الفاشيات تعيش بالمجان , وتقتات علي المجهود الإنساني للأغيار من خارجها , وحينما تتصادم فاشية مع أخري , تسعيان لإقتسام المجهود الإنساني بينهما , وحينما تتعذر القسمة بينهما , يتم إشعال نيران الحرب بينهما , لتنتصر إحداهما علي الأخري , ويستمر مسلسل الإستبداد والطغيان والفساد الفاعل ضد المواطنين الذين تسعي الفاشية لتحويلهم مجرد أدوات لرفاهية أتباعها وفقط ..
الفاشيات التي تعيش بالمجان , دوماً تستند في وجودها علي هوية بالمجان , والهويات المجانية ترتبط وتعتاش فقط علي الغيبيات أو المجهولات واللامساسات والمقدسات , وتنحاز إلي السماء أو إلي الأرض , فإما تختبيء وراء أستار السماء , أو من قبروا في الأرض من الأسلاف , وتحشد أجنادها المغيبون للدفاع عن السماء أو للدفاع عن الأرض " الوطن " حماية لمن قبروا من الأسلاف , والواقع المأزوم الذي نعيشه في الغالب الأعم لايخرج عن هاتين الفاشيتين ..
الدستور المصري والصراع الدائر حوله , لم يخرج عن هاتين الفاشيتين , والخارج من دائرة صراعاته هم المواطنين البسطاء الذين لاهم لهم إلا رغيف خبز , وكوب ماء , وقرص دواء يداوي صداعهم اليومي وآلامهم من برد الشتاء أو حر الصيف , أو زحام المواصلات اللاإنساني , أما الأمراض المتوطنة والمستعصية , فلايستطيع هذا المواطن البسيط أن يجد علاجاً أو دواءاً لها , لأنها لاتتوافر إلا لمن احتمي بفاشية الأرض أو فاشية السماء ..
يتبقي أناس تم التعارف عليهم بأنهم " نخبة " , وهؤلاء لهم إرتباطات وثيقة الصلة بالسلطة والأجهزة الأمنية التي تحافظ علي بقاء السلطة واستمرار وجودها في الهيمنة والسيطرة , أو تحافظ علي صلاتها بالعصابات الدينية في إستمرار سيل المصالح المنهمر علي أتباعها , ويتبقي كذلك المواطن البسيط الغير مهتم لما تصنعه تلك الـ " نخبة " في مصانع أفكارها الواقعة تحت إدارة أجهزة الأمن , وماتمليه من أوامر ونواه علي تلك الـ " نخب " ..
صراع الدساتير لايخرج عن دوائر الفاشيات , وعن مرتادي نوادي الهويات المجانية السماوية أو الأرضية , فكل منهم يبتغي الإنتصار لدستور يعزز وجوده ويحقق أحلامه وهواجسه عبر طموح يدوس علي رقاب المواطنين البسطاء , ليسحقهم ويجعلهم منصاعين لأوامر ونواه الفاشيات الإجرامية ليتمتعوا وحدهم بمعطيات الأوطان وماتغله من ثمار , وببساطة منجزة في المعني , فإن المواطنين في ظلال جحيم الفاشيات يتحولوا إلي أدوات خادمة للفاشيات , والأوطان تتحول إلي أقطاعيات يعمل في المواطنين خدام طائعين لأوصياء السماء وموظفيها المحترفين , أو لأوصياء الأوطان اللصوص السفلة , ليتحول المواطن إلي غلال يتم طحنها بين رحاية السماء والأرض لينعم أوصياء الفاشيات السفلة , ومن يتمرد علي أوصياء السماء , يتهم بالكفر والفسوق والعصيان والذندقة والشرك والإلحاد , ومن يتمرد علي أوصياء , ومن يتمرد علي أوصياء الأوطان , يتهم بالخيانة والعمالة ومرادفاتهما الملعونة ..
الدستاتير المصرية طوال تاريخها لم تخرج عن إطار هاتين الفاشيتين , ويستثني منها دساتير ماقبل يوليو 1952 ..
والسؤال : لماذا يتم الحشد للتصويت علي الدستور المصري بـ " نعم " , أو بــ " لا " .. وما هي مصلحة كلا الفريقين من وراء نتيجة التصويت سواء بـ نعم أو بـ لا
؟!
نتيجة التصويت , هي مايطمح إلي كلا الفريقين , لتعطيل المشروع المتوهم للأخر , وإنتصار فاشيته علي الفاشية الأخري , عبر تعطيل أبسط مطالب الإنسان المصري البسيط الذي يتم تحويله من مواطن له حق المواطنة إلي أداة طيعة في أيادي مجرمي الفاشيات وأوصيائها الملعونين , فليس له ثمة منفعة من نتائج الصراع علي نتيجة التصويت علي الدستور سوي تأزم حياته اليومية , وزيادة الأعباء المعيشية الملقاة علي عاتقه الضعيف الواهن ..
صراع الإخوان والعصابات الدينية من أجل التصويت بـ " لا " , يقابله صراع الجنرالات والأجهزة الأمنية وأدوات الدولة المصرية للتصويت بـ " نعم " , والذي سيحدث أن المواطن المصري المقهور , سينحاز إلي إرادة الجنرالات والأجهزة الأمنية ويكون تصويته بـ " نعم " , لعلمه البسيط بأن الإخوان والعصابات الدينية لايمكن أن يكونوا بديل حضاري إنساني , ولسبق تعاونهم وتواطؤهم مع المجلس العسكري بقيادة المشير طنطاوي ضد الدولة والمجتمع , سواء بالتلويح بالخراب والنار والرصاص , أو سواء بقسمة المصالح بين عصابة الإخوان العصابات المؤيدة لهم , وبين المجلس العسكري وبعض الأشخاص في السلطة والأجهزة الأمنية ممن نالتهم وطالتهم كتلة من المصالح , علي حساب المواطن والوطن , ولا ينسي لهم أيضاً أنهم كانوا ومازالوا ضد نظرية المواطنة والمساواة في المواطنة وتكافوء الفرص والعدالة الإجتماعية , وأسس دولة المواطنة الأخري , وأمور كثيرة كان إنحياز عصابة الإخوان للتنظيم الدولي ومكتب الإرشاد , علي حساب المواطن والوطن ..
سينحاز المواطن المصري البسيط الخارج عن دوائر الفاشيات وتنظريات الـ " نخب " التافهة , ليقول " نعم " في الإستفتاء علي الدستور , ليصطدم في النهاية مع مطالبه الحيايتة البسيطة , التي إن استطاع الجنرالات والأجهزة الأمنية أن يوفروها له , فسيستمر ملسلسل الحكم المدني بخلفية عسكرية وأمنية , وإن لم يستطيعوا فسيكون الخروج علي إرادة الجنرالات والأجهزة الأمنية , ويتم إعادة ترسيم دوائر المصالح مرة أخري لتصب في نهر المواطن المصري , خاصة وأن الجنرالات والأجهزة الأمنية كانوا يستعينوا بالفاشية الدينية ممثلة في عصابة الإخوان والسلفيين والعصابات الدينية الأخري للعمل ضد المجتمع وضد مصالح المواطن المصري البسيط بمفاهيم أخروية تعطل مفهوم الجنة الآنية كرصيد مضاف للجنة الأخروية , وهنا فقط ـ ستنتصر إرادة الشعب , حيث لايجد الجنرالات والأجهزة الأمنية من كانوا يستعينوا بهم ضد المواطنين البسطاء , وماهي إلا مسألة وقت في مسيرة التحول الإنساني في مصر لتنتصر إرادة الشعب علي إرادة الجنرالات والأجهزة الأمنية , والعصابات الدينية , بعد أن صار العداء محتدم بين العصابات الدينية , وبين الجنرالات وحلفائهم في الأجهزة الأمنية ..
وفي النهاية .. وفي حالة غياب المفاهيم الإنسانية المرتبطة بالإنسان المجرد من غير تحيز أو تمييز أو عنصرية , سواء للدين أو اللغة أو الجنس أوالنوع أواللون أوالجهة , والإعتصام بالإنسان كإنسان له حقوق وعليه واجبات ينظمهم دستور مدني إنساني وقوانين مدنية مرتبطة بالأطر العامة للدستور , والإنحياز لمنظومة العقل والإخلاق الإنسانية , فإن الفاشيات والهويات المجانية ستعتاش علي المجهود الإنساني , وتنمو كطحالب تنتظر الإجتثاث مع أول سيل جارف لها , متمثلاً في الثورة علي تلك الفاشيات وهوياتها المجانية , لتنتصر إرادة الإنسان , ويصير مواطن صالح في وطن يؤسس أبناؤه للمواطنة والعدالة والكرامة الإنسانية , ويكون دستوره معبراً عن المواطنين , لا عن إرادة أوصياء السماء أو أوصياء الأرض , وهنا فقط .. تعجز الفاشيات عن أن تصنع دساتيرها !