نستمر في هذه المقالة بسلسلة المقالات عن معجزات التطور - قد تبدو بعض الشيء تخصصية ولكن التفاصيل مهمة في هذا الموضوع
الأرض في مهدها
كانت الأرض تدور بسرعة عالية وكان اليوم بطول 5-6 ساعات ، القمر قريباً جداً الأرض ويبدو ضخماً. الغلاف الجوي مليء بالدخان والغبار ، كانت الشمس تبدو عبر الدخان الأحمر الكثيف باهتةً وضعيفة ، لم يكن هناك أي أكسجين في الجو وكان الضغط الجوي عالياً للغاية.
أسم الأرض خاطئاً فالاسم الأدق هو البحر ، وفي ذلك الوقت كان الماء يشكل أكثر من 90% من سطح الأرض مع قليل من الجزر البركانية المعزولة ، وبسبب قرب موقع القمر كانت هناك موجات مدية هائلة تصل لارتفاع مئات الأقدام ، كانت النيازك الضخمة ما زالت ترتطم بالأرض وهي أصغر من تلك التي شكلت القمر ولكن بعضها كان من الضخامة بحيث سببت غليان المحيطات وأحياناً تبخرها ، والمحيطات كانت ساخنة وصاخبة.
باطن الأرض كان أيضاً عنيفاً ، فقد ظهرت الشقوق عبر القشرة وكانت الحمم تسيل بشكل شائع وكانت البراكين عنصر دائم في المشهد.
هذا هو كان شكل الأرض منذ 3800 مليون عام حين ظهرت الحياة. نعرف ذلك من دراسة بعض الحبات الصخرية من ذلك العصر وضمنها توجد بؤر من الكربون التي تحمل البصمات الجزيئية للحياة. هذه البصمات مازال هناك خلاف حول دقتها ، ولكن بعد فترة قصيرة ومنذ 3400 مليون سنة فإن علامات الحياة تصبح مؤكدة ولا جدال عليها ، ففي ذلك الوقت كان العالم مسكوناً بالبكتريا المؤكدة ليس فقط عبر بصماتها الكربونية الجزيئية وإنما عبر المتحجرات المجهرية الناجمة عنها ، وقد ظهرت حتى متحجرات ضخمة بطول حتى المتر من الستروماتوليت stromatolites. استعمرت الجراثيم الأرض بمفردها لمدة 2500 مليون سنة قبل ظهور أول عضوية معقدة في سجل الأحافير ، والبعض يقول أن الجراثيم مازالت هي المسيطرة على الأرض بمقارنة كتلة الجراثيم الهائلة بالمقارنة مع كتلة النباتات والحيوانات.
إن احتمال الحياة في الكون ما زال غامضاً ، ولكن إذا كان الاحتمال هو واحد من مليون مليار فعندها يمكن توقع ظهور الحياة في مليون مليار كوكب. حسب رأي البعض مثل فريد هويل و فرنسيس كريك فمن الممكن أن الحياة بدأت بمكان ما ثم غزت الأرض بالصدفة أو عبر آلة مصنوعة من قبل حضارة آخرى ، هذه الفرضية عن منشأ الحياة على الأرض تأتي لتفسير الحياة على الأرض حيث يؤكد البعض عدم وجود زمن كافي لظهور الحياة على الأرض ، ولكن هذا غير صحيح فمثلاً De Duve يؤكد أن حتمية الكيمياء وسرعتها تقول أن الحياة سوف تنشأ بسرعة على الأرض أو لا تنشئ على الإطلاق ، وإذا كان أي تحول كيميائي يحتاج زمن طويل لكي يحدث فإن الاحتمالات تقول أن المواد المتفاعلة reactors سوف تتبعثر أو تتحطم خلال هذا الزمن ما لم يتم تعويضها بسرعة ، ومنشأ الحياة هو حدث كيميائي والتفاعلات الكيميائية المشكلة للحياة يجب أن تحدث بشكل عفوي و سريع ، ولذلك فإن الحياة يحتمل أن تتطور خلال 10,000 عام وليس خلال 10 مليار عام.
قد لا نستطيع معرفة كيفية ظهور الحياة على الأرض وحتى لو نجحنا بتوليد الحياة ضمن أنبوب اختبار ‘ فلن نكون متأكدين من أن هذه هي الطريقة التي نشأت فيها الحياة في الأرض الأولية ، ولكن العلم بصورة عامة هو عن القواعد وليس عن التوقعات ، والسؤال عن منشأ الحياة هو ليس فقط لمعرفة ماذا حدث في ذلك اليوم الذي ظهرت فيه الحياة ولكن لمعرفة القواعد العامة في تطور الحياة في الكون وخاصةً على كوكبنا.
وكما سنرى لاحقاً فإن منشأ الحياة ليس سراً غامضاً عصياً ولكنه وارد ضمن ظروف الأرض الأولية.
الدراسات الأولى عن منشأ الحياة
العلم ليس فقط عن القواعد ولكنه يبنى على التجارب ، وقد بدأت التجارب على منشأ الحياة عام 1953 (عام كشف DNA) ، وكانت التجربة الأولى هي تجربة ميلر-أوري. في ذلك الوقت كان ستانلي ميلر طالباً في مخبر حامل جائزة نوبل هارولد أوري. ملء ميلر وعاء زجاجي كبير بالماء و مزيج من الغازات توافق تركيب الغلاف الغازي الأولي للأرض. تم اختيار الغازات من دراسة طيفية للغازات التي تشكل غلاف المشتري وكان من الطبيعي افتراض أنها تشكل جو الأرض البدئي وهي الأمونيا والميتان والهيدروجين ومرر عبرها شرارات كهربائية ليماثل تأثير البرق وتم سحب عينات وتحليلها بعد أيام وأسابيع وشهور ، وقد وجد ما فاق أغرب توقعاته فقد ظهر أنه كان يحضر الحساء الاولي وهو مزيج المواد العضوية الأولي بما فيها الحموض الامينية وهي أساس البروتين وهو رمز الحياة في ذلك الوقت قبل عصر DNA ، كما أن الحموض الأمينية المتشكلة تطابق الحموض المستخدمة من قبل الحياة وهكذا ظهرت البنى الأساسية للحياة. كان الخبر صاعقاً و ظهر حتى في مجلة التايمز.
