الموضوع موجه لكل من يؤمن بأن الله الإسلامي هو مالانهاية في القدرة أو في أي صفة أخرى و لا ينكر وجود الله مطلقاً. فقط يثبت الإستحالة الفلسفية لوجود إله لا نهائي الصفات كما سنرى اللآن. و الموضوع طويل و دسم و لكنه ضروري للغاية. و لكن يجب قبل أن أبدأ أن أوضح أنه كون الإله لانهائي هو شيئ مهم جداً بالنسبة للمؤمنين عامةً و المسلمين خاصةً، فهو يخرجه من العديد من المشاكل الفلسفية كسؤال الصخرة (هل يستطيع الله خلق صخرة لا يقدر على حملها؟) و إمكانية تحليل حكمة و تصرفات الإله. فإذا كان الإله محدود (و هو ما لا يريده المسلمين)، تسقط الإدعاءات بأنه خارج الإستيعاب بحيث لا يمكن فهمه، و يمكن وقتها التساؤل و الخوض في الذات الإلهية دون التعرض لأعذار واهية من نوع أنه (مالانهاية) و (خارق للعادة).
باختصار، المسلمين الآن بين نارين، النار الأولى هي التخلي عن صفة المالانهاية المنسوبة لله للهروب من المشاكل الفلسفية التي سأطرحها الآن، و وققتها يكون إلههم محدود و نبدأ في كشفه. و النار الأخرى أن يظلوا على زعمهم هذا بأنه لانهائي، و يكونوا مطالبين بإيجاد حل لللإشكالات المطروحة أدناه.
نبدأ:
موضوع اليوم ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: تحليل دقيق لفهم الذات الإلهية اللانهائية من المنظور الإسلامي.
القسم الثاني: أقصى رد إسلامي مبني على هذا الإله يمكن تخيله للإشكالات المطروحة في موضوعي السابق الموجود في أرشيف الموضوعات الإسلامية. ( و الذي توصلت إليه بنفسي) و موجزه المخل جداً جداً هو: كيف يأمر الله الإنسان بأن يطيعه و هو نفسه يعرف أنه لن يطيعه؟
القسم الثالث: الرد على هذا الرد.
أولا: تحليل دقيق لفهم الذات الإلهية من منظور إسلامي:-
كان يجب قبل أن أخوض في المسائل الفلسفية التي أنتم على وشك قراءتها، مراجعة مفهوم الإله الإسلامي اللانهائي الذي لا يستوعبه الكثير من المسلمين و الملحدين في الوقت ذاته.
الإله الإسلامي اللانهائي هو التمثيل الحيوي لفكرة المالانهاية متعددة الصور، فهو:
- قادر على كل شيء (ما لانهاية في القدرة)
- بكل شيء عليم (ما لانهاية في المعرفة)
- خالق كل شيء (ما لا نهاية في الخلق)
- إلخ
أي أن الله ليس كالمالانهاية الرياضية فقط. و إنما هو عبارة عن (مالانهايات) متعددة متوازية و (المفروض) غير متناقضة.
و لكن ما هي المالانهاية؟
الكثير منا لا يستوعب المعنى الفعلي للمالانهاية. المالانهاية ليست ما هو كثير جداً، و لكنها ما هو لا يمكن (لا ينبغي) (لا يصح منطقياً) أن يكون هناك أكثر منه.
يبدو هذا التعريف لدى قراءته سهل الفهم، إلا أنه في الواقع هناك مستويات من فهمه. فالإنطباع الأول هو: "هذا سهل ... الشيء الذي ليس هناك أكثر منه، هو المالانهاية".
و لكن السبب الرئيسي في ظهور أسئلة مثل سؤال "الصخرة": (هل يستطيع الله أن يخلق صخرة هو نفسه لا يستطيع حملها؟) – هو عدم الفهم الكامل للمالانهاية، و بالتالي عدم فهم قدرة الله التي يزعمها المسلمون.
هذا السؤال خاطىء. و للأسف يتغنى به الكثير من الملحدين البسطاء على أنه دليل على عدم وجود الله إلا أنه دليل على عدم فهمهم للمالانهاية.
لنخض قليلاً في المالانهاية لنستوعب الأمر:
تنقسم الكميات العددية في الرياضيات إلى "كميات معرفة" و "كميات غير معرفة".
عندما تجمع 1 + 1 يكون ناتج الجمع 2. الرقم 2 هو رقم محدد و معروف قيمته و "معرف كمياً".
