فؤاد فريــق العــمـل
الجنس : عدد المساهمات : 786 معدل التفوق : 2214 السٌّمعَة : 22 تاريخ التسجيل : 17/12/2011
| | لإسلام اليوم، منتوجا ثقافيا | |
ينطلق كتاب رشيد بن زين "مفكّرو الإسلام الجدد" من ملاحظة أساسية وهي أن الإسلام قلما ينظر اليه اليوم باعتباره منتوجا ثقافيا. فرغم كونه محطّ اهتمام مفرط في بعض الأحيان، إلا أنّه يظلّ موضع جدال ايديولوجي ونقاش سياسيّ من غير أن يعتبر محطّ غليان فكريّ، ومن غير أن تولى الإنتاجات الفكرية للمثقفين المسلمين الجدد العناية اللازمة. هذا بالضبط ما يرمي اليه المؤلف هنا، إنّه يحاول الوقوف عند هذا الغليان، ويسعى لتأريخ الفكر الإسلامي حديث العهد. فهو يولى اهتمامه إلى مفكّرين لم تبرز أسماؤهم إلا منذ حوالي ربع قرن. فعلى عكس ما تعوّدناه من أنّ ذهننا ينصرف توّا، عند ذكر الفكر الإسلامي الحديث، إلى رواد الإصلاح الكبار، فإنّ هذا الكتاب يتساءل عمّا يمكن أن يكون قد استجدّ في هذا المضمار بعد هؤلاء. ذلك أنّ من بين التطوّرات التي يعرفها الإسلام اليوم ظهور أنماط جديدة من المثقفين، في مناطق متعدّدة من أرجاء المعمور، وبلغات مختلفة، بحيث يكون في استطاعتنا القول إنّ جيلا جديدا من مفكّري الإسلام أخذ يفرض نفسه على الساحة الفكرية. تكمن الجدّة هنا في كون هؤلاء لا ينصّبون أنفسهم مدافعين جددا عن العالم الإسلاميّ في مواجهته لمستجدات الحداثة، وإنّما في كونهم يشعرون بضرورة إعادة التفكير في الإسلام ذاته. إنّ مرماهم هو إعادة فحص الأساليب والطرق والكيفيات التي تمكّن بها الإسلام من أن يبني ذاته تاريخيا، وإعادة النظر في التأويلات المتعاقبة والاستعمالات والتوظيفات التي وظفت بها رسالة القرآن وسنّة الرسول، بهدف غربلة كلّ ذلك عن طريق إعمال النقد. يرمي هؤلاء إذن إلى أن يعرضوا مظاهر الواقع الحيّ والفعليّ للإسلام على مناهج البحث العلمي وتساؤلات العلوم الإنسانية بغية استبعاد التوظيفات الايديولوجية للإسلام، وإرساء شروط هيرمينوطيقا قرآنية جديدة. بيد أنّ مشروعهم النقديّ هذا سرعان ما أخذ يطال المجتمع ذاته. ذلك أنّ هؤلاء المفكّرين يعتقدون أن إمكانية ارساء تلك الشروط لن تتأتّى إلا بسنّ حرية التعبير في المجتمعات الإسلامية، مع ما يواكبها من دمقرطة واحترام للحريات العامة. ومن وجهة النظر هذه، يمكن أن يعدّ هؤلاء المفكّرون الجدد إصلاحيين جددا. لهذا يعمد المؤلّف، في فصل أوّل إلى الوقوف عند الاصلاحيين الروّاد كالأفغاني وعبده ورشيد رضا، ليثبت اختلاف السياق الذي ظهر فيه هؤلاء المفكّرون الذين كانوا يحملون مشعل النهضة في مجتمعات كانت تواجه آنئذ الاستعمار الأجنبي وتحديات الحداثة. لعلّ هذا هو ما جعل إصلاح هؤلاء يتقمص خطابا جداليا، وجعل نقدهم لا ينصبّ على الكيفية التي تكوّن بها الإسلام تاريخيا، بقدر ما يهدف إلى الإلحاح على سوء التوظيف الذي وظّف به المسلمون الإسلام. أمّا هؤلاء المفكّرون الجدد فقد ظهروا في ظرفية مغايرة، وفي بلدان حديثة العهد بالاستقلال، لكنّها تحت سيطرة ديكتاتوريات تهاب كلّ إصلاح. كما أنّهم "حلموا" بثورات قومية واشتراكية بل وإسلامية. هذا فضلا على أنّ علاقتهم بالغرب كانت مخالفة، فهم لم يعرفوه