أمّا لماذا خمد مفهوم المُجتمع المدني في القرن العشرين ، فقد يُعيد الباحث الأسباب إلى تغيرات الخارطة السياسيّة والثقافية والاجتماعيّة ، ما ترافق بتغير في المفاهيم ، سقط الاتحاد السوفييتي ، وغابت شخصيته الدولية ، وتذرر إلى دويلات ذات طابع أثني ، بشكل مثل لهزيمة الفكر الشمولي ، هذا إلى جانب هزيمة الحزب الشيوعي في بولندة على يد مُنظمة تضامن لعب دوراً في ترسيخ المفهوم ، ولن نتناسى دور الكنيسة الكاثوليكية في أحداثها . هذا إلى جانب التقدم الاجتماعي والثقافي في أوروبة ، وما وفرته دول الرفاه لمواطنيها، وما نجم عن الثورة التكنولوجية ، وما استتبع هذا من ندوات ولقاءات ، وكان لاشتداد النبرة العدوانية التي ترافقت بتسلم ريغان لمقاليد الحكم في الولايات المتحدة، وتوتر المناخ السياسي التي عملت إدارة بوش على توفيره باقتدار ، هذا كله خلق تياراً عارماً من الرأي العالمي ، نادى بعودة السلم والاستقرار إلى العالم ، لهذا اندلعت المظاهرات في مئتي مدينة عالمية لمناهضة الحرب على العراق، ما أسقط توني بلير والطاقم المُحيط ببوش .
وبالانتقال إلى المُجتمَع المدنيّ سيتوقف الباحث بمحطتيْن :
الأولى : وهي محطة عقيديّة ، أي الإسلام بوصفه منظمة دينية ، وفكرية وسياسية .
الثانية : وهي محطة اجتماعيّة / سياسيّة ، أي الدولة من حيث طبيعة تكوينها ومُفردات قوتها .
ولا شك في أنّ الثانية غير قابلة للمناقشة بعيداً عن الطبيعة التكوينية للمُجتمع العربيّ ، التي يشكل الإسلام لحمتها وسداها ، فما يقبله الإسلام تقبله العرب ، فهل سيقبل الإسلام مُصطلح المُجتمَع المدنيّ .؟ وهل أفرز المُجتمع الإسلامي دولته المُطابقة ، تطبيقاً لمقولة مونتسكيو .؟
بداية سيُشير الباحث إلى أنّ الإسلام عكس ما هو شائع كدين مدينيّ ، بالاستناد إلى الآية : “وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها” والقرى في مُفردات الخطاب القرآني هي المدن ، والمُفارق أنّ إسلام القرى في بدايات الدعوة كان أقل من إسلام المدن ، لكن الأمر سيختلف لاحقاً ، بيد أنّ البحث في الفكر والمُجتمع العربي الإسلامي عن المُجتمَع المدنيّ لا يصح لـ :
1 - أنّ الأبحاث التطبيقية عن المُجتمع المدني أجمعت على أن ليس ثمة مُجتمَع مدنيّ في البلدان العربية.
2 - أنّ المُجتمَع المدنيّ نشأ خلال نضال المُجتمعات الغربية ضد أشكال السلطة . وهو مبدأ لا يلتقي والإسلام كنظام شمولي .
3 - أنّ المُجتمَع المدني يجد أسه الآيديولوجي في تفاعل الليبرالية ، الرأسمالية ، العلمانية ، وهي بعيدة عن القيم الإسلامية السائدة.
4 - أنّ المُجتمَع في مُمارسته الجاهلية لا علاقة له بالمُجتمع المدنيّ بل هو جزء من المُجتمعات القبلية والعشائرية.
5- يقوم المُجتمع المدني في قيمه على الاختلاف والتنوع ، ويخلو من القيم المُطلقة ، في حين أنّ قيم الإسلام تقوم على المطلق.
ويذهب مجدي حماد إلى أن ليس ثمة مُجتمع مدني في الأقطار العربية ، لقد بنى الإسلام
دولة عظيمة ، ذات خصوصيات هي :
1 - أنّ المُجتمع المدني نشأ في غمار نشأة الدول العربية ، لقد كان ثمة شعوب وأقاليم قبل قيام الدول القومية ، بيد أنّها نشأت بعيداً عن بلورة الإرادة العامة ، والاتفاق على العقد الاجتماعي ، ومن ثمّ تعيين حدود الدولة القومية .
2 - يجد المُجتمع المدني تعبيراته من خلال الليبرالية ، الرأسمالية ، العلمانية ، وهي لا تتفق مع القيم الإسلاميّة.
3 - أنّ المُجتمع المدنيّ نشأ عبر النضال الذي خاضته البورجوازية الأوروبية للفصل بين المدني والكنسي ، وهو مبدأ غير موجود في الإسلام.
4 - أن بناء الدولة في الوطن العربي تلا انهيار الامبراطورية العثمانية ، واقتسم الغرب الأوروبي الوطن العربي إلى دويلات قومية ، من غير أن يسمح بظهور كيان عربي جماعي، ولذلك نكص العرب إلى الولاءات القبلية والعشائرية.
5- أنّ الإسلام له تأثيرت على مجالات الحركة السياسية ، وهذه المُستويات هي :
أ - المُستوى الداخلي : حيث تبرز قضية الإسلام وأصول الحكم ، أو قضية الإسلام
والتحديث.
ب - المُستوى القومي : حيث تبرز قضية العروبة والإسلام.
ج - المُستوى العالميّ : حيث يتبدى مفهوم الجهاد في ظل عالم متغير.
وهكذا وقع مجدي حماد في الخطأ الذي وقع فيه عبد الحميد الأنصاري ، إذ يرى أولاً بأنّ المُجتمع المدني يجد أساسه الآيديولوجي من خلال تفاعل قيم : الليبرالية ، والرأسمالية ، والعلمانية ، وهي نظم غربية لا تتفق والإسلام ، ثمّ أنه يُركز ثانياً على بناء الدولة في الوطن العربي ، ليلقي اللوم على الاستعمار الذي حرم العرب من حس الانتماء ومشاعر الوحدة ، وهو ثالثاً يرى في الإسلام تأثيره المُباشر على مجالات السياسيّة ، فيما يذهب الباحث إلى أنّ الليبرالية والرأسمالية منتج غربي ، غير أنّها ليست بالضرورة غير متسقة مع الإسلام ، فهي لا تتسم بالثبات ، ثمّ أنّ القيم الإسلامية تجد تعبيرها في المقاصد الكبرى للشريعة ، وهي : حفظ الدين ، حفظ النفس ، حفظ النسب ، حفظ العقل ، حفظ العرض.
هي مقاصد متفق عليها بالغريزة والفطرة ، وقد يكون الأمر غير ذلك مع التفجيرات القيمية ستحدثها الثورة المعلوماتية في العقل البشري والمُجتمَع ، وإذا كانت الحريّة هي العنوان الفلسفي لليبرالية ، ذلك أنّ الإسلام لم يشكل قيداً على الحريّة ، فالأصل في الأشياء الإباحة ، ثمّ أنّه لم يكن ضد الرأسمالية ، فقط هو يتعارض مع العلمانية ، وهي موضوعة إشكالية في فكرها المُعاصر ، لذلك يدعو حماد إلى التركيز على بناء الدولة ، ويرى الباحث صعوبة أو استحالة في بناء الدولة العصرية خارج الرؤية الإسلاميّة ، ثمّ أنّنا لم نحسم إشكاليّة الثنائيات التي قصمت ظهر الأمة .