ما معنى معرف كمياً؟ أي أننا نعرف ما هو أكبر منه (3 مثلاً) و معروف ما هو أصغر منه (1)، و معروف هو ناتج جمع كم مع كم و قسمة كم على كم، و بالتالي يمكن تحديد موقعه في سلسلة الكميات المعرفة. بمعنى آخر، الرياضيات تعترف بوجود رقم اسمه 2 و تعترف بجميع العمليات الرياضية المتعلقه به.
أما الكمية غير المعرفة فهي كمية "غير معرفة كمياً". وهي ليست فقط غير معترف رياضياً بكميتها و لكن بإمكانية وجوده هذه الكمية من الأساس كذلك. و تسميتها بـ"كمية" يعطي الإنطباع أنها موجودة و لها خصائص مختلفة. إلا أنها ببساطة شديدة جداً –مثل العدم- هى الشيء الذي لا وجود له.
مثلاً: (أحمد) أطول تلميذ في هذا الفصل. (إذاً التلميذ الأطول من أحمد في هذا الفصل هو كمية غير معرفة). صحيح أنه يمكن التلفظ بلفظة "التلميذ الأطول من (أحمد) في هذا الفصل". و لكن هذا ليس معناه أنه هناك فعلاً من هو أطول من (أحمد) في هذا الفصل.
يمكن أن تسأل أسئلة مثل "ما هو لون الملل؟" أو "ما هي رائحة الدهشة؟" أو "هل يعجز الله عن حمل صخرة؟" التركيب اللغوي سليم و لكن الكلام ليس له معنى لأن لون الملل كمية غير معرفة، و رائحة الدهشة كمية غير معرفة، و الطالب الأطول من (أحمد) في هذا الفصل كمية غير معرفة، و الرقم الأكبر من المالانهاية كمية غير معرفة، و الصخرة التي لا يستطيع الله حملها هي كمية غير معرفة.
ليس معنى أنك صغت الجملة لغوياً أن السؤال له معنى.
لأن الله المفروض هو المالانهاية في القدرة. و بالتالي قولك "الصخرة التي لا يستطيع حملها" كقولك "الطالب الأطول من (أحمد) في هذا الفصل".
و من زاوية أخرى:
اللون لوحده (مفهوم) و الملل لوحده (مفهوم)، لكن الإثنين معاً (غير مفهوم)
الرائحة لوحدها (مفهوم) و الدهشة لوحدها (مفهوم)، الإثنين معاً (غير مفهوم)
الله لوحده (مفهوم) و العجز لوحده (مفهوم)، الإثنين معاً (بناءً على تعريفنا له) (غير مفهوم)
اللون و الملل أشياء لا تجتمع، و الرائحة و الدهشة لا يجتمعا، و العجز و الله لا يجتمعا.
إذاً، عندما نقوم بتعريف الله و نقول أن:
- الله قادر على كل شيء (ما لانهاية في القدرة)
فهذا معناه أن الأشياء التي لا يستطيع الله فعلها هي كمية غير معرفة. ( أي غير معترف بها منطقياً بحكم التعريف: "أنه على كل شيء قدير")
و بالتالي فمن الخطأ منطقياً أن تفترض صخرة يعجز عن حملها ثم تطالبه بخلقها. لأنها شيء ليس له معنى أصلاً.
و عندما نقول أن:
- الله بكل شيء عليم (ما لانهاية في المعرفة)
فهذا معناه أن الأشياء التي لا يعرفها الله كمية غير معرفة. ( أي غير معترف بها منطقياً بحكم التعريف: "أنه بكل شيء عليم")
و عندما نقول أن:
- الله خالق كل شيء (ما لا نهاية في الخلق)
فهذا معناه أن الأشياء الموجودة التي لم يخلقها الله هي كمية غير معرفة. ( أي غير معترف بها منطقياً بحكم التعريف: "أنه خالق كل شيء")
الآن و قد راجعنا مفهوم قدرة الله و استحضرنا شعورنا بهول قدرته اللانهائية، لنرى كيف من المفروض على إله بهذه المواصفات الخارقة أن يتصرف.
تنبيه: فهمك لطريقة تصرف الذات الإلهية اللانهائية مبني تماماً و كلياً على فهمك لمبدأ المالانهاية. إذا كنت لا تستوعب الكلام السابق بشكل كامل قد تجد مشكلة في استيعاب ما أنا بصدد الكلام عنه الآن. و ستجد كل مرة تذكر فيها كلمة "كمية غير معرفة" غاية في السخف.
