“فليقتل كل واحد أخاه وصاحبه وقريبه” (الخروج 32: 27)
“يقوم الله، يتبدد أعداؤه ويهرب مبغضوه من أمام وجهه” ( المزمور 50: 3)
“يمينك تصيب كل مبغضيك. تجعلهم
كتنور نار حين يتجلى وجهك” (المزمور 21: 9-10)
يورد المحرّرون التوراتيون عناوين بعض المراجع القديمة التي كانت بين أيديهم مثل: سفر أخبار الأيام لملوك يهوذا، وسفر أخبار الأيام لملوك إسرائيل، وسفر أخبار سليمان، وسفر حروب الرب…الخ. ويبدو أن سفر حروب الرب قد احتوى على أخبار حروب يهوه منذ الخروج من مصر وحتى دخول أرض كنعان. وقد استعرنا عنوانه لهذا البحث حيث سنجد أن المجازر التي أحدثها يهوه في صفوف بني إسرائيل لا تقل هولاً عن المجازر التي أحدثها في صفوف أعدائهم.
عندما وثّق يهوه عهده مع بني إسرائيل بالدم وعمّدهم بدماء الثيران المذبوحة التي رشّها عليهم، كان يشير من خلال هذه الشعيرة إلى أن سفك الدماء سيكون وسيلته لتحقيق أهدافه، لا فرق في ذلك بين دماء بني إسرائيل ودماء أعدائهم. ولم يطل به الوقت حتى عمَّد شعبه بدمائهم بعد أن عمّدهم بدماء القرابين، فبعد أن صعد موسى إلى الجبل مرة ثانية ليتلقى بقية بنود الشريعة وغاب أربعين يوماً: “اجتمع الشعب على هرون وقالوا له: قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا لأن هذا موسى الرجل الذي أصعدنا من أرص مصر لا نعلم ماذا أصابه. فقال لهم هرون: انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبناتكم وبنيكم وأتوني بها… فأخذ ذلك من أيديهم وصوّره بالإزميل وصنعه عجلاً مسبوكاً. فقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر. فلما نظر هرون بنى مذبحاً أمامه، ونادى هرون وقال: غداً عيد للرب. فبكروا في الغد وأصعدوا محرقات وقدموا ذبائح سلامة، وجلس الشعب للأكل والشرب ثم قاموا للعب.” (الخروج 32: 1-7).
إن موقف هارون من مسألة العجل الذهبي ليثير العجب فعلاً. فهو لم يبدِ بادرة معارضة على الإطلاق، بل إن فكرة تمثال العجل كانت من ابتكاره وتنفيذه، منتهكاً بذلك الوصية الثانية القائلة: “لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورةً ما… لا تسجد لهن ولا تعبدهن.” فهل كان يُكِنُّ حسداً دفيناً لموسى ويتحين الفرصة المناسبة لإقصائه والحلول محله؟ إن سياق الأحداث اللاحق يرجح هذا التفسير، عندما نرى في سفر العدد كيف تمرد هارون وأخته مريم على موسى.
وكما يمكن أن نتوقع بعد أن صرنا على دراية بشخصية يهوه، فقد جاءت ردة فعله سريعة وأكثر هولاً مما يمكن للشعب أن يتخيل: “فقال الرب لموسى: اذهب وانزل لأنه قد فسد شعبك الذي أصعدته… فانصرف موسى ونزل من الجبل ولوحا الشهادة في يده مكتوبان على جانبيهما، من هنا وهناك كانا مكتوبين. واللوحان هما صنعة الله والكتابة كتابة الله منقوشة على اللوحين… وكان عندما اقترب إلى المحلّة أنه أبصر العجل والرقص، فحمي غضب موسى وطرح اللوحين وكسرهما في أسفل الجبل. ثم أخذ العجل الذي صنعوه وأحرقه بالنار وطحنه حتى صار ناعماً وذراه في الماء وسقى بني إسرائيل. وقال موسى لهرون: ماذا صنع بك هذا الشعب حتى جلبت عليه خطية عظيمة؟ فقال هرون: لا يحمُ غضب سيدي. أنت تعرف الشعب أنه في شرٍّ. فقالوا لي اصنع لنا آلهة تسير أمامنا لأن موسى هذا الرجل الذي أصعدنا من مصر لا نعلم ماذا أصابه… ولما رأى موسى أن الشعب مُعرى لأن هرون كان قد عراه للهزء، بين مقاوميه()،وقف في باب المحلة وقال: من للرب فإلي. فاجتمع إليه جميع بني لاوي، فقال لهم: هكذا قال الرب إله إسرائيل. ضعوا كل واحد سيفه على فخذه ومروا وارجعوا من باب إلى باب في المحلّة واقتلوا كل واحد أخاه وكل واحد صاحبه وكل واحد قريبه. ففعل بنو لاوي بحسب قول موسى. ووقع من الشعب في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف رجل. وقال موسى: املأوا أيديكم اليوم للرب حتى كل واحد بابنه وبأخيه فيعطيكم اليوم بركة.” (الخروج 22: 7-29).