لكن فكرة الحساء الاولي تراجعت بعد ذلك بسبب أن أغلب الصخور الأولية أظهرت أن غلاف الأرض لم يكن أبداً غنياً بالميتان والامونيا والهيدروجين ومن المؤكد عدم حدوث ذلك بعد فترة الصدم الكبير التي نزعت كل الغلاف الجوي الأولي للأرض.
حين تكرار التجربة باستعمال غازات تماثل غلاف الأرض في ذلك الوقت من مزيج ثاني أكسيد الكربون والأزوت مع آثار من الميتان وغازات آخرى أعطت نتائج هزيلة وكميات قليلة من المواد العضوية وبدون حموض أمينية ، وكان الحساء الأولي فقط إثبات لإمكانية صنع مواد عضوية من مواد بسيطة.
الحساء الأولي من النيازك
تجددت فكرة الحساء الأولي مع كشف كميات وافرة من المواد العضوية في الفضاء وخاصةً على الشهب والنيازك. بعض النيازك يتألف فقط من جليد متسخ و جزئيات عضوية وظهرت فيها الحموض الأمينية التي ظهرت في تجربة ميلر. في هذه النظريات أصبحت فترة الصدم الكبير مهمة جداً للحياة فهي مصدر الماء والمواد العضوية اللازمة للحياة ، و رغم أن معظم المواد العضوية ستتخرب خلال حادثة الارتطام فالدراسات أظهرت أنه يمكن نجاة جزء جيد منها لتشكل الحساء الأولي.
فكرة الحساء الأولي كانت أيضاً مشجعة باعتبار أن الحياة هي عبارة عن المتضاعفات وخاصةً المورثات المصنوعة من DNA أو RNA والتي تنسخ نفسها بدقة ومن المؤكد عدم عمل آلية الانتقاء الطبيعي دونها ومنشأ الحياة هو منشأ التضاعف الوراثي ، والحساء هو البيئة التي تحوي كل المكونات اللازمة للتضاعف التنافسي. في الحساء الكثيف فإن المتضاعفات تأخذ ما تحتاجه وتشكل بولميرات أطول وأكثر تعقيداً وهي في النهاية تحول جزئيات آخرى لتشكل بنى مثل البروتينات والخلايا ، ويصبح الحساء الأولي هو بحر الحروف الأولية التي سيعمل عليها الانتقاء الطبيعي.
مشكلة الحساء الأولي
إن فكرة الحساء الأولي فكرة مضللة ليس بسبب خطئها ، فمن الممكن أن يتشكل الحساء الاولي في مرحلة ما من الزمن ولكنه سيكون أكثر تمديداً بكثير مما ظن سابقاً. لنأخذ محلول ضخم معقم من الحساء أو من زبدة الفستق ولنتركها لمليون عام فلن تظهر الحياة ضمنها وحين تركها بمفردها فإن مكوناتها سوف تتحلل ببطء ، وحين القيام بعمليات تحفيز دورية فلن نحصل على نتيجة أفضل ولكن سرعة التخرب ستزداد ، والشحنات الكبيرة مثل البرق قد تشكل بعض الجزئيات الضخمة ولكن هي أيضاً تخربها ثانيةً ، ومن المشكوك به خلق مجموعة من النواسخ ضمن الحساء الأولي وهو يشبه فكرة إعادة الحياة للجثة بصدمها كهربائياً. سبب ذلك هو الترموديناميك.
الترموديناميك (محرك الحياة)
يدرس الترموديناميك تشكل الجزئيات من الذرات والتي يعتمد وجودها على القوى المختلفة من جذب وتنافر. تميل الجزئيات لأن تفقد أو تكسب الإلكترونات و تجذب جزئيات معاكسة الشحنة أو تتنافر مع جزئيات متماثلة الشحنة. يحدث التفاعل الكيميائي بشكل عفوي حين ترغب بذلك كل المكونات المشاركة ضمنه أو يمكن إجبارها على التفاعل باستعمال قوة كبيرة (طاقة خارجية) ، وتوجد حالات ترغب فيها الذرات بالتفاعل ولكن من الصعب عليها أن تبدأ. الترموديناميك هو سبب تحرك العالم وحين عدم وجود رغبة لجزيئين بالتفاعل فليس من الممكن القيام بذلك بدون صرف الطاقة اللازمة ، وإذا رغبا الجزئيان بالتفاعل فسيقومان به وسيحتاج الأمر بعض الزمن للتغلب على الحالة الأولية.
تسير حياتنا بسبب الترموديناميك فجزئيات الطعام ترغب بشدة للتفاعل مع أكسجين الهواء ولكنها لا تتفاعل بشكل عفوي وإلا لتحولنا إلى كتلة من اللهب ، ولكن لهب الحياة ينشأ من الاحتراق البطيء لهذه المواد الذي يدعم كل أشكال الحياة ، والتفاعل يتم بالطريقة التالية: يتم نزع الهيدروجين من الطعام ويتفاعل مع الأكسيجين ليحرر الطاقة اللازمة للحياة ، وكل الحياة يتم دعمها من قبل تفاعل مشابه فهناك تفاعل كيميائي يرغب بالحدوث مع طاقة متحررة يمكنها أن تستعمل في كل التفاعلات الجانبية التي تشكل الاستقلاب ، وكل الحياة وكل الطاقة اللازمة للحياة تنشأ من جزئيان خارج مجال التوازن بالنسبة لبعضهما البعض وهما الهيدروجين والأكسجين وهي تتحد في جزئيات الماء لتحرر كمية كبيرة من الطاقة.