لكي نتحدث عن طريقة تصرف الإله اللانهائي، يجب أن نفهم أن الصفات هي المنبع الرئيسي و الوحيد للتصرفات.
إذا كنت كريماً مثلاً، فالمتوقع منك أن تخرج صدقات كثيرة. و إذا أخرجت صدقات كثيرة، كان هذا دلالة على كرمك.
الإنفاق تصرف سببه صفة الكرم.
إذاً، لفهم الطريقة التي يجب أن تتصرف بها الذات الإلهية يجب عمل جرد لكل صفاتها.
رحمة، عدل، كرم، حب، معرفة، حكمة، قدرة، خلق، إلخ.
و لكن هناك عامل آخر –بجانب الصفات ذاتها- يتحكم في التصرفات. وهو "مقدار" كل صفة من هذه الصفات.
فالكريم مثلاً لا يتصرف كالكريم جداً، و كلاهما لا يتصرفان كأكرم الأكرمين.
و بالتالي فالمقدار عامل مهم. و هذا معناه أننا يجب أن نأخذ في الإعتبار الصفات كلها مع مقدارها.
إذاً نحن عندنا نتكلم عن الإله اللانهائي،فنقول أن صفاته هي:
رحمة، عدل، كرم، حب، معرفة، حكمة، قدرة، خلق، إلخ. و كل واحدة من هذه الصفات مقدارها مالانهاية.
أي أنه (و بناءً على ما سبق كتابته):
تصرف الله بشكل ينقصه الرحمة مثلاً هو كمية غير معرفة، أي، لا يمكن أبداً في أي لحظة من اللحظات أن يكون الله غير رحيم حتى لو كان لهذا التصرف مغزى آخر لاحق.
تصرف الله بشكل ينقصه العدل هو كمية غير معرفة، أي، لا يمكن أبداً في أي لحظة من اللحظات أن يكون الله غير عادل. حتى لو كان لغياب العدل حكمة عليا مستقبلية.
إلى آخره.
و هذا بناءً على تعريف المالانهاية.
انتهى القسم الأول من الموضوع.
ثانياً: أقصى رد إسلامي يمكن تخيله للإشكالات المطروحة في موضوعي (اشكالات فلسفية في فكرة الإله الإسلامي) على ضوء التعريفات السابقة.
الكلام الآن من منظور إسلامي، على لسان مسلم.
لا يمكن أن ننسب صفة الظلم لله تعالى بسبب خلقه للناس مع علمه المسبق أنهم سيرمون في النار. لأن خلق الله للناس لم يكن "اختياراً" كما يدعي الملحدون، و إنما كان شيء لا بد من حدوثه. و ليس معنى هذا أن الله كان مجبراً عليه.
مثلاً إذا كنت أنت شخص كريم، فبناءً على كونك كريم، أنت تخرج صدقات. رغم أنك حر و غير مجبر على شيء إلا أنك بحكم كونك كريم فتخرج صدقات للفقراء. إذا لم تخرج الصدقات و بخلت كان معنى هذا أنك لست كريماً و أننا أخطأنا في تقديرنا لك من البداية عندما اعتقدنا أنك كريم.
الله كذلك لم يكن مجبراً على خلق البشر، و لكن عدم خلقه لهم معناه أنه إله أناني و غير كريم و غير خالق و "أشياء أخرى" كثيرة (فليملأ المسلمون هذه الفراغات (أعني "الأشياء الأخرى") إذا كانت هذه التفسيرات تروق لهم). كيف تكون عندك القدرة على الخلق و لاتخلق؟ إذاً لماذا أنت خالق؟
و عليه فإن خلق الله للكون هو مدلول على صفاته كما أن اخراج الصدقات مدلول على الكرم. لا يمكن لشخص كريم ألا يفعل أفعال تدل على كرمه، و لا يمكن لإله كالله ألا يخلق الكون.
و لكن إذا خلق الله البشر، هل من العدل أن يخلقهم مسيرين أم مخيرين و أحرار؟ طبعاً يجب أن يكونوا أحرار.
