في كتابه الرّائع “الجنس في القرآن” يخلص إبراهيم محمود في ختام حديثه عن الجنس في الآخرة والجنّة وعن الحور العين تحديداً -اللاتي تحتفي بهنّ أغلب كتب الأئمّة الذّكور أصحاب التّأويل الذّكوري للدّين-إلى الملاحظات التّالية:
-ألا تبدو نساء الجنّة في منتهى السّلبيّة من خلال خضوعهنّ المطلق لرغبات من ينالهنّ أو يوهبن له حيث يتحوّلن إلى هبات أعطيات للرّجل دون تحديد لملامحهنّ الداخليّة.
-النّساء هؤلاء مجرّدات من كلّ تفكير مصوغات ومكوّنات وفق رغبات الرّجل شبقات كما يريدهنّ الرّجل، مثيرات كما يبتغيهنّ الرّجل كذلك جاهزات له مستجيبات لمطالبهم في لحظة.
-النّساء هؤلاء هلاميات موصوفات بالجمال الأخّاذ والاستعداد التام لتلبية رغبات الرّجل، ولعل صفتين فيهن تلفتان النّظر: سحر الجسد المثير والبكورة الدّائمة مع صغر السنّ، وهما كافيتان دائماً لإنهاض الرّجل وفق المقاسات المطلوبة والمنشودة من قلبه، بكورة متجدّدة مقابل ذكورة فحوليّة متجدّدة كذلك.
-إنّ الأوصاف الجنسيّة تلهم الرّجل وتدفعه أن يفكّر بالمتعة الجسديّة فقط، وهذا يعني وكأن ما يهم الرّجل هو ما يمتعه جسدياً كأن علامته الفارقة هي الجنس فقط، وصورة الجسد الأنثوي مرسومة ومزخرفة بطريقة ذكوريّة تماماً.
-صورة النّساء امتداد لصورتهن في الدّنيا بل أكثر سلبيّة وفظاعة.
-المخاطب في الجنّة والمعني بها هو الرجل، والمرأة هي جسد فقط وحضورها ملحق بشهوات الرجل.
-تذكرنا الأوصاف المذكورة للجنة ومكوناتها من حيث الغنى ببيئة قاحلة ورجال خشنين للجنس حضور كبير في أذهانهم (الجزيرة تذكر هنا مباشرة بمحيطها المادي والبشري).
-ثمّة فزع ينتابنا ونحن نقرأ هذه الأوصاف بخصوص التفاوت الفظيع بين الرّجل والمرأة فالجنّة نفسها محكومة بسلطة الرّجل ولغته ورغباته الشهويّة، وهذا يذكّرنا بما انطلقنا به من البداية عندما ارتبط الجنس بالممارسة الجنسيّة، وبنقصان الأنثى وتبعيتها للرّجل المطرود خارج دائرة الفرج الملعون، وكأنّ حواء التي قدر لها أن يتفخذها آدم وتتلاشى بين يديه، وفي محيط رغبته الذكورية، أصبح هنا أكثر من حواء يخضعهن الرجل لسلطته الجسدية، يقتحم (فراغهن) الميتافيزيقي، يلاحق الشيطان فيه وهو في الجنة.
هكذا –حسب محمود-يبرز الجنس في بعديه الأخروي ممنوعاً عن التعبير عن حضوره الأنثوي إلا هامشياً، وممنوعاً من الإفصاح عن الأنثى إلا ملحقة بمدار الرجل.
أما الباحثة غادة كرمي ففي دراسة متميزة لها بعنوان “الحور العين” تبدأ أولا باستقصاء المعنى اللغوي الذي اختلف فيه المفسرون، فالحور عند البعض معنى البياض وبالتّالي الحوراء هي المرأة نقية بياض العين شديدة سوادها، أما البعض الآخر فيرى أن الحور من الحيرة بمعنى يحار الطرف حين النظر إليهن، ثم تسرد الباحثة اختلاف معاني “قاصرات الطرف” فهن عند ابن كثير العفيفات فلا يرين غير أزواجهن، أما الطبري فيرى أنهن متراضيات لا يتحاسدن، في حين يرى القمي أن الطرف يقصر عنها من ضوء نورها، وتذكّر كرمي أوصافهن الأخرى-التي اختلف المفسرون حولها أيضا- حيث أنّهن “مقصورات في الخيام” و“خيرات حسان” و“كواعب أترابا” الخ.