مشكلة الحساء الأولي الأساسية هي أنه مسطح ترموديناميكياً ولا يوجد ضمنه انعدام توازن مما يلغي تشكل القوى الدافعة لتشكل الحياة ولتشكيل البولميرات المعقدة مثل البروتينات والشحوم والسكريات المعقدة والحموض النووية.
إن فكرة أن الناسخات الأولية مثل RNA كانت أساس الحياة تشبه فكرة إمكانية رفع المحرك من السيارة و توقع أن الكمبيوتر المنظم سيقوم بالقيادة بغياب المحرك. لذلك من المهم جداً السؤال عن المحرك.
الفوهات السوداء:
في الستينات والسبعينات تم اكتشاف نوافير الماء الحارة على طول صدع غالاباغوس. في 1977 غاصت Alvin إلى الصدع للبحث عن الفوهات الحرارية التي أفترض أنها سبب تيارات من الماء الدافئ ، وتم اكتشاف الفوهات وكان الاكتشاف مذهلاً فقد لوحظ ضمنها ديدان اسطوانية ضخمة بطول حتى 8 أقدام وبدون قناة هضمية ، وكذلك بلح البحر و بطلينوس clam بحجم الصحن مع حبارات ضخمة ، وكانت كثافة الجمهرات الحيوانية تشبه المشاهدة في الغابة الاستوائية أو الحيد المرجاني. هذه الكائنات تأخذ الطاقة من الفوهات وليس من الشمس وسميت هذه الفوهات بـ black smokers وتم فيما بعد اكتشاف أكثر من 200 فوهة عبر القمم المحيطية للمحيطات الهادي والأطلسي والهندي. هذه المداخن السوداء قد تصل لارتفاع ناطحات السحاب وتتألف من كبيرتيدات معدنية metal sulphides حارة جداً تدخل ماء البحر من المغما وهذا المزيج حامض مثل الخل و بحرارة 400 مئوية وتحت ضغط هائل في قاع المحيطات قبل أن يترسب في الماء البارد. هذه البنى العملاقة تتألف من المعادن الكبريتية sulphur minerals مثل بيريت الحديد iron pyrite تخرج من الفوهة السوداء ، بعض الفوهات تنمو بسرعة 30 سم في اليوم و تصل لارتفاع 60 م قبل أن تتحطم. ضمن هذا الجحيم تزدهر الحياة وسبب ذلك هو عدم التوزان ، فمع دخول ماء البحر إلى المغما يسخن بشدة ويتشبع بالمعادن والغازات وخاصةً H2S وتستطيع الجراثيم الكبريتية استخلاص الهيدروجين من هذه الأمكنة و ربطه مع CO2 لتشكيل المواد العضوية. هذا التفاعل هو أساس الحياة في الفوهات ويسمح للجراثيم بالنمو دون علاقة بالشمس وتحويل CO2 لمواد عضوية يتطلب طاقة وللحصول على الطاقة فإن الجراثيم الكبريتية تحتاج الأكسجين الذي تحصل عليه من ماء البحر وتفاعل الهيدروجين مع الأكسجين هو مصدر الطاقة لكل حيوانات الفوهة وهو يشبه تفاعلهما لتشكيل الطاقة لحياتنا في الوسط المائي. الجراثيم الكبريتية تستخدم فقط H2S وهذا الغاز ليس غنياً بالطاقة ولكن تفاعله مع الأكسجين يعطي الطاقة ، وهذا يتم على الحد الفاصل بين العالمين والحدود بين العالمين هو حالة لا توازن ترموديناميكي وتستفيد الجراثيم التي تعيش على الحد الفاصل من حالة انعدام التوازن ، بينما تعيش بقية حيوانات الفوهة على حساب الجراثيم.
بعد فترة وجيزة من اكتشاف هذه الفوهات ظهر اقتراح John Baross أن تكون هذه الفوهات هي منشأ الحياة ، وهذا الاقتراح حل فوراً العديد من المشاكل المرتبطة بمنشأ الحياة الموجودة في الحساء الأولي وخاصةً مشكلة الترموديناميك حيث لا يوجد توازن على الإطلاق. يمكن توقع أن الحد الفاصل بين الفوهات والمحيط كان مختلفاً في الأرض البدائية بسبب غياب الأكسجين في الأرض الأولية ، وحسب رأي واشترشاوسر فإن المحرك الأولي للحياة هو تفاعل H2S مع الحديد لتشكيل pyrites المعدني وهو تفاعل يحدث تلقائياً محرراً كمية معتدلة من الطاقة التي يمكن استعمالها. الطاقة المتحررة من تشكيل pyrites ليس كافياً لتحويل CO2 إلى مواد عضوية ، ولذلك ركز العالم واشترشاوسر على دور CO كوسيط أكثر فعاليةً وهو قد تم اكتشافه في الفوهات المحيطية وهو يحفز العديد من التفاعلات الكيمائية مع مزيج الحديد والكبريت والتي تملك قدرة للتنشيط ، وقد أثبت مخبرياً العديد من هذه التفاعلات وقد كانت ثورة في عالم الحياة حيث نشأت الحياة من H2S و CO و iron pyrites (غازان سامان و معدن)
رغم أن الفكرة كانت ثورية و مدروسة بدقة ولكنها تجابه مشكلة هامة وهي مشكلة التركيز كما في الحساء و أي مادة عضوية ستتشكل ستنحل في ماء المحيط ولن تتفاعل ثانيةً لتشكل بوليمرات مثل DNA و RNA وغيرها ، ولا يوجد أي شيء قادر على احتواء هذه المواد ومنع انتشارها. رد واشترشاوسر إن تفاعلاته قد تجري على سطح المعادن مثل iron pyrites ولكن هناك مشكلة هنا أيضاً وهي أن التفاعلات لا يمكن أن تنتهي إذا لم يتحرر المنتج النهائي من سطح المحفز.