بعد سقوط الآلاف مضرجين بدمائهم وحصول القتلة على بركة يهوه لأنهم ملأوا أيديهم للرب كل واحد بابنه وأخيه، لم يجد بنو إسرائيل ما يفعلونه في مواجهة هذه الطبيعة الشيطانية للإله الذي أبرموا معه عهداً لا يمكن فسخه، سوى إظهار التوبة الزائفة يتقون بها شره. ولسوف يظهر زيف هذه التوبة بعد أول فرصة سانحة لتمرد آخر. وقد قبل يهوه توبتهم ولكنه حرد ونقل مسكنه إلى خارج المحلة وأعلن لموسى أنه لن يسير أمامهم بعد الآن: “وأما أنا فلا أصعد فيما بينكم لأنكم شعب قساة الرقاب، لئلا أفنيكم في الطريق… وأخذ موسى الخباء وضربه خارج المحلة بعيداً”. ثم إن موسى راح يرجو إلهه لكي يغير رأيه ويعود للسير أمامهم: “فقال له: إن لم يسرْ وجهك أمامنا فلا تصعدنا من ههنا. فإنه بماذا يُعلم أني وجدت نعمة في عينيك أنا وشعبك؟ أليس بمسيرك معنا فنمتاز أنا وشعبك عن جميع الشعوب الذين على وجه الأرض؟ فقال الرب لموسى: هذا الأمر أيضاً الذي تكلمت عنه أفعله لأنك وجدت نعمةً في عيني.” (الخروج: 33).
“ثم قال الرب لموسى: انحت لك لوحي حجر كالأولين فأكتبُ عليهما الكلام الذي كان على اللوحين الأولين اللذين كسرتهما، وكن مستعداً في الصباح واصعد إلى جبل سيناء… فنحت لوحين من حجر كالأولين وبكر موسى في الصباح وصعد إلى جبل سيناء… فنزل الرب في السحاب. فوقف عنده هناك ونادى باسم الرب. فاجتاز الرب قدامه ونادى: الرب، الرب إله رحيم ورؤوف. بطيء الغضب وكثير الإحسان والوفاء حافظ الإحسان إلى ألوف. غافر الإثم والمعصية والخطية ولكنه لن يبرئ إبراءً. يفتقد ذنوب الآباء في الأبناء وفي أبناء الأبناء إلى الجيل الثالث والرابع.” (الخروج 34: 1-7).
في هذا الخطاب الرنان يدعي يهوه لنفسه من الصفات ما ليس له. فهو يقول إنه رحيم وليس بالرحيم. وإنه بطيء الغضب بينما يسبق غضبه تفكيره. وإنه كثير الوفاء وهو أبعد ما يكون عن الوفاء. ولا أدل على قلة وفائه من نكرانه لما قدمه له كل من هارون وموسى عندما قتلهما تباعاً بعد انتهاء مهمتهما. كما أنه يكشف عن طبيعته المتناقضة عندما يقول بأنه يغفر الذنب ولكنه ينتقم لذنوب الآباء في أبنائهم. ولكأن يهوه يقول لشعبه هنا: أنا غامض ومتناقض ولا يمكن الاطمئنان إلي. عليكم أن تقبلوا هذا وتتعايشوا معه.
بعد ذلك ندخل في سرد طويل لتعليمات يهوه بخصوص كيفية صنع مسكن الرب وتابوت العهد الذي يحفظ لوحي الوصية والشهادة، وصنع بقية الأثاث الطقسي للمسكن وثياب الكهنة. وهذه التعليمات تستغرق الإصحاحات الخمسة الأخيرة من سفر الخروج. ثم نأتي إلى سفر اللاويين الذي يتابع فيه الرب سرد مزيد من القواعد التشريعية والطقسية. وهذا السفر هو أكثر أسفار الكتاب إثارة لملل القارئ الذي سيتساءل عما إذا كان بمقدور أي إنسان الحياة وفق هذه القواعد التي سيعاد سردها بأسلوب جديد في سفر التثنية ويضاف إليها المزيد. ولقد كان في ذهن بولس الرسول السؤال نفسه عندما وصف شريعة العهد القديم بأنها لعنة حيث قال: “إن دُعاة العمل بأحكام الشريعة لُعنوا جميعاً. فقد ورد في الكتاب: ملعون من لم يثابر على العمل بجميع ما كُتب في سفر الشريعة… فالمسيح قد افتدانا من لعنة الشريعة.” (الرسالة إلى أهالي غلاطية 3: 10-13).
