حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
عدد الزوار


 

  “الوباء”

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ساحة الحرية
فريــق العــمـل
فريــق العــمـل
ساحة الحرية


الجنس : انثى
عدد المساهمات : 902
معدل التفوق : 6211
السٌّمعَة : 25
تاريخ التسجيل : 11/12/2011

 “الوباء” Empty
16032017
مُساهمة “الوباء”

 “الوباء” Arton11263-570x430  اشتدّ ضباب المدينة، اشتعلت إنارة الأنهج والمحلاّت، خفّضت السيّارات من سرعتها، لزم المارّة ناحية الرّصيف تجنّبا لمخاطر الطّريق.
 ضغط على زرّ الإنارة، أضاء فضاء مخبره، ثم ارتدى بدلة بيضاء وقفازين رقيقين، وجعل على أنفه وفمه واقية طبيّة. تصاعدت روائح من حاويات بلوريّة ملئت بفئران. كانت تتراقص بالواجهة، تندفع ناحية الزّجاج فتصطدم بها فتحيد إلى ناحية أخرى. قد ترفع قائمتيها الأماميتين إلى أعلى البلور. تحدّق بأعينها المتّقدتين أمامها، وتلتفت بكلّ الاتّجاهات. لا تستقرّ على حال، تنسحب ثانية، تطأطئ رأسها وتدفع أنفها إلى الأسفل فتتشمّم كلّ شيء يعترضها، وتستعمل قوارضها الحادّة بها فتقضم ما كان قد ألقاه لها البيطري.
 اشتدّ انشغاله بها بعدما كان قد رآها ذات مرّة في أتون النّيران. أعشاش من الفئران أبيدت. والّتي لم تمت حرقا ماتت متأثّرة بحروقها. صارعت آلام النّيران الّتي التهمت وبرها، جلودها، شحومها، لحومها وعظامها. لم تسلم منها إلاّ الّتي اندسّت بين الحفر، وتحت التّراب. رقّ البيطري لحالها، شملها بعطفه وحاول مساعدتها. فحمل ما نجا منها إلى مخبره وقرّر إجراء فحوصات عليها. واستعمل أحدث الوسائل الطبيّة لعلاجها. وتعدّدت تجاربه العلميّة لشفائها , قد يفلح في اكتشاف عقاقير مضادّة تساعد هذه الفئران على التخلّص من مادّتها المتعفّنة دون التسبّب لها بمضاعفات مرضيّة قد تلحق بها الأذى أوّلا ثم بالجنس البشري ثانيا. يدرك البيطري صعوبة هذه المهمّة فقد يصيبه داؤها فيؤذيه وقد يقضي عليه قبل توصّله إلى اكتشاف دواء لها.
 حرصه الشّديد على سلامتها لم يدفعه قطّ إلى التعسّف والمجازفة بحياته لأجل علاجها وإنقاذ حياتها. كان يتعامل معها بحذر شديد، لم ينس أبدا بدلته الواقية، ولا تعقيم أدوات عمله.
 تعدّدت محاولاته لاكتشاف العقاقير المضادّة لداء الفئران. وفي كلّ مرّة كانت النتائج تتقدّم، وحرص البيطري على نجاحها يتضاعف. يقدّم البيطري لمرضاه من الفئران موادّ غذائيّة دقيقة. يلاحظ تطوّر صحّتها فقد برزت لها عينان متّقدتان , أسنان حادّة ومخالب قويّة فاشتدّت حواسها. اندملت جراحها، نما وبرها، تماسكت جلودها، ونشطت قوائمها فاشتدّ عودها.
 أصبحت نشطة، فكلّما أحسّت بوخز حشرات صغيرة بجلدها إلا وردّت الفعل على تلك الوخزات بسرعة شديدة، فتعمل مخالبها في ثناياها، وتقوم بحركات في اتّجاهات متعدّدة من جسدها، وقد تدفع رأسها بين قوائمها، وتخلّل قوارضها بها، كأنّ تلك المخالب لم تؤدّ دورها في قضم الجسيمات الصغيرة الّتي كانت قد وخزتها لتدقها بين فكّيها.