الفوهات البيضاء:
اقترح مايك روسل حلاً لذلك في منتصف الثمانينات. أتفق روسل مع واشترشاوسر على أن الفوهات الحارة هي منشأ الحياة ثم اختلفت النظرية تماماً ، حيث اقترح أحدهما الفوهات السوداء والثاني الفوهات البيضاء ، وأحدهما يقترح البراكين والثاني يرفضها ، وأحدهما يقترح الحموضة والثاني القلوية. إن الجبال المحيطية التي تحتوي الفوهات السوداء هي مصدر قاع البحر المتجدد. من مراكز البراكين هذه ترتفع المغما وتدفع الصفائح جانبياً و تصطدم هذه الصفائح ببغضها مشكلةً الجبال مثل الهمالايا والانديز والألب ، لكن حركة القشرة البطيئة عبر قاع البحر تكشف صخور جديدة من اللب وهذه الصخور تشكل نمط آخر من الفوهات الحارة. هذه الفوهات ليست بركانية ولا علاقة لها بالمغما و تعتمد على تفاعل هذه الصخور اللبية مع ماء البحر ، حيث يتدفق الماء لداخل الصخور ويغير بنيتها لتشكل هيدروكسيدات معدنية Hydroxide mineral مثل Serpentine ، والتفاعل مع ماء البحر يمدد الصخور ويشققها مما يسمح بدخول ماء بحر جديد واستمرار العملية. حجم هذه التفاعلات هائل ويقدر حجم الماء المرتبط بالصخور اللبية بأنه مماثل لحجم ماء المحيطات ، ومن توسع المحيطات فإن هذه الصفائح المحملة بالماء تندفع تحت الصفائح المتصادمة حيث تسخن بشدة ويصدر عنها الماء ويرتفع نحو سطح الأرض. هذا التفاعل مع ماء البحر يحرض دورات الحمل ضمن اللب دافعاً المغما ثانيةً للسطح بشكل جبال وسط المحيط و براكين المحيط ، وهو ما يشكل دافع تشكل البراكين في الأرض. هذا التفاعل بين ماء البحر و صخور اللب هو المحرك الأساسي للبراكين ، وهو أيضاً يحرر طاقة كبيرة بشكل حرارة مع كميات كبيرة من الغازات مثل الهيدروجين. هذا التفاعل يغير كل شيء منحل في ماء البحر وكل المواد المتفاعلة تحمل بالالكترونات (يتم إرجاعها) والغاز المتشكل الأساسي هو الهيدروجين لأن معظم ما في البحر هو الماء مع كميات ضئيلة من غازات آخرى كما في تجربة ميلر ، وهذه الغازات مفيدة لتوليد سوابق المواد العضوية مثل DNA والبروتينات. وهكذا يتحول CO2 إلى ميتان والنتروجين إلى أمونيا و Sulphate إلى H2S وتمر الغازات عبر السطح لتخرج من نمط أخر من الفوهات الحرارية. هذه الفوهات قلوية بشدة (وليست حمضية كما هو الحال في الفوهات السوداء) و ذات حرارة دافئة وأقل بكثير من الفوهات السوداء و توجد في مناطق بعيدة قليلاً عن قمم جبال المحيطات ، وهي لا تشكل عمود واحد طويل أسود من فوهة واحدة ولكن بنى معقدة مثقبة بالعديد من الفقاعات والحجرات التي تتشكل مع دخول السائل الحار القلوي من الفوهة ضمن ماء البحر البارد ، تسمى هذه الفوهات بالفوهات القلوية. كانت هذه الفوهات معروفة فقط بدراسة الأحافير وأهمها Tynagh في إيرلندا وهي بعمر 350 مليون سنة ، وحين درس روسل هذه الصخور الفقاعية بالمجهر الإلكتروني وجد ضمنها حجرات دقيقة قريبة من حجم الخلايا الحية بقطر عشر الملم أو أقل وهي متصلة بشبكة من الأقنية. مثل هذه الخلايا المعدنية قد تتشكل حين اختلاط سائل الفوهة القلوي مع ماء المحيط الحامضي. وقد نجح مخبرياً في تشكيل صخور مسامية بخلط القلويات والحموض. وقد قال روسل أن ظروف الفوهات القلوية يجعلها مصدر هام لبدء الحياة. فالحجرات تصبح مصدر طبيعي يساهم في تركيز المواد العضوية ، بينما جدارها المكون من معادن الحديد والكبريت يجعل هذه الجدران ذو دور تحفيزي. قال روسل وفريقه أن الحياة نشأت من تراكمات من فقاعات كبريتيد الحديد iron sulphide وتحوي محلول قلوي عالي الإرجاع Reduced.
هذه الفوهات العميقة لم تكن معروفة في ذلك الوقت ولكن في بداية القرن الحالي فإن العلماء في Atlantis كشفوا هذه الفوهات على مسافة 15 كم من قمم وسط الاطلسي على جبل تحت مائي يسمى Atlantis سميت المدينة المفقودة Lost city. فيها نلاحظ ركائز بيضاء دقيقة و أصابع من الكربونات. بعض الفوهات طويلة مثل الفوهة السوداء و أضخمها تسمى Poseidon بطول 60 م. هذه البنى دقيقة و مزخرفة مثل الابنية القوطية ومليئة بخربشات عشوائية. في هذه الفوهات فإن التدفق الدافئ عديم اللون يعطي انطباع كأن الفوهة قد هجرت فجأة ولا توجد الفوهات الجهنمية من الدخان الأسود وإنما بنى دقيقة بيضاء لها أصابع ممتدة متحجرة. قد يكون التدفق غير مرئي ولكنه حقيقي وكافي لدعم المدينة الحية. هذه الفوهات ليست مؤلفة من معادن الحديد والكبريت ومن المستحيل وجود أي حديد منحل في ماء المحيط الحالي المشبع بالأكسجين وهي بنية عملاقة تتألف من صخر مسامي مع متاهة من الحجيرات المجهرية مع جدران aragonite ريشية.
البنى القديمة الصامتة لم تعد تنفث السوائل الحارة وتكون أكثر صلابة ويتم إغلاق مسامها بالكالسيت calcite بينما تكون الفوهات الحية غنية بالحياة و تعج بالنشاط الجرثومي وفيها يكون عدم التوازن الكيميائي على أشده. الحيوانات وافرة وهي تنافس بتنوعها المداخن السوداء ولكنها أصغر بالحجم لسبب بيئي فالجراثيم الكبريتية الموجودة في الفوهات السوداء تتكيف بسهولة للحياة ضمن مضيف حيواني بينما الجراثيم أو بشكل أدق archea الموجودة في المدينة المفقودة لا تشكل هذه العلاقات مما يعني أن الحيوانات لا تستطيع إنشاء مزارع داخلية لها مما يحد من حجمها.
الحياة في المدينة المفقودة مبنية على تفاعل الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون وهو أساس كل الحياة على الأرض وهنا فإن هذا التفاعل مباشر والهيدروجين الحر الخارج بشكل فقاعات غازية هو هدية نادرة هنا. بينما تكون الحياة في بقية الأمكنة مجبرة للبحث عن مصادر خفية للهيدروجين بحيث يكون مرتبطا بشدة بذرات آخرى كما في الماء أو سلفيد الهيدروجين H2S و نزع الهيدروجين من هذه المركبات يحتاج طاقة تأتي من الشمس في التركيب الضوئي أو من استعمال عدم توازن كيميائي في عالم الفوهات. هذا التفاعل يسير عفويا فقط بوجود الهيدروجين الحر وإن كان ببطء شديد ولكن من وجهة نظر ترموديناميكية فإن التفاعل هو وجبة مجانية أي أن التفاعل يولد مواد عضوية معقدة مباشرة و يحرر بنفس الوقت كمية كافية من الطاقة يمكن استعمالها لتنشيط التفاعلات الاخرى.
وهكذا تخدم الفوهات القلوية كعش للحياة وهي جزء أساسي من النظام الجيولوجي لسطح الأرض وهو المسئول مثلا عن تشكل البراكين وغيرها من ظواهر نشاط القشرة الأرضية وهو يؤمن ضخ مستمر من الهيدروجين الذي يتفاعل مع ثاني أكسيد الكربون في المحيط ويشكل مواد عضوية كما يشكل دهاليز من حجرات مسامية تحتجز أي مواد عضوية متشكلة مما يجعل إمكانية تشكل البوليمرات مثل RNA أكثر احتمالية. هذه البنى تعيش لفترة طويلة والفوهات في المدينة المفقودة تضخ لمدة تزيد عن 40 ألف سنة بعمر أطول بمائة مرة من عمر المداخن السوداء. هذه الفوهات كانت أكثر وفرة في الأرض الأولية حيث كانت المغما تتفاعل مباشرة مع المحيط. في تلك الايام كانت مياه المحيطات محملة بالحديد المنحل كما أن الحجيرات المعدنية كانت ذات جدار تحفيزي مؤلف من أملاح الحديد والكبريت كما في الفوهات الاحفورية في Tynagh في ايرلندا.
كانت ستعمل مثل reactor ذو تدفق حر مع تدرجات حرارية و الكتروكيميائية تدير سوائل فعالة عبر حجيرات ذو جدار محفز.
هذا جيد جدا ولكن مهما كان هذا التفاعل الوحيد مهما فالسؤال كيف يمكن للحياة أن تتطور من هذا التفاعل المنفرد إلى الشبكة المعقدة من التفاعلات المعروفة حاليا. الجواب غير معروف ولكن توجد مفاتيح للحل من دراسة الحياة نفسها وبشكل أساسي من دراسة التفاعلات الأساسية التي توجد في كل الأحياء التي هي لب الاستقلاب ، وهي متحجرة حية داخلية تحافظ على أصداء ذلك الماضي البعيد وهي منسجمة مع الاصل الأولي في الفوهات الدافئة القلوية
منشأ الاستقلاب
هناك طريقتان لدراسة أصل الحياة: من الأسفل للأعلى ومن الأعلى للأسفل وكل ما تم عرضة سابقاً كان عبر طريقة من الأسفل للأعلى بدراسة الوضع الكيميائي الجيولوجي للأرض و حالة الترموديناميك التي كانت موجودة في الأرض الأولية و تبين لنا أن الفوهات الحرارية الدافئة في قعر المحيط والتي ينبثق منها الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون هي المواقع الأكثر احتمالاً لظهور الحياة. المتفاعلات الكهروكيمائية الطبيعية ستولد المواد العضوية والطاقة اللازمة ، ولكن لم ندرس حتى الآن ما هي التفاعلات التي بدأت وكيف أدت للحياة.