وجيه كوثراني ، وعلى العكس من الآخرين ، يذهب إلى أنّ جذور المُجتمع المدني كاستقلال موجود بكثافة في العمق التاريخي للوعي العربي ، ويعزو أسباب غيابها المُعاصر إلى الدولة التوتاليتارية ، التي تشكلت هياكلها مع ظهور الدول القوميّة ، ويرى كوثراني أنّ ما تبقى من تراث المُجتمع الأهلي القديم إنّما هو أشكال من التماسك الاجتماعي الذي اخترقته علاقات الإنتاج الجديدة ، وأنماط الاستهلاك الحديثة . أمّا تعدّديّة المذاهب ، فلقد أخلت السبيل للأحزاب ، وتعددية البرامج والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، في حين أنّ الزكاة مثلاً ، وغيرها من المُؤسّسات الوقفية ، فهي قابلة للتجديد ، عندها قد تلعب دوراً مُهماً في إحياء المُجتمع المدنيّ ، لتبني علاقة متوازنة مع دولة عادلة وديموقراطية ، وفي هذا سنخالف الباحث ، ذاهبين إلى أنّ الزكاة لا تحقق العدالة الاجتماعية.
لقد أنتج العرب الدولة السلطانية التي لا يؤمن أهلها بتبادل السلطة ، بيد أنّ تعبيرات أهلية تخللتها ، ثمّ أنّ هذه البنى لم تعد صالحة للتعبير عن حاجات المُجتمَع الأهلي ، ولهذا ستكون الديموقراطية هي الإطار المُستوعب للتعدديّة ، ذلك أنّ المُشكلة ثاوية في عقل أهل الدولة العربية . وهذا يقودنا إلى المحطة الثانية محطة الدولة ، التي ليس ثمة خارجها سوى الفوضى ، ولنا في العراق ، كما يرى الياحث العروسي ، خير مثال ، ما يضعنا أمام جوهر المسألة ، أن لا مجتمعاً مدنياً خارج الدولة القوية ، فهل عرف العرب الدولة وآليات عملها وأطرها وتقاليدها ؟ أم أنّ العرب يعيشون مرحلة ما قبل الوحدة بمعناها الفلسفي التكويني ؟
لقد قام محمد جابر الأنصاري عرضاً في غاية الأهمية لإشكالية الدولة العربية ، وخلاصته - كما استخلصه الباحث - أنّ مُصطلح الدولة لم يأخذ تعيينا ككيان سياسي وأطر تنظيمية موضع السيادة كالمُصطلح الانكليزي “ state” ، وما يُقابله في اللغات الأوروبية الأخرى ، إلاّ في ما بعد النهضة العربية الحديثة .
فالدولة لغة - في لسان العرب - هي اسم الشيء المُتداول ، والدولة فعل اانتقال من حال إلى آخر ، إذ أنّ فعل “state ”يعني وقف وانتصب ، ليظلّ ساري المفعول ، ومنه اشتق “state ” أي دولة ، وتعني في العربية دال أي زال ، وهذا يُعطي المفهوم بالعربية معنيين :
الأول : معنى التقلب والتناوب والتغيير .
والثاني : معنى المُغالبة بالقوة في صراع متناوب .
والجدير بالذكر أنّ مشتقا جذر د - و - ل لم ترد في القرآن إلاّ في آيتين، أي أنّه لم يتضمّن أي إشارة لفظية من اشتقاقها لمعنى الدولة بالمفهوم السياسي ، ذلك أنّ عرب الشمال لم يعرفوا دولة بالمعنى الغربي ، إذا استثنينا أشكالاً أولية للسلطة السياسية المُشتركة بين شيوخ القبائل المُتمثلة في الملأ ، أو دار الندوة على سبيل المثال.
ويُشير الأنصاري بأنّ الدولة كمُصطلح عُرف في الثلث الثاني من العصر العباسيّ ، لتستخدَم في التعبير عن الانقلاب العباسي ، فلقد دالت دولة الأمويين ، وسمى العباسيون الذين انتصروا عليهم انتصارهم بالدولة ، أي أنّه انقلاب قدريّ ، ولعل ابن خلدون كان أقرب المُفكّرين العرب من مفهوم الدولة الكلاسيكي والحديث بتجريد عام “الإسلامية ، الفارسية ، الرومية” ، لكنّه لم يُغادر مفهوم القبلية أو العصبة في مُقدّمته ، ولم يكتب لها الاستمرار ، وبنية الدولة كما يرى الجابري تشكل اتحاداً فدرالياُ معرضاً للتفكك بحكم تشرذمها العشائري ، ولأنّ مفهوم الدولة لم يتبلوراستخدم العرب مفهوم الملك والمملكة .
لقد استخدم القرآن مُصطلح ملك “وءاتته الله الملك والحكمة وعلمّه ما يشاء” ( البقرة ) - إلى أواخر القرن التاسع عشر ، وذلك للتفريق بين النظام الملكي والجمهوريّ.
ويرى برهان غليون بأنّ العالم العربيّ الإسلامي عاش في إطار امبراطورية أو سلطنة ، ترتبط بولائها للإسلام أكثر من ولائها للدولة ، وقد ورثت هذه السلطنة عصبيات قبلية قوية وثيقة الصلة بالمُجتمع الرعوي الصحراوي أو الجبلي.
وفي الوقت الذي كانت السلطنة تضم شتيتاً من الأعراق ، فلم تكن قادرة على تقديم أكثر من مُشاركة وتماه رمزيين بينهما ، قدمت الجماعة المحلية الانتماء للمنضوين تحت رايتها.
إنّ الوعي بالأمة الإسلاميّة ، المُعبر عن ولاء يتجاوز الدولة ، ما جعل الوعي القومي عند العرب يتراوح بين الولاء للعصبية القبلية والولاء للعصبية الدينية ، ويهدف غليون إلى تبيان التكوين القومي بوصفه مصدر ولاء مُباشر ، بينما استطاعت الدول الأوروبية إنجاز هذه السيرورة الخاصة لأنّها - على عكس الآسيويين - لم تتمكن من إعادة بناء امبراطيتها الكبرى ، بسبب إخفاقها في التوفيق بين الدولة والدين .
ويرى الأنصاري أنّ العرب عرفوا الدولة بمفهومها عند ميكيافيللي وهوبز ، ولم يقتربوا من مفهومها عند هيغل وجون لوك ، ذلك أنّ المهمة الأساسية للدولة عند ميكيافيللي هي الأمن لا الأخلاق والحرية ، عليه تنازل الحسن لمعاوية حقناً للدماء ، وتنازل اللبنانيون عن السيادة التامة مقابل الأمن ، وعلى الرغم من أنّ الإسلام يتطلب الدولة الهيجلية لا الميكيافيللية والهوبزية ، إلاّ أنّ الواقع السياسي التعددي والمتقلب يُمثل الطرف النقيض للمقهوم الهيجلي .
ويذهب الجابري في الاتجاه ذاته لتفسير غياب مفهوم الدولة عند العرب ، إذ يرى أنّ التأسيس الحقيقي للدولة تمّ بعد فتح مكة ، ولم تتعدى مهمة ممثلي النبي جمع الزكاة من القبائل وتعليمهم الإسلام .