هل كان الله يستطيع أن يخلقهم مسيرين؟
نعم، و لكن الله عادل (لانهائياً) و من المستحيل أنه كان يفعل ذلك. إذاً، خلق البشر مسيرين شيء كان مستحيل حدوثه، و عدم خلق الكون أيضاً شيء مستحيل حدوثه. لأن أي من الإثنين يتعارض مع صفات الله المتفق عليها في تعريفه.
من الخطأ أن نقول: "لماذا كان أمامه الاختيار ألا يخلق الناس الذين سيذهبون للنار و مع ذلك خلقهم؟" لأن الله لا يوضع أمام اختيارات. الله يفعل الصواب من أول مرة و يقرر الشيء الذي لا بديل عنه إطلاقاً من أول مرة. هو خلقهم لأن عدم خلقهم يتعارض مع صفاته.
و بالتالي فإن الله لا يتصرف كالبشر. البشر يفعلون أشياء، و كان من الممكن أن يفعلوا أشياء أخرى. البشر يوضعون أمام اختيارات طيلة الوقت و أحيانا يأخذوا القرار الصائب و أحياناً لا. و هذا لأنهم ليسوا مطلقي الحكمة كالله.
الله لأنه لا نهائي في كل صفاته، لا يوضع أمام اختيارات أبداً. لا يوجد هناك شيء اسمه "لو كان الله فعل كذا" ... هذا ال"كذا" كمية غير معرفة. الله لا يمكن إلا أن يفعل ما فعل.
الإنسان "كان ممكن" يعمل أشياء. الله لا.
إذاً تصرفات الله كلها عبارة عن سلسلة من الأشياء التي (لا يمكن إلا حدوثها) و كل حلقة في هذه السلسلة تؤدي بالضرورة لما بعدها و ما بعدها فقط. و أي تصرف آخر غير ما تصرف به الله هو كمية غير معرفة، لأنه سيتعارض مع صفاته اللانهائية.
توضيح: الله خلق الإنسان مخير لأن الله عادل. و نحن اتفقنا أن تصرفات الله الغير عادلة هي كميات غير معرفة لأن الله عدله مالانهاية، إذاً خلق الله للإنسان بأي صورة غير إنه مخير، كمية غير معرفة.
و لكن إذا أعطيت الحرية الكاملة للكائنات من دون وضع قوانين تحكم هذه التصرفات حتى (لا تخرب الدنيا)، تكون غير حكيم، غير عادل و غير رحيم بمخلوقاتك. إذا لا بد من وضع نظام يحكم تصرفات هذه المخلوقات التي تتصرف بحرية كاملة.
هذه من مسئوليات الله و عدم وضع هذه القوانين يتناقض مع صفاته، و هو أيضاً كمية غير معرفة (قلتلك هاستخدم المصطلح كتير). لأن الله عادل و رحيم بمقدار مالانهاية و التصرفات التي تنتج عنه و فيها ولو حتى شيء بسيط من عدم العدل أو الرحمة هي كميات غير معرفة ().
هذه القوانين هي نظام الثواب و العقاب. لماذا قوانين الثواب و العقاب بالذات؟ لأنها أنسب طريقة تحكم بها كائنات حرة التصرف. إذا كان هناك كائن حر التصرف، و أردت أن تمنعه من فعل شيء سيء لتحقق العدل في الدنيا، يجب أن تهدده و إلا لن يعبأ بك و يضر من حوله. و إذا أردت أن تحثه على فعل الخير، فلابد أن تعرض عليه مكافئة على ذلك ليكون هناك دافع لفعل الخير.
و بالتالي فهذه القوانين أيضاً تتمشى مع رحمة الله بالناس.
و لماذا يعذب الله الناس في النار؟ لأن هذا يحقق العدالة و عدم حدوث هذا ينافي العدل الإلهي.
إذا فعلت الكائنات حرة التصرف هذه أعمالا شريرة و أضرت بغيرها من دون عقاب، كان هذا ظلماً للطرف المتضرر.
و الآن لكي نجمع الصورة و نراها من بعيد لنستوعب أبعادها.
الموضوع كله عبارة عن سلسلة causality كالمشروحة في موضوع "وهم الحرية". كما قلت، كل حلقة في هذه السلسلة يؤدي بالضرورة إلى حلقة أخرى و حلقة واحدة فقط.