كما تشير الباحثة إلى اختلاف الفقهاء في قضيّة خلقهن فذهب فريق منهم إلى أن الحور العين هن نساء هذا العالم اللواتي أجيز لهن دخول الجنة لإيمانهن وصلاح أعمالهن، بينما ادعى فريق آخر من الفقهاء أن الحور العين لسن النساء الآدميات، هذا إضافة للخلاف حول وجود حور عين إنسيات وجنيات، وقد عرضت عدة آراء حول المادّة التي خلقنا منها فيقول الطبري إنّهن خلقن من الزّعفران بينما يعتقد القمي أنهنّ خلقن من تربة الجنة النّورانيّة، أمّا التّرمذي فيقول أن سحابة أمطرت من العرش فخلقت الحور من قطرات الرحمة، في حين أن ابن عباس يورد أن الله خلق الحوراء من أصابع رجليها إلى ركبتيها من الزعفران ومن ركبتيها إلى ثدييها من المسك ومن ثدييها إلى عنقها من العنبر ومن عنقها إلى رأسها من الكافور.
أما عن عددهن فثمة خلاف شديد فالعدد غير ثابت والحد الأدنى هو حوريتان، وكذلك هناك خلاف حول الأفضلية: هل للحور العين أم للنساء الآدميات؟ فثمّة من يرى من الفقهاء أن الحور أفضل والآخرون يرون العكس، وتخلص كرمي من دراستها إلى تعقيب تؤكد فيه على بعض نقاط أهمها:
-إنّ أوصاف حور العين تعطينا لمحة عن النظرة للمرأة فهي مخلوقة للمتعة الحسيّة لتغذية نرجسيّة الرّجل.
-كون الحوراء تظل بكرا يدل على أفضلية وطء البكر وحلاوته على وطء الثيب، حيث يزيد تعلق البكر بمن وطأها أوّلا وتتبعه، وبالتّالي فإن فكرة عذريّة المرأة في الجنّة ليست إلا رمزا لتبعيتها وتعلقها بالرّجل، وما رجوع عذريتها إلا تأكيدا على هذا الرّباط الذي لا يعفو عليه الزّمن.
وإذا كان الباحث محمود يدور حول النصّ القرآني، وكانت الباحثة كرمي تستقصي التأويلات الذكورية لهذا النص، فان الباحثة منى طلبه في دراستها العميقة “الحور العين بين الدين والأسطورة” تخطو خطوة اكبر للإمام، فهي وإن كانت لا تنكر المعنى الشّائع للعبارة وهو متعة نكاح الحور العين، فإنّها تقدم بتحليلاتها المعمقة لبعض تفسيرات الأئمة الذكور دليلا على أن هذه التأويلات نحت بنص الحور العين من الدّين إلى الأسطورة، حيث قام هؤلاء الأئمة بنسج حكاية خيالية حول الحور العين وأفاضوا في تفصيلات لا يقرّها النص الديني، وذلك اعتمادا على مفردات كان للباحثة الجهد الكبير في إعادة قراءتها، حيث بينت كيف مارس المفسرون الانتقائية في اختيار المعاني التي تدعم حكايتهم المفترضة، وهذه الحكاية مستمدة برأيها من الوعي الأسطوري عند العرب والأمم الأخرى، وأيضا تعتبر امتدادا لصورة المرأة في الوعي الشعري ما قبل الإسلامي -الجاهلي إن جاز التعبير ولا أظنه يجوز، الباحثة طلبه تضيف للتفسير التقليدي تفسيرها التأويلي الجديد وهو أن الزواج في المعجم لا يعنى النّكاح فقط بل يعني أيضا “التوحّد بالآخر” وبالتالي يصير “علاقة وجودية حميمة ترتفع بالفرد إلى مستوى الصنف:
الإنسان”، ترى طلبه أن “الزواج بالحور العين تعظيم للمبدأ الأنثوي للوجود”و“هكذا حلت الحور العين كمبد أخروي يقترن بذواتنا من أجل الكشف عن المبدع الجديد”، وربّما مأخذي الوحيد على دراستها هو محاولتها انتزاع الأسطورة من الدّين رغم اعترافها أن الثاني يحتوي الأوّل، فهي ترفض الأسطورة على أساس أنها لم تعد موضعا للتّصديق - بخلاف الدّين –لكن الواقع يثبت منذ فجر التاريخ إلى الآن أن القصة الأسطوريّة كانت تعتبر واقعا حقيقيا يؤمن به أتباع الديانات بل أن الأساطير الوثنيّة كانت أديان لشعوبها.
نخلص من ذلك إلى أنّ الأئمّة الذّكور يتناسون أن النبي أمر المسلمين بأن يأخذوا نصف دينهم عن زوجته عائشة الحميراء، التي لا يمكن أن تكون كائناً هلامياً كما نرى صورة الحور العين كما تشكلت في ذهنيّة الذكر. بل إن نساء الآخرة لا يمكن أن يختلفن عن نساء الدنيا من حيث ملامحهن الواضحة وكينونتهن الخاصة التي تؤهل المرأة أن تكون على قدر من المساواة مع الرّجل في العالم الآخر كما كانت معه في العالم الدّنيا حسب الشّرع والمنطق، وليست مجرّد أداة متعة أو جسد مادي خالي من العقل والإرادة.