 اندفاعها ذاك يظهر مدى نقمتها على تلك الجسيمات التي دبّت الحياة فيها بين دفء وبرها النّاعم، فتراها تتمتّع بسحقها بين فكّيها الحادّتين، وعندما تنتهي منها تمرّر لسانها الملوّث بدمائها على وبرها، وقد تلعقه فتدير لسانها على فكّها السّفلي ثمّ العلوي ثمّ تبتلع ما جمعته من لعابها، وقد تعيد الكرّة بين الحين والآخر وفي أوقات متفاوتة وقد تراها كامل اليوم منشغلة بما بين فروتها وفكّيها فلا يهدأ لها بال حتىّ تأتي عليها جميعا، عندها تشعر بالرّاحة فتتمدّد وتشرع في تنظيف مخالبها الّتي أضناها محكّ جلدها.
 يقدّم البيطري للفئران بعض الحشرات الصّغيرة. يترقّب ردّ فعلها في تعاملها معها ثمّ يعيد الكرّة مرّة وعدّة مرّات على جرذ واحد ثمّ على مجموعة صغيرة منها وفي الأخير على جميعها معا. بعد ملاحظاته، يجمع استنتاجاته ويدوّنها بدفاتره، ثمّ يتوقّف برهة عن كلّ نشاط ويتسمّر بمكانه، فلا يبقى له من علامات الحياة إلا أنفاسه المتدفّقة من بين أضلعه، فيقطّب حاجبيه وتسبح عيناه في فضاء بعيد، ويتعالى بذهنه عن واقعه. قد يكون في لحظات تأمّل، بل في أدقّ وقت انشغاله التام بمصير الفئران، ويخلو ذهنه من الإحساس بالزّمان والمكان، كأنّه يصّعد في السّماء. ثمّ ترتسم على شفتيه امتداد صغير، فابتسامة رقيقة، فيعود من خلالها إلى الواقع. يتحرّك، يرفع يده إلى رأسه بشيء من الدقّة، يحكّ شعر رأسه، ثمّ يعيد يده إلى دفاتره، تقوم أصابعه بضربات متتابعة على طاولته بقلمه الحبري، ثمّ يضعه عليها ويتوجّه إلى مكتبته. ينظر إلى رفوف كتبه، ويمدّ يده ناحية صفّ المجلّدات، يختار واحدة منها يتصفّح ورقاتها على عجل، ويتوقّف عند الصّفحة الّتي يريدها , يصوّب نظّاراته جيّدا، وينكبّ على قراءتها، قد تستغرق قراءته لحظات، وقد تطول كثيرا. لم يكن يشعر بوقوفه الطّويل أمام مكتبته، ولم يكن يبالي بأتعابه، فقد سخّر جهده كاملا في سبيل البحث العلمي، حتّى يتمكّن من العثور على دواء لهذه الفئران، فقد أضنت مشاعره آلامها، وحرّكت أحاسيسه، وغيّرت تفكيره.
 لم ينفكّ عن البحث عن دواء يخلّصها من دائها منذ أن حملها إلى مخبره.
 عندما يتوصّل إلى استنتاج ولو بسيط عن مرضها، يجمع موادّ كيميائية إلى بعضها، ويحاول ترتيب عقاقيرها يزنها، ويقيسها، ثمّ يضخّها في أنبوب وعندما يتأكّد من دقّة مقاديرها، يحملها باتّجاه الفئران ليجري تجاربه عليها، قبل الشّروع في ذلك يردّد لها بعض الأصوات المحبّبة إليها ويقوم بترويضها بشيء من الدعابات وبعض اللّمسات على وبرها. قد تتجاوب معه بإصدار شيء من الحشرجات أو بإرسال بعض الأصوات التي بات يعرف مغزاها فيتحسّس مبتغاها، ويقدّر حاجاتها، ويجتهد في البحث عنها، ويعمل على إنجازها.
