يتسم التقليد الفلسفي الذي ينتمي ريكور إليه بثلاثة ملامح رئيسة، لخصها ريكور بقوله: »إنه يندرج ضمن فلسفة تفكرية، ويبقى في منطقة الفينومينولوجيا الهوسِّرلية، ويريد أن يكون أحد المغايرات الهيرمينوطيقية لهذه الفينومينولوجيا.«(1) إنَّ فهم فلسفة ريكور يتطلب بالضرورة فهم التداخل والتكامل بين هذه التيارات الثلاثة في فلسفته. لنبدأ بتوضيح الترابط بين الهيرمينوطيقا والفينومينولوجيا في فلسفة ريكور. اعتبر ريكور أنَّ هناك طريقتان لإجراء ما أسماه “زرع (أو تطعيم) الهيرمينوطيقا في الفينومينولوجياla greffe de l’herméneutique sur la phénoménologie”(2). طريقتان تمثلان طريقين متمايزين: طريق قصير وآخر طويل. الطريقة الأولى تتمثل باتِّباع طريق قصير – على غرار هايدغر – الذي تقتصر الهيرمينوطيقا لديه على أنطولوجيا الفهم، أي تناول الفهم من حيث كونه طريقة كينونة، وليس من حيث كونه طريقة معرفة. وبهذا تُشكل هذه الهيرمينوطيقا قطيعة مع كل الهيرمينوطيقات السابقة عليها عموماً، ومع هيرمينوطيقا ديلتاي خصوصاً. وتأتي هذه القطيعة من كون هيرمينوطيقا هايدغر لم تعد – كما كان الحال في هيرمينوطيقا ديلتاي مثلاً وخصوصاً – تهتم بالمسائل المنهجية والإبستيمولوجية لفعلي الفهم والتأويل. هذه المسائل ليست في هيرمينوطيقا هايدغر إلا مسائل ثانوية أو مشتقة.(3) فالفهم في هذه الهيرمينوطيقا يتم تناوله بوصفه طريقة في الكينونة، طريقة يوجد بها، أو يكون من خلالها، الكائن أو “الدازاين Dasein”، وليس بوصفه طريقاً أو طريقة في المعرفة. وهكذا فإنَّ هيرمينوطيقا هايدغر تقوم بإقصاء الأسئلة المنهجية والإبستيمولوجية، المتعلقة بشروط وإمكانية فهم وتأويل النصوص أو الأعمال الفنية أو التاريخ … إلخ، لصالح تركيز الاهتمام على الأسئلة الأنطولوجية المتعلقة بكينونة الكائن الذي يوجد وهو يفهم.
الطريقة الثانية التي يمكن من خلالها إرساء أسس الهيرمينوطيقا في الفينومينولوجية تتم من خلال اتِّباع ما أسماه ريكور بالطريق الطويل. وتأخذ هذه الطريق »نقطة انطلاقتها من المستوى الذي يُمارس فيه الفهم، أي من مستوى اللغة.«(4) ووفقاً لهذه الطريق، فإنَّ أنطولوجية الفهم يجب أن تكون مسبوقة ومتوسَطة بدراسة إبستيمولوجية ومناهجية للفهم. وهذا الطريق الطويل هو الطريق الذي سلكته هيرمينوطيقا ريكور الذي أكد أنَّ الفهم كطريقة من طرق الكينونة لا يمكن تناوله بالدراسة إلا بعد تناوله بالبحث كطريقة من طرق المعرفة. فمأخذ ريكور على هايدغر هو أنّهَ يهتم بالدازاين ككائن يفهم، ولكنه لا يهتم بكيفية فهم هذا الكائن. وهكذا فإنَّ الأنطولوجيا التي تشكل الأساس ونقطة الانطلاق في فلسفة هايدغر، تصبح عند ريكور هدفاً يُسعى إليه، أكثر من كونها معطىً يُنطلق منه. باختصار تصبح الأنطولوجية مع هذا الطريق الطويل بمثابة »الأرض الموعودة بالنسبة لفلسفة تبدأ باللغة وبالتفكر.«(5)
