ينطلق الباحث حسن أوزال في تقديم ترجمته لأهم المقالات" في الأخلاق" للفيلسوف الفرنسي "أندري كومت سبونفيل"، التي نشرت على موقع مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" للدراسات والأبحاث، تحت عنوان "في الأخلاق"، من سؤال ما الأخلاق؟ السؤال الجوهري الذي غاص فيه سبونفيل ليس فقط في هذا المقال، بل في معظم الأبحاث والكتب التي نشرها.ويبقى سؤال ما الأخلاق ؟ من أهم اهتمامات الفيلسوف الفرنسي سبونفيل، إذ يعتبرها بمثابة كل ما يَفْرِضُه شخصٌ ما، على نفسه أو يَرفُضُه، وذلك ليس أوَّلاً، بغاية الزيادة من قدر سعادته أو تحسين عيشه، لأن ذلك سيغدو مجرد أنانية، بل اعتبارًا منه لمصالح الغير وحقوقه، وحتى لا يُعَدَّ أيضًا من الأغبياء، بل يبقى كذلك، وفيًا لتصور خاص للإنسانية كما لتصور خاص عن ذاته. وبدهي أن الأخلاق هي ما يُجيب عن سؤال "ما الذي عليَّ أن أفعله؟" فهي جملة من الواجبات، إن لم نقل من الأوامر، التي أعتبِرُها معقولة، حتى لو حصل لي أن أخللتُ بها، كما قد يُخِلُّ بها أيّ شخص. إنها القانون الذي أُلْزِم به نفسي، بِغضِّ النظر عن رأي الغير ودونما انتظار جزاء أو شكور.
وقدم سبونفيل صورة عن إدراكنا السطحي لمفهوم الأخلاق، معتبرا أننا غالبا ما نسيء الظن فيما يتعلق بالأخلاق، فليست، كما يقول سبونفيل، هُنا من أجل العقابولا من أجل القمع أو الاتهام، مادام أن لتلك الأمور محاكم وشرطة وسجونًا، ولا أحد يعتبرها أخلاقية في شيء. لقد مات سقراط في السجن، لكنه أكثر حرية من قضاته بالرغم من كل شيء، تبدأ الفلسفة هنا، مثلما تبدأ الأخلاق، فهي تبدأ دومًا، حيث يستحيل كل عقاب، وحيث يستعصي كل قمع، وحيث لا نكون بحاجة لأي اتهام خارجي على أية حال. إن الأخلاق تبدأ حيثما نكون أحرارًا، فهي هذه الحرية ذاتها عندما تَحْكُم نفسَها وتُقاضي ذاتَها.
وبما أن الأخلاق التي يقدم ليست من أجل العقاب، فهي كل ما يربطنا بالآخر، بدءًا مِنَ الذات وصلاً إليها، فأن تتصرف أخلاقيًا يعني أن تأخذ بعين الاعتبار مصالح الآخر، لكن "بِغَضِّ النظر عن الآلهة والناس" كما قال أفلاطون؛ أي دونما انتظار جزاء ولا شكور، ودونما حاجة في ذلك لنظرة أخرى عدا نظرتك الخاصة. هل قُلتُ رهانًا؟ لقد أسأتُ التعبير، مادام أن الجواب ليس يتوقف إلا عليك، إنها ليست رهانًا، بل اختيارًا، فأنتَ وحدك تعرف ما الذي يلزمك فعله، ولا أحد يستطيع أن يتخذ القرار بدلاً منك، أما فرادة وعظمة الأخلاق، فأنتَ لا قيمة لك إلا من خلال ما تفعله من خير، وما تَمتَنِع عن الإقدام عليه من شر، وذلك ليس طلبًا لمنفعة بل لاقتناعك، حتى ولو أن لا أحد على علم بذلك أبدًا، بضرورة حُسن التصرف.
ولا تكون الأخلاق معقولة إلا إذا صِيغَتْ بضمير المتكلم، فليس دليلاً على الجسارة، فأن تقول مثلاً لأحد ما: "إن عليك أن تكون جسورًا" مثلما ليس برهانًا على الشجاعة أن تتوجه إليه بالقول: "يجب عليك أن تكون شجاعًا"، وذلك لأن الأخلاق لا قيمة لها إلا بالنسبة للذات، مثلما أن الواجبات لا شأن لها إلا بالنسبة إلى النفس. أما الآخرون، فتكفيهم الشفقة والقانون. عدا ذلك، مَنْ ذا الذي يستطيع أن يَعْلَم مقاصد الآخرين، ومن ذا الذي بوسعه أن يدرك أعذارهم أو مَزاياهم؟ فلا أحد يمكنه أن يُحاكَم أخلاقيًا إلا من لدن الله، أو من لدن نفسه، وهو أمر يُغْنينا عن كل شيء.
وجدير بالذكر بأن أندري كومت سبونفيل فيلسوف فرنسي (1952-...)، حاصل على الدكتوراه في تاريخ الفلسفة، عمل أستاذا محاضرا بجامعة السربون، باريس. ثم تفرغ سنة 1998 للتأليف والمحاضرات خارج الجامعة. تنصب فلسفته على محاولة تأسيس "ميتافيزيقا مادية". أصدر العديد من الدراسات والمؤلفات، منها: "هل ما زلنا في حاجة إلى الدين"(2003)، و"الفن: من أفلاطون إلى دولوز"(2009)، و"الحرية: من أبقراط إلى سارتر"، وغيرها من الدراسات.
لاطلاع على المقال كاملا، يرجى زيارة الرابط الآتي
http://goo.gl/bmG9jM