 في بعض الأحيان تأتي هذه الفئران بأعمال غريبة غير متوقّعة لم يقدّرها البيطري، فقد تظهر لها تحرّكات منفعلة غير معتادة، وتصدر أصواتا متعالية على العادة فتصبح شرسة وتهاجم بعضها البعض، فينشب عراك وحشي بينها، ويدمي بعضها البعض الآخر، وتشتدّ معركتها فتستعمل مخالبها القويّة وتغرزها في جلودها، فيتطاير وبرها وتتممها بقرض قوي من أنيابها الحادّة فتسيل الدماء وتنتهي في عديد الحالات بموت ضعافها. لا يتحمّل البيطري رؤيتها على هذه الحالة من التوحش، تتقاتل فيما بينها، فتقتل إحداها الأخرى، لذلك كان يعطيها شيئا من المضادات الكيمائيّة التي تقلّل من هيجانها، وتهدّئ من انفعالاتها، فتتعايش من جديد جنبا إلى جنب، دون أن تلحق ببعضها الأذى.
 في إحدى تدخلّاته لنجدتها بالمادّة المهدّئة، نالت منه إحداها، وأحدثت بيده جروحا عميقة أبانت عن الجرح القديم الذي خلفته مقاطع إحداها فيما كان يداعبها، فانقطع عن متابعة علاجها، وانعكست علامات التأثّر على وجهه، تألّم البيطريّ كثيرا هذه المرّة، وأخذ يجفّف دماءه، ويعالج يده. كان المضاد الذي سكبه على يده قوي المفعول، فانقطع سيلان دمه للتوّ. ثم لفّها بلفافة ربطها إلى عنقه، ليجنبها تواتر الحركة المِؤذي، إلا أن الأوجاع لم تنقطع، بل كانت تتضاعف.
 أحسّ البيطري برعشة دبت في عروقه، ثم في كامل جسمه، لم يعرها اهتماما بادئ الأمر، إلا أن تواترها على نسق تصاعدي جعله يوليها انتباهه، فحاول أن يدرسها ويستوضح مصدرها فجلس يتأمل نفسه، وأحاسيسه، وذاته. لكنّه لم يتبيّن الأمر، ولم يفهم أسبابه، إلا أن الشيء الوحيد الذي يستطيع أن يجزم به، هو تشابه حالته هذه مع حالة الفئران قبل اشتداد هيجانها. فاشتد قلقه، هل يمكن أن تنقل له هذه الفئران وباء ؟ هل هي مصابة بوباء حتى تنقله له؟ ماذا لو كانت تحمل فيروسا مستعصيا؟ واشتدّت حيرة البيطري وتصاعدت آلامه حتى أنّه لم يعد يميز بين الأشياء، أظلمت عيناه، ولم يتحكّم في السيطرة على أفعاله، استوى عنده الفعل مع عدمه، فاستقام واقفا كالمعتوه، نظر ناحية حاوية الفئران تقطّب حاجباه، اتّقدت عيناه، واندفع نحوها فأخرج إحداها من الحاوية وداسها تحت قدميه. مشهد ما كان ليقوم به لو لم تؤذيه هذه الفئران، فهو الذي حباها بعطفه دون غيره، لم يكن ليسمح لنفسه بمعاقبتها، لكن تأثيرا قويّا تحكّم بأفعاله، وجعله شرسا، فقام بأشياء مناقضة لأهدافه، مخالفة لمبادئه، ثم أخذ ثانية فثالثة، وعندما تشبّعت عيناه برؤية دمائها السائلة، بدأت مرحلة التراجع شيئا فشيئا، ثم عاد إليه هدوؤه ببطء، وتراخت وتيرة انفعالاته، إلى أن وجد توازنه النفسي المعتاد، فينظر إليها بكل أسف، وتنهمر دموعه مدرارا، تكاد حسرته تقضي عليه.
 اثاقلت يده المعلقة إلى عنقه، وأحس دماءه تتجمد بها، ثم غاب إحساسه بها، فأسرع بفكّها من عنقه، وحلّ لفافتها، نظر إلى يده المجروحة، وحدّق مليّا بجراحه، جراح