إنَّ لجوء ريكور إلى تشبيه إرساء أسس الهيرمينوطيقا في الفينومينولوجيا بعملية الزرع أو التطعيم، يبيِّن (كما يشير محقاً جان غريش في كتابه المهم “Paul Ricœur. L’itinérance du sens”) أنَّه ليس ثمَّة قرابة طبيعية أو صلة قرابة بين الهيرمينوطيقا والفينومينولوجيا. يقول غريش: »ليس هناك ما يسمح لنا بالاعتقاد بأنَّ اللقاء بين الهيرمينوطيقا والفينومينولوجيا كان قدراً محتوماً مسبقاً.«(6) ويضيف في مكان آخر: »إنَّه [التشبيه بعملية الزرع] يدل على أنه لا توجد صلة مباشرة بين الفكرين [الهيرمينوطيقا والفينومينولوجيا]، كما لو أنَّه كان من الضروري للفينومينولوجيا أن تفضي إلى الهيرمينوطيقا.«(7) وريكور كان مدركاً تماماً للاختلاف العميق وللتقاطع الكبير – في آنِ واحد – بين الهيرمينوطيقا، كما يراها هو، والفينومينولوجيا، بصيغتها الهوسِّرلية. ولتوضيح هذا الاختلاف وهذا التقاطع، قام ريكور، من جهة أولى، بتوجيه نقد هيرمينوطيقي شديد للصياغة المثالوية “idéaliste” للفينومينولوجيا، وبالتشديد، من جهة ثانية، على أنَّ الفينومينولوجيا هي الافتراض المسبق، الحتمي والضروري، للهيرمينوطيقا.
لا يستهدف النقد الهيرمينوطيقي الريكوري للفينومينولوجيا هذه الفينومينولوجيا بمجملها أو بكليتها، وإنما هو موجَه بالتحديد لصياغتها المثالية الهوسِّرلية. ولهذا فقد ركَّز هذا النقد على بعض أهم أطروحات الفينومينولوجيا المثالية الهوسِّرلية: 1- ادِّعاء القدرة على التأسيس الجذري الذاتي والتطلع لمثل أعلى علمي. 2- النزعة الحدسية(8) “l’intuitionnisme”، وتجاهل أو رفض ضرورة وساطة التأويل للفهم. 3- الذاتوية التي تؤكد على أن الذاتية هي المكان الوحيد للحدسية التامة، وتشكك بالتالي في إمكانية أي تعالٍ “transcendance”. 4- أولية الذات المتعالية والمزاوجة بينها وبين الأنا التجريبية. 5- المسؤولية الجذرية للذات. الهيرمينوطيقا تسير – وفقاً لريكور – في اتجاه معاكس تماماً لهذه الأطروحات المثالية للفينومينولوجيا الهوسِّرلية: فمقابل إدعاء القدرة على التأسيس الجذري الذاتي والتطلع لمثل أعلى علمي، تؤكد الهيرمينوطيقا على الأولية الأنطولوجية للانتماء؛ وعلى النقيض من تأكيد الفينومينولوجيا على الحدس كأساسٍ معرفي رئيس، تشدِّد الهيرمينوطيقا على أنَّ الفهم متوسَّط دائماً وبالضرورة بالتأويل؛ وعلى النقيض من النزعة الذاتية في الفينومينولوجيا الهوسِّرلية، تؤكد الهيرمينوطيقا أن المثولية “l’immanence de soi” أو وعي الذات المباشر لذاتها هو موضع شك وريبة، مثل – وربما أكثر من – وعي الذات للأشياء؛ ومقابل الادِّعاء الذاتوي بأنَّ الذات هي مصدر المعنى، تؤكد الهيرمينوطيقا أن الذات يجب أن تبحث خارجها (في العلامات والرموز والنصوص) عن المعنى بشكل عام، وعن معنى وجودها بشكل خاص؛ أخيراً، ترفض الهيرمينوطيقا تشديد الفينومينولوجيا المثالية على المسؤولية الجذرية للذات، وتعتبر أنَّ الذاتية هي آخر مقولات الفهم وليس أولها.(9)
