لا يمكن الحديث عن جدوى قتل الملك في هذه الحالة، الوقت غير مناسب وأي محاولة قد تتسبب بخسائر فادحة، فالدفاع القائم لا يكفي لصدّ هجوم معاكس، ربما لو كان جرونفيلد موجودا لأثنى على هذه الاستنتاج.
عندما اندلعت الحرب لم أفهم لماذا يقتل الناس بعضهم بعضا. يقال عندما تنتهي المعركة فإنها تنتهي لعدم توفّر المقاتلين..
لا أدري لماذا لم تنته تلك المعركة مبكّرا، فهل الحياة معركة؟... ربما هي عبارة بسيطة،
ولكن أن تكون في قلب المعركة فذلك ليس بسيطا أبدا...
أنت في قلب المعركة ولكنك لست طرفا فيها، ولا مصلحة لك فيها، لم تخترها ولم تختر الزمان ولا المكان...
لا أحد يريد قتلك ...
ولا أحد يهتمّ لأمرك...
فهذه معركة بالوساطة
كأنها تكرار لمعركة قابيل وهابيل
فالتكرار قانون أزليّ
إنها الغيرة وفقط الغيرة.
لا تعنيني تلك الصراعات، فأنا حتى الآن لم أتجاوز الخامسة. في حياتي السابقة خضت حربا ضروساً وكنت طرفا فيها، حربا بين قبائل التتار وسكان جبال القفقاس، حيث موطني الأصلي.
أما الآن فأنا جالس إلى الطاولة، أتناول طعاما أُعدّ لي على عجل، فالمعركة لا بدّ لها أن تستمر...
تزعجني تلك الوظائف المجانية، تناول الطعام والشراب والنوم ومن ثم التبول والتبرز. لماذا كلّ ذلك؟
متى أستطيع الاستغناء عن هذه الوظائف؟
.....أما أنت فماذا عنك؟ هل ستهرب مثلهم؟
انه قدر جماعي، خيار جماعي، ومتفق عليه، ربما تلك سطوة الغريزة، إنّه هروب جماعي يذكرني بمشاهد هروب قطعان المها، فما إن يجفل أحدها حتى يسري الخوف فيها كالنار في الهشيم، فلا تدركها الضواري.
أتساءل... هل سيدركون يوما، ربما عندما يصلون حافة القبر، أنهم ليسوا إلا مجرد أطفال في سنّ الخامسة...
تروق لي تلك اللعبة...
فهو خائف على كرسيه، ماذا لو ترك الكرسي؟ هل سيبقى خائفا؟
ربما عندها سيخاف على حياته؟
وماذا لو ترك حياته؟
عندها على ماذا سيخاف؟
إن التفاف الجميع من حوله يشعره بالأمان...
شعور زائف ومؤقت، فالقلق يدمر أعصابه وينير ليله بالهواجس، فهو يضع خططا ويبني دفاعات وحواجز مختلفة ومتعددة، ويسعى لامتلاك أسلحة متطورة، فقد همس أحدهم في أذنه اليسرى:“السلاح سيحميك.. فأكثر من الأسلحة وابنِ أسوارا وراء أسوار، وراقب جيدا وأحصِ الأنفاس والأنفس ولا تثق بأحد”.
كيف لك أن تثق بأحد وأنت لا تثق بنفسك؟ هلا حدثتني عن المأساة أم انّه لغز محير.
ذلك الكائن الذي وصل إلى المريخ ولكنه ما زال عاجزاً عن الوصول إلى موطئ قدمه، أهو الالتباس العائد لقرب المسافة أم انكسار الضوء في الموشور، أم انه انفصال وقع في زمن منسيّ؟؟؟