وإذا ابتعدنا عن المدينة ، وصلنا إلى الأعراب ، البعيدين عن الإسلام بحسب ابن خلدون ، ويرى الأنصاري أنّ القبيلة كانت وما تزال عامل التأسيس والهدم في الوقت ذاته بالنسبة إلى الدولة .
وإذا كانت أوروبة غير قابلة للفهم إلاّ من خلال تجربة الدولة المدنية في اليونان ، إلاّ إنّ التاريخ السياسي العربي يُفهم في سياق ظاهرة الدولة القبيلة ، وللدولة العربية الحديثة مع القبيلة خيارات ثلاثة :
1 - إمّا أن تقمع القبائل الداخلة في تكوينها .
- وإمّا صياغة تحالف سياسي أو توافق فيما بينها بقيادة القبيلة الأكبر .
3- وإمّا بالعمل على التأسيس المجتمع المدني على المدى الطويل ، بعد تذويب العصبيات القبلية .
فهل المُجتمع العربي مُهيّأ لتقبل مفهوم المُجتمع المدني .؟
والإجابة هنا ليست بالنفي والإيجاب ، بل في إمكانية إنتاج شروط مادية للظاهرة ، والمُجتمع العربي ما انفك يولد الآفاق السياسية ابتداء من أواسط القرن الماضي ، معبرة عنها بتيارات ليبرالية ـ وقومية ، ويسارية ، وإسلامية .، وما أصاب تلك التيارات من إخفاق أخر انتقال الوطن العربي إلى الحداثة ، ذلك أنّ التنقل والتجربة التي لمّا تكتمل جعل حكتنا نحو المُجتمع المدني غاية في البطء .
ويرى برهان غليون استحالة استخدام هذا المُصطلح في التحليل النظري دون اختلاطات ثلاثة :
الاختلاط الأوّل : وضع المُجتمَع المدني على النقيض من الدولة .
الاختلاط الثاني : نابع من مُطابقة المُجتمع المدني مع مفهوم الشأن الخاص ، والشأن العام والدولة التي تهتم بالأمور الوطنية .
الاختلاط الثالث : وضع المُجتمَع المدني في مُقابلة المجتمَع الأهلي ، بهذا المعنى يكون المُجتمع المدني مُطابقاُ للتنظيمات والبنى الحديثة حزبية كانت أم نقابية .
إنّ مُجتمعاتنا العربية تعيش في إطار دول تقليدية ، وبنى اجتماعية ما قبل وطنية ، إضافة إلى التباين الكبير في مُستويات التنمية ، ما يجعلها وافرة هنا ، ونادرة في مكان آخر ، ما جعل الطبقات الوسطى حاملة التغيير الاجتماعي في حالة موت سريري ، وهذا جعل التعامل مع المُجتمع المدني يعاني مُشكلات :
الصعوبات والمُشكلات الفكرية على المُستوى الفكري :
أ - ضعف التأصيل النظري للمُجتمَع المدني ، على الرغم من استعماله بصور مُكثفة مؤخراً ، حتى أصبح من لزومات الدولة والديموقراطية .
ب - الاختلاف في تكييف طبيعته ، فالبعض يستخدمه مقابل الدولة ، ذلك أنّ المُجتمع المدني يحد من تسلط الدولة ، في هذا الإطار فهو يُستخدم ضد النظم السلطوية التي تقوم على محوه ، وتأسيس الدولة البوليسية ، فيما يستخدمه البعض مُقابل الدين .
ويتضح مما سبق أنّ المفهوم حمّال أوجه ، ما يُدخله في خانة الغموض ، مما يُير قضايا شائكة ، يُمكن أن تكون مثار جدل ، مثل الإطار المرجعي لمفهوم المُجتمع المدني على مُستوى الفكر والمُمارسة ، وموقع الدين الإسلامي في إطار بناء المُجتمع المدني .
ج - المواقف الحديّة من وجود المُجتمع المدني ، ويُمكن التمييز بين موقفين :
الأوّل : ينفي وجود المُجتمع المدني .
الثاني : يؤكد وجوده ، وتتمثل حجج الذين يقولون بغيابه في :
1 - أنّ مفهوم المُجتمع المدني ارتبط بالخبرة السياسية للدول الرأسمالية الغربية ، على أساس من حرية الاقتصاد ، والديموقراطية الليبرالية على المُستوى السياسي .
- أنّه بغض النظر عن دور الاستعمار في التقسيم ورثت أقطار الوطن العربي
التنظيمات ، كجهاز الدولة ، ما يذهب إلى أنّ الدولة الحديثة لم تتأسّس فيه على التحام بمحتمعاته ، إذ أنّ تفكيك المجتمع التقليدي لم يتلوه تطوير المُجتمع المدنيّ .
3 - أنّ النخب التي سيطرت على جهاز الدولة في مرحلة ما بعد الاستقلال ، تغلغلت في
مختلف مناحي الحياة ، وأحكمت سيطرتها عليها .
الصعوبات والمُشكلات على المُستوى التطبيقي :
أ - التباين بين الأقطار العربية من حيث الأوضاع الاجتماعية ، إذ على الرغم من وجود قواسم مُشتركة بين أغلب الأقطار العربية ، تكثر نقاط الاختلاف والتباين في درجة التطور على المُستويات كافة .
ب - الازدواجية ، وتتمثل في وجود مُكونات ورموز المُجتمع التقليدي ، وذلك إلى جانب مُكونات حديثة ، ما قد يدفعهما إلى الصراع ، فهل يقتضي بناء المُجتمع المدني القضاء على مُكونات المُجتمع التقليدي .؟
إنّ للدين الإسلاميّ دوراً محورياً في منظومة العلاقات الاجتماعية في الوطن العربي ، فهل يُمكن بناء المُجتم المدني بعيداً عن الإسلام ، على غرار الغرب، حيث شكلت العلمانية أحد مُكونات المُجتمع المدنيّ .؟
ج - مُشكلة الدولة في الوطن العربي : ذلك أنّنا لن نتمكن من بناء مُجتمع مدني في ظل أو غياب دولة القانون .
وفي ما يلي أبرز عناصر مُشكلة الدولة في الوطن العربي :
1 - ضعف وهشاشة الدولة : فهي قوية في مجال احتكار السلطة ، هي دولة قوية في المجال الأمني فقط .
2- عدم التأسيس لشرعية ثابتة ومُستقرة للدولة : لأنّ الدولة لم تتطور ككيان مُستقل عن
الحاكم ، بل أضحت أداة في يده لإحكام قبضته على المُجتمع .
- تعثر الدولة القطرية في إنجاز الأهداف الكبرى للعرب .
4 - زيادة تبعية الدولة العربية للخارج ، ومظاهرها عديدة ، ما يتطلب إعادة بناء تأسيس الدولة والمُجتمع على أسس جديدة ، وقد يعود الأمر إلى هشاشة النسيج الاجتماعي للمُجتمع العربي ، فما هو السبيل إلى تمكين المُجتمع والدولة معاً .؟
1 - إنّ النظر إلى موضوعة المُجتمع المدني كنتاج غربي لا يعني ألاّ نأخذ بما أفرزه هذا الغرب .
2 - لقد أنتج الغرب مفهوم حقوق الإنسان ، وتشارك فيه الغرب والشرق ، وقد يكون للعرب مفاهيمه في هذا كما في حلف الفضول .
