الإتجاه }، وأشاروا لأنّ عبادتهم تقوم على تعظيم ذات عليا واحدة، ونفترض أنهم يتحدثوا عن الإله أودين سالف الذكر.
رفضوا أي ارتباط لهم بالقومية الاشتراكية وبيّنوا تحفظاتهم على الرايخ الثالث، الذي امتلك بصفوفه " وثنيين " أصيلين، دون نسيان تعاون قطّاع من القادة المسيحيين مع هتلر والنازية!
بمجرد الاعتراف بجماعة الآساترو Ásatrúarfélagið كدين، احتفلوا بإقامة أوّل صلاة / طقس بيوم 5 أغسطس / آب من العام 1973 ويسمى البلوت Blót بعد مرور حوالي ألف عام على اختفاء هذا الدين الاسكندنافي القديم، وقد غطّت وسائل الإعلام الحدث بكثافة.
حدثٌ فريد لم يتحقق من أكثر من ألف عام، وجرى منع هذا الاحتفال بقانون خاص في العام 1000 ميلادي أصدرته الكنيسة المسيحية وقتها. ترأس الصلاة Sveinbjörn Beinteinsson في مزرعته في Dragháls تحت المطر وبظلّ تمثال الإله ثور، الذي صنعه الفنّان Jörmundur Ingi Hansen.
جرى وصف البلوت Blót في جريدة Vísir بوصفه " طقس قويّ وحيويّ "، فيما علّق Sigurður A. Magnússon على أنّ الأهمية التاريخية للحدث لم تترافق مع نوعيّة الصلاة، حيث " لم يكن بالإمكان جعله أكثر بساطة من هذا ". جرى القليل من الصلوات والنشاطات فس السنوات الأولى، حيث كان القائد الروحي الثاني للجماعة هو Jörmundur Ingi Hansen، الذي ترأس الجماعة بين العامين 1993 و2002، عندما بدأت تنمو وأسَّسَ في العام 1999 مقبرة خاصة بأعضاء دينه، اضافة لاختيار قادة روحيين جدد للجماعة من خلال التصويت والانتخابات.
يكون قائد الجماعة الحالي هو الموسيقار Hilmar Orn Hilmarsson والمعروف بوصفه الكاهن الأعظم بهذه الجماعة في الوقت الراهن 2015، والذي قال لوكالة رويترز:" لا أعتقد بأنّ أيّ احد يؤمن بشخص له عين واحدة ويسافر على حصان يمتلك 8 قوائم! نرى القصص بصورة مجازية شعرية وكتظاهرة لقوى الطبيعة والنفس البشرية ".
يجري تعريف الآساترو Ásatrúarfélagið أو Ásatrú بوصفها عقيدة " في الفلكلور الاسكندنافي، الأرواح والهويات التي يمثلها هذا الفلكلور، بالاضافة للآلهة ومظاهر إلوهية اسكندنافية أخرى ". تتأسس هذه الديانة على التسامح، الصدق، العظمة والاحترام للطبيعة والحياة. كذلك تُعتبر كدين يتبنى وحدة الوجود { الواحدية فلسفياً }.
تمتلك الأرض، الهواء والمياه قيمة كبرى لنا. نحن نكون جزء من الأرض ولسنا أسيادها.
يعتبرون أن دينهم لا يمكن أن يصير دوغمائي أو لاهوتيّ من خلال تلك الكلمات، حيث لا يحاولون فرض آرائهم وإيمانهم على الآخرين عبر تهديدات بالجحيم أو بالعواصف لأجل من لا يؤمن بما يؤمنون به هم، بل يقوم الدين بتوجيه حيواتهم وفق التقاليد والفلسفة الاسكندنافية، وهم منفتحون على استقبال كل من يرغب بالانضمام لهم.
فضائل الآساترو التسعة
تسمى احتفالاتهم الدينية وصلواتهم بلوت Blót وتُقام من خلال طقس محدد ومُعلَنْ كهدنة بين الحاضرين. حيث يُتلى خلالها قصائد من كتاب الإيدا الشعريّ. ثمّ يتقاسمون الشراب المُخزّن في قرن لشربها على شرف الآلهة، الأرواح والأسلاف. تقديم مشروب خمريّ للآلهة. غالباً ما يُحتفل بهذا الجزء الأوّل في الخارج، ثمّ يُقام الحفل المشترك في الداخل، أحيانا يُصاحب هذه الطقوس الموسيقى وصيغ ترفيهية أخرى.
يوجد 4 صلوات بلوت رئيسيّة، هي:
- صلاة Jólablót أو الاحتفال بالانقلاب الشتوي. يُشعل الأطفال الشموع للاحتفال بولادة الشمس.
- صلاة Sigurblót احتفالاً بأوّل يوم بفصل الصيف.
- صلاة Sumarblót أو الاحتفال بالإنقلاب الصيفي.
- صلاة Veturnáttablót خلال اليوم الأوّل من فصل الشتاء.
كذلك يحتفلون بمناسبات التسمية أو التعيين، الانتقال لمرحلة البلوغ، الأعراس والمآتم. جرى الاحتفال بأوّل عرس بهذا الدين الجديد في العام 1977 بالجمع بين Dagur Þorleifsson و Ingibjörg Hjartardóttir.