يبيِّن هذا النقد الهيرمينوطيقي للفينومينولوجيا المثالية الهوة التي تفصل بين هيرمينوطيقا ريكور وتلك الفينومينولوجيا. لكن هذا النقد الهيرمينوطيقي الجذري للفينومينولوجيا قد يدفعنا إلى التساؤل حول مدى معقولية سعي ريكور إلى تأسيس ما أسماه “فينومينولوجيا هيرمينوطيقية”. والتساؤل المطروح هنا هو التالي: كيف يمكننا أن نوفِّق بين محاولة زرع الهيرمينوطيقا في الفينومينولوجيا، من جهة، والتأكيد على وجود هوّةَ بينهما، من جهة أخرى؟ الإجابة عن هذا السؤال يمكن الوصول إليها إذا أخذنا بعين الاعتبار نقطتين أساسيتين: 1- هذا النقد موجه فقط وبالتحديد إلى النسخة المثالوية من هذه الفينومينولوجيا؛ 2- هذا النقد، رغم شدته، لا يشكِّل إلا جانباً واحداً من جوانب العلاقة الديالكتيكية التي تربط الهيرمينوطيقا بالفينومينولوجيا. ولفهم هذه العلاقة الديالكتيكية, يجب علينا معرفة، ليس فقط الاختلاف بين هذين الفرعين الفلسفيين، وإنما أيضاً التداخل والصلات القوية بينهما. ويمكن القول إنَّ هذه الصلات قوية لدرجة أن كلاً منهما يحيل إلى الآخر بطريقة تسمح بتأسيس هيرمينوطيقا فينومينولوجية أو فينومينولوجيا هيرمينوطيقية. وفي سعيه إلى تأسيس هذه الفينومينولوجيا، أكَّد ريكور أن ذلك التأسيس ممكن، بل وضروري، لسببين: 1- على الرغم من النقد الهيرمينوطيقي الشديد للمثالوية الهوسرلية، فإنَّ الفينومينولوجيا تبقى افتراض الهيرمينوطيقا المسبق والمتعذر تجاوزه؛ 2- لا يمكن للفينومينولوجيا أن تحقق برنامج تأسيسها، إلا من خلال تأسُّسِها كتأويل لحياة الأنا “l’ego”.(10)
ويمكن تلخيص أهم الافتراضات الفينومينولوجية المسبقة للهيرمينوطيقا بأربع أطروحات أساسية: 1- » كل سؤالِ ينصب على كائن ما هو سؤال عن معنى هذا “الكائن”«(11)؛ 2- العلاقة الديالكتيكية بين المباعدة “la distanciation” أو التعليق “l’épochè” والانتماء “l’appartenance” أو المُعاش “le vécu”؛ 3- السمة الاشتقاقية للدلالات على المستوى اللغوي الذي يحيل إلى التجربة المعاشة؛ لأن هذه الدلالات تعبر عن التراكيب الوجودية المؤسّسة للكينونة-في-العالم “l’être-au-monde”؛ 4- انفتاح وتوسع الفينومينولوجيا الهوسِّرلية للإدراك باتجاه هيرمينوطيقا الخبرة التاريخية. وإنَّ التداخل بين الهيرمينوطيقا والفينومينولوجيا لا يقتصر على كون الثانية مُفترَضة في الأولى، بل يتعداه إلى كون الهيرمينوطيقا تشكل أيضاً افتراضا مسبقاً وضرورياً بالنسبة للفينومينولوجيا. ويمكن إيجاز هذا الافتراض بمسألة المنهج: إنَّ التبيين “l’explicitation”، بوصفه منهجاً وهدفاً للفينومينولوجيا، لا يمكن أنْ يتحقق إلا من خلال التأويل. وهذا ما سمح لريكور بأن يؤكُّد: »لا يمكن للفينومينولوجيا أن تتم إلا كهيرمينوطيقا.«(12) وإنَّ افتراض الهيرمينوطيقا والفينومينولوجيا، كلٌ منهما للآخر، يبيُّن إمكانية، بل وضرورة، تطعيم الفينومينولوجيا بالهيرمينوطيقا. لكن يجب الانتباه إلى أنَّ هذا التطعيم جاء متأخراً، لأنَّ الهيرمينوطيقا تأسست قبل ظهور فينومينولوجيا هوسرل بوقت طويل. لكن ذلك لم يمنع ريكور من التأكيد على ضرورة هذا التطعيم للهيرمينوطيقا، إن أرادت لنفسها أن تتأسَّس كميدان فلسفي، بدلاً من أن تقتصر على أن تكون فرعاً معرفياً ضيقاً ومحدوداً (كتفسير نصوص الكتاب المقدَّس “l’exégèse” و“الهيرمينوطيقا القضائية أو القانونية” مثلا).