3 - التوقف عن تكرار أنّ سبب الفوات في المُجتمع المدني يعود إلى المُجتمع الأهلي ، ويرتبط هذا بأمرين :
أ - وضع برنامج من الدولة ، يعيد تأهيل المُجتمع الأهلي ، ويفتح نوافذه أمام تيارات الحداثة ، وهذا يتضمن سحب الثنائيات من التداول ، والنظر إلى المُستقبل بمعيار الثورة المعرفية غير المسبوقة .. .
ب - التعامل مع الزمن على أنّه عدو حقيقي تماماً كإسرائيل ، وتوظيفه لمصلحتنا ، ذلك أنّ تغيير المجتمعات يحتاج إلى الوقت .
عقلنة التعامل مع الإسلام ، إذ لاينبغي استفزاز الإسلام السياسي، فتجربة الجزائر أثبتت
ضعف الدولة لا الإسلام السياسيّ، وكان من مصلحة الدولة الجزائرية أن تترك الانتخابات تصل إلى مآلها وخواتيمها بغض النظر عن النتائج .
إنّ من مصلحة الدول العربية أن تنقل عنف الجماعات الأصولية إلى البرلمان ، فقوة
الصوت في البرلمان خير من قوة السلاح ، لا سيما أنّ الدساتير تنص على الإسلام كمصدر للتشريع .
تمكين الدولة والمُجتمع المدني بآن ، ذلك أنّ أحدهما ليس في موقع الضد للثاني ، ودولة
قوية تحتاج إلى مُجتمع مدني معافى ، كما أنّ مُجتمعاً مدنياُ مُعافى يستتبع دولة قوية بالضرورة.
ويرى الدكتو عروسي أنّ الديموقراطية أحد أكثر المصطلحات التي تعرضت للتشويه
والتحايل السياسي والتوظيف الانتهازي ، ذلك أنّ الجميع يدّعونها، فما هي هذه الديموقراطية التي يتغنى بهل الجميع .؟ وما علاقتها بالمُجتمع المدني .؟
وفي الجواب يرى آلان تورين أنّ النقطة التي انطلق منها الفكر الديموقراطي كانت فكرة السيادة الشعبية ، وأنّها ستغيب ما دامت السلطة تتفكر في حقها بالفتح والغزو ، أو في المشيئة الإلهية ، وهذا ما ولد الحداثة السياسية ، وجعل السلطة كناية عن نتاج المشيئة البشرية ، وإذا كان إعلان الحقوق الانكليزي قد صدر عام 1689 ، من غير أن يتضمن مفهوم السيادة ، ونادى بحرية الكومونات واللوردات ، إلاّ أنّ الثورتين الأمريكية والفرنسية نادتا بسيادة الشعب ، واعتبرها هوبز ميثاقاً وعهداً .
يقول جان توشار : الديموقراطية تدل على حال أثينا السياسي في القرن الخامس قبل الميلاد ، ويعرض هيرودوت الصور الثلاث الأولية لقيام الدول الملكية ، الأوليغارشية ، الديموقراطية . وتتيح بحسب إيزوقراط وديموستين تتبع تطور الأفكار في القرن الرابع قبل الميلاد ، على ألاّ نُهمل الذين ناهضوا الديموقراطية كأرستوفان وأكزينوفون وأفلاطون ، فالديموقراطية تذهب إلى حكم الشعب ، فيما تذهب الأوليغارشية جهات حكم القلة ، ولا تظهر كلمة ديموقراطية لدى هيرودوت ، فيما تظهر كلمة مُساواة عند بيركليس في مرثاته .
بهذا المعنى تكون الدولة الديموقراطية دولة قانون للجميع ، لتحمي الطبقات الشعبية من الأوليجارشية ، ويبين أوريبيد انتقاده لحكم الفرد .
ترجيحاً لإشراك العامة في إدارة شؤون الدولة ، نعود إلى الحروب بين دول المدن اليونانية ، حتى أنّ طبقة النبلاء كادت تنقرض ، فحل محلهم العامة ، وأضحى الانتخاب مُباشراً ، ضمن ما يُسمى بالديموقراطية المُباشرة ، لقد استثنى اليونان الأرقاء والنساء من عملية الاقتراع .
إنّ ممارسة الحياة السياسية عند اليونان كانت تتم في المدينة ، أي المُقابل الجغرافي لمُصطلح الدولة ، إذ لا حضارة خارج المدينة ، كما يرى توشار ، وهي السبيل إلى التفريق بين الهيللينيين المُتمدّنين والبرابرة الجهلاء ، ويُعرفها إيزوقراط بالنسبة إلى دستورها ، بينما يُعرفها أرسطو بالنسبة إلى رقعة أرضها ، ويرى الـ : د . طيب تيزيني إلى أنّ نشوء السلطة يقتضي ويشترط المدينة .
ويتساءل العروسي هل كانت المدينة حكراً على الإغريق ؟ وفي الجواب يقول عصمت سيف الدولة البداية في الحديث عن الديموقراطية يكمن في تعريفها ، أي أنّها حكم الشعب ، وهذا يدل على تطور دوال المُصطلح ، لقد عُرفت في إيطاليا وآسيا الصغرى وجنوب فرنسة “نيس ومرسيليا” وعلى الشاطىء الشرقي لشبه جزيرة إيبيريا ومصر البطليموسية وتحت حكم الرومان من بعدهم ، ويُطلق اسم الديموقراطية المُباشرة على هذا النوع من النظام الآن .
وعندما صنف أرسطو نُظُم الحكم إلى حكم الملك الفردي ، وحكم الصفوة الأرستقراطية ، وحكم الشعب “الديموقراطي” ، كان يُصنفها كأنماط حكم قابلة للوجود داخل المدن ، وتميزت الديموقراطية بالحرية والتشارك في مُلكية المًُجتمع ، أمّا العبيد فلقد ظلوا دون عتبة التفكير السياسي .
وإلى جانب العبوديّة الطبيعيّة توجد عبوديّة يُقيمها القانون ، لقد ثار فقهاء القانون ضد مُثُل العبوديّة ، غير أنّ أرسطو يرى بأنّ العبودية تنطبق على أولئك الذين نذرتهم الطبيعة للعبوديّة ، ولم تحاول الأبيقورية والرواقية مُعالجة هذا الموضوع ، على الرغم من مناداتهما بالمُساواة ، ويرى عصمت سيف الدولة أنّ الاشتراك في ملكية المجتمع يتجلى في الاشتراك باجتماعات المجالس الشعبية كحق ، وهكذا نجد أنّ الحرية هي الإطار الإنساني للديموقراطية عند الإغريق ، فيما رأى أفلاطون موت النظام بسبب الشطط في هذه الحرية .
ويرى العروسي بأنّ أثينا قدمت تجربة فريدة في الديموقراطية ، عندما حاولت أن تؤسّس لمفهوم المُواطنة بعيداً عن العلاقات القبلية ، لقد أغنى كليشثنيز الأرستقراطية الأثينية بحسب وول ديورانت ، وأرسى مبدأ الانتخاب ، غير أنّ أرستوفان وأفلاطون وأكزينوفون وإيزوقراط انتقدوا هذه الديموقراطية .
