تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.محمد بوشيخي - ذواتيرى الباحث التونسي، عبد المنعم شيحة، أن "الفلسفة ثورة"، يتمكن الفيلسوف من خلالاختلاف أفكارها وأنساقها وجدليتها من تحديد موضوع عمل يلتصق به مع الناس والواقع، من أجل السعي "إلى تغييرهم والتأثير فيهم".
كما اعتبر الباحث التونسي في دراسة، نشرها موقع مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث بعنوان "الثورة في الفلسفة"، أن الحديث عن الثورة "يُعيدنا إلى بعض ثوابت فعل التفلسف"، وأن "قراءة تاريخ الفلسفة يبرز لنا أنّ الثورات هي الحِلْية الوحيدة للإنسان وللتاريخ وللفكر البشريّ".
كما رجع الباحث إلى ثورات العصر الحديث على العصر الوسيط، حيث تحدث على سطوة الكنسية على العقل الإنسانيّ في القرون الوسطى، مما جعل الفلسفة في هذه الفترة تدور في خدمة اللاهوت، "مُتأثّرة بأقوال آباء الكنيسة ومناهجهم"، حتى صار تعريف الفلسفة خلال هذه الحقبة "قرين البحث عن الحقّ والحقّ هو الدين". ولهذه الأسباب، جاءت "فلسفة عصر النهضة لتثور على جملة القيم التي قام عليها العصر الوسيط".ففلاسفة هذا العصر، يردف الباحث، عكفوا على "تأمّل العالم وسبر أغواره والاستغراق فيه"، مما أفرز "تغيّرات طالت بنية المجتمعات الغربيّة"، وأدى إلى تراجع النفوذ الكنسيّ نتيجة الحركات الإصلاحيّة التي جاء بها النظام البورجوازيّ. فهذه الحركات هي أوّل الثورات البورجوازيّة ضد "الإقطاع والكنيسة الكاثوليكيّة".
وفي هذا الصدد، توقف الباحث عند نقطتين مهمتين: أولاً، الثورة العلميّة، حيث تحول وضع الإنسان فلم يعد ذلك الكائن الذي لا حول له ولا قوّة، الخاضع لسيطرة الكون، بل صار هو "مُسيطرًا على الكون" يحلله ويفكر فيه، وبذلك فإنّ الثورة، يسترسل الأستاذ شيحة، "حطّمت الثوابت علميًّا وفكريًّا، وهدمت النظريات "التفسيريّة" القديمة في سبيل بناء نظريات عقليّة مبتكرة وجديدة". أما النقطة الثانية، فهي العقل، وهنا يذكر الفيلسوف الفرنسي "رينيه ديكارت" الذي يعدّ "المؤسّس الفعليّ للتوجّه العقليّ في فلسفة العصر الحديث"، ومفهومه للكوجيتو "الذي تستند عليه كلّ معرفة يقينيّة"، ليخلص إلى أن ما قدّمه ديكارت في فلسفته "جوهريّ في ثورة الفكر الحديث على فكر القرون الوسطى"، لأنّ الكوجيتو الديكارتي "يؤسّس لصلة وثيقة بين الفكر والوجود".
الحديث عن الثورة "يُعيدنا إلى بعض ثوابت فعل التفلسف"، وأن "قراءة تاريخ الفلسفة يبرز لنا أنّ الثورات هي الحِلْية الوحيدة للإنسان وللتاريخ وللفكر البشريّ"
وفي موضوع مرتبط، تحدث الباحث عن المقاصد السياسيّة والإيديولوجية للثورة، استخلص من القيم والمبادئ التي نادت بها الثورة الفرنسيّة أهميتها في "تغيير الأوضاع الاجتماعية والسياسيّة، وفي تطوير الواقع عن طريق إرساء أخلاقيات وقيم جديدة بدل تلك التي أبلاها الزمن". كما تناول المفهوم الماركسي للثورة التي ربطها "بحركة البنية الاقتصاديّة في المجتمعات" ورسّخ "الوعي بضرورتها من خلال الانتباه إلى التناقض بين القوى الجديدة للإنتاج وبين علاقات الإنتاج السابقة". فالثورة الاجتماعيّة الناجمة عن تناقض وسائل الإنتاج وعلاقاته تشكل "انقلابا جوهريا في مجموع نظام العلاقات الاجتماعيّة"، وهو انقلاب يشمل البنيتين التحتيّة والفوقيّة لتفكيك المجتمع القديم وتحطيم أشكال اشتغاله، حتىّ يتسنى "إقامة دولة البروليتاريا التي ستتحمّل العبء الكبير في بناء المجتمع الاشتراكيّ الحديث".
وبعد ذلك، استعرض الباحث "ثورات الإنسان المعاصر" وهنا توقف عند لحظة نيتشه الذي تشكل فلسفته ثورة "على المفاهيم الميتافيزيقيّة" من خلال خطابه الذي قوض "القناعات المختلفة التي سادت دهورًا قبله"، كما يرى أن ثورته كانت "شاملة وجذريّة نسف من خلالها الأسس العميقة التي انبنى عليها الفكر الإنسانيّ"؛فنيتشه ثار "على الوعي الزائف الذي يثق بالعقل ثقة عمياء دون انتباه إلى أنّه أداة تخفٍّ وتمويه"، وبالتالي انتقد العقلانيّة الديكارتيّة التي تعتبر أنّ ماهيّة الإنسان هي فكر بالأساس دون أي اعتبار لوجود الجسد.كما أن الفكر مع نيتشه أصبح "عفويًّا غريزيًّا لاواعيًا، وهو ما دفع به إلى القول بالفكر الحرّ" الذي يشكل ثورة "لتحرير الإنسان من بوتقة الماضي وأصنام الميتافيزيقا".
كما عرج الأستاذ شيحة على الفلسفة الوجودية التي تعتبر "ثورة ضد فلسفة أوروبا التقليدية" التي بلغت ذروتها مع الفلاسفة الألمان من أمثال إيمانويل كانط وفريدريك هيجل "اللذان اعتبرا الفلسفة علمًا، وحاولا أن يضعا مبادئ المعرفة الموضوعيّة "الصحيحة" وفق قوانين دقيقة ومُؤكدة"، بينما يرى الوجوديون من أمثال "سورين كيركيجارد" و"جان بول سارتر" و"ألبير كامو" و"كارل ياسبرز" و"مارتين هايدجر" أنّ المعرفة "الموضوعيّة" العامة هي مثل أعلى لا يُمكن الوصول إليه.
كما أن الوجوديّة، يؤكد الباحث التونسي، تعد "ثورة على السلطة الخارجية والقيم الأخلاقية المُستبدة التي حرمت الإنسان من الحرية وملأت حياته ظلمًا وحيفًا بسبب شعوره المُتعاظم بالعبودية"، لأن الإنسان الفرد يشغل المركز في الفلسفة الوجودية وعليه تقع مسؤولية وضع القيم الخاصة به "دون أيّ خضوع إلى السلطات الاستبدادية المتوارثة من الفكر الفلسفي التقليدي أو الديني".