هيمنة مرسي على السلطة وتداعياتها على السياسة الخارجية المصرية
ما بعد غزة ليست
سوى مسألة وقت حتى يمتد "تطرف" الرئيس المصري في الشؤون الداخلية إلى
العلاقات الدولية. ففي أعقاب التوسط الناجح الذي قامت به القاهرة لوقف
إطلاق النيران بين حماس وإسرائيل، نال الرئيس المصري استحسانا كبيرا من
واشنطن والمجتمع الدولي.
الرئيس محمد مرسي يستقبل هيلاري كلينتون
فسر العديدون مفاوضات مصر مع إسرائيل لإنهاء أزمة غزة كإشارة إلى أن
مرسي – رغم كراهيته الموثقة لإسرائيل خلال سنوات عمله ضمن قيادة الإخوان
المسلمين – سوف يلتزم باتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية التي تم
توقيعها عام 1979. ووفقا لما قاله أحد المسؤولين بإدارة الرئيس الأميركي
باراك أوباما لـ«نيويورك تايمز»: «لقد كان رجلا عازما على حل المشكلات».
ولكن إذا ما ألقينا نظرة مدققة، فإن مرسي ليس عازما على حل مشكلات
الشرق الأوسط كما ترغب واشنطن في أن تعتقد. فهو لم يمنع استئناف حركة
الإخوان المسلمين لأجندة سياستها الخارجية المعادية لإسرائيل حتى الآن،
فهو يركز بدلا من ذلك على تعزيز سلطته السياسية – وسلطة الجماعة – محليا.
فعلى الرغم من اعتقاد واشنطن بأن مرسي كان ملتزما بعلاقات سلمية مع
إسرائيل الذي نتج عن قيامه بدور الوسيط لوقف إطلاق النيران في غزة، فإن
مرسي، في عيون ناخبيه الإسلاميين، لم يقدم أية تنازلات. فمن وجهة نظرهم،
كان مرسي صارما في رفضه المستمر للتعامل مع الإسرائيليين حتى إنه أوكل هذه
المهمة إلى مسؤولي الاستخبارات المصرية فيما أرسل رئيس وزرائه للاحتفاء
بمسؤولي حماس في غزة.
كما أنه سمح أيضا بسلسلة من المفاوضات التي تتيح لحماس إلى حد بعيد فرصة
أكبر للاتصال بالعالم الخارجي، وسمح لزعيمها، خالد مشغل بإعلان الفوز على
إسرائيل في مؤتمر صحافي من وسط القاهرة. وكما أخبرني المتحدث الرسمي باسم
جماعة الإخوان المسلمين: «الجميع كان يعرف أن النظام السابق كان منحازا
لإسرائيل ويساندها، ولكن النظام الحالي، يقف إلى جانب الفلسطينيين».
ثم ألقى مرسي لجماعة الإخوان المسلمين “جزرة” بإصداره الإعلان الدستوري
الذي يحمي الجماعة من أي مخاطر سياسية متوقعة، حيث إنه سمح بإعادة محاكمة
المسؤولين في نظام الرئيس السابق مبارك، ومن ثم فإنه جعل قدرة الحزب
الحاكم سابقا على تحدي الإخوان في الانتخابات البرلمانية المقبلة كما فعل
خلال السباق الانتخابي في مايو (أيار) ويونيو (حزيران) أكثر تعقيدا. كما
يمنع الإعلان الدستوري أيضا المحاكم من حل لجنة صياغة الدستور التي يهيمن
عليها الإخوان المسلمون والتي انسحبت منها الكتل غير الإسلامية وهو ما
يجعل مصر على طريق الدولة الدينية.
والأهم من ذلك، هو أن الإعلان الدستوري منح مرسي سلطة تنفيذية غير
مسبوقة. فهو ينص على أن كافة القوانين والمراسيم التي أصدرها مرسي منذ
تنصيبه رئيسا للجمهورية في 30 يونيو «هي قرارات نهائية وإجبارية» حتى يتم
الانتهاء من إعداد الدستور الجديد ويتم انتخاب برلمان جديد، كما أنه يلغي
كافة القضايا التي تم رفعها ضد قراراته. وبمعنى آخر، فإنه يمنح مرسي سلطة
مطلقة لأن «يأخذ الإجراءات الضرورية لحماية البلاد وحماية أهداف الثورة».