ويرفض أفلاطون الديموقراطية الأثينيّة ، لأنّ الفلاسفة لا يستطيعون المرور عبر بوابات هذه الأنظمة ، ذلك أنّ السياسة لا تصبح علماً إلاّ عندما يغدو الفلاسفة ملوكاً ، لذلك رأى في الأنظمة من الأرستقراطية إلى الديموقراطية مروراً بالتيكوقراطية والأوليغارشية دلالات انحطاط أخلاقيّ ، ففي “الجمهورية” تنحدر بتطوّر مُستمرّ التيموقراطية والأوليغارشية والديموقراطية والاستبدادية ، وتنشأ الديموقراطيّة حين يثرى في ظل الأرستقراطية ذات النموذج المثالي أعضاء الطبقة الثالثة من عمال ، وتستشري أطماعهم ، ليكبح المحاربون جماحهم ، مُؤسّسين التيموقراطية ويقول أفلاطون بدساتير إقريط وأسبارطة ، ثمّ تنحط التيموقراطية إلى أوليغارشية حين يحكم الغني ، ولا يُشرك الفقير في الحكم ، عندها تسود الفوضى بسبب تمركز القيم عند الثورة ، لتنشأ بعدها الديموقراطية ، وبذلك يُقصى الاختصاصيون عن السلطة ، وتكون الديموقراطية لهذا معرضاً للدساتير ، ما يؤدي في النهاية إلى امتهان القوانين المكتوبة ، فيصل التذمر كردة فعل إلى حكم الفرد المُستبد ، فالإفراط في الحرية يُؤدي إلى العبودية ، وفي كتابه “القوانين” يرى أفلاطون بأنّ القوانين يجب أن يكون لها مصدر إلهي .على هذا غدت دولته تيوقراطية ، ويرى عروسي بأنّ الحكم الأكثر استقراراً هو الحكم الأرستقراطي ، أمّا العمل اليدوي فيقوم به العبيد ، وتشرف هيئة من الموظفين على وجود المواطنين ، ويهتم الحاكم الفيلسوف بالسهر على التربية ، وهي تخضع لتشريعات صارمة ، ويُطلق أفلاطون العنان لأ رتيابه في التنوع والاختلاف ، ما جعل دولته كلية استبدادية.
بيد أنّ الخصوم كانوا كثراً ، ناهيك عن افتقادها إلى الواقعيّة ، بحسب جان جاك روسو في العقد الاجتماعي ، وكان لا بدّ للخيال البشري من ابتداع طريقة أكثر تمثيلاً وواقعية ، كانت الديموقراطية غير المُباشرة ، لتصبح الدولة هي الوحدة السياسية بدل المدينة ، الديموقراطية هي إرادة المرء في المزج بين الفكر العقلاني والحرية الشخصية والهوية الثقافية ، وهكذا جمع مبدأ التفرد ، والخصوصية ، والجمعية ، على الطريقة الديموقراطية ، أي أن العروسي أراد أن يستخلص تعدد مسارات الديموقراطية ، بحيث تعكس ثقافة كل شعب وهويته وخصائصه وميزاته ، ولقد درج على تطور الديموقراطية الحديثة بطريقتين :
الأولى : ترى أن ّ الديموقراطية قد انتشرت مع اتساع التصويت ، واشتماله على فئات جديدة ، ومع تدني سن البلوغ القانوني أدخلت صيغ تقريرية ديموقراطية على الحياة المجتمعية .
الثانية : تعرب عن قلقها إزاء تدنّي استقلالية الشأن السياسي في مُجتمع تسيطر عليه المصالح الاقتصادية أو قواعد الدولة الإرادية ، كما ينقلنا من قواعد السياسة إلى قواعد الاقتصاد.
ويرى عروسي بأنّ التفسير الأول يصل إلى درجة كبيرة من التفاؤل السطحي ، ما يفقده قدرته على الإقناع ، ، لكنّ التفسير الثاني يبدو مغلوطاً جداً ، ذلك أنّ ما ابتدعته أوروبا القرن السايع عشر ، ومنتصف القرن التاسع عشر ليس ديموقراطية ، بمقدار ما هو الدولة الحديثة ، إنّ ابتداع الشأن السياسي من ميكيافيللي وبودان إلى هوبز ، ومنه إلى روسو فكبار الليبراليين قد اشتمل على بعد ديموقراطي ، لكنّه اتخذ أشكالاً أوليغارشية أيضاً ، ونستطيع إطلاق صفة الجمهورية على الدولة الحدبثة ، فهي تستعمل مقولة سياسية عندما تتكلم عن الشعب .
أمّا تكوين فكرة الديموقراطية الحديثة فقد توافق مع اضطراب هذه الصورة ، التي اتخذتها الجمهورية الحديثة ، فالتعارض بين الديموقراطية والتسيير السياسي الذاتي كان تعارضاً مبرّراً ، إذ أن الحكم الشعبي يتسق مع فلسفة الأنوار كما عند روسو ، كدولة متماهية مع المجتمع ، ويرى آلان تورين أنّ الاقتراع العام هو الذي عمل على الانتقال من الأنظمة الجمهورية إلى ديموقراطيات بورجوازية ، فديموقراطيات صناعية ، أو إلى اشتراكيات ديموقراطية ، لكن إلحاق الشأن السياسي بالشأن المجتمعي أضعف السلطة السياسية ، ثمّ طغى النموذج الجمهوري على ما أحدثته المسالة المُجتمعية ، في القرن التاسع عشر ، ربما بسبب حقبة التصنيع الطويلة ، وتنامي الاستهلاك والمواصلات ، لينفصل نظام الإنتاج الأممي عن الأنظمة السياسية القومية .
لقد بيّن برنار مانن أنّ أزمة نظام الأحزاب لم تكن تؤذن بأزمة عامة في التمثيل ، ولا بانتصار السياسة المشهدية ، بل إنّ بوسع المرء أن يرى فيها نجاحاً للديموقراطيّة .
إذا كان نجاح الديموقراطيّة مرتبطاً بالدولة والنظام السياسي والمُجتمَع المدنيّ ، فإنّ هذا النجاح كان مُرتبطاً بدولة مستقرة ومُجتمع مدني فاعل . وهو ما تفتقر إليه دول العالم الثالث .
إنّ دراسة إشكالية الدولة والديموقراطية في العالم الثالث تثير قضايا ، وهي :
أولاً : أن الدولة الحديثة فرضت على المُجتمع بالقوة ، واستمرّت مؤسّسات القهر من العهد الاستعماري إلى عهد الاستقلال ، وهذا ما أدى إلى تسمية هذا النمط بالدولة ما بعد الاستعمارية ، وهي خارج سياق التطور الطبيعي ، ويُعبّر المفهوم الشائع في الفكر الغربي تحت خانة التكامل القومي أو الاجتماعي وبناء الأمة عن هذه النقطة ، بغض النظر عن إخفاق العالم الثالث في هذا عملياً ، .
ثانياً : إنّ شرعية الدولة في مُعظم دول العالم الثالث تفتقر إلى الشرعية ، ذلك أنّها أخفقت في تحقيق المهام التي وُجدت لأجلها ، فلا هي حققت التنمية ، ولا ضمنت الحريات السياسية ولا صانت الاستقلال الوطني ولا احترمت التعددية الاجتماعية الثقافية .
ثالثاً : التناقض بين تحدي التنمية في الداخل وبين الاختراق الأجنبي لها في المجالات كافة ، والذي يتم عادة بالتنسيق مع جهاز الدولة ، ما يُؤدي إلى الربط بين الديموقراطية والاستقلال الوطني .