السلسلة كالآتي:
(الله عادل و غير أناني و خالق و "أشياء أخرى")--تؤدي إلى--(يجب أن يخلق الكون لأن عدم خلق الكون يتنافى مع التعريف المتفق عليه لهذا الإله)-- تؤدي إلى --(إذا كان الله خلق الكون، إذا لا بد عند خلقه للمخلوقات أن يعطيهم حرية الاختيار لأنه عادل) -- تؤدي إلى-- (إذا أعطاهم هذه الحرية وجب فرض نظام الثواب و العقاب عليهم)-- تؤدي إلى --(إذا فرض هذا النظام يجب أن يخلق جنة و نار لتتحقق وعوده و تهديداته)
انتهى الجزء الثاني من الموضوع.
ثاثاً: الرد على هذا الرد.
أول إشكال:
هناك تناقض فلسفي مريع بين الصفات المذكورة. جاء في الرد الإسلامي، أن الله له تلك الصفات:
رحمة، عدل، كرم، حب، معرفة، حكمة، قدرة، خلق، إلخ.
و كل واحدة من هذه الصفات مقدارها مالانهاية.
وهو شيء مستحيل حدوثه. لابد للرحمة لكي (تاخذ راحتها) في التواجد في كيان معين بمقدار مالانهاية، ألا يكون موجود في نفس هذا الكيان عدل لا نهائي أيضاً. ممكن يكون هناك عدل. و لكن قيمته لا يمكن أن تساوي مالانهاية. العدل اللانهائي و الرحمة اللانهائية أعداء لدودوين. الرحمة اللانهائية تقتضي أن أي نوع من اللارحمة هي كمية غير معرفة.
بمعنى آخر، إذا قيل أن فلان رحيم، إذا هذا معناه أن معدل رحمته أعلى من الطبيعي، و لكنه في النهاية قد لا يرحم و يشعر أن هذا عادياً. لأنه رحيم (فقط) و ليس أرحم الراحمين و رحمته قيمتها لا تساوي مالانهاية.
أما إذا كان هذا الفلان، رحمته تقدر بمالانهاية، فوفقاً لتعريف المالانهاية، تصرف هذا الفلان بأي شكل من أشكال اللارحمة هو شيء ليس له معنى و لا وجود له و غير معترف به منطقياً. وهو ما يتناقض مع العدل تماماً لأن العدل (و العدل المطلق بالذات) تعريفه هو عدم الإنحياز للخير أو الشر.
يمكن الافتراض أن هناك فلاناً، و هذا الفلان يمتلك عدلاً قيمته مالانهاية. لا يمكن لهذا الفلان أبداً أن يرحم و إذا رحم أحد من شيء فهذا معناه أنه "تجاوز" و التجاوز كمية غير معرفة في عالم العدل اللانهائي.
لهذا السبب لا يمكن أن تجتمع الصفتين (و كلاهما بمقدار مالانهاية) في كيان واحد أبداً أبداً.
الحل و المخرج الوحيد لهذا الإشكال أن يكون مثلاً العدل أقل من مالانهاية أي محدود ليفسح المجال قليلاً للرحمة كي تتحقق. و لا يمكن فعل هذا لأن الله (بالتعريف) مالانهاية في العدل. و إذا قللنا العدل عن مالانهاية، كان معنى ذلك أننا نعطي للعدل "قيمة". أي أن العدل دخل في عالم الـ "كميات المعرفة". أي أن هناك قيم و كميات أكبرو أصغر. و لا يمكن أن تكون هناك قيمة عدلية أكبر من تلك التي تخص الله لأنه مطلق العدل.
المخرج الآخر، أن نقلل الرحمة لكي نفسح المجال قليلاً للعدل. في ناس لازم تتعاقب مش معقول كله رحمة رحمة رحمة. مافيش عدل؟ إلى آخر الإشكال.
الإستنتاج: لا يمكن لإله أن يتواجد فيه صفتين متناقضتين بنفس المقدار. (خصوصاً لو كان هذا المقدار مالانهاية)
(و هي طريقة شيك أقول بها "الله غير موجود")
و هذا تناقض بين صفتين فقط. أنا لم أحاول أن أجد أكثر.
ثاني إشكال:
لنفترض أنه بطريقة ما، استطعنا أن (نحشر) العدل اللانهائي و الرحمة اللانهائية معا في كيان واحد (فهذا سيكون رد المسلمين ... سيخترعوا معجزة منطقية ليجعلوا العدل المطلق و الرحمة المطلقة قمة في التوافق لأن الله على كل شيء قدير).