إذا كان تمفصل الهيرمينوطيقا والفينومينولوجيا في فلسفة ريكور قد تمَّ توضيحه عن طريق إظهار أنَّ كلاً منهما يفترض بالضرورة الآخر، فإنَّ توضيح التداخل بين البعدين التفكُّري والهيرمينوطيقي في هذه الفلسفة يمكن أن يتم من خلال الإشارة إلى الترابط الوثيق بين فهم الذات “la compréhension de soi” والتأويل. إنَّ فهم الذات – وهو المحور الأساسي للفلسفة التفكرية – لا يمكن أن يكون مباشراً أو بدون وساطة. وإنَّ التفكُّر أو فهم الذات يتطلب بالضرورة أن يكون متوَسَطاً بالنقد والتأويل لسببين.
السبب الأول يكمن في أنَّ الإدراك المباشر للذات عن طريق حدس غير متوسَط (كما في فلسفة ديكارت “Descartes” وفيشته “Fichte” وهوسِّرل) لا يفضي إلا إلى كوجيتو فارغ. فوفقاً للكوجيتو الديكارتي “أنا أفكر إذن أنا موجود”, فإن وجود الذات أمر قطعي ولا يمكن دحضه. لكنَّ السؤال الذي يبقى مع ذلك بدون إجابة هو “من أنا؟”. الحدس يفضي مباشرةً، ودون حاجة إلى أية وساطة، إلى التأكيد القطعي على وجود الذات. لكن لا يمكن بواسطة هذا الحدس أن نعرف ماهية الذات التي نجزم بوجودها. وهذا يستدعي ضرورة ملء هذا الكوجيتو الفارغ عن طريق فهم وتأويل ما يسميه ديلتاي التعابير التي تتموضع “s’objective” فيها الحياة (الرموز والعلامات والنصوص والأفعال الإنسانية. لكن يجب الانتباه إلى أنَّ كون الكوجيتو الناتج عن التفكر المباشر أو الحدس هو كون فارغ لا يعني أبداً أن الكوجيتو أو وعي الذات لذاتها هو فارغ بالفعل. فهذا الكوجيتو أو الوعي ممتلئ دائماً بأنا أو وعيِ زائفين “un faux cogitoأو conscience fausse”. وهذا الزيف هو ما يستدعي بالضرورة اتِّخاذَ موقفِ نقدي تجاه هذا الوعي. وهكذا فإنَّ الفلسفة التفكرية لا تستطيع بلوغ هدفها في فهم الذات إلا من خلال وساطة الهيرمينوطيقا. فالفلسفة التفكرية يجب أن تمر بما أسماه ريكور بمنعطف هيرمينوطيقي “un détour herméneutique”. وفي المقابل، هذه الهيرمينوطيقا يجب أن تكون بالضرورة نقدية حتى تستطيع التخلص أو التحرر من الوعي الزائف أو الكوجيتو الكاذب.