إنّ إشكالية الديموقراطية في العالم الثالث والوطن العربي تصاغ على النحو التالي :
أ - كيف يُمكن توفير الديموقراطية في إطار دولة واقتصاد تابعين ؟
ب - كيف يُمكن توفير الديموقراطية خارج إطار الرأسمالية ، وكيف يتحقق مبدأ تداول
السلطة في ظل نظام اقتصادي يقوم على التخطيط أو الملكية العامة لمواد الثروة ؟
ج - كيف يمكن أن نربط بين الديموقراطية والمجتمع المدني ؟
إن الإطار المفاهيمي الذي سيجيب على تلك المسألة يكمن في أمرين :
1 - طبيعة وبنية الدولة العربية .
2 - طبيعة الخطاب الديموقراطي الشعبوي الناتج عن طبيعة الدول العربية .
فمفهوم الديموقراطية تابع لمفهوم الدولة ، كما يرى عادل حسين ، والدولة هي المجتمع محكوماً مركزياً ، ويقال أن الدولة ذات طبيعة طبقية ، ويرى العروسي أنّ الدولة تتطلب نخبة سياسية تقودها ، ويتضمن كتاب ماركس عن النمط الآسيوي مخالفته للتاريخ الأوروبي ، بيد أنّ الأهم من ذلك هو أن نرى هذا السيناريو بأعيننا ، أمّا السمة الأساسية فهي الصراع ، ولا ينبني عليها القمع ، إنّ الدولة تحافظ على النظام الاجتماعي بما فيه من تراتب وتقسيم للعمل والثروة ، وهي تلجأ إلى القمع لهذه الغاية ، ولقد نصح ميكيافيللي أميره به ، ومع تحقيق العدل يتأكد معنى الضرورة الموضوعة لقيام الدولة ، ومن ثم تتأكد المشروعية السياسية لها ، ومع احتقار هيغل لشعوب الشرق إلاّ أنّ الباحث يقرّ بأنّ كثيراً من المفاهيم التي قدّمها عن الدولة تستحق تأملاً عميقاً منّا ، وفي ضوء تطوّر الدولة يرى العروسي بأنّ الديموقراطية أسلوب مُلائم تدير به النخب السياسية الذكية مُجمل النشاط الاجتماعي للأمة ، ويعتمد جوهر هذا الأسلوب على تكوين النخبة ، ويتطلب هذا قيام أوضاع مُؤسّسة تضمن انتظام المُمارسَة العملية واستمرارها ، ثمّ أنّ الأسلوب المُلائم يعني تنشيط الاتصال والحوار لنقل الأماني والتطلعات بين الحاكم والمحكوم ، ويتضمن هذا توسيع دائرة مُؤسّسات المُجتمع المدني ، هذا أيضاً تصوّر للديموقراطية عند مستوى عال من التجريد ، ومن كل بدّ فإنّ الفكر السياسي الغربي يحتكر مسيرة التقدّم في المجال الديموقراطي ، وقد حظي الفكر السياسي العربي الإسلامي بأكبر قدر من التجاهل ، وآن لنا أن نقوم بنفض الغبار عنه ودراسته ، ويرى عادل حسين بأنّ الدولة الإسلامية عاشت في عهد ازدهارها واستقرارها نمطاً ديموقراطياً مُختلفاً ، وأنه كان نسقاً سياسياً يُحقق بطريقته الخاصة الوحدة من خلال التنوع ، ولا يتفق الباحث مع عادل حسين في ربطه بين الديموقراطية والاستقرار في ظروف الدولة ما قبل الوطنية ، فالإهرامات بُنيت على سواعد الفقراء وجماجمهم ، هذا حالنا مع سور الصين العظيم أو قناة السويس ، إنّ الاستقرار في الحضارات القديمة كان مُرتبطاً بقدر من الاستقرار وليس بالديموقراطية ، ثمّ بماذا نفسر قيام ألمانيا الحديثة بشن الحروب في القرن العشرين وهي دولة مُستقرة ؟ وبماذا نفسر تصعيد الولايات المُتحدة للتوتر عبر شن الحروب هنا وهناك ، وهي دولة ديموقراطية بالمعايير القانونية ، ومستقرة بالمعايير الاجتماعية .؟ وقد قامت على أساس ديموقراطي ، تمثل في إبادة الهنود الحمر ، واستقدام الزنوج وبشكل ديموقراطي .
الدولة القوية هي التي تؤسس لخطاب ديموقراطي حقيقي ، لا الدولة الرخوة كلبنان ، وديموقراطيته ديموقراطية طوائف ، ومع هذا ينظر العرب إليها نظرة إعجاب ، ذلك أنّها هي الأخرى تتشكل من قبائل ، لهذا جاء الخطاب الديموقراطي العربي خطاباً شعبوياً ، وفي هذا يقول د . عزبز العظمة : لقد تأسس في ثمانينات القرن المنصرم منظمات المُجتمع المدني على تبنّ سياسي للأعراف الديموقراطية ، مثالها منظمة حقوق الإنسان العربية ، واتحاد المُحامين العرب ، وباسثناء الخطاب الإسلامي الراديكالي فإنّ مسألة الديموقراطية أصبحت مقوماً في المُعجم السياسي للوطن العربي ، ويرى العظمة أنّ الخطاب الديموقراطي العربي المُعاصر يُستخدم في الصراعات السياسية ، لذا فإنّ المرجعية السياسية والفكرية للكتابات الديموقراطية يُمكن مُلاحظة السمات التالية فيها :
1 - من سمات الديموقراطية أنّها ذات صفة سحرية كقوة مُتلونة قادرة على حلّ المشكلات ، إنّ الديموقراطية بهذا الاعتبار كالوحدة والاشتراكية تتسم بصفة البلسم الشافي .
2 - يجري تقديم الديموقراطية باعتبارها تؤسّس نفسها بنفسها وتحدّث نفسها بنفسها ، وتسود في الطرح الديموقراطي سمة عدم الاهتمام بالظروف التاريخية والظروف السياسية .
3 - الدعوة إلى الديموقراطية هي حقيقة من حقائق العلاقات الصراعية للقوى السياسية ، وأنّها ليست سعياً نحو حتمية خلاص العرب ، وإذا كانت مسيرتها قد تقدّمت في الغرب فلآنّ هناك وفاقاً اجتماعياً سياسياً ، على أسس دستورية ومُؤسّساتية ، فيما تفتقد في الوطن العربي إلى التبلور الاجتماعي .
4 - المناداة بالديموقراطية في السنوات المتصرمة ناجم عن أزمات اجتماعية داخلية ، وعن ضغوط دولية .
5 - شيوع المناداة بالديموقراطية ليس ناشئاً عن عمليات سياسية عربية .
6 - في حالة التشاؤم يتم التشكيك بالواقع التاريخي لتوقع الديموقراطية في مرحلتها الحالية من التطور ، أي كما جاء عليها رينان من قصور خلقي لدى الشعوب السامية في الفلسفة .
7- الفكرة التي يجري الترويج لها في الخطاب الديموقراطي هي فكرة ملاءمتها
للديموقراطية الليبرالية ذات الأصل الأوروبي للظروف العربية ، وهو طرح غير تاريخي ومائع .