إذا كان الله رحمته مطلقه، لماذا يعذب أي أحد أي عذاب على الإطلاق؟ أليس التعذيب كمية غير معرفة في عالم الرحمة اللانهائية؟ عكس الرحمة هو التعذيب. اذهب و افتح يوتيوب الآن و شاهد فيديوهات التعذيب لتجد أول واحد يصرخ بأعلى صوته:
"ارحمني!!!!!" و هو ما يدل علة أنه هناك بشر في موقف يحتاج الرحمة و مع ذلك لا تتحقق هذه الرحمة.
و إذا كان عدله مطلقاً، فلماذا يرحم الناس و يغفر لهم تحت أي ظرف؟
الإشكال الثالث:
هذه السلسلة:
(الله عادل و غير أناني و خالق لكل شيء و "أشياء أخرى")---(يجب أن يخلق الكون لأن عدم خلق الكون يتنافى مع التعريف المتفق عليه لهذا الإله)---(إذا كنا الله خلق الكون إذا لا بد عند خلقه للمخلوقات أن يعطيهم حرية الاختيار لأنه عادل)---(إذا أعطاهم هذه الحرية وجب فرض نظام الثواب و العقاب عليهم)---(إذا فرض هذا النظام يجب أن يخلق جنة و نار لتتحقق وعوده)
السلسلة تفترض أن الله فعل بكامل حريته أنسب أفعال بحيث تتناسب مع صفاته إلا أنه لم يكن مجبراً على ذلك. و هي فكرة خيالية جداً، لأن كون الله عدله قيمته مالانهاية فهذا معناه أنه (لا يقدر) أن يتصرف تصرف غير عادل لأنه إذا تصرف في أي لحظة بشكل غير عادل (بمزاحه) سيلغي تعريف العدل اللانهائي. إذا كان عادل جدا فقط (و ليس مالانهاية) من الممكن أن "تفلت" منه بعض الأشياء أو هو نفسه يقرر أنه لا يريد أن يطبق العدل في حالة معينة. لكن (لانهائي العدل) معناها أنه حبيس لصفة العدل. لا يستطيع أن يفعل أي شيء ظالم.
و لكن السلسلة لا تدعي العدل فقط فهي تدعي:
الرحمة، العدل، الكرم، الحب، المعرفة، الحكمة، القدرة، الخلق
الله حبيس لكل هذه الصفات و للـ causality و لا ينبغي له أن (و لو للحظة) أن يتخذ أي قرارات (من مزاجه) الشخصي بحيث تتعارض مع أيها لأنه لو فعل، خرب مفهوم المالانهاية.
يعني، إذا كان هناك عبداً صالحاً، الله لا يستطيع أن يلقيه في النار. ليس لأنه لا يريد، و لكن لأن صفة العدل و الرحمة اللانهائيين بداخله يمنعوه من ذلك. إذاً هو "لا يقدر".
طبعاً هذا مرفوض لأن الله على كل شيء قدير. و هذا هو التناقض. كيف يكون الله على كل شيء قدير، و لا يقدر أن يتصرف بمزاجه الشخصي؟
الحل بسيط. لا يوجد شيء بهذه المواصفات.
أي رد على هذا من نوع "الصفات لا تتحكم بالضرورة في صاحبها في كل الأوقات" أو أي نوع آخر من الردود سيكون نابع من عدم الإستيعاب الكامل للمالانهاية.
الإشكال الرابع:
ادعاء أن الله خلق الكون و بالتالي فمن العدل أن يعطي المخلوقات حق الإختيار و عليه فوجب نظام الثواب و العقاب.
ماذا عن الملائكة؟ هل لها حق الإختيار؟ لماذا سلب منها هذا الحق المشروع؟ و هل هذا عدل؟
الإشكال الخامس:
إذا كان من الضروري خلق النار لعقاب المذنبين، فلماذا كان يجب أن يصنع الله نار مستحيلة العذاب كجهنم؟ ألم يكن كاف أن يصنع نار عادية كنار الدنيا مثلا؟ (و هي بالمناسبة شديدة الألم)
و لماذا الخلود في النار؟ ما هي فائدة أن يخلد المذنب في النار؟ هل في هذا رحمة مطلقة؟
الإستنتاج النهائي: لا يمكن لإله بالمواصفات الإسلامية المذكورة أن يتواجد (حتى اشعار آخر).
الموضوع منقول من أرشيف شبكة الملحدين العرب / بقلم الزميل .. مفتري ..