أزمة أمن قوميولا يعد الانتقال السريع لمرسي من أزمة أمن قومي إلى الاستيلاء على
السلطة بالشيء الجديد. فهو تعامل على نفس النحو مع التهديد الإرهابي
الكبير الذي وقع في سيناء في أغسطس (آب) والذي استخدمه كحجة لإصدار إعلان
دستوري استولى من خلاله على السلطة التنفيذية، والتشريعية، بالإضافة إلى
الحق في اختيار أعضاء لجنة صياغة الدستور.
في ذلك الوقت، كان من الواضح أن إدارة أوباما مترددة في انتقاد مرسي، حتى
إنها أعربت عن أملها «في أن تخدم إعلانات مرسي الدستورية مصالح الشعب
المصري».
مرسي واسماعيل هنية
ولكن بخلاف أغسطس (آب)، عندما كان المصريون يبدون مضطربين حيال مناورة
مرسي، كان رد فعل المعارضة غير الإسلامية في مصر على إعلان مرسي الأخير
باحتجاجات شعبية حاشدة. فقد أصبح وسط القاهرة مرة أخرى ساحة معركة مشبعة
بدخان قنابل الغاز، واجهت خلالها قوات الأمن التي يتسم سلوكها بالعنف
النشطاء الثائرين. وفي الوقت نفسه، حشدت جماعة الإخوان المسلمين جماهيرها
لتأييد مرسي، والذي شجعهم يوم الجمعة بالتحذير من «السوس الذين ينخر في
جسد الدولة».
وعلى الرغم من تلك التطورات، فما زالت رؤية واشنطن كما هي: فهي تبدو
مترددة في الضغط علانية على مرسي فيما يخص الشؤون المحلية، فهي تعتقد، على
ما يبدو، أن ذلك سوف يضمن لها تعاون مرسي فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.
ومن ثم، ناشد التصريح الذي أصدرته وزارة الخارجية يوم الجمعة «كل المصريين
أن يحلوا خلافاتهم سلميا ومن خلال الحوار الداخلي».
ولكن إعلانات مرسي الدستورية جعلت من «الحوار الداخلي» عملية شبه
مستحيلة، لأنه يحمي مرسي وجماعة الإخوان المسلمين من أي رقابة على سلطاتهم.
والأهم من ذلك، فإن مقاربة واشنطن اللينة تجاه الإخوان المسلمين لم تخفف
من مواقفها المتشددة. فعلى سبيل المثال، كان تصريح مرشد الجماعة، محمد
بديع، يوم الخميس – مباشرة بعد انتهاء القتال في غزة – هو: «يجب على
المسلمين أن يعملوا على استعادة فلسطين بكافة الوسائل والإمكانات، فأولا
وأخيرا، بالاستعداد للقوة»، أو دعوة حزب الحرية والعدالة خلال الأسبوع
الماضي إلى تعديل اتفاقية السلام مع إسرائيل. أو إعلان مسؤول العلاقات
الخارجية بالإخوان المسلمين، محمد سودان، مؤخرا أن مرسي «سوف يلغي التطبيع
مع الكيان الصهيوني تدريجيا».
وبالتالي، بدلا من الاعتماد على الأمل الضعيف المتعلق باعتدال مرسي،
يجب على واشنطن أن تضغط على مرسي لكي يعدل مساره على الفور. فيجب أن
تستخدم المساعدات الاقتصادية ونفوذها لدى صندوق النقد الدولي والتي تسعى
مصر لاقتراض 4.8 مليار دولار منه، كأداة ضغط، لكي تجبر مرسي على اتخاذ
قرارات صعبة ربما تدفعه لتعديل سلوكه. وإلا، سيخرج مرسي من الأزمة الحالية
وهو مقتنع، مرة أخرى، أنه يستطيع تأسيس ديكتاتورية أخرى في مصر دون أن
يدفع الثمن. وهو ما يعني أن يوجه انتباهه للخارج عندما ينتهي من الاستيلاء
على السلطة في الداخل.