المجلس الأعلى للثقافة والآداب والفنون في دولة الكويت دعا للقاء شاركت
فيه تحت عنوان “لقاء المثقفين العرب – لماذا أخفق المشروع النهضوي؟” وذلك
من يوم الرابع والعشرين حتى السادس والعشرين من يناير الماضي.
وثمة مرحلة تاريخية عربية لا يمكن التغاضي أساساً عنها، إذا حاولنا البحث فيها.
وقد ركزنا في مشاركتنا على ما رأيناه من العناصر الحاسمة، أي التأسيسية في الحالة التي نحن أمامها.
إن حديثاً عن نهضة عربية حديثة لم يكن محتملاً إلا في مرحلة تاريخية،
تمثلت في بروز ثنائية كبرى قامت على مُعطيين اثنين. أما الأول منهما فيقوم
على أن العرب في العصر الحديث بدؤوا يواجهون ضرورة إعادة بناء مجتمعاتهم
في ضوء التحرر من الاحتلال العثماني، الذي ظل أربعمائة عام جاثماً على
صدورهم بلسم حماية الإسلام وحمايتهم، وكان على هذا التحرر من أجل أن يكون
فاعلاً، أن يكون حقيقياً وشاملاً، بمعنى أنه كان مشروعاً بالانفصال عن هذه
الامبراطورية الإقطاعية العجوز من طرف، وبمعنى أنه – كذلك – كان لابد أن
يقترن بالتقدم التاريخي السياسي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي خصوصاً، من
طرف آخر، وبصيغة أخرى، كان مطروحاً على بساط البحث أمام العرب منذ أواخر
القرن الثامن عشر هدفان يؤسسان للنهوض العربي، هما التحرر الوطني والقومي
أولاً والدخول في عالم التقدم والحداثة ثانياً.
وعلينا أن نلاحظ بدقة، أن ذلك النهوض راح يُفصح عن نفسه في مرحلة ذات
دلالة خطيرة بالنسبة إلى بداية هذا النهوض، كما بالنسبة إلى مصائره
المستقبلية. إن ما نعنيه بذلك يتمثل في التواقت الذي حدث بين إدراك
الطلائع العربية بضرورة الانسلاخ عن الامبراطورية العثمانية الهرِمة
والآخذة في التفتت تحت اسم “الرجل المريض”، ولتعاظم نشاطهم في سبيل ذلك من
طرف، وبين بدايات دخول الغرب الاستعماري إلى العالم العربي ومحاولات
الهيمنة عليه بمعظم حقوله وإمكاناته من طرف آخر.
لقد أفصحت اتجاهات العرب اللاحقة عن خط صاعد بالنسبة إلى الغرب وعن
هبوط مطّرد بالنسبة إليهم، وتعاظم جبروت المجتمع الغربي الليبرالي
الاستعماري حيال الغرب، وكذلك في المراحل اللاحقة من تطور هذا الأخير، فمن
الاستعمار الاقتصادي والمالي والسياسي والثقافي، إلى مرحلة الامبريالية
التي اتسمت بتقسيم العمل فيما بين بلدانها، مع إحكام القبضة على العرب
وعلى شعوب أخرى (العالم الثالث). وسنلاحظ أن هذا التصاعد التاريخي بالنسبة
إلى الغرب يصل إلى أعمق احتمالاته في المرحلة الجديدة التي برزت بعد حدوث
شروط ثلاثة، هي نتائج حرب العراق الثانية، وتفكك الاتحاد السوفييتي، ونشوء
ثورتي المعلومات والاتصالات. لقد أفضى ذلك إلى مرحلة العولمة التي رفعت
مشكلات ومعضلات العالم العربي إلى سقفها الأقصى الراهن، وعلى هذا الأساس،
راحت عملية هائلة تفرض نفسها على العالم المذكور من موقع المرحلة المذكورة.
وعلى هذا النحو، نلاحظ أن النظام المذكور راح يقلب الأسئلة الكبرى
والصغرى التي تواجه العرب، ولكن كذلك العالم برمته، أما بالنسبة لأولئك،
فبدلاً من سؤالي عن الحرية والتقدم، اللذين برزا في مراحل النهوض النسبية
الأولى التي عاشوها من أواخر القرن الثامن عشر إلى العِقد الأخير من القرن
العشرين، أخذ سؤالان آخران يفرضان نفسيهما على أولئك وعلى جل شعوب العالم
(الثالث خصوصاً)، هما سؤالا التاريخ والوجود، فلم يعد ممكناً أن نطرح
قضايا الحرية والتحرر إضافة إلى قضايا التقدم التاريخي، بعيداً عن حيثيات
جديدة فرضتها العولمة، وفي مقدمتها الاستحقاقات التي يفرضها السؤالان
المذكوران، وهما التاريخ والتقدم، الآن نصوغ الأمر هكذا، أما زال العرب
قادرين على إنجاز الاستمرار التاريخي الوحدوي، ومن ثم على ملء وجودهم
التاريخي حيوية، دون أن يُبشّر بخروجهم من التاريخ العام والخاص؟