8- ليس هناك وسيلة يمكن بوساطتها قياس المعتقد الصحيح للديموقراطية ، إنّ منشأها في الوطن العربي يعزى إلى الكتابات العربية البورجوازية ، في حين أنّها كانت تناهض الديموقراطية .
ويرى العروسي بأنّ إنتاج خطاب ديموقراطي حقيقي يقتضي النظر إلى جوهر الديموقراطية بأبعادها الثلاثة : التداول السلمي للسلطة ، احترام حقوق الإنسان ، والتعددية السياسية ، وهي تشكل عناوين بارزة لمناشط المُجتمع المدني ، والتحدي على حدّ تعبير حسين توفيق إبراهيم هو كيف يُمكن بناء المُجتمع المدني ، في ظل استمرار الأنظمة المعادية له ؟ ولكنّ الأنظمة العربية لا توضع في سلة واحدة ، ذلك أنّ الأقطار التي حدث فيها انتقال نحو التعددية السياسية ، على الرغم من الانتقادات تفسح هامشاً أكبر لحرية الحركة من أجل تثبيت هذا المُجتمع ، في حين أنها تنعدم في أقطار أخرى كليبيا والسعودية ، فكيف يمكن خلقه ، ومن ثمّ توسيعه ؟
وفي هذا الإطار يُمكن التفكير في بعض الإجراءات مثل :
1 - خلق قناعة عند النخب الحاكمة في الوطن العربي بأنّ استمرار الأوضاع الراهنة ليس في مصلحة الشعوب العربية أو النظم ذاتها .
2 - إذا لم تبادر هذه النظم إلى الإصلاح والتغيير فقد يُفرض عليها من الخارج .
3 - إنّ الإصلاح السياسي المنشود لا يعني التغيير الجذري لهذه النظم ، بل تطوير أساليب الحكم والإدارة .
- ضرورة تفهم قوى المُجتمع المدني للظروف الداخلية والخارجية ، التي تضغط على أنظمة الحكم ، وأن تسهم مع الدول في مواجهة تلك الضغوط .
إنّ قوة الديموقراطية تكمن في مُمارستها لا في متانة نصوصها ، فالأمة بحاجةإلى إصلاح تكون الديموقراطية بنداً من أهم بنوده ، ولكن ما هي الديموقراطية التي نحتاجها؟
ولعل البرنامج الموجز في نقاطه السبعة تشكل جواباً عن السؤال المطروح على حدّ تعبير سمير أمين :
1 - ضرورة احترام المصالح الاجتماعية المُختلفة ، فلاشك أنّ للديموقراطية معاني مُختلفة بالنسبة إلى المُثقف أو الفلاح .
2 - ضرورة ربط مُشكلة الديموقراطية بالمُشكلة القومية ، فالشعب العربي لا يُعاني من الاستغلال الاقتصادي الداخلي والخارجي فقط بل يُعاني من الاضطهاد .
3 - ضرورة ربط الديموقراطية السياسية بالديموقراطية الاجتماعية ، أي ضرورة إتمام الإصلاحات الأساسية لضمان قدر من المُساواة والتضامن الاجتماعي .
4 - ضرورة إتمام مُعاصرة المُجتمع من خلال إعلان مبادىء فصل الدولة عن الدين ، ذلك أنّ العلمنة بحسب الباحث هي الوسيلة الوحيدة لحفظ المبادىء الدينية بعيداً عن التزوير ، ولنا في “الإسلام وأصول الحكم” لعلي عبد الرازق و“في الشعر الجاهلي” لطه حسين مثالان في هذا الاتجاه .
5 - ضرورة الأخذ بمبادىء الديموقراطية السياسية الكاملة ، أي حرية التنظيم السياسي ، والاجتماعي ، وحرية الصحافة والنشر .
- الاقتناع بأنّ السلطة السياسية ناتج اختيار حرّ للجماهير .
- إعادة النظر في نظم الحياة الاجتماعية ونظام العائلة بين الجنسين خاصة ، وإعادة النظر في التعليم .
إن الانطلاق من مقولة أنّ الديموقراطية مفهوم تاريخي يتنوع بتنوع الثقافات ، يجعلنا
نؤكد على ضرورة التماهي بين الديموقراطية وخصائص الشعوب ، وأنّ شكلها الليبرالي ليس الأرقى والأكثر ديمومة ، ذلك أنّه لا يتطابق مع التشكيلات الاجتماعية والثقافية والسياسية للعالم الثالث ، وأنّ هذه الدول قادرة أن تنتج دبموقراطيتها المُعبرة عن ماهيتها .
لقد انشغل الفكر الإسلامي بتوليد مُصطلحات مُقاربة لتلك التي يُنتجها الغرب ومدارسه ،
وهي تبوء غالباً بالإخفاق ، بسبب الثقافة التي يُنتج في حضنها ، إذ يصعب سحبه على ثقافة أخرى لها خصائصها المُختلفة ، وربّما المُتعارضة ، هذا هو حال الباحث مع الشورى ، التي رأى البعض فيها المُعادل الإسلامي للديمقراطية، فهل هي كذلك ؟
يرى الجابري بأنّ مُقاربة المُصطلحات واستبدالها كانت من العوائق دون تطبيقها
وبذلك لم تتحقق الديمقراطية ولا الشورى ، ويتساءل أن لماذا فضل المسيحي العربي العلمانية على الديمقراطية .؟ ولماذا فضل العربي المسلم الشورى ؟
إذا عدنا إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وبحثنا عن هُوية الليبرالي العربي
الاجتماعية والدينية ، فإنّنا سنجده غالباً رجلاً متنوّراً ضمن الأقليات الدينية المسيحية والعربية ، فما يريده الليبرالي العربي من العلمانية ليس فصل الدين عن الدولة على غرار ما حدث في أوروبا ، إذ ليس في الإسلام كنيسة ولا سلطة روحية للحاكم ، بل أنّه يحمل العلمانية حقوق الأقليات ، واحترام حقوقها السياسية والمدنيّة ، تلك التي لا يُمكن مُمارسَتها إلاّ في ظلّ الديمقراطية ، ثمّ أنّ الليبرالي العربي فضل العلمانية على الديمقراطية لا لفصل العرب عن الترك ، بل لأنّ الديمقراطيّة تعني حكم الأكثريّة ، ومن ثمّ تهميش الأقلية التي انطلق منها ، السلفي تجنّب الديمقراطية وألحّ على شعار الشورى للسبب ذاته ، الذي ترى بأنّ تطبيق الديمقراطيّة في إطارها المرجعي الأوروبي تعني أن يُسلم الحكم للنخب العصرية وهو ليس منها.
ويظل السؤال بحسب الباحث هو هل الشورى هي الديمقراطية ؟ أم هي شيء آخر لا
علاقة له بالديمقراطيّة ؟
لقد وردت الشورى ثلاث مرات في القرآن ، فإذا أخذنا بتفسير الصابوني أنّ الله لا يُسأل
عمّا يفعل لأنه مالك ولأنه حكيم ، لاقتربنا من بعض المفاهيم الديمقراطية .
لقد أستشار الرسول أصحابه في مصير أسرى غزوة بدر ، وفي غزوة الخندق أشير
عليه بمُصالحة غَطفان على ثلث ثمار المدينة على أن تنسحب من جيش الأحزاب .