وتتعزَّز ضرورة هذا البعد النقدي في الهيرمينوطيقا التفكرية إذا أخذنا بعين الاعتبار السبب الثاني الذي دفع ريكور إلى التأكيد على ضرورة الدورة الهيرمينوطيقية للفلسفة التفكرية. التفكُّر – بدون وساطة التأويل والنقد – ليس عاجزاً عن معرفة أو فهم الذات فحسب, لكنه عاجز أيضاُ عن الفهم والاستيعاب المباشرين للتعابير التي تتموضع بها هذه الذات، والتي يشكل فهمها وتأويلها وساطة لا مفر منها لفهم هذه الذات. وسبب هذا العجز هو أنَّ الفهم يصطدم في البداية بسوء التأويلات أو بالتأويلات السيئة “les mésinterprétations” الصادرة عن الوعي الكاذب أو المغلوط “conscience fausse la”. ويوجز ريكور ضرورة الدورة الهيرمينوطيقية للفلسفة التفكرية بالقول: »يجب على التفكير أن يكون غير مباشر لسببين: بداية لأنَّ الوجود لا يُثبت نفسه إلا في وثائق الحياة، وأيضاً لأنَّ الوعي بداية وعي زائف، ولأنَّه يجب دائماً الارتقاء بنقد تصحيحي من سوء الفهم إلى الفهم.«(138)
هذا التمفصل أو الترابط الوثيق بين الهيرمينوطيقا والفينومينولوجيا والفلسفة التفكرية هو إحدى الخصائص المميزة لفلسفة ريكور بالكامل، وفي مختلف مراحلها التاريخية. وإنَّ أصالة فلسفة ريكور تكمن في ترابط هذا الثالوث الفلسفي في وحدة متسقة ومتكاملة. صحيح أنَّ هايدغر وغادامر قد قام كلٌّ منهما بصياغة نسخته الخاصة من “الفينومينولوجيا الهيرمينوطيقية” أو “الهيرمينوطيقا الفينومينولوجية”، لكن ريكور يتميز عنهما بأمرين أساسيين: من جهة أولى، تُفسح الفينومينولوجية الهيرمينوطيقية عند ريكور مكاناً كبيراً ومهماً للأسئلة الإبستيمولوجية والمنهجية التي تطرحها العلوم الإنسانية والاجتماعية، وتقيم حواراً مستمراً مع هذه العلوم (وهذا الأمر لا توليه هيرمينوطيقا هايدغر أو غادامر اهتماماً كبيراً)؛ من جهة ثانية، إنّ هيرمينوطيقا ريكور هي هيرمينوطيقا الفهم المتوسَّط للذات والوجود، وليست هيرمينوطيقا الفهم المباشر للكينونة والكائن، كما هو الحال في هيرمينوطيقا هايدغر خصوصاً.(14) وهكذا نجد أنَّ الفينومينولوجيا, في صيغتها اللا-مثالوية – كما هو الحال في فينومينولوجيا هوسرل الأولى، تشكل افتراض الهيرمينوطيقا الريكورية المتعذر تجاوزه. في المقابل، نجد أنَّ فهم الذات – وهو الهدف الأساسي للفلسفة التفكرية – يشكل أفق هذه الهيرمينوطيقا وغايتها الأخيرة.
لقد كانت إشكالية المنهج حاضرة في فلسفة ريكور عموماً، وفي البعد أو الوجه الهيرمينوطيقي لهذه الفلسفة، وفي المواجهة الديالكتيكية والحوارية لهذه الفلسفة مع العلوم الإنسانية والاجتماعية خصوصاً. وإنَّ التشابك والتداخل والتضمن المتبادل بين المراحل الثلاثة للهيرمينوطيقا الريكورية (هيرمينوطيقا الرموز والعلامات، هيرمينوطيقا النص، هيرمينوطيقا الفعل) هو حاضر أيضا وبقوة بين الأبعاد الثلاثة الأساسية لفلسفة ريكور (الفينومينولوجي، الهيرمينوطيقي، التفكُّري). يهدف هذا التأكيد على هذين النوعين من التشابك والتضمن المتبادل بين أبعاد فلسفة ريكور، من جهة أولى، والمراحل الثلاث لهيرمينوطيقاه، من جهة ثانية – إلى التشديد على استمرارية ووحدة هذه الفلسفة الريكورية عموماً، والجانب الهيرمينوطيقي منها خصوصاً. وهكذا، فإنَّ انتقال هيرمينوطيقا ريكور من مرحلة إلى أخرى، والتشديد على هذا البعد أو ذاك من أبعاد فلسفته، لا يعني القطيعة الكاملة مع المرحلة السابقة أو مع الأبعاد الأخرى.