مستعمرا غازيا، بل إنّ أغلبهم تربّى في أحضانه ودرس في جامعاته، إلا أنّهم كثيرا ما لمسوا كيف أنّ هذا الغرب نفسه كان يقف حاجزا دون كلّ مساعي التحرّر الفعليّ في العالم الإسلامي، بل إنّهم عاينوا تدخّل الغرب نفسه في بعض الأحوال لمساندة الحركات الأصولية ذاتها، قبل أن يعمل على فضحها وانتقادها فيما بعد ليعدّها ضمن "امبراطورية الشرّ". واجه هؤلاء المفكّرون الجدد، في الوقت ذاته، السلطات السياسية اللاديمقراطية، كما واجهوا العلماء التقليديين المحافظين، وكذا الحركات الأصولية الناشئة. وقد حدّد ذلك طبيعة الإشكالية الفكرية التي خاضوها، مثلما حدّد علاقتهم بالحداثة ومكتسباتها. فبينما كان الأمر يتعلّق بالنسبة للإصلاحيين الروّاد بمحاولة التوفيق بين الإسلام ومكتسبات العلم الحديث، واعتناق علوم الغرب وتقنيته مع الحفاظ على أسس العقيدة والتطبيقات التشريعية التي تتمخّض عنها، فإنّ هؤلاء الجدد أدركوا الحداثة من زاوية مخالفة، فهم لا يعدّونها من قبيل ما تمّ وحصل، ولا يسلّمون، على سبيل المثال، بأنّ العقل معطى كونيّ، وإنّما ينظرون إليه كقدرة تبنى اجتماعيا، وتوجد ضمن ممارسات وخطابات متعددة. إنّ الحداثة في نظرهم انتصار العقل والعلم على التقليد والموروث. وفي قلب الحداثة هناك الفرد الذي يتمتّع بحرية الفكر والفعل والمبادرة.
إنّ ما يأخذه هؤلاء عن الحداثة هو بالأساس جانبها النقدي. فهم يدعون لفكر إسلامي حديث، أي لفكر يدعو إلى تبنّي مكتسبات العلوم الاجتماعية من لسنيات وسيميولوجيا وسوسيولوجيا وتاريخ مقارن للأديان، بهدف تطبيق كلّ ذلك في دراسة الإسلام وتأويل نصوصه، لإعادة الحياة للفكر الإسلامي بإثارة الانتباه الى المشاكل التي عمل على كبتها، والمحرّمات الفكرية التي أقامها، والحدود التي رسمها، والآفاق التي امتنع عن التطلّع إليها. ما يجمع هؤلاء المفكّرين إذن ليس وحدة الخطاب ولا وحدة الحقول المعرفية، وإنما وحدة المنظور لكي لا نقول وحدة المنهج. نتبين ذلك بسهولة إذا قارنّا أعمال مفكّر كمحمد أركون بكتابات فاطمة المرنيسي أو نصر حامد أبي زيد، أو عبد المجيد الشرفي أو محمد الطالبي ومحمد خلف الله، أو فريد إسحاق. غالبا ما يؤخذ على معظم هؤلاء تأثّره بمفكّري الغرب، وان كان مؤلّف هذا الكتاب ينفي عنهم ذلك ويزعم أنّ "انتقاد هؤلاء للغرب هو في مثل الصرامة التي ينتقدون بها تراثهم الإسلامي"، الا أنّه لا يحاول أن يثبت ذلك في الفصول التي عقدها لكلّ واحد منهم. وعلى أيّة حال فإنّ المؤلّف لم يحاول في الكتاب بمجمله أن يتقمّص هو كذلك الروح الانتقادية التي ادّعاها لهؤلاء، فاكتفى بعرض تعريفيّ لكلّ واحد منهم. بل اكتفى في الغالب بترديد معاني ليست غريبة عمّن يتابع هذه القضايا باللغة العربية. فكثبر من المعاني الواردة في هذا الكتاب تستمدّ قيمتها، وربما جدّتها كذلك، من اللغة التي كتبت بها. هذا فضلا عن كون هذا الكتاب قد أغفل مفكّرين ربّما كانوا يفوقون أهمّية أولئك الذين عرض لهم. ولعلّ سبب ذلك يرجع هنا كذلك للمسألة اللغوية، وإلى كونهم لم يكتبوا بغير اللغة العربية، إلا أننا نعتقد أنّ ذلك ليس سببا كافيا لعدم اعتبارهم ضمن "المفكّرين الجدد للإسلام". | |
|