أمّا مفهوم الشورى المُعاصر ، فإنّ الجابري يرى فيه غير الديمقراطية ، ذلك أنّ الفقه
الإسلامي خلا من باب الشورى ، ولم يجعل الفقهاء الشورى شرطاً للخلافة ، ذلك أنّ العقد في الخلافة ينصّ على العمل بما أمر الله .
بينما لا يشي معنى الشورى التراثي باستنباط تصور دقيق للحكم ، فهي لغة تتحدد في
شرى بمعنى أخذ ، أي أنّها تعني أخذ الرأي ، من غير أن يذهب جهات الإلزام ، وتوجه إلى أهل الحل والعقد ، أي إلى كل من له سلطة علمية أو اقتصادية أو اجتماعية أو دينية ، ويخلص الجابري إلى أنّ الشورى تدخل في باب محاسن الأخلاق .
وعندما بدأ العرب الاحتكاك بالغرب الليبرالي في القرن التاسع عشر ، عمد السلفيون
إلى المعادل لليبرالية الأوروبية في الفكر التراثي ، فوقعوا على ضالتهم في الشورى ، علماً بأنّ الإحجام عن استعمال المفردة الأعجمية يعكس موقفاً آيديولوجياً ، يعمل على القطيعة مع المرجعية النهضوية الأوروبية ، وبخاصة عند الجيل الثاني ، في حين أنّ جيل الرواد كالأفغاني ومحمد عبده تلمسوا مد الجسور بين المرجعيتين ، ما يعني أنّ مشاكلنا ستجد حلها في تراثنا الديني والفكري .
بمعنى آخر لم يعرف العرب الديمقراطية كمفهوم ومُصطلح كما يرى د . حسن صعب
، وإذا كان هناك أزمة فهي أزمة اقتباس ، وأنّ المدخلين إلى الديمقراطية هما الاجتهاد والبيعة العامة ، فالاجتهاد مفتوح للجميع ، والبيعة العامة تقارن بالاقتراع العام ، وقد يُعين الحاكم أهل الشورى ، إلاّ أنّ النفيسي لا يتفق والرؤية السابقة ، فهو يرى عند ابن حزم في الفصل بين الملل والنحل ، والسياسة الشرعية لابن تيمية ، والطرق الحكمية لابن قيم الجوزية ، نزعة لتأكيد حق الأمة في المشاورة ومُحاسبة الحاكم ، وقد جاء في القرطبي أنّ ابن عطية قال : الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام .
وكما انشغل الفكر العربي بقضية الشورى مع بزوغ فجر النهضة ، ما عكس التيارات
السائدة في الساحة الفكرية إذاك ، والتي تراوحت بين السلفي الإسلامي والليبرالي ، ويمكن للباحث أن يرى مراحل ثلاث في البرامج السياسية للتنظيمات :
أ - مرحلة ما قبل الحرب العالمية الأولى ، ب - مرحلة ما بين الحربين ، ج – مرحلة
ما بعد الحرب العالمية الثانية .
1 - مرحلة ما قبل الحرب العالمية الأولى : وفيها أصبحت الشورى قضية رئيسية ،
وارتبطت بقضية التحرر والتقدّم ، وهي ليبرالية تحريرية في مفهومها ، ودستورية في شكلها .
ولقد حاول رجال النهضة تأصيلها ، وبرزت تيارات ثلاثة في التعامل مع القضية ،
المُستغربين ، الذين توجهوا لنقل ما رؤوه في الغرب ، والانكماشيين الذين رفضوا كل ما هو غربي ، والنهضوي الذي حاول الجمع بين الأصالة والمُعاصرة ، والاستجابة لتحديات الواقع الجديد.
2 - مرحلة ما بين الحربين ، انشغل المُفكّرون بقضية الشورى والديمقراطية في خضم
انشغالهم بقضايا وطنهم ، كالانتماء والهُوية ، والتحرير والتقدم والعدل ، وظهر كل من تيار التغريب ، وتيار الأصالة والمعاصرة .
وغلّبَ تيار التغريب الليبرالية ، ثم ظهر فيه مفهوم الديموقراطية الاشتراكية مع بداية
الاحتكاك مع الماركسية الأوروبية ، كما ظهر فيه مفهوم الديمقراطية الجمعية مع انسداد أفق الديمقراطية الليبرالية ، ويُلاحظ فهمي جدعان في كتابه “أسس التقدّم عند مُفكّري الإسلام” أن البعض ارتدّ عن التغريب ، واقترب من التيار الثاني ، مثل إسماعيل مظهر ومنصور فهمي وحسين هيكل وطه حسين ، لقد دعا التغريبيون إلى اعتماد القانون الوضعي بدل الشريعة ، كما دعوا إلى استبعاد الإسلام من حقل التدبير السياسي ، والاجتماعي للدولة كما عند محمود عزمي ، إذ انتقد النص في دستور 1923 المصري ، الذي قال بالإسلام ديناً للدولة ، وعلي عبد الرازق في “الإسلام وأصول الحكم” الذي دعا إلى الفصل بين الشريعة والنظام السياسي ، فيما تابع التيار الثاني انشغاله بقضية الشورى مُؤصّلاً كمفهوم ، وحارب الاستبداد ، وسجل فهمي جدعان لجدلية علي عبد الرازق أنّها نبهت المُفكرين الإسلاميين إلى أمور أساسية ، وانصرفوا إلى دراسة القانون الوضعي ، وإلى مُقارنته بأحكام الشريعة ، فانتهوا إلى نتائج لا تخلو من الوجاهة ، واستبدلوا الخلافة بحكومة ديمقراطية تمثيلية .
وكان من دعاة التيار الثاني عبد العزيز جاويش الذي راعى بين الشريعة وأحكام التمدن.
ورفع شعار “الإسلام صالح لكل زمان ومكان” ، كما ظهر الشيخ عبد الحميد بن باديس ، وتصدّى لموضوع الخلافة ، مُبينا أنّ الخلافة تقوم على تنفيذ الشرع ، وحياطته بالشورى من قبل أهل الحل والعقد، والأصل في الخلافة أنّ الأمة هي صاحبة الحق في الولاية ، ولها الحق بمراقبة أولي الأمر ، وفي حكم القانون الذي ارتضته لنفسها ، وفي سواسية الناس أمام القانون ، وحفظ التوازن بين الطبقات ، وجاء حسن البنا فطرح قواعد ثلاث ، مسؤولية الحاكم أمام الله والرعية ، ووحدة الأمة ، واحترام إرادتها ، وقبل فكرة النظام النيابي ، وأغنى كل من السنهوري وأحمد حسين هذه المرحلة بدراساتهم .
3- مرحلة ما يعد الحرب العالمية الثانية ، وتابع الإسلاميون قضية الشورى والديمقراطية
، فظهر حزب التحرير ، وطرح تصوّره لكيفية الحكم في الإسلام ، وأذر مشروع دستور إسلامي ، وترجمت كتب أبي الأعلى المودودي من الأردية ، بينها كتاب عن نظام الحكم في الإسلام ، وظهرت كتب أخرى ، ككتاب محمد أسد عن منهاج الحكم في الإسلام ، وأغنى عبد القادر عودة موضوع التشريع ، وشرح نظرية الشريعة في الحكم ، وطرح علال الفاسي تصوّره لممارسة الشورى ، وبرزت بشكل واضح مُحاولات الربط بين الشورى والعدل الاجتماعي ، وك