في مطلع سفر العدد يعود يهوه إلى الفعل بعد أن كان دوره في سفر اللاويين مقتصراً على إملاء وشرح بنود الشريعة. فأمر عبده موسى أن يحصي جماعة إسرائيل “فكان عدد جميع المعدودين من بني إسرائيل حسب بيوت آبائهم من ابن عشرين سنة فصاعداً ستمئة ألف وثلاثة آلاف وخمسمئة وخمسين. وأما اللاويين حسب أسباط آبائهم فلم يُعدوا بينهم.” (العدد: 1). بعد ذلك تحركت الجماعة وقد انتظمت في اثني عشر فرقة على كل فرقة قائد (العدد 10: 12-27) وغادروا جبل الرب في مطلع السنة الثانية للخروج.
كان كل من الرب والشعب يراقب الآخر في حذر توقعاً لمواجهة جديدة بين إله نزق وشعب متذمر، ولم تتأخر المواجهة كثيراً فقد وصلت أسماع يهوه همسات تذمر يتناقلها الشعب، فبادر على الفور إلى إشعال النار في المحلة: “وكان الشعب كأنهم يشتكون شراً في أذني الرب. وسمع الرب فحمي غضبه، فاشتعلت فيهم نار الرب وأحرقت في طرق المحلة. فصرخ الشعب إلى موسى فصلى موسى إلى الرب فخمدت النار. فدُعي ذلك الموضع تبعيرة (= مشعلاً) لأن نار الرب اشتعلت فيهم.” (العدد 11: 1-3).
ولكن هذا التحذير لم يكن كافياً. فقد انقطعت طيور السلوى عن الهبوط في الأماكن الجديدة التي كان بنو إسرائيل يجتازونها: “فعاد بنو إسرائيل أيضاً وبكوا وقالوا: من يطعمنا لحماً؟ قد تذكرنا السمك الذي كنا نأكله في مصر مجاناً، والقثَّاء والبطيخ والكراث والبصل والثوم. والآن قد يبست أنفسنا. ليس شيء غير أن عيوننا إلى هذا المن… فقال موسى للرب: من أين لي لحم حتى أعطي جميع هذا الشعب؟… لا أقدر وحدي أن أحمل جميع هذا الشعب لأنه ثقيل عليّ. فإن كنتَ تفعل بي هكذا فاقتلني قتلاً إن وجدتُ نعمة في عينيك فلا أرى بليتي… فقال الرب لموسى:… للشعب تقول: تقدسوا للغد فتأكلوا لحماً… تأكلون لا يوماً واحداً… بل شهراً من الزمان حتى يخرج من مناخركم ويكون لكم كراهة، لأنكم رفضتم الرب الذي في وسطكم… فخرجت ريح من قبل الرب وساقت سلوى من البحر وألقتها على المحلة نحو مسيرة يوم من هنا ومسيرة يوم من هناك حوالي المحلة… وإذ كان اللحم بعدُ بين أسنانهم حمي غضب الرب على الشعب وضرب الرب الشعب ضربة عظيمة جداً فدعي اسم ذلك الموضع قبروت هَتأَوَة (= قبور الشهوة) لأنهم قبروا الذين اشتهوا.” (العدد 11: 4-35). وهذه هي المذبحة الثانية التي أحدثها يهوه في صفوف شعبه قبل أن يشهر سيفه على أعدائهم.