 غائرة، لم تندمل بعد، لا بد من تكثيف العلاج حتى تشفى في القريب، فجعل يسكب عليها سائلا مطهرا، ويغمس قطعة القطن بها ثم يمرّرها عليها، عند انتهائه من مداواتها قذف قطعة القطن بحاوية الأوساخ، ثم شرع ينظف ما تبقى من أسلاك القطن عليها بواسطة مقص دقيق، عند وضعه المقص على السلك الأخير ليقذف به خارج يده، لم يتجاوب معه، بل انجذب إلى يده، أعاد مسكه بدقّة هذه المرّة لن يفلت منه، جذبه لكنّه انشدّ إلى جلدة يده، بل علق بها، إنه ليس سلكا قطنيا بل هي شعرة بيده، لكنها ليست كبقية شعر يده، احتار البيطري، وأراد أن يدقّق النّظر بها، فاقتلعها منها، وحملها إلى مخبره، تحت المجهر أبانت دراسته أنّها من فصيلة وبر الفئران، لم يصدق البيطري ما شاهده، فأعاد فحوصاته، كانت النتيجة تبين نفس الحقائق، قراءته المخبريّة تقول إنه أصيب بوباء الفئران، وفي وقت وجيز ستتضاعف أوبار الفئران بيده، وقد تنبت بوجهه، وقد تعمّ كامل جسمه، احتار البيطري في أمره، فهل تسعفه كتبه ودراساته العلمية، فتخلصه من وباء الفئران ؟ يجب عليه أن ينجد نفسه قبل حلول الكارثة، هل يستطيع أن يجد لنفسه علاجا في أسرع وقت، فيتعافى من هذا الوباء الخبيث، لم يعد يكترث بحياة الفئران، عليه أن ينجد نفسه قبل نجدتها، عليه بالإسراع لاكتشاف مضاد فعال في وقت وجيز، إنه في صراع مع الزمن، إن لم يفكّ مشكلته في زمن وجيز، فتك الزمن الوجيز به، وقد تعاوده حالات الهيجان غير العادية، فيبيد الفئران. اشتد الضغط الزمني على البيطري، واشتد باشتداده ضغطه النفسي، عليه أن ينجز عمله في سرعة قياسية، عليه أن يشفى من وبائها قبل أن تفتك به، وقبل أن تهاجمه آلامه الشرسة فيفتك بها. أسرع إلى كتبه يرفعها من مكانها بشدة، فيقلبها ويسرع بقراءة عناوينها، ليست هي العناوين المرجوة، ليس ما يريد البحث عنه، فيلقي بها خلفه، ثم يرفع الذي يليه ويلقي به إلى الوراء، وألقى بها جميعا إلى الوراء، حتى خلّف كومة من الكتب وراء ظهره، كتبه العلمية التي نهل منها علوما كثيرة، وتعلم منها قيم التعامل النبيل مع الكائن الحي والإسراع إلى نجدته عند الشدائد من الإبادة، ها هو الآن يتخلى عنها، الزمن يضغط عليه أكثر، حياته وحياة الفئران على محك الزمن، ألقى بآخر كتاب كان بيده ثم ابتعد عن المكتبة، كأنه ينفصل عنها بل كأنه يقتلع منها، ويودعها إلى الأبد، يتوقّف قليلا، وينظر إليها جيدا، ثم يسرع إلى حاوية الفئران، يجمعها في كيس كبير أسود اللون، ثم يخرج بها ويمتطي سيارته السريعة، ويضعها إلى جانبه، يدير مفتاح التشغيل، ويضغط على البنزين، فتدوي السيارة بقوّة وتنطلق كالسهم مخلفة خيوط دخان دكناء.
 بعيدا عن المدينة، بقرب قرية صغيرة غطّتها أشجار العوسج والزّياتين، توقّف البيطري قرب إحداها، فارعة الأغصان، أخرج الكيس، فتحه، أفرغ تلك الكائنات بها. انسابت الفئران بكلّ الاتجاهات، على مرأى من البيطري كانت الفئران تتّجه صوب فتى صغير يداعب أخاه الرّضيع.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

“الوباء” :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

“الوباء”

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا :: المدونات العامة-
انتقل الى: