كتب جان بوفري: “لنتأمل كلمة différence . هذا نقل فرنسي يكاد يكون حرفيا للكلمة الإغريقية ديافورا. فورا آتية من الفعل ’فيري’ الذي يعني في الإغريقية، ثم في اللاتينية feri :حمل و نقل...الاختلاف ينقل إذن، فماذا ينقل؟ انه ينقل ما سبق في الكلمة ديافورا فورا، أي السابقة ديا التي تعني ابتعادا و فجوة.. الاختلاف ينقل طبيعتين لا تتميزان في البداية، مبعدا إحداهما عن الأخرى. إلا أن هذا الابتعاد ليس انفصاما. إنه، على العكس من ذلك يقرب بين الطرفين اللذين يبعد بينهما”.
لعل أهم ما في هذا التحديد لمفهوم الاختلاف هنا، ليس لحظة الإبعاد بين الطرفين، إذ أن ذلك يبدو من بدهيات الاختلاف، المهم هنا هو كون الاختلاف إذ يبعد بين الطرفين يقرب بينهما. هذا التقريب غالبا ما يُهمل في تحديد الاختلاف، و حتى إن أخذ بعين الاعتبار، فانه يرد إلى مجرد لحظة التركيب الجدلية.
إلا أن ما يميز “فكر الاختلاف” بالضبط عن الفكر الجدلي، هو كون هذا التقريب ليس هو التركيب الجدلي، ليس هو المصالحة بين الأضداد. و قد سبق لهايدغر أن شدد مرارا على هذه النقطة، و أكد “أننا لا نقتصر على جمع الأضداد وضمها والمصالحة بينها”، فـ“الكل الموحد يعرض أمامنا أشياء يتنوع وجودها ويتباين وقد اجتمعت في الحضور ذاته”.
الوحدة التي يعرضها أمامنا الاختلاف كحركة لا متناهية للجمع والتفريق ليست هي وحدة الأضداد. ذلك أن الحركة لا تتم هنا بين الكائن وضده أو نقيضه، وإنما تنخر الكائن ذاته. السلب هو الحركة اللامتناهية التي تبعد الذات لا عن نقيضها فحسب، بل عن نفسها أولا و قبل كل شيء. الابتعاد والتقريب يتمان هنا “داخل” الكائن، إن صح الكلام عن داخل. الاختلاف قائم في الهوية. على هذا النحو “يحدد” مفكرو الاختلاف الهوية أ=أ “كحركة لامتناهية تبعد كل طرف من طرفيها عن ذاته، وتقرب بينهما بفعل ذلك التباعد”.
ما يهمهم في ذلك الرسم، ليس الطرفين، وإنما الحركة بينهما، تلك الحركة التي تضع الزمان “داخل” الكائن، فتحول بينه و بين الحضور والتطابق. لذا فهم يميزون الهوية le même عن التطابق l’identique. إنهم يطرحون الاختلاف على مستوى الأطروحة من غير حاجة إلى “الخروج” نحو النقيض. وهم يرون في ذلك لا عمل السلب وحده، بل عملا ايجابيا “يشكل” الهوية ويبنيها. لعل هذا ما يقصده جيل دولوز عندما يؤكد:“يتعلق الأمر ببعد إيجابي بين المتخالفين: إنه البعد الذي ينقل أحدهما نحو الآخر من حيث هما متخالفان”