بعد ذلك تظهر بوادر انشقاق في أسرة موسى. ويبدو أن أسبابها كامنة في النزاع على السلطة بين هارون وموسى. أما النص فيعطينا أسباباً غير مقنعة على هذا الانشقاق الذي اتخذ شكل تمرد واضح: “وتكلمت مريم وهرون على موسى بسبب المرأة الكوشية التي اتخذها، لأنه كان قد اتخذ امرأة كوشية. فقالا: هل كلم الرب موسى وحده؟ ألم يكلمنا نحن أيضاً؟… فنزل الرب في عمود سحاب ووقف في باب الخيمة ودعا هرون ومريم فخرجا كلاهما فقال: اسمعا كلامي. إن كان منكم نبياً للرب فبالرؤيا استعلن له، في الحلم أكلمه. وأما عبدي موسى فليس هكذا بل هو أمين في كل بيتي، فماً لفم وعياناً أتكلم معه لا بالألغاز وشَبَهَ الرب يعاين. فلماذا لا تخشيان أن تتكلما على عبدي موسى. فحمي غضب الرب عليهما ومضى. فلما ارتفعت السحابة عن الخيمة إذ مريم برصاء كالثلج… فصرخ موسى إلى الرب قائلاً: اللهم (= إيلوهيم) اشفها. فقال الرب لموسى: لو بصق أبوها في وجهها أما كانت تخجل سبعة أيام؟ تُحجز سبعة أيام خارج المحلة وبعد ذلك ترجع” (العدد: 12).
وصلت الجماعة إلى الأطراف الجنوبية لأرض كنعان، وعسكر موسى في موقع قادش في برية فاران في الأرض الموعودة وعادوا بعد أربعين يوماً: “فساروا حتى أتوا إلى موسى وهرون وكل جماعة بني إسرائيل إلى برية فاران إلى قادش، وأروهم ثمر الأرض وأخبروه وقالوا: قد ذهبنا إلى الأرض التي أرسلتنا إليها. وحقاً إنها تفيض لبناً وعسلاً وهذا ثمرها. إن الشعب الساكن في الأرض معتز والمدن حصينة عظيمة جداً… وجميع الشعب الذي رأيناه فيها أناس طوال القامة. وقد رأينا هناك الجبابرة بني عناق فكنا في أعينهم كالجراد. فرفعت كل الجماعة صوتها وصرخت وبكى الشعب تلك الليلة وقال لهما كل الجماعة: ليتنا متنا في أرض مصر، ليتنا متنا في هذا القفر. ولماذا أتى بنا الرب إلى هذه الأرض لنسقط بالسيف وتصير نساؤنا وأطفالنا غنيمة؟ أليس خيراً لنا أن نرجع إلى مصر؟ وقال بعضهم لبعض: نقيم علينا رئيساً ونرجع إلى مصر… ثم ظهر مجد الرب في خيمة الاجتماع لكل بني إسرائيل. وقال الرب لموسى: حتى متى يهينني هذا الشعب، وحتى متى لا يصدقونني بجميع الآيات التي عملتُ في وسطهم؟… قل لهم حي أنا يقول الرب لأفعلن بكم كما تكلمتم في أذني. في هذا القفر تسقط جثتكم، جميع المعدودين منكم حسب عددكم من ابن عشرين سنة فصاعداً، الذين تذمروا علي… وأما أطفالكم الذي قلتم يكونون غنيمة فإني سأدخلهم الأرض التي احتقرتموها… يكونون رعاة في القفر أربعين سنة… ومات الرجال الذين أشاعوا مذمة الأرض بالوباء أمام الرب.” (العدد: 13-14).
قرار يهوه هذا لم يكن ليُنفّذ من دون معارضة. لقد حكم عليهم بالبقاء في الصحراء أربعين سنة ريثما يموت الجيل الذي تمرد عليه، وبعد ذلك يستبدلهم بالجيل الذي خرج من أصلابهم. ولكنهم أرادوا في المقابل استبداله وذلك بالانقلاب على نبيه، والأمنية التي تمنوها عند قال بعضهم لبعض: “نقيم رئيساً ونرجع إلى مصر”، سوف تتحول إلى خطوة عملية عندما تمرد ثلاثة من وجهائهم من ذوي الأموال على موسى في محاولة لإزاحته عن القيادة وهم: قورح بن يصهار، وداثان وأبيرام ابنا إلياب وأون بن فالت. وانضم إليهم مئتان وخمسون من رؤساء الشعب:
