لا أعرف لماذا أحب الشتاء ويحبني؟!
هل لأنني لم أتعلم رسم انتصاراتي إلا فيه؟! هل لأنه يشبهني؟! فعبر امتداد برودته يمتد صقيعي، وعبر جمر مواقده يتلظى دفئي، فهل هو أنثى؟!
ربما في ضبابه الساحر ضبابيتي، وفي عتمته حسي وهواجسي، وفي هطوله هطولي. ولطالما حققت انتصارات حروبي خلف نوافذ بيوته المتقدة، وكم كنت زائراً شقياً تحلّ في صدري المهجور ملتمساً دفئي في موسمه.
وكنتُ كثيراً ما تضحكني سخرية الأقدار من تقلب الطبيعة؛ كيف تدور دورتها الكونية وتردك إلى صدري/ ملجئك وموقدك؟! فتضع سريعاً قبلة جذلى وتختصر التعريف عن نفسك، وتطبع فوق شفتي توقيعاً ألهب الأدمة دون الوصول إلى الجذوة، وتهرب متسللاً إلى عالمك دون اعتذار، وكأنك ثملت من الكأس الأولى، وتتركني دون أن أقرع كأسي بكأسك، ولا تنتظر توقيعي كتوقيعك، وبغمرةٍ عجلى تفترش الأرض وتنام.
ولكنني أريدك أن تدرك أنني عندما ألقاك وكأني بالأرض تدور دورتها الكبرى، والشمس تهجر مدارها. وكأني بالأشجار تنزف ما عندها من أوراق صفراء، وتنبت في لحظات عند أعالي أغصانها أوراق خضراء.
عندما ألقاك! تندمج الفصول في فصل واحد، وتغتسل الطيور بماء المطر الطهر منتظرة بزوغ الشمس.
عندما ألقاك! وكأني بالشفق ينجدل مع السماء جدائل شَعر أنثوي، يتلوى بالرغبة دون الوصول. وكأني ببراعم الأزهار نفضت طوقها إعلانا للبداية، ونثرت عبقها لتخلط النارنج بالياسمين داخل صدري.
عندما ألقاك! كأني بالبحر تقلص خجلاً في جرعة نبيذية داخل جسدي.
وكأني بالمطر يتساقط صعوداً ليلهب نهايات نهايات أعصابي، فيجعل جسدي يضيق بثيابي.
ألقاك! فألقى رجال العالم، واعتصر حبك وكأني اعتصر ثمالة العشق من شفاه العاشقين أجمع. ثم تلثم خلاياي ولا تدرك أنك تلثم السنابل، وتضمني ولا تدرك أنك تضم الأرض، وتعتلي هضابي ولا تدرك انك تعتلي الشمس، وتفرح وتضحك وتصرخ فوق صدري، ولا تدرك أنك فوق الكواكب والمجرات. ثم ترتمي مثقلاً من جديد، لتترك الدورة الكونية تتخبط فوقي، والبراكين الهمجية تهدر داخلي، وتعبر جيوش المغول بين هضابي، ويبدو هولاكو صغيراً بحجم النملة، عاجزًا أن يقفل أبوابي.
وأبقى أنا أستسقي السماء هطولاً، فيستجيب الشتاء كي يخمد ما أشعلته بفوضوية الصغار، ثم أرتد إليك، لأمرر يدي في خصلات شعرك موقعة انتصاري… هكذا ألقاك.