الطريقة الوحيدة لفهم كيفية عمل الحياة في بدئها هي الطريق من الأعلى للأسفل ، فيمكن دراسة الصفات العامة في كل الكائنات الحية لمعرفة خصائص ما يسمى السلف العام الأخير Last Universal Common Ancestor (LUCA) ، مثلاً في نسبة قليلة من الأحياء ومن الجراثيم قادرة على التصينع الضوئي ولذلك فإن LUCA غير قادرة على التصنيع الضوئي ، ولو كانت هذه الخاصية موجودة في LUCA فهي يجب أن توجد في معظم الكائنات ولو بشكل مهمل ، وبالعكس فإن كل الحياة على الأرض لها خصائص عامة ، فهي تبنى على الخلايا (عدا الفيروسات التي تعيش فقط ضمن الخلايا) وكلها لها مورثات مصنوعة من حموض نووية DNA ، وكلها تكود بروتينات عبر كود عام يتم فيه تقابل ثلاثيات الحموض النووية بحمض أميني معين ، كما أن كل الكائنات الحية تستخدم نفس المصدر من العملة الطاقية للاستقلاب وهي الادينوزين ثلاثي الفوسفات ATP ، ومن المؤكد وجود هذه الخصائص في LUCA
كل الكائنات الحية تتشارك أيضاً لها طرق متشابهة في الاستقلاب وذلك عبر ما يسمى بحلقة كريبس ، وهذه الحلقة اكتشفت عام 1930 وهي أساس البيوكيمياء. بملاحظة ودراسة خريطة الطرق الاستقلابية نلاحظ خريطة معقدة مع أسهم في كل الاتجاهات بألوان مختلفة ، في أسفل هذه الطرق الالتهابية وفي مركز هذه العمليات تقع حلقة كريبس وهي الحلقة الوحيدة الحقيقية في كل خريطة الاستقلاب. هذه الحلقة تقع في مركز فيزيولوجيا و بيوكيمياء الخلية ، وتغير سرعة هذه الحلقة هي عامل مهم في الكثير من العمليات الحيوية من الشيخوخة إلى التحول السرطاني إلى الحالة الطاقية للخلية.
المدهش في حلقة كريبس هو ما كشف مؤخراً وهو إمكانية دوران حلقة كريبس بالاتجاه المعاكس ، وطبيعياً فإن حلقة كريبس في دورانها المعتاد تستهلك المواد العضوية من الطعام وتنتج الهيدروجين (الذي يتحد مع الأكسيجن في عملية التنفس) و ثاني أكسيد الكربون. هذه الحلقة تنتج المواد اللازمة لصنع المواد العضوية كما تنتج الهيدروجين اللازم لتوليد الطاقة بشكل ATP ، في حالات الدوران العكسي لحلقة كريبس تقوم بعكس الأعمال السابقة فهي تمتص ثاني أكسيد الكربون والهيدروجين لتشكل مواد عضوية جديدة هي أساس كل الحياة وفي هذه الحالة فهي تستهلك الطاقة من ATP.
الدوران العكسي لحلقة كريبس ليس شائعاً حتى في الجراثيم ، ولكنه شائع للغاية في جراثيم الفوهات الحرارية وهي طريقة مهمة بدائية لتحويل ثاني أكسيد الكربون لمواد عضوية. درس مورويتز هذه الحلقة العكسية وخلاصة عمله أنه بإعطاء تراكيز كافية من كل المواد فإن الحلقة ستدور ذاتياً ، وحين زيادة تركيز أحد المواد فهي ستحوله لمادة أخرى ، ومن كل الجزئيات العضوية الممكنة فإن جزئيات حلقة كريبس هي الأكثر استقراراً وذات الاحتمال الأعلى للتشكل ، وهو يعني أن حلقة كريبس لم تخلق من المورثات وإنما هي نتيجة احتمالات التفاعلات الكيميائية والترموديناميكية ، وقد دخلت المورثات لاحقاً واستفادت من الحلقة الموجودة سابقاً.
مع دوران حلقة كريبس و تزويدها بمصدر من الطاقة فإن كل الطرق الإستقلابية تصبح حتمية مما يؤدي لتشكل مركبات معقدة مثل الحموض الأمينية والنووية.