"فاجتمعوا على موسى وهرون وقالوا لهما: كفاكما. إن الجماعة بأسرها مقدسة عند الرب فما بالكما ترتفعان على جماعة الرب؟… فتجلى مجد الرب لكل الجماعة… وكلم الرب موسى قائلاً: كلّم الجماعة قائلاً اطلعوا من حوالي مسكن قورح وداثان وأبيرام… فطلعوا من حوالي مسكن قورح وداثان وأبيرام… فقال موسى: بهذا تعلمون أن الرب قد أرسلني لأعمل هذه الأعمال وأنها ليست من نفسي. إن مات هؤلاء كموت كل إنسان فليس الرب قد أرسلني، وأما إن ابتدع الرب بدعة وفتحت الأرض فاها وابتلعتهم فهبطوا أحياء إلى الهاوية، تعلمون أن هؤلاء القوم قد ازدروا بالرب. فلما فرغ موسى من التكلم بكل هذا الكلام انشقت الأرض التي تحتهم وفتحت الأرض فاها وابتلعتهم وبيوتهم وكل ما كان لقورح مع كل الأموال… وخرجت نار من عند الرب وأكلت المئتين والخمسين رجلاً…
“فتذمر كل جماعة إسرائيل في الغد على موسى وهرون قائلين: أنتما قد قتلتما شعب الرب. ولما اجتمعت الجماعة على موسى وهرون انصرفا إلى خيمة الاجتماع وإذا هي قد غطتها السحابة وتراءى مجد الرب. فجاء موسى وهرون إلى قدام خيمة الاجتماع، فكلم الرب موسى قائلاً: اطلعا من وسط الجماعة فإني أُفنيهم بلحظة. فخرّا على وجهيهما ثم قال موسى لهرون: خذ المجمرة واجعل فيها ناراً من على المذبح وضع بخوراً واذهب بها مسرعاً إلى الجماعة وكفّر عنهم لأن السخط قد خرج من قبل الرب. قد ابتدأ الوبأ. فأخذ هرون البخور وكفّر عن الشعب، ووقف بين الموتى والأحياء فامتنع الوبأ. فكان الذين ماتوا بالوبأ أربعة عشر ألفاً وسبعمئة عدا الذين ماتوا بسبب قورح.” (العدد: 16).
أربعة عشر ألفاً سقطوا في هذه المذبحة الثالثة، وما زال بنو إسرائيل يثبتون ليهوه أنهم «شعب قاسي الرقبة» على حد وصفه لهم في أكثر من خطاب لموسى. وقساوة الرقبة هي صفة تطلق في المجتمعات الزراعية على الثور الذي لا يحني رقبته بسهولة من أجل إحكام النير على عنقه لاستخدامه في الفلاحة.
وكان بعد مدة أنه: “لم يكن للجماعة ماء. فاجتمعوا على موسى وهرون، وخاصم الشعب موسى وقالوا: ليتنا فنينا عند فناء إخوتنا أمام الرب. لماذا جئتما بجماعة الرب إلى هذه البرية لنموت ههنا نحن ومواشينا، ولماذا أصعدتمانا من مصر إلى هذا المكان الرديء؟ ليس هو مكان زرع وتين وكرم ورمان ولا ماء فيه للشرب. فأتى موسى وهرون من أمام الجماعة إلى باب خيمة الاجتماع وسقطا على وجهيهما فتراءى لهما مجد الرب. وكلم الرب موسى قائلاً: خذ العصا واجمع الجماعة أنت وهرون أخوك وكلّما الصخرة أمام أعينهم أن تعطي ماءها، فتخرج لهم ماءً من الصخرة وتسقي الجماعة ومواشيهم. فأخذ موسى العصا من أمام الرب كما أمره وجمع موسى وهرون الجمهور أمام الصخرة فقال لهم: اسمعوا أيها المردة (= المتمردون): أمن هذه الصخرة نخرج لكم ماءً؟ ورفع موسى يده وضرب الصخرة بعصاه مرتين فخرج ماء غزير فشربت الجماعة ومواشيها. فقال الرب لموسى وهرون: من أجل أنكما لم تؤمنا بي حتى تقدساني أمام أعين بني إسرائيل، لذلك لا تُدخلان هذه الجماعة إلى الأرض التي أعطيتهم إياها. هذه ماء مريبة (= ماء الخصومة) حيث خاصم بنو إسرائيل الرب فتقدس فيهم.” (العدد 20: 1-13).
لقد ارتكب موسى في هذه القصة خطيئة مزدوجة. فلقد أظهر في لحظة يأس وإحباط عدم ثقته بأن هذا الجلمود سيُخرج لهم ماءً من جوفه عندما قال للشعب بنزق: “أمن هذه الصخرة نُخرج لكم ماءً؟”. ثم إنه لم يكلم بعد ذلك الصخرة وإنما ضربها مرتين بالعصا، مرتكباً بذلك جرماً طقسياً.
وأقام بنو إسرائيل في منطقة قادش برنيع مدة ثمان وثلاثين سنة.
الإثنين ديسمبر 30, 2013 9:44 am من طرف حسين