يكونوا مدافعين عن حماية البيئة، عارضوا بداية ظهورهم الإجهاض، لكن لا نعرف موقفهم الراهن منه، يدافعون عن حقّ الحريّات الجنسية البشرية وأهمية التنوُّع العاطفي الجنسيّ، بمعنى لا يكون دينهم مناهض للمثلية الجنسية، وكذلك يكون موقفهم بتأييد الفصل بين الدين والدولة ملفتاً للإنتباه.
مزايا الهيكل / المعبد الذي سيبنونه في هذا العام 2015
سيكون المعبد دائريّ / كرويّ وسيُبنى على عمق 4 أمتار داخل تلّة يُرى منها عاصمة إيسلنده Reykjavik.
سيكون هناك قِبَّة في السطح لأجل عبور الضوء منها. يشرح Hilmarsson ، قائلاً: يتغير عبور ضوء الشمس بتغيُّر الفصول، هكذا ترسم الشمس المكان لأجلنا ".
سيُحتفَلْ في المعبد بكثير من المناسبات مثل الأعراس والمآتم. لا يزال الوثنيون الجُدُدْ يحتلفون بالطقوس القديمة للبلوت مع الموسيقى، القراءات، الطعام والشراب، لكن في الوقت الراهن لا يقدمون الأضاحي كالحيوانات، كما فعل أسلافهم في قديم الزمان.
بعض الفروقات بين دين الآساترو وبين الأديان التوحيدية الراهنة كاليهودية، المسيحية والإسلام.
الإلهة فريغ تغزل الغيوم - رسم J C Dollman
1. متعدد الآلهة لا توحيدي.
2. لا يمتلك كتاب مقدس مبني على وحي إلهي، بل كتابات تعود لحكمة وأشعار الإيدا الاسكندنافية وتُبنى على المعرفة الثقافية التي بقيت على قيد الحياة من الأسلاف.
3. لا يعتبر ممارسة الجنس حالة ملعونة أو شريرة.
4. يشجّع على الاهتمام بالبيئة الطبيعية.
5. يكون أودين إله الآلهة بحسب التقاليد الاسكندنافية، بخلاف يهوه إله العبريين أو إله الكتاب المقدس. يكون الإله أودين متزوجاً من الإلهة فريغ إلهة المساء، الخصب، الحبّ، التحكُّم بالمسكن، الزواج، الأمومة والفنون المنزلية والمسؤولة عن العديد من الأبناء الآلهة.
يجب التنويه بالمفارقة المثيرة للسخرية والتي تتصل بأنّ أديان التوحيد الثلاثة الكبرى تتخذ مواقف قوية تجاه فرض الغيرية الجنسية ومواقف مناهضة عنيفة ضدّ توجهات جنسية كالمثلية الجنسية والازدواجية الجنسية، في حين لا يمتلك الله زوجة من الجنس المختلف ولا ابنه المفترض يسوع قد امتلك أيّ علاقة غيرية جنسية. تتميز الآلهة الاسكندنافية الكثيرة بامتلاك خصائص متنوعة وتنتمي لفريقين أو عائلتين من الآلهة هما الإيسر AEsir والفانير Vanirr وبعضها يكون آلهة محاربين مثل تير وثور وبعضهم يكونوا أبناء الإله أودين.
تعتبر الاعتقادات الاسكندنافية بأنّ الآلهة تموت كذلك، حيث يمتلك كل شيء نهاية حتى بينهم، وفقط يحافظون على الخلود والشباب الدائم بفضل تفاحات الإلهة إدون ويعني اسمها { شباب دائم } وهي التي تهبه للآلهة الأخرى، إلى أن تحين المعركة النهائية المعروف باسم الراكناروك Ragnarokk، وهو ما يشبه نهاية العالم بالنسبة للمسيحيين ولكنه أسوأ بكثير.
6. لا يبحث المؤمنون بهذا الدين عن الخلاص من خطيئة قد ارتكبها أسلافهم على صورة خطيئة أصلية وفق المفهوم اليهومسيحي إسلامي.
تمتلك هذه الجماعة موقع رسمي على شبكة الآنترنيت، وفيها يقولون بأنهم يرفضون التطرُّف والكره، ما يهمهم هو الاحتفال بثقافة قديمة وإيمان ايسلندي لا يتأسس على المسيحية. كذلك نجد تجمعات لأعضاء الآساترو في بلدان غربية أخرى، ويسمى بعضهم دين الآساترو الأوديني، ويبدو أنّها تشكل ربطا بين المؤمنين بهذا الدين والإعجاب بنوع الموسيقى فايكنغ ميتال.
نختتم بقول Hilmar Örn Hilmarsson في العام 2010 خلال مقابلة معه:
يُشكّل الإيمان بإله واحد حقيقة بالنسبة للجماعات، لكن يُشكّل الإيمان بعدّة آلهة حقائق كثيرة بالنسبة للفرد!
تعليق فينيق
تعود الأساطير القديمة لتأخذ مجدها بمطلع القرن 21 في قلب أوروبا! دين جديد يستند لتراث قديم وبهوية مدنية أكثر منها دينية تقليدية! يبدو أنّ الأساطير القديمة التي غيبها كهنوت أديان التوحيد ستعود بقوّة إلى ميدان الإيمان عند البشر! أشكر أيّ تصويب أو إضافة