السؤال المهم في هذه المرحلة هو ما هي النسبة من هذا اللب المركزي للإستقلاب ظهر عفوياً وما هي النسبة التي نشأت لاحقاً بتأثير المورثات والبروتينات ولكن هذا خارج سياق هذا البحث
من المهم هنا عرض نقطة أساسية وهي أن كل المحاولات لصنع البلوكات الأساسية للحياة كانت دقيقة ، فقد بدأت بمواد بسيطة غير حية مثل السيانيد السام وحاولت صنع مواد الحياة بتغيير عوامل مثل الضغط والحرارة والشحنات الكهربائية وكلها غير بيولوجية ، ولكن ماذا إذا بدئنا بجزئيات حلقة كريبس وبعض ATP في مفاعل الكتروكيميائي مثل ذلك الموصوف في نظرية مايك روسل عن الفوهات البيضاء ، في هذا الحالات يتوقع تشكل الكثير من المواد بما فيها البروتينات و RNA ومن هنا يبدأ عمل الاصطفاء الطبيعي وقد بدأت التجارب في هذا المجال مع الحاجة لدفق مستمر من ATP ، ولكن ما مصدر ATP في الأرض الاولية وهنا نعود لعمل Bill Martin وهو صاحب نظريات كثيرة عن نشوء الكثير من الأمور المهمة في البيولوجيا. حاول مارتين مع روسل دراسة التحول من geochemistry إلى biochemistry ، وقد قام العالمان بدراسة تدفق وسير الكربون في المواد العضوية ، ونعرف اليوم وجود 5 طرق فقط في العالم الحي لإدخال الهيدروجين و ثاني أكسيد الكربون في العالم الحي لتوليد المواد العضوية بما فيها مواد حلقة كريبس. أربعة طرق من هذه الطرق الخمسة تستهلك ATP و وطريق واحد فقط وهو التفاعل المباشر لـ ثاني أكسيد الكربون والهيدروجين يولد المواد العضوية والطاقة. تقوم بهذه العملية مجموعتين من المتعضيات الأولية عبر سلسلة من خطوات متشابهة ، إحدى هذه المجموعات هي archea التي تعيش في الفوهات البيضاء ، وحسب رأي العالمين فإن سوالف هذه الجراثيم البدئية كانت تقوم بنفس التفاعلات الكيميائية منذ 4 مليار سنة. لكن تفاعل الهيدروجين و ثاني أكسيد الكربون ليس سهلاً وليس مباشراً ويحتاج محفز و دفعة أولية من الطاقة ليبدأ التفاعل مولداً مزيداً من الطاقة. المنشط بسيط للغاية وفي العالم الحي يقوم بذلك انزيم يحوي تراكمات من الحديد والنيكل والكبريت وذو بنية مشابهة للمعادن الموجودة في الفوهات ، وهذا يعني أن الخلايا الاولية استعملت محفز متوافر حولها بكمية وافرة ، أما مصدر الطاقة لبدء التفاعل فهو من نفس الفوهة. يوجد مركب آخر من الخلات يسمى Acetyl Thioester وهو يتشكل لأن CO2 ثابت جداً ويقاوم هجوم الهيدروجين ، ولكنه متفاعل مع الجذور الحرة للكربون والكبريت الموجودة في الفوهات ، وهكذا فإن الطاقة اللازمة لبدء التفاعل تأتي من نفس الفوهات بشكل جذور حرة نشيطة تشكل Acetyl Thioester. هذا المركب مازال موجوداً في المتعضيات حالياً وتفاعله مع CO2 يؤدي لتشكيل المواد العضوية المركبة ، هذا التفاعل يحدث عفوياً و يحرر الطاقة ليشكل مركب ثلاثي الكربون هو البيروفات وهو مدخل حلقة كريبس.
وهكذا توجد العديد من التفاعلات الكيميائية البسيطة وكلها ممكنة ترموديناميكياً وسهلة الحدوث مع بعض المحفزات من قبل إنزيمات تحوي معادن تؤدي إلى الجذور الصخرية للحياة وهي تقودنا مباشرةً إلى لب حلقة كريبس دون ado إضافية. مع وصولنا لحلقة كريبس فإن كل ما يلزم هو تزويد مستمر بـ ATP لكي تدور الحلقة مكونةً بلوكات الحياة الأساسية.
مع تفاعل الفوسفات مع Acetyl Thioester فهو لا يشكل ATP وإنما شكل أبسط هو Acetyl phosphate وهو يقوم بكل أعمال ATP وما زال حتى الآن يستخدم مع ATP وهو ينقل جزئية الفوسفور الفعالة لديه للمركبات الآخرى مما ينشط هذه المركبات ، ونقل الفوسفات عبر المركبات العضوية ينشط هذه المركبات وهو ما يحرك حلقة كريبس المعكوسة بـ ATP أو استيل الفوسفات والنتيجة هي الخل وهو منتج مهم للجراثيم حالياً.
هنا يمكن ضم كل عناصر الأحجية سويةً ففي الفوهات القلوية الدافئة تولد باستمرار Acetyl Thioester وهو يعطي نقطة البداية لتشكيل المواد العضوية بأشكال تماثل الحياة الحالية. الخلايا المعدنية الموجودة في الفوهات قادرة لمفردها و بدون تدخل البروتينات والإنزيمات ، كما أن الهيدروجين والفلزات المتدفقة في دهاليز الخلايا المعدنية يعني تعويض كل المواد الخام الأولية اللازمة لاستمرار العملية وهكذا نشاهد نافورة الحياة ولكن تبقى مشكلة واحدة وهي الطاقة الأولية اللازمة لبدء التفاعل بين الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون ولكن هذا الأمر ليس مشكلة في الفوهات بسبب وجود دفق مستمر من الجذور الحرة ولكنها مشكلة للخلايا الحية البعيدة عن الفوهات وهي تحتاج ATP للقيام بذلك.
دور chemiosmosis
مشكلة الدفعة الاولية من الطاقة اللازمة لتفاعل الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون ليست مشكلة في الفوهات لوجود تدفق مستمر من الجذور الحرة ولكنها مشكلة الحياة بعيدا عن الفوهات والمشكلة هي في حسابات الطاقة فتفاعل الهيدروجين مع ثاني أكسيد الكربون يحرر طاقة كافية لتوليد جزي واحد من ATP ولكن إذا كان المطلوب هو استهلاك جزي واحد من ATPلتوليد جزي واحد ATP فلا يوجد اي ربح طاقي ولن تدور حلقة كريبس. وضع روسل و مارتين نظرية لذلك وهي تشرح أيضاً آلية التنفس المهمة. باعتبار أن ATPهي وحدة الطاقة فالمشكلة هي الحاجة لجزيء ATP لتوليد جزيء واحد دون أي زيادة لعدم وجود أجزاء للجزيء ، ومثلاً لو كانت طاقة جزي ATP هي 10 وحدات وطاقة التفاعل تحرر 18 وحدة بينما تحتاج 2 وحدة للتنشيط فهو يعني الحاجة لجزيء واحد من ATP لتوليد جزي واحد دون ربح صافي للطاقة. لا يمكن للجراثيم تجاوز هذه المشكلة ولكنها تستطيع تقسيم الطاقة الكاملة لجزي ATP عبر chemiosmosis ، هذه الآلية شاملة لكل أنماط الحياة مثلها مثل الكود الوراثي العام وحلقة كريبس و جزيء ATP وهي يجب أن تكون موجودة في السلف الأولي.
بالمفهوم العام فإن هذه العملية هي حركة البروتونات عبر الغشاء ولذلك تسمية الحلول osmosis. عند التنفس يحدث التالي يتم نزع الالكترونات عن الغذاء و تمرر عبر سلسلة من الحوامل إلى الاكسجين والطاقة المتحررة عبر عدة نقاط تستخدم لضخ البروتونات عبر الغشاء ويتشكل تدرج بروتوني عبر الغشاء ومع تدفق البروتونات عبر المضخات الغشائية يؤدي لصنع ATP. هذه الالية كانت غير متوقعة و عوضاً عن التفاعل بين جزيء وجزيء فإننا نحصل على تدرج بروتوني. في الكيمياء يتم التعامل مع الارقام الصحيحة ومن غير الممكن لجزي ان يتفاعل مع نصف جزي ودور chemiosmosis هو تجزئة الطاقة فمثلاً يجب نقل 8-9 الكترونات لتوليد جزي ATP أما عدد البروتونات المنتقلة اللازمة لذلك فهو 4.33. هذه الارقام لا معنى لها إلا في سياق التدرج وأهم ما في التدرج هو قدرة التفاعل على التكرار حتى يصبح قادرا على توليد جزيء ATP فحتى لو كان التفاعل يحرر 1 من 100 من الطاقة اللازمة لتوليد الجزئي فإنه بتكراره 100 مرة يبني فيها التدرج يصبح قادرا على صنع جزي ATP. لفهم معنى ذلك للجراثيم فالتفاعل مازال يحتاج جزي واحد من ATP للبدء ولكن نتيجته ليس جزي ATP واحد فقط ولكن قليل من التدرج البروتوني الذي يمكن استعماله لاحقا لإنشاء جزئيات ATP إضافية. هذا الفارق مهم جداً وهو يعني الفارق بين إمكانية النمو و عدم القدرة على ذلك. وهكذا تصبح chemiosmosis هي الطريقة الوحيدة الممكنة للحياة لمغادرة الفوهات.
من المؤكد أن الاشكال الوحيدة للحياة التي تعتمد على تفاعل ثاني أكسيد الكربون و الهيدروجين تعتمد على chemiosmosis ولا تنمو بدونه ، ومن المؤكد أيضا أن كل أشكال الحياة على الارض تمتلك هذه الآلية حتى لو انها غير حتمية ربما بسبب وراثتها من السلف العام.
هناك نقطة واحدة مازالت عرضة للشك في نظرية مارتين و روسل وهي بناء التدرج من البروتونات فأي جزيء مشحون أخر قادر على القيام بنفس العمل مثل شوارد الصوديوم أو البوتاسيوم أو الكالسيوم والتي تستعمل في الجهاز العصبي. لا يوجد سبب واضح لكون تدرج البروتونات أفضل من تدرج بقية الشوارد وهناك عدد قليل من الجراثيم التي تستعمل تدرج الصوديوم. قد يكون السبب عائدا للفوهات نفسها فالفوهة تضخ سوائل قلوية في المحيط الحامضي بسبب ثاني أكسيد الكربون المنحل ضمنه ، وكما نعرف من الكيمياء فإن تعريف الحموض يتم عادةً بتركيز البروتونات فالحموض غنية بالبروتونات والقلويات فقيرة بهم ، وبالتالي فإن السوائل القلوية المنبثقة في المحيط الحامضي تشكل تدرج طبيعي للبروتون وهذا يعني أن الخلايا المعدنية الاولية في فوهات روسل تتميز بـ chemiosmosis طبيعية وهكذا فإن المفاعل الالكتروكيميائي لا تولد فقط المواد العضوية و ATP ولكنها أيضا تحمل خطة للهرب من الفوهات تتجاوز العتبة الطاقية. إن تدرج البروتونات الطبيعي يمكن استعماله فقط إذا كانت الحياة قادرة على استعمال هذا التدرج اولاً ثم بنائه ضمنها ومن السهل استعمال تدرج موجود من صنع شيء جديد من الصفر وهي عبر الية الاصطفاء الطبيعي.
حاليا تتم هذه العمليات في الخلايا الحية عبر البروتينات المكودة بالمورثات ولا يوجد سبب نوعي معين يمنع من افتراض أن هذا النظام المعقد قد تطور في البداية دون المورثات والبروتينات وهو يعني أن الحياة لم تكن لتغادر الفوهات حتى تعلمت إنشاء تدرج خاص بها وهذا لم يكن ليحدث إلا باستعمال المورثات وهو يعني أن الحياة قد تطورت في البداية ضمن هذا الحيز الصخري.
صورة السلف الأولي
هكذا نرسم صورة غير اعتيادية للسلف الاولي فهو لم يكن عضوية حرة وإنما عبارة عن دهاليز صخرية من خلايا معدنية مبطنة بجدران محفزة مؤلفة من الحديد والكبريت والنيكل وتستمد طاقتها من تدرج البروتون. الحياة الأولى كانت صخرا مساميا يولد المواد العضوية حتى مستوى تشكيل البروتينات والحموض النووية وهو يعني أننا وصلنا في هذه المقالة إلى نصف القصة فقط. أما النصف الثاني فيتعلق بكيفية تطور الجزي الاهم والرمزي